المصمم كارل لاغرفيلد عبر في عدة مناسبات عن أنه يفكر دائما بالمستقبل ويكره العودة إلى الماضي. في لقاء نشرته صحيفة «نيويورك تايمز» عام 2015، سأله الناقد أندرو أوهاغان: «هل تريد أن تقول إنه ليس لك ماضٍ؟ ليجيب المصمم: «ليس بقدر ما أذكره».
بيد أنه لكل قاعدة استثناء حتى بالنسبة للاغرفيلد، فهو لم يتردد في أن يعود إلى صور التقطها في الماضي ليختار منها نحو 200 عمل تم عرضها في «بلاتزو بيتي» بفلورنسا في معرض سيمتد إلى 23 من شهر أكتوبر (تشرين الأول) المقبل. مما جعله يتراجع عن كلامه أن العرض كان مغريًا يستحق أن يضرب من أجله عرض الحائط، بأي قناعة عبر عنها سابقًا. كما له ما يبرره، إذ إن الصور التي اختارها لم يؤثر عليها الزمن، ولا تزال قوية ومعبرة عن عصرنا كما كانت قوية ومعبرة حين التقطها أول مرة. أما الإغراء بالنسبة لكارل لاغرفيلد فيتمثل في دخول أعماله قصرًا يعود تاريخه إلى القرن الـ15 ويحتضن أعمال رسامين من عصر النهضة، من أمثال تيتيان، وروبنز ورافاييل. كل هذا كان سيُثني أي مصمم غيره عن عزمه، ويجعله يفكر عشر مرات قبل أن يقبل أن تعقد أي مقارنة بين أعماله وأعمال هؤلاء الكبار، لكن المعني هنا هو كارل لاغرفيلد الذي لا تمثل له أعمال غيره أي عقد، كونه يؤمن بأن لكل عصر لغته وأدواته. فما قد يراه غيره اقتحامًا فضوليًا، يراه قيصر الموضة، وهي التسمية التي تُطلقها عليه أوساط الموضة، تعبيرًا عن تغير العصر وفرصة لا تُفوت من جهة، كما قد يراه حقا اكتسبه لعطاءاته الكثيرة في مجال الموضة وكيف تؤثر أعماله على ثقافة عصره من جهة ثانية.
تعود قصة لاغرفيلد مع فن التصوير إلى عام 1984، حين تم تصوير تشكيلة لـ«شانيل» لم ترق له طريقة تصويرها، فانتقدها لإريك فراندر، مدير قسم الصور والتصوير في «شانيل». فما كان من هذا الأخير إلى أن رد عليه بأنه من الأفضل له لو استثمر في كاميرا تصوير وبدأ بتصوير أعماله بنفسه. لم يتردد لاغرفيلد لحظة، ومنذ ذلك الحين وهو يتولى مهمة تصوير تشكيلاته لكل من «شانيل» و«فندي» بنفسه إلى جانب صور يلتقطها لمصممين آخرين تُنشر في مجلة «نيميرو» Numero.
ومع الوقت أصبح التصوير الفوتوغرافي من هواياته المفضلة وجزءًا من حياته كما يقول، إذ «إنني أرى الحياة مثل صورة فوتوغرافية، ويمكنني القول بأني أنظر إلى العالم والموضة على حد سواء بعين الكاميرا. إن التصوير يجعلني أحافظ على تجردي وقدرتي على النقد في أعمالي اليومية».
في قصر «بيتي» يمكن للزائر أن يعاين أعماله عبر السنوات من خلال 200 صورة، تم تكبيرها وعرضها إما على شكل لوحات فنية وإما بتعليقها من السقف بحيث يشعر الزائر بأنها تنظر إليه من علٍ، فيما احتلت صورة خاصة بالمصمم حيزا كبيرا من حائط تغطيه أعمال فناني النهضة الإيطالية. يضم المعرض أيضًا مجموعة خاصة بالمصمم أطلق عليها «رحلة أوليس»، شرح بأنها ترجمته الشخصية للأسطورة الإغريقية بين دافني وكلوي والعلاقة الرومانسية التي ربطت بينهما. لعب باتيست جيابيكوني، العارض المفضل للاغرفيلد، فيها دور البطولة. جيابيكوني، مثل أيضًا في فيلم قصير بعنوان «عنف الجمال» The Violence of Beauty، قال آيك دي. شميدت، مدير قاعة يوفيزي، الذي أشرف على تنظيم المعرض، عندما رأى نظرات الاستغراب، وبعض الاستنكار، ترتسم في عيون بعض الحضور، بأنه ترجمة عصرية للحركة التعبيرية التي ظهرت في القرن الـ18.
قد يخرج عشاق كارل لاغرفيلد من المعرض بمزيج من الإعجاب والتقدير، كون هذه الصور تُذكرنا بعبقريته في التصميم وكيف أثر على الموضة وغير ثقافتها بشكل كبير، إلا أنه سيكون مدهشا لو تكلمت أعمال الكبار، التي كانت تعطي الإحساس بأنها تراقب ما يجري، وتنظر إلى هذه الأعمال من الأسقف والجدران، لتقول رأيها، لا سيما وأن المتعارف عليه في إيطاليا، أن الأغلبية لا تزال محافظة عندما يتعلق الأمر بالفن الكلاسيكي، وأي محاولة لإدخال عنصر عصري عليها لا يُتقبل بسرعة.
المعرض نظم على هامش معرض «بيتي أومو» للأزياء الرجالية الذي تشهده فلورنسا مرتين في السنة، ويحمل عنوان «كارل لاغرفيلد: رؤى موضة «Visions of Fashion، وسيمتد إلى 23 من شهر أكتوبر المقبل.
كارل لاغرفيلد في ضيافة رسامي عصر النهضة في فلورنسا
«بلاتزو بيتي» يحتضن 200 صورة فوتوغرافية التقطتها كاميراته
كارل لاغرفيلد في ضيافة رسامي عصر النهضة في فلورنسا
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة