لافروف في باريس: مستعد للعمل مع تركيا لإيجاد حل في سوريا

وزير الخارجية الروسي يرمي الكرة في ملعب أميركا ويحملها انتهاكات الهدنة

مؤتمر صحافي مشترك لوزير الخارجية الفرنسي جان مارك أيرولت ونظيره الروسي سيرغي لافروف أعقب لقاءهما في باريس أمس (إ.ب.أ)
مؤتمر صحافي مشترك لوزير الخارجية الفرنسي جان مارك أيرولت ونظيره الروسي سيرغي لافروف أعقب لقاءهما في باريس أمس (إ.ب.أ)
TT

لافروف في باريس: مستعد للعمل مع تركيا لإيجاد حل في سوريا

مؤتمر صحافي مشترك لوزير الخارجية الفرنسي جان مارك أيرولت ونظيره الروسي سيرغي لافروف أعقب لقاءهما في باريس أمس (إ.ب.أ)
مؤتمر صحافي مشترك لوزير الخارجية الفرنسي جان مارك أيرولت ونظيره الروسي سيرغي لافروف أعقب لقاءهما في باريس أمس (إ.ب.أ)

رمى وزير الخارجية الروسي الكرة في الملعب الغربي، وخصوصا الأميركي، وملعب الأطراف الإقليمية الداعمة للمعارضة السورية التي حملها جميعا مسؤولية استمرار الحرب في سوريا؛ لأنها فشلت في الوفاء بالتزاماتها. ووجّه سيرغي لافروف أصابع الاتهام للمعارضة السورية التي تتقدم بطروحات «استفزازية» في موضوع الحل السياسي، فيما لم يوفر سهامه تجاه المبعوث الدولي ستيفان دي ميستورا، الذي أصبح «رهينة» الهيئة العليا للمفاوضات.
وجاءت تصريحات الوزير الروسي عقب لقاء ضمه ووزير الخارجية الفرنسي جان مارك أيرولت، خصص لجولة في الموضوعات الساخنة: «أوكرانيا، كاراباخ، القمة الأطلسية في فرصوفيا، ونزاعات الشرق الأوسط وتحديدا سوريا»، التي استحوذت على جزء كبير من المحادثات ومن المؤتمر الصحافي الذي أعقبها. ويستشف من كلام الوزير الروسي أن جان مارك أيرولت الذي أعلن قبل يومين أنه «سيضغط» على ضيفه الروسي من أجل الدفع باتجاه احترام وقف الأعمال العدائية، لم يحصل على شيء، بل إن لهجة لافروف الحازمة أظهرت أنه يتحدث من موقع الواثق من موقفه والمؤثر على الأحداث. ووصف أيرولت اللقاء بأنه تميز بـ«الصراحة» ما يعني في اللغة الدبلوماسية، أن مواقف الطرفين متباعدة، معترفا بأن بين باريس وموسكو «نقاط اتفاق، ولكن أيضا نقاط اختلاف»، ولكن عليهما العمل معا، مشيرا إلى أنه يتعين على كل الأطراف بما فيها الأطراف الإقليمية المساهمة في ترميم وقف إطلاق النار، وإيصال المساعدات الإنسانية، والعودة إلى المفاوضات السياسية، وأنه طلب ذلك من وزيري خارجية إيران والسعودية في اللقاءين اللذين عقدهما معهما في باريس، مؤخرا. ولعل العنصر الجديد المهم فيما جاء به الوزير الروسي، هو تأكيده أن التطبيع الجاري بين موسكو وأنقرة يمكن أن يساعد على إيجاد حل للنزاع في سوريا.
وسألت «الشرق الأوسط» الوزير الروسي عن «الحلقة الضائعة» التي من شأنها الدفع حقيقة لاحترام وقف إطلاق النار، وعن مدى استعداد روسيا للضغط على النظام السوري حتى يلتزم به، وكذلك عن تأثير عودة التواصل بينها وبين تركيا على مجريات الحرب، باعتبار أنهما على طرفي نقيض في مواقفهما؟ وجاءت ردود لافروف التي اتسمت بالحدة، مطولة وتفصيلية، وهي تدور حول 3 محاور: الأول، اعتبار أن الأطراف الغربية وخصوصا الولايات المتحدة الأميركية، قد أخلت بالتزاماتها بشأن إخراج قوات المعارضة المعتدلة من المناطق التي يتواجد فيها تنظيم «النصرة»، و«منذ يناير (كانون الثاني) الماضي وحتى الآن لم يحصل أي تقدم». وبرأي لافروف، فإن الطلب الأميركي - الغربي بعدم استهداف هذه المناطق من أجل حماية المعارضة المعتدلة «ساعد (النصرة) على تقوية مواقعها» وعلى الاستمرار في تلقي المال والسلاح. ورهن الوزير الروسي احترام وقف إطلاق النار «خارج مناطق (داعش) و(النصرة)»، بخروج قوات المعارضة المعتدلة من مناطق «النصرة»، وإلا «فإن الشعور الذي سيتولد لدينا هو أن بعض القوى تريد بقاء (النصرة) وترفض تنفيذ قرار مجلس الأمن (2254)». وختم لافروف بأن الأميركيين يقولون إنهم «يسعون لحل المشكلة» ما يعني أن احترام وقف إطلاق النار لن يتحقق طالما المشكلة قائمة.
