«العصيدة».. وجبة السودانيين المفضلة في شهر رمضان

تعتبر طَبَقًا معروفًا في كثير من الدول الأوروبية والآسيوية

فطور جماعي في الشارع في السودان ({الشرق الأوسط}) و عصيدة بملاح النعيمية
فطور جماعي في الشارع في السودان ({الشرق الأوسط}) و عصيدة بملاح النعيمية
TT

«العصيدة».. وجبة السودانيين المفضلة في شهر رمضان

فطور جماعي في الشارع في السودان ({الشرق الأوسط}) و عصيدة بملاح النعيمية
فطور جماعي في الشارع في السودان ({الشرق الأوسط}) و عصيدة بملاح النعيمية

لمائدة رمضان في كل مجتمع خصوصية شديدة، وتقاليد متوارثة، وأطباق شبه لازمة قد تسجّل حضورًا مشهودًا طيلة الشهر الكريم، بل وكثيرًا ما يتميز ترتيب تناول الأطعمة في رمضان بجدولة معينة، تبدأ بهذا وتنتهي بذاك.
تلك التقليدية والثقافة الغذائية قد لا يتخلى عنها حتى المغتربون، وعادة ما يحملونها معهم مهما بعدوا عن بلادهم، خصوصًا أن الأجواء الرمضانية بروحانيتها واجتماعياتها تكون مشبعة بالحنين للأهل ولمة الأحباء، وتناول وجبة الإفطار جماعيًا ما أمكن.
وفيما تتمسك مجتمعات عربية بتناول تمرات لكسر الصوم، وفقا للسنة النبوية، فإن هذه العادة شبه مجهولة عند كثير من المجتمعات الأفريقية المسلمة لا سيما في غرب أفريقيا حيث يسارع الصائم بسبب حرارة الجو لتناول مشروب أو ماء لإطفاء الظمأ.
وبينما تحرص مجتمعات على تناول حساء، وأشهر الحساءات الرمضانية «شوربة الحريرة» التي تتوسط المائدة المغربية، وتُعتبر طعاما كامل المكونات، إذ تتكون من اللحم والخضار وشيئا من الطحين، يفضل أهل الخليج حساءات أخف يتناولونها بصحبة مخبوزات كـ«السامبوكسة»، أما في مصر فتعتبر شوربة «لسان العصفور» الأكثر شعبية، بالإضافة لشوربة العدس.
على العكس تمامًا نجد السودانيين يفضلون الاستهلال بطبق «العصيدة والملاح» وهم في هذا أقرب لمعظم المسلمين الأفارقة، حيث تشتهر العصيدة بين المسلمين في أوغندا وكينيا وعموم دول غرب أفريقيا وجنوبها، وإن اختلفت أسماؤها ونوع الطحين المستخدم والمرق أو الأدام أو الملاح الذي يصاحبها.
وعادة يحلل السودانيون إفطارهم بتمرات أو حسوات ماء، ثم يصلون المغرب جماعة، ومن ثم يجلسون لتناول الإفطار في جماعات كبيرة رجالية منفصلة عن النسائية، خصوصًا بالقرى والأرياف حيث الجلوس أرضًا، ولا تزال عادة مشاركة الطعام منتشرة في المساجد والطرقات.
والعصيدة أشبه ما تكون بـ«البورج والبولنتا» وتُصنع من طحين يطبخ بالماء، وتعتبر طَبَقًا معروفًا عالميًا حتى في كثير من الدول الأوروبية والآسيوية.
وبعض الأوروبيين يستخدمون دقيق البطاطس لصنع عصيدتهم، بينما يفضل الآسيويون مثلاً دقيق الأرز، وبالعالم العربي هناك من يصنع العصيدة من دقيق القمح والبر والدخن مضافًا إليه قليل من الشعير، وأكثر ما تؤكل خليجيًا كطعام شتوي حلو، بإضافة العسل والسمن والتمر، والعصيدة معروفة بدول شمال أفريقيا ويتفنون في صنعها في المنازل الأسرية التقليدية.
رمضانيا، يأكل السودانيون العصيدة مع «الملاح» ويطبخونها من دقيق الذرة المخمