فنان مصري يطوع القلم الجاف لتجسيد الإبداع على الورق

أنامل البورسعيدي مصطفى خضير تتمرد على إرث «شيخ الخطاطين»

تستغرق اللوحة الواحدة ما بين 50 إلى 70 ساعة متقطعة  بما يعادل شهرا تقريبا - لوحة استغرقت 120 ساعة بالجاف  الملون - لم يجد مصطفى فن الخط العربي معبرا عن طاقته الإبداعية  رغم أن والده واحد من أشهر الخطاطين في العالم العربي
تستغرق اللوحة الواحدة ما بين 50 إلى 70 ساعة متقطعة بما يعادل شهرا تقريبا - لوحة استغرقت 120 ساعة بالجاف الملون - لم يجد مصطفى فن الخط العربي معبرا عن طاقته الإبداعية رغم أن والده واحد من أشهر الخطاطين في العالم العربي
TT

فنان مصري يطوع القلم الجاف لتجسيد الإبداع على الورق

تستغرق اللوحة الواحدة ما بين 50 إلى 70 ساعة متقطعة  بما يعادل شهرا تقريبا - لوحة استغرقت 120 ساعة بالجاف  الملون - لم يجد مصطفى فن الخط العربي معبرا عن طاقته الإبداعية  رغم أن والده واحد من أشهر الخطاطين في العالم العربي
تستغرق اللوحة الواحدة ما بين 50 إلى 70 ساعة متقطعة بما يعادل شهرا تقريبا - لوحة استغرقت 120 ساعة بالجاف الملون - لم يجد مصطفى فن الخط العربي معبرا عن طاقته الإبداعية رغم أن والده واحد من أشهر الخطاطين في العالم العربي