أما المحور الثاني فيتناول هجوم لافروف على المعارضة المعتدلة، وتحديدا الهيئة العليا للمفاوضات، والتلويح بتجاوزها والارتكان إلى الأطراف «المعارضة» الأخرى، التي تتواصل مع روسيا. واتهم لافروف الهيئة المنبثقة عن الرياض من غير أن يسميها، بأنها تقدم مقترحات «استفزازية» غير متضمنة في قرار مجلس الأمن الدولي، ولا في بيان جنيف 2012، بسبب مطالبتها برحيل الرئيس الأسد. ووجهة نظر الطرف الروسي أن موقف المعارضة «غير بناء» وبالتالي أفضى إلى إجهاض المحادثات المباشرة التي أدار 3 جولات منها ستيفان دي ميستورا. واعتبر أن الأخير، أصبح، بحسب لافروف، «رهينة» الهيئة العليا للمفاوضات. واستفاد سيرغي لافروف من المناسبة لحث المبعوث الدولي على «التعجيل» بالدعوة لجولة جديدة من المحادثات مع الأطراف الأخرى للمعارضة التي قدمت، بحسب الوزير الروسي، «مقترحات بناءة»، بينما وفد الهيئة العليا «لم يقدم أي شيء»، وعلى الرغم من ذلك، فإن موسكو ما زالت «منفتحة» على الجميع بمن فيهم الهيئة العليا.
خلاصة المنطق الروسي أن عرقلة المحادثات والحل السلمي ليس مصدرها النظام الذي داوم على المناورة في الجولات الثلاث والتوقف عند الأمور الإجرائية. كما أن لافروف يجانب الحقيقة عندما يقول إن وفد الهيئة العليا لم يقدم «مقترحات» بينما قدم خطة متكاملة لعملية الانتقال السياسي التي رفض وفد النظام الخوض فيها. وإذا كان الأخير قد علق مشاركته فلأنه يعتبر أنها تستغل لكسب الوقت ومحاولة النظام بدعم روسي - إيراني وبمساعدة عدة ميليشيات، تغيير الوضع الميداني وفرض واقع جديد يمكن استخدامه على طاولة المفاوضات.
وقالت مصادر فرنسية رسمية لـ«الشرق الأوسط»، إن الجانب الروسي «ما زال حتى الآن متمسكا ببقاء الأسد ولم يكشف بعد أوراقه، وهو على تناغم مع الطرف الأميركي لتأجيل البحث في مصير الأسد، والتركيز في الوقت الحاضر على محاربة الإرهاب». وترى هذه المصادر أن قول لافروف إن روسيا «مستعدة للانفتاح على الجميع» لا يعني إلا أنها جاهزة للحوار بناء على مواقفها وطروحاتها، وليس على مواقف وطروحات الآخرين. وتضيف هذه المصادر أن موسكو «مستمرة في حماية الأسد وإيقاف نظامه على قدميه، على الرغم من التحذيرات التي ترسلها بين وقت وآخر لإفهامه أنها سيدة اللعبة وليس أي طرف آخر غيرها».
يبقى المحور الثالث ويتناول مستجدات العلاقة الروسية - التركية. وفي هذا السياق أفاد لافروف أنه سيلتقي نظيره التركي مولود جاويش أوغلو، في منتجع سوتشي في الأول من يوليو (تموز)، في إطار اجتماع مجلس وزراء التعاون الاقتصادي لمنطقة البحر الأسود. ويتوقع الوزير الروسي أن يعاود الطرفان «التعاون» من أجل إيجاد حل للأزمة السورية، علما بأن الطرفين تبادلا لشهور الاتهامات بدعم الإرهاب وتغذية الحرب. وقال لافروف: «كما تعرفون، يتعلق كثير من الأمور بالموقف التركي، وتتضمن قرارات الأمم المتحدة دعوة موجهة إلى جميع الدول لمساعدة الدول الإقليمية، وعدم السماح باستخدام أراضيها من قبل الإرهابيين أو أولئك الذين يقومون بـ(تغذية) الإرهابيين في سوريا والعراق ودول أخرى». ومن التهم التي كانت تسوقها موسكو أن تركيا تفتح حدودها أمام تنقلات الإرهابيين، وتوفر لهم الملاذ الآمن والتزود بالسلاح.



اعتقالات الحوثيين وتسليح الاقتصاد يهيمنان على إحاطة غروندبرغ

المبعوث الأممي إلى اليمن هانس غروندبرغ (الأمم المتحدة)
المبعوث الأممي إلى اليمن هانس غروندبرغ (الأمم المتحدة)
TT

اعتقالات الحوثيين وتسليح الاقتصاد يهيمنان على إحاطة غروندبرغ

المبعوث الأممي إلى اليمن هانس غروندبرغ (الأمم المتحدة)
المبعوث الأممي إلى اليمن هانس غروندبرغ (الأمم المتحدة)

تصدرت اعتقالات الحوثيين للموظفين الأمميين والإغاثيين، وتسليح الاقتصاد في اليمن، الإحاطة الشهرية للمبعوث الأممي إلى اليمن هانس غروندبرغ، أمام مجلس الأمن، الأربعاء، مع تأكيد المبعوث أن الحلّ السلمي وتنفيذ خريطة طريق تحقق السلام أمر ليس مستحيلاً، على الرغم من التصعيد الحوثي البحري والبري والردود العسكرية الغربية.

وقال المبعوث الأممي إنه من الضروري أن تقتنص الأطراف المعنية، والمنطقة، والمجتمع الدولي «اللحظات المحورية»، وألا تفوّت الفرصة لتحويلها إلى خطوات واضحة نحو تحقيق السلام المنشود في اليمن.

آثار مسيرة حوثية انفجرت في مبنى سكني في تل أبيب (أ.ف.ب)

ومع انهيار الاقتصاد وتدهور مستويات المعيشة، رأى غروندبرغ أنه لا يوجد أي مبرر لهذه المعاناة، وأن إنهاء الحرب في اليمن هو خيار حقيقي ومتاح، ويبقى ضمن متناول الأطراف، داعياً جميع الأطراف للانخراط بجدية مع الجهود التي يقودها لتنفيذ خريطة الطريق، والتي تهدف إلى تحقيق وقف إطلاق النار، وتنفيذ تدابير اقتصادية، تشمل دفع الرواتب بشكل مستدام، والتمهيد لعملية سياسية شاملة.

وحضّ غروندبرغ على اتخاذ الإجراءات اللازمة، وتقديم التنازلات، والتركيز الصادق على اليمن، باعتبار ذلك أمراً ضرورياً «إذا كانت الأطراف تسعى لتخفيف معاناة اليمنيين وإعادة الأمل في مستقبل يسوده السلام».

اعتقالات تعسفية

أشار المبعوث الأممي إلى اليمن في إحاطته إلى مرور 6 أشهر على بدء الحوثيين اعتقالات تعسفية استهدفت موظفين من المنظمات الدولية والوطنية، والبعثات الدبلوماسية، ومنظمات المجتمع المدني، وقطاعات الأعمال الخاصة.

وقال، رغم الإفراج عن 3 محتجزين، إن عشرات آخرين، بمن فيهم أحد أعضاء مكتبه لا يزالون رهن الاحتجاز التعسفي، «بل إن البعض يُحرم من أبسط الحقوق الإنسانية، مثل إجراء مكالمة هاتفية مع عائلاتهم». وفق تعبيره.

الحوثيون انخرطوا في ما يمسى محور المقاومة بقيادة إيران (إ.ب.أ)

ووصف المبعوث الأممي هذه الاعتقالات التعسفية بأنها «تشكل انتهاكاً صارخاً للحقوق الإنسانية الأساسية، وتسبب معاناة عميقة لأسرهم التي تعيش في حالة مستمرة من القلق والخوف على سلامة أحبائهم»، وشدّد على الإفراج الفوري وغير المشروط عن جميع المعتقلين، مع تعويله على دعم مجلس الأمن لتوصيل هذه الرسالة.

وأوضح غروندبرغ أن مكتبه ملتزم بشكل كبير بإطلاق سراح جميع المحتجزين على خلفية النزاع في اليمن، وقال إن هناك من قضى 10 سنوات رهن الاعتقال، داعياً الجميع إلى الوفاء بالتزاماتهم بموجب اتفاق استوكهولم، ومواصلة العمل بروح من التعاون الصادق للوفاء بهذا الملف الإنساني البالغ الأهمية، وأن تسترشد المفاوضات بالمبدأ المتفق عليه، وهو «الكل مقابل الكل».

عواقب وخيمة

وفي ما يخص الوضع الاقتصادي في اليمن، قال المبعوث الأممي إن الأزمة تتفاقم مجدداً، مع التنبيه إلى «العواقب الوخيمة» التي تترتب على الانكماش الاقتصادي، وتجزئته، واستخدامه كأداة في الصراع.

وأكد غروندبرغ أن الفشل في دفع رواتب ومعاشات القطاع العام أدّى إلى زيادة الفقر بشكل واسع، بينما أسهم التضخم المتزايد في جعل كثير من الأسر عاجزة عن تلبية احتياجاتها الأساسية، بما في ذلك الغذاء.

تدهور الاقتصاد وانقطاع الرواتب في اليمن تسببا في جوع ملايين السكان (أ.ف.ب)

وفي شأن مساعيه، أفاد المبعوث الأممي بأن مكتبه من خلال زيارات صنعاء وعدن أوضح مفترق الطرق الحاسم الذي تواجهه الأطراف، وهو إما الاستمرار في «المسار الكارثي من النزاع غير المحسوم وتسليح الاقتصاد الذي سيؤدي بلا شك إلى خسارة الجميع، أو التعاون لحلّ القضايا الاقتصادية لتمهيد الطريق نحو النمو وتحقيق مكاسب السلام الممكنة».

وأشار إلى أن العمل جارٍ على استكشاف حلول عملية وملموسة تهدف إلى استعادة الاستقرار وتعزيز الحوار بشأن الاقتصاد اليمني، بما يشمل دفع الرواتب واستئناف صادرات النفط والغاز، بما يخدم مصلحة الشعب اليمني وترجمة الالتزامات التي تعهدت بها الأطراف في يوليو (تموز) الماضي إلى خطوات ملموسة تعود بالفائدة على جميع اليمنيين.

التصعيد العسكري

في شأن التصعيد العسكري، قال غروندبرغ إن انعدام الأمن في البحر الأحمر لا يزال يتفاقم نتيجة أعمال الحوثيين، إلى جانب الهجمات على إسرائيل، والغارات الجوية التي شنّتها الولايات المتحدة والمملكة المتحدة رداً على تلك التطورات.

وأشار إلى أن هذه الأحداث التي استمرت طوال العام، قلّصت الحيز المتاح لجهود الوساطة التي يقودها. وحضّ جميع الأطراف المعنية على اتخاذ خطوات جادة لتهيئة بيئة مناسبة، تمهد الطريق لحل النزاع في اليمن، وحذّر من أن الفشل في تحقيق ذلك لن يؤدي إلا إلى تعزيز دعوات العودة إلى الحرب.

طائرة حوثية من دون طيار في معرض أقامه الحوثيون في صنعاء بمناسبة الأسبوع السنوي لذكرى قتلاهم (رويترز)

وأوضح أن الأوضاع الهشّة في اليمن لا تزال مستمرة على عدة جبهات، مع تصاعد الاشتباكات بشكل متكرر في مناطق، مثل الضالع، الحديدة، لحج، مأرب، صعدة، شبوة، تعز. ما يؤدي مراراً إلى خسائر مأساوية في الأرواح.

وتصاعدت الأعمال العدائية في المناطق الشرقية من تعز - وفق المبعوث الأممي - مع ورود تقارير عن وقوع انفجارات وقصف بالقرب من الأحياء السكنية.

وفي الأسبوع الماضي فقط، أورد المبعوث في إحاطته أن طائرة من دون طيار استهدفت سوقاً مزدحمة في مقبنة بمحافظة تعز، ما أسفر عن مقتل 6 أشخاص على الأقل، وإصابة آخرين بجروح خطرة.

ودعا غروندبرغ أطراف النزاع اليمني إلى التقيد الجاد بالتزاماتهم، بموجب القانون الإنساني الدولي، لضمان حماية المدنيين والبنية التحتية المدنية. وقال إن هذه الحوادث تسلط الضوء على الحاجة الملحة للتوصل إلى اتفاق لوقف إطلاق النار.

ولدعم جهود التهدئة، أفاد المبعوث بأن مكتبه يتواصل مع المسؤولين العسكريين والأمنيين من الطرفين، لتسهيل الحوار حول الديناميكيات الحالية، واستكشاف سبل تعزيز بناء الثقة.