ثلاثون عامًا من الصراع الداخلي بين رفسنجاني وخامنئي

استباقًا للانتخابات الرئاسية الإيرانية عام 2017

خامنئي .... رفسنجاني
خامنئي .... رفسنجاني
TT

ثلاثون عامًا من الصراع الداخلي بين رفسنجاني وخامنئي

خامنئي .... رفسنجاني
خامنئي .... رفسنجاني

تأثر المشهد الإيراني على مدى السنوات الثلاثين الماضية بالسباق المستمر وتصارع الآيديولوجيات بين المرشد الأعلى آية الله علي خامنئي والرئيس الأسبق أكبر هاشمي رفسنجاني، الذي يشغل حاليا منصب رئيس مجلس تشخيص مصلحة النظام، وهما ينتميان إلى جيل عاصر القمع والسجن في أيام الشاه، والتفا حول الخميني حينما واجه نظام الدولة الجديد اضطرابا بعد إنشائه، وتمكنوا من اعتلاء السلطة بعد عام 1989، واتفقت توجهاتهم الشخصية في عدة نواح مع توجه الجمهورية الإسلامية الإيرانية عامة.
تناولت دراسة لمركز الملك فيصل للبحوث والدراسات الإسلامية صدرت مؤخرا ضمن سلسلة مسارات التي يصدرها المركز باللغتين العربية والإنجليزية، وحملت الرقم (24)، وعنوانها: (خلاف في القمة: أربعة عقود من الوئام والصراع والمصالحة بين هاشمي رفسنجاني وعلي خامنئي)، جذور هذا التنافس، والآثار المحتملة للتطور المستقبلي للنخبة في إيران، مع ترقب تغيير جزئي يطرأ على الأجيال المستقبلية بسبب ذلك، ولا سيما مع الانتخابات الرئاسية الإيرانية عام 2017.
أكدت الدراسة تصاعد وتيرة التنافس بين خامنئي ورفسنجاني في المشهد السياسي الإيراني في السنوات الأخيرة على الرغم من عدم ظهور أي مؤشرات خارجية لوجود صراع، أو انعدام للثقة، أو الجفاء بينهما. وبدأت بعض إشارات هذه المنافسة بالبروز في الأسابيع الأخيرة، مع تحقيق الشخصيات التي يدعمها رفسنجاني النجاح في الانتخابات البرلمانية ومجلس خبراء القيادة، على حساب الشخصيات التي يدعمها خامنئي. وترجع الدراسة بروز رفسنجاني وخامنئي في الساحة السياسية إلى المراحل الأولى بعد سقوط نظام الشاه في فبراير (شباط) عام 1979، عندما شارك الاثنان بشكل واضح في إدارة الدولة بعد الثورة، وكانا حينها من رجال الدين المتوسطي الرتبة تحت سن الأربعين، وكانا ينتميان إلى تلك الشريحة من أتباع الخميني الذين لم يكن لديهم نشاط في المنفى، والذين شكلوا العمود الفقري لداعميه المستقرين في إيران.
أتاح نفي الخميني 15 عاما وانقطاعه عن عصبته الشابة أكثر من عقد من الزمن، الفرصة للمبتدئين أمثال خامنئي ورفسنجاني للظهور بوصفهم شخصيات مهمة في الترتيب السياسي، فتقلد رفسنجاني في ربيع عام 1979 منصب نائب وزير الدفاع، وتقلد خامنئي منصب نائب وزير الداخلية، في الحكومة الثورية المؤقتة التي قادها مهدي بازركان، وكان للاثنين دور مهم في إنشاء الحزب الجمهوري الإسلامي. كانت العلاقة بين خامنئي ورفسنجاني ودية في تلك الأشهر الأولى المحمومة، ففي اليوم الذي احتل فيه الطلاب الإيرانيون السفارة الأميركية في طهران كان رفسنجاني وخامنئي يؤديان مناسك الحج، فسارعا بالعودة ليجدا بازركان قد قدم استقالته. بقي رفسنجاني في منصبه، وجمع معه مؤقتا منصب وزير الداخلية، ونظم أول انتخابات رئاسية وبرلمانية في أوائل عام 1980م، لكن فشل رفسنجاني وخامنئي في إقناع الخميني بقبول ترشيح رجل دين اضطرهما إلى دعم أبو الحسن بني صدر. ومهدت نتائج الحزب الجمهوري الإسلامي الكاسحة الطريق أمام رفسنجاني ليصبح رئيسا للبرلمان، فشغل هذا المنصب من عام 1980 إلى عام 1989، ونجح رفسنجاني وخامنئي في مساعيهما للإطاحة ببني صدر في صيف عام 1981م، وضغطا على الخميني للحصول على موافقته على مرشح من رجال الدين، وكان أول رئيس للدولة من رجال الدين هو خامنئي نفسه.