متخليا عن عباءة أبيه «شيخ الخطاطين» المصريين مسعد خصير البورسعيدي وإرث عشرات السنوات من لوحات رسمت باتباع فن التخطيط الدقيق، قرر مصطفى خضير البورسعيدي (22 سنة) أن يتميز في «تكنيك» الرسم بالقلم الجاف فرسم ما يزيد عن 40 بورتريه لمشاهير العالم وأناس عاديين، مبرزا براعة في إظهار الملامح وتدرجات ألوان البشرة.
في خلوة تامة يمسك مصطفى بقلم رصاص؛ ليرسم الخطوط الأساسية للوحته ثم يتناول قلمه الجاف لتنطلق أنامله في مساحة اللوحة مجسدة أدق تفاصيل الوجوه بخطوط كونتورية تعطي أبعادا مجسمة لشخوصه تبهر المتلقي فور رؤيتها.
لم يجد مصطفى فن الخط العربي معبرا عن طاقته الإبداعية، رغم أن والده واحد من أشهر الخطاطين في العالم العربي وتباع لوحاته بآلاف الدولارات وله مدرسة خاصة بتعليم فنون الخط العربي بحي الحسين، إلا أن ابنه وجد في الرسم بالقلم الجاف مسارا ملائما لإخراج إبداعاته على الورق، وعن بداية موهبته يقول لـ«الشرق الأوسط»: «اكتشف والدي موهبة الرسم لدي منذ نعومة أظافري وقدم لي الدعم النفسي والمعنوي وساعدني في التعرف على تكنيكات الرسم وأنواع الخطوط العربية لكنني لم أجد ميلا تجاه الخط العربي ووجدت نفسي أميل أكثر تجاه الرسم، واستخدام الخامات البسيطة وبدأت بالألوان الخشبية والأقلام الرصاص ثم ألوان المياه والزيت، وشاركت في مسابقات كثيرة لكنني كنت أبحث دوما عن تكنيك يمثلني كي أتميز من خلاله، وأثناء بحثي على الإنترنت وجدت تكنيك الرسم بالقلم الجاف فتواصلت مع فنانين من أوروبا وأفريقيا وقررت تعلمه والتميز فيه».
يعد مصطفى نفسه من الفنانين الواقعيين، فهو يحبذ رسم البورتريهات والمناظر الطبيعية التي لها علاقة بالحياة اليومية. ويصف نفسه بالفنان التلقائي فهو ينفر من قيود الأسلوب الأكاديمي في الرسم ويقوم بنشر لوحاته عبر صفحات السوشيال ميديا محاولا جس نبض الجمهور ليقيس كيفية تلقي لوحاته، فأحيانا يجد إعجابا وتشجيعا وأحيانا أخرى يجد نفسه في مهب النقد الهدام باعتبار لوحاته غير أصليه وأنها «فوتوشوب»، مما اضطره لنشر مقاطع فيديو أثناء عملية الرسم ليثبت أنه موهوب. تستغرق اللوحة الواحدة ما بين 50 إلى 70 ساعة متقطعة بما يعادل شهرا تقريبا بحسب مصطفى الذي ينشر بجوار كل لوحة عدد الساعات التي استغرقتها، وهو يشير إلى أن الرسم بالجاف يفضل على الورق الناعم الملمس والسميك حتى لا يتسبب الحبر في تعرجها.
وعن الفارق في تكنيك الرسم بين القلم الجاف وغيره من التكنيكات الفنية، يقول: «يتطلب الرسم بالجاف حسا عاليا ومرهفا بالظلال ويحتاج لصبر وحرص وتركيز شديد لأن أي خطأ في اللوحة يفسدها كلها، وهو أصعب بلا شك من التكنيكات الأخرى، لأن القلم الجاف يتطلب حرصا في التحكم في انسيابيته ونظرا لصغر سن القلم فإن مساحة اللوحة تستغرق وقتا أطول للانتهاء منها بينما الفرشاة التي تعتبر أسمك في ضرباتها تستغرق مني وقتا أقل في الانتهاء من اللوحة». ويضيف: «والصعوبة أيضا في أن تعطي كل خامة تظهر في اللوحة ملمسها بنفس القلم، فالخشب مختلف عن الحديد والبلاستيك والقماش وغيرها».
رسم مصطفى ابن حي الحسين القاهري عددا كبيرا من لوحاته لوجوه أفريقية وعن السبب في ذلك، يوضح «البشرة السمراء أصعب في الرسم بالقلم الجاف عن البشرة العادية وهي تعطيني الفرصة كي أثبت قدرتي على اللعب بالظلال وكذلك هو الحال مع وجوه كبار السن المليئة بالتفاصيل والتعبيرات المؤثرة التي تعكس صعوبات الحياة».
يرغب الفنان الشاب في الانتقال إلى رسم موضوعات لها علاقة بالثقافة الشعبية المصرية كي تجمع بين فن البورتريه الذي يعشقه، ورغم تخصصه الدراسي في نظم المعلومات فإنه يرفض الدمج بين تكنولوجيا الرسم والصورة محبذا الرسم اليدوي الذي يعتبره أقوى تعبير عن المشاعر الإنسانية. يعتزم مصطفى عرض لوحاته في معرض فردي خاص به بدايات العام المقبل ليبرز فيه ما حققه من تطور وتمكن من فن الرسم بالقلم الجاف، قائلا: «شاركت العام الماضي بعدد قليل من اللوحات في معرض جماعي فقط كي أثبت أن لوحاتي ليست فوتوشوب كما يدعي البعض، وتوقفت عن المشاركة في المعارض كي أستطيع أن أطور وأحسن من موهبتي في ظل ظهور منافسين، وأن أنجز أكبر عدد من اللوحات لأقدمها في معرض كبير ليكون بمثابة انطلاقتي الفنية الحقيقية».



رحيل إيلي شويري عاشق لبنان و«أبو الأناشيد الوطنية»

عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»
عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»
TT

رحيل إيلي شويري عاشق لبنان و«أبو الأناشيد الوطنية»

عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»
عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»

إنه «فضلو» في «بياع الخواتم»، و«أبو الأناشيد الوطنية» في مشواره الفني، وأحد عباقرة لبنان الموسيقيين، الذي رحل أول من أمس (الأربعاء) عن عمر ناهز 84 عاماً.
فبعد تعرضه لأزمة صحية نقل على إثرها إلى المستشفى، ودّع الموسيقي إيلي شويري الحياة. وفي حديث لـ«الشرق الأوسط» أكدت ابنته كارول أنها تفاجأت بانتشار الخبر عبر وسائل التواصل الاجتماعي قبل أن تعلم به عائلته. وتتابع: «كنت في المستشفى معه عندما وافاه الأجل. وتوجهت إلى منزلي في ساعة متأخرة لأبدأ بالتدابير اللازمة ومراسم وداعه. وكان الخبر قد ذاع قبل أن أصدر بياناً رسمياً أعلن فيه وفاته».
آخر تكريم رسمي حظي به شويري كان في عام 2017، حين قلده رئيس الجمهورية يومها ميشال عون وسام الأرز الوطني. وكانت له كلمة بالمناسبة أكد فيها أن حياته وعطاءاته ومواهبه الفنية بأجمعها هي كرمى لهذا الوطن.
ولد إيلي شويري عام 1939 في بيروت، وبالتحديد في أحد أحياء منطقة الأشرفية. والده نقولا كان يحضنه وهو يدندن أغنية لمحمد عبد الوهاب. ووالدته تلبسه ثياب المدرسة على صوت الفونوغراف الذي تنساب منه أغاني أم كلثوم مع بزوغ الفجر. أما أقرباؤه وأبناء الجيران والحي الذي يعيش فيه، فكانوا من متذوقي الفن الأصيل، ولذلك اكتمل المشوار، حتى قبل أن تطأ خطواته أول طريق الفن.
- عاشق لبنان
غرق إيلي شويري منذ نعومة أظافره في حبه لوطنه وترجم عشقه لأرضه بأناشيد وطنية نثرها على جبين لبنان، ونبتت في نفوس مواطنيه الذين رددوها في كل زمان ومكان، فصارت لسان حالهم في أيام الحرب والسلم. «بكتب اسمك يا بلادي»، و«صف العسكر» و«تعلا وتتعمر يا دار» و«يا أهل الأرض»... جميعها أغنيات شكلت علامة فارقة في مسيرة شويري الفنية، فميزته عن سواه من أبناء جيله، وذاع صيته في لبنان والعالم العربي وصار مرجعاً معتمداً في قاموس الأغاني الوطنية. اختاره ملك المغرب وأمير قطر ورئيس جمهورية تونس وغيرهم من مختلف أقطار العالم العربي ليضع لهم أجمل معاني الوطن في قالب ملحن لا مثيل له. فإيلي شويري الذي عُرف بـ«أبي الأناشيد الوطنية» كان الفن بالنسبة إليه منذ صغره هَوَساً يعيشه وإحساساً يتلمسه في شكل غير مباشر.
عمل شويري مع الرحابنة لفترة من الزمن حصد منها صداقة وطيدة مع الراحل منصور الرحباني. فكان يسميه «أستاذي» ويستشيره في أي عمل يرغب في القيام به كي يدله على الصح من الخطأ.
حبه للوطن استحوذ على مجمل كتاباته الشعرية حتى لو تناول فيها العشق، «حتى لو رغبت في الكتابة عن أعز الناس عندي، أنطلق من وطني لبنان»، هكذا كان يقول. وإلى هذا الحد كان إيلي شويري عاشقاً للبنان، وهو الذي اعتبر حسه الوطني «قدري وجبلة التراب التي امتزج بها دمي منذ ولادتي».
تعاون مع إيلي شويري أهم نجوم الفن في لبنان، بدءاً بفيروز وسميرة توفيق والراحلين وديع الصافي وصباح، وصولاً إلى ماجدة الرومي. فكان يعدّها من الفنانين اللبنانيين القلائل الملتزمين بالفن الحقيقي. فكتب ولحن لها 9 أغنيات، من بينها «مين إلنا غيرك» و«قوم تحدى» و«كل يغني على ليلاه» و«سقط القناع» و«أنت وأنا» وغيرها. كما غنى له كل من نجوى كرم وراغب علامة وداليدا رحمة.
مشواره مع الأخوين الرحباني بدأ في عام 1962 في مهرجانات بعلبك. وكانت أول أدواره معهم صامتة بحيث يجلس على الدرج ولا ينطق إلا بكلمة واحدة. بعدها انتسب إلى كورس «إذاعة الشرق الأدنى» و«الإذاعة اللبنانية» وتعرّف إلى إلياس الرحباني الذي كان يعمل في الإذاعة، فعرّفه على أخوَيه عاصي ومنصور.

مع أفراد عائلته عند تقلده وسام الأرز الوطني عام 2017

ويروي عن هذه المرحلة: «الدخول على عاصي ومنصور الرحباني يختلف عن كلّ الاختبارات التي يمكن أن تعيشها في حياتك. أذكر أن منصور جلس خلف البيانو وسألني ماذا تحفظ. فغنيت موالاً بيزنطياً. قال لي عاصي حينها؛ من اليوم ممنوع عليك الخروج من هنا. وهكذا كان».
أسندا إليه دور «فضلو» في مسرحية «بياع الخواتم» عام 1964. وفي الشريط السينمائي الذي وقّعه يوسف شاهين في العام التالي. وكرّت السبحة، فعمل في كلّ المسرحيات التي وقعها الرحابنة، من «دواليب الهوا» إلى «أيام فخر الدين»، و«هالة والملك»، و«الشخص»، وصولاً إلى «ميس الريم».
أغنية «بكتب اسمك يا بلادي» التي ألفها ولحنها تعد أنشودة الأناشيد الوطنية. ويقول شويري إنه كتب هذه الأغنية عندما كان في رحلة سفر مع الراحل نصري شمس الدين. «كانت الساعة تقارب الخامسة والنصف بعد الظهر فلفتني منظر الشمس التي بقيت ساطعة في عز وقت الغروب. وعرفت أن الشمس لا تغيب في السماء ولكننا نعتقد ذلك نحن الذين نراها على الأرض. فولدت كلمات الأغنية (بكتب اسمك يا بلادي عالشمس الما بتغيب)».
- مع جوزيف عازار
غنى «بكتب اسمك يا بلادي» المطرب المخضرم جوزيف عازار. ويخبر «الشرق الأوسط» عنها: «ولدت هذه الأغنية في عام 1974 وعند انتهائنا من تسجيلها توجهت وإيلي إلى وزارة الدفاع، وسلمناها كأمانة لمكتب التوجيه والتعاون»، وتابع: «وفوراً اتصلوا بنا من قناة 11 في تلفزيون لبنان، وتولى هذا الاتصال الراحل رياض شرارة، وسلمناه شريط الأغنية فحضروا لها كليباً مصوراً عن الجيش ومعداته، وعرضت في مناسبة عيد الاستقلال من العام نفسه».
يؤكد عازار أنه لا يستطيع اختصار سيرة حياة إيلي شويري ومشواره الفني معه بكلمات قليلة. ويتابع لـ«الشرق الأوسط»: «لقد خسر لبنان برحيله مبدعاً من بلادي كان رفيق درب وعمر بالنسبة لي. أتذكره بشوشاً وطريفاً ومحباً للناس وشفافاً، صادقاً إلى أبعد حدود. آخر مرة التقيته كان في حفل تكريم عبد الحليم كركلا في الجامعة العربية، بعدها انقطعنا عن الاتصال، إذ تدهورت صحته، وأجرى عملية قلب مفتوح. كما فقد نعمة البصر في إحدى عينيه من جراء ضربة تلقاها بالغلط من أحد أحفاده. فضعف نظره وتراجعت صحته، وما عاد يمارس عمله بالشكل الديناميكي المعروف به».
ويتذكر عازار الشهرة الواسعة التي حققتها أغنية «بكتب اسمك يا بلادي»: «كنت أقفل معها أي حفل أنظّمه في لبنان وخارجه. ذاع صيت هذه الأغنية، في بقاع الأرض، وترجمها البرازيليون إلى البرتغالية تحت عنوان (أومينا تيرا)، وأحتفظ بنصّها هذا عندي في المنزل».
- مع غسان صليبا
مع الفنان غسان صليبا أبدع شويري مرة جديدة على الساحة الفنية العربية. وكانت «يا أهل الأرض» واحدة من الأغاني الوطنية التي لا تزال تردد حتى الساعة. ويروي صليبا لـ«الشرق الأوسط»: «كان يعد هذه الأغنية لتصبح شارة لمسلسل فأصررت عليه أن آخذها. وهكذا صار، وحققت نجاحاً منقطع النظير. تعاونت معه في أكثر من عمل. من بينها (كل شيء تغير) و(من يوم ما حبيتك)». ويختم صليبا: «العمالقة كإيلي شويري يغادرونا فقط بالجسد. ولكن بصمتهم الفنية تبقى أبداً ودائماً. لقد كانت تجتمع عنده مواهب مختلفة كملحن وكاتب ومغنٍ وممثل. نادراً ما نشاهدها تحضر عند شخص واحد. مع رحيله خسر لبنان واحداً من عمالقة الفن ومبدعيه. إننا نخسرهم على التوالي، ولكننا واثقون من وجودهم بيننا بأعمالهم الفذة».
لكل أغنية كتبها ولحنها إيلي شويري قصة، إذ كان يستمد موضوعاتها من مواقف ومشاهد حقيقية يعيشها كما كان يردد. لاقت أعماله الانتقادية التي برزت في مسرحية «قاووش الأفراح» و«سهرة شرعية» وغيرهما نجاحاً كبيراً. وفي المقابل، كان يعدها من الأعمال التي ينفذها بقلق. «كنت أخاف أن تخدش الذوق العام بشكل أو بآخر. فكنت ألجأ إلى أستاذي ومعلمي منصور الرحباني كي يرشدني إلى الصح والخطأ فيها».
أما حلم شويري فكان تمنيه أن تحمل له السنوات الباقية من عمره الفرح. فهو كما كان يقول أمضى القسم الأول منها مليئة بالأحزان والدموع. «وبالقليل الذي تبقى لي من سنوات عمري أتمنى أن تحمل لي الابتسامة».