الحفاظ على التفاهم
تضيف الدراسة: بحلول عام 1983 أصبح رجلا الدين خامنئي ورفسنجاني أكبر شخصيتين مهمتين بشكل واضح خلف كواليس الحكم، وتأرجح رفسنجاني بين اليمين واليسار بشكل متزايد، مع تحركه في بعض الأحيان إلى الاتجاه المعاكس لخامنئي، لكنه استمر مع ذلك في الإبقاء على التفاهم مع خامنئي. وكان أكثر التفاعلات أهمية وحسما بين خامنئي ورفسنجاني ما حصل في يونيو (حزيران) عام 1989 عندما اضطرت النخبة السياسية في إيران للتصرف سريعا بعد وفاة الخميني؛ إذ تمكن رفسنجاني من هندسة صعود خامنئي إلى القيادة، ولم يعارض خامنئي (الحديث المنصب) تولي رفسنجاني منصب الرئاسة، وهو ما جعلهما أهم شخصيتين قياديتين في إيران ما بعد الخميني، فسيطر كل منهما بنهاية عام 1989 على معظم السلطات التنفيذية، وسيطرا على الرتب العليا في الجيش والحرس الثوري، وأديا دورا مهيمنا في السياسة الخارجية والاقتصادية.
كان ارتقاء خامنئي إلى منصب القيادة نتيجة لحسابات رفسنجاني في ذلك الوقت، فقد تمثلت رؤيته في أن وجود خامنئي على سدة الحكم سينتج منه قيادة تعاونية لا تتعارض مع ظهوره بوصفه شخصية بارزة في إيران ما بعد الخميني، وبالفعل كان خامنئي فاعلا في حماية رفسنجاني من النقد المتنامي من الفصائل اليسارية والشخصيات البارزة، كما وفر له دعما أساسيا في بعض المناسبات، كقرار اتخاذ موقف الحياد في الصراع بين العراق والكويت عام 1991، واستطاع الثنائي في ظل احتكارهما السلطة إقصاء اليسار من خلال التدابير المؤسسية، لكن بدأت التصدعات بينهما تظهر شيئا فشيئا بعد أن عمد خامنئي إلى حشد الدعم لنفسه من خلال إنشاء شبكة شخصية من الموالين له في قيادة القوات المسلحة والوزارات الحساسة، فضيق الخناق على محاولات رفسنجاني الناعمة الوصول إلى وفاق مع الغرب، وتخفيف الأعراف الإسلامية المتشددة، وخفض الإنفاق العسكري. ثم شارك رفسنجاني في محاولة غير سديدة للعودة إلى الوسط مع إعلان ترشحه لانتخابات الرئاسة عام 2005، ومع حصوله على موافقة خامنئي التقليدية والضرورية بدأ رفسنجاني المرشح المفضل لدى القائد الأعلى منذ البداية، لكن آمال رفسنجاني في العودة إلى الرئاسة طرحت أرضا مع تحدي أحمدي نجاد، الذي تمكن في نهاية المطاف من حصد ثمار النفور الشعبي تجاه رفسنجاني بعد أن وصمه عدد من الصحف الإصلاحية والكتب الأكثر مبيعا للصحافيين الاستقصائيين الجريئين بأنه محرض على القتل السياسي والعنف. وبنهاية عام 2005 كانت موازين القوى بين رفسنجاني وخامنئي تميل بقوة إلى مصلحة خامنئي، الذي منع عودة رفسنجاني إلى الصدارة، وتحكم في بقايا السلطة المؤسسية التي تحتفظ بها الفصائل الإصلاحية.

اشتعال العداوة
أكدت الدراسة أن رفسنجاني ظل على هامش النظام السياسي بعد إضعاف كثير من الفصائل المعتدلة بعد عام 2009، لكنه حافظ على موطئ قدم له في الأوساط الداخلية للنظام، وترأس مجلس الخبراء إلى عام 2011، وكانت مواقفه تتطور باستمرار منذ عام 1989، بينما ظل خامنئي ثابتا في إيران ما بعد الخميني على نظرته إلى العالم منذ ثمانينيات القرن الماضي، وعلى موقف متصلب محافظ لا يتزعزع. وعاد رفسنجاني إلى الساحة السياسية في انتخابات عام 2013، على الرغم من عدم نجاحه في الحصول على موافقة مباشرة من خامنئي؛ بسبب طبيعة العلاقة بين الرجلين، لكن قرر مجلس صيانة الدستور المحافظ عدم التصديق على (كفاءة) رفسنجاني، فقرر رفسنجاني دعم ترشيح حسن روحاني، الذي عمل نائبا للشؤون العسكرية لديه في تسعينيات القرن الماضي، ورئيسا لمركز الدراسات الاستراتيجية (الهيئة التي كانت تحت رعاية مجلس تشخيص مصلحة النظام بقيادة رفسنجاني منذ عام 1997).
كانت للانتخابات الأخيرة للبرلمان ومجلس الخبراء أثر في إشعال العداوة بين خامنئي ورفسنجاني؛ فقد استطاع رفسنجاني بنجاح تحويل استطلاع المجلس في طهران، الذي حل فيه على رأس القائمة التي ضمت شخصيات كثيرة من داعمي الحكومة الحاليين من المعتدلين والمحافظين، إلى استفتاء على نفسه، وهو ما وفر له أول فرصة لقياس شعبيته على مدى عقد من الزمان. أما خامنئي، فقد اعتمد بشكل ضمني على أداء أصدقائه المتشددين، الذين كانوا عرضة لحملة إعلامية واجتماعية نشطة تدعو إلى إقصائهم من المجلس المقبل. وانتهت انتخابات المجلس في طهران بفوز ساحق للجناح المعتدل، الذي فاز بجميع المقاعد الستة عشر المتوافرة ما عدا مقعد واحد، وعبر خامنئي بعد الانتخابات عن سخطه علنا في عدة مناسبات. اضطر خامنئي إلى الرضوخ لاعتلاء رفسنجاني الصدارة، لكنه شارك في عدة خطب وتصريحات أظهرت مدى الفجوة بين الطرفين بشأن القضايا السياسية الرئيسية، حتى حدثت بينهما واحدة من كبرى المواجهات اللفظية المباشرة في السنوات الأخيرة. فبعد تصريح خامنئي عن دعمه الثابت لتجارب البطاريات الصاروخية التي قام بها الحرس الثوري أصدر حساب لرفسنجاني على موقع «تويتر»، يديره فريق العلاقات العامة التابع له، في أواخر شهر مارس (آذار) عام 2016 رسالة تمثل تحديا مباشرا وغير مسبوق لإعلان القائد الأعلى، وهي: «عالم الغد هو عالم الحوار، وليس الصواريخ»، وأثارت التغريدة سخط خامنئي، فأعلن أن الذين يعارضون إطلاق الصواريخ «مضللون أو خونة».

صراع الانتخابات الرئاسية
خلصت الدراسة إلى أن العلاقة بين رفسنجاني وخامنئي تمثل التحركات السارية بين نوعين من الفصائل الرئيسة في إيران، فقد تزاحم الاثنان على السلطة بمساعدة أحدهما الآخر أحيانا، أو بالتواطؤ معا في كثير من الأحيان لإخراج الخصوم المشتركين من المعادلة السياسية، لكن غالبا ما كانا يجدان نفسيهما في خلاف معا نتيجة للاختلافات الواضحة والمتسعة في الرؤى الآيديولوجية والسياسية؛ فعلاقتهما أشبه ما تكون بعلاقة الشركاء المتجافين، الذين يعيشون تحت سقف واحد، ويتقاسمون رعاية أسرهم، بدلا من الابتعاد والانفصال تماما. ومن غير المحتمل لهذا الوضع أن يتغير ما دام كلاهما يمثل عضوا نشطا وقويا في النخبة السياسية في إيران، وما دامت علاقاتهما الشخصية والسياسية تشهد حالة من الجمود المستمر.
وأكدت الدراسة أنه على الرغم من المزايا المؤسسية التي يمتلكها خامنئي، فإنه غير قادر على إقصاء رفسنجاني من المشهد السياسي؛ بسبب جذور رفسنجاني العميقة المتغلغلة داخله، أو حتى على التقليل من النفوذ الكبير الذي يمارسه رفسنجاني على المسرح السياسي أو القضاء عليه. ومع اقتراب بلوغ نظام الدولة الخمينية 40 عاما، والسعي إلى إحداث تغيير انتقالي للجيل المقبل، الذي تُرك معلقا بعد أول محاولة مفاجئة خلال رئاسة أحمدي نجاد، ستشهد تلك المرحلة الانتقالية تسارعا أشد. ويتفوق خامنئي في هذا الصدد بمزيتين، هما: الفارق في العمر (76 عاما لخامنئي، مقابل 82 عاما لرفسنجاني)، والآليات الضخمة والنفوذ المالي الموجودان تحت تصرف خامنئي.
وتخضع النتيجة النهائية لهذا الصراع لمدى قدرة كل من خامنئي ورفسنجاني على حشد جيل حديث من المساعدين. وكالعادة، فإن المواجهة بين رفسنجاني وخامنئي ستستمر، وسيكون المؤشر المبكر على ذلك هو الانتخابات الرئاسية عام 2017، فلن يقف خامنئي في طريق المرشح المحافظ القوي، ربما الرئيس السابق أحمدي نجاد، الذي سيعمل على منصة مناهضة للحكومة، وسيُلقي اللوم على إدارة روحاني لعدم التزامها باقتصاد المقاومة، وتقاربها المفرط مع الولايات المتحدة الأميركية والغرب. وكما حدث في العقود الأربعة الماضية سيتواجه الشريكان القديمان مرة أخرى في إحدى معاركهما الضارية، التي ستترك علامة لا تُمحى في تاريخ الجمهورية الإسلامية الإيرانية منذ نشأتها تقريبا.



الجيش الإسرائيلي يعلن مصادرة مزيد من الصواريخ داخل سوريا

TT

الجيش الإسرائيلي يعلن مصادرة مزيد من الصواريخ داخل سوريا

الجيش الإسرائيلي يعلن مصادرة مزيد من الصواريخ داخل سوريا

قال الجيش الإسرائيلي، اليوم الجمعة، إنه صادَرَ صواريخ، خلال عمليته المستمرة في سوريا، بعد انهيار نظام بشار الأسد.

وأضاف الجيش، في بيان نقلته «وكالة الأنباء الألمانية»، أن الجنود يواصلون تعزيز الدفاعات الإسرائيلية في المنطقة العازلة بين مرتفعات الجولان التي تحتلها إسرائيل، وسوريا. وقال إن قوات المظلات الإسرائيلية قامت بتأمين صواريخ مضادة للدبابات وذخيرة في المنطقة.

وكانت الوحدات الإسرائيلية قد عثرت، بالفعل، على أسلحة مختلفة هناك، في غضون الأيام الأخيرة. يُشار إلى أنه بعد استيلاء المعارضة على السلطة في سوريا، الأسبوع الماضي، نشر الجيش الإسرائيلي قواته في المنطقة الحدودية السورية.

وانتقد المجتمع الدولي توغل إسرائيل في الأراضي السورية، بَيْد أن رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو قال إن هذه الخطوة تُعدّ إجراء مؤقتاً. ويُعدّ «ضمان عدم وقوع الأسلحة في الأيادي الخطأ» هو الهدف الإسرائيلي المُعلَن وراء تدمير كل الأسلحة المتبقية في المستودعات والوحدات العسكرية التي كانت تحت سيطرة نظام الأسد.

وقال «المرصد السوري لحقوق الإنسان» إن الجيش الإسرائيلي نشر حتى الآن جنوداً على مساحة 300 كيلومتر مربع تقريباً من الأراضي السورية. وتشمل المنطقة العازلة في سوريا، التي جرى الاتفاق عليها في عام 1974، 235 كيلومتراً مربعاً، وفق وسائل الإعلام الإسرائيلية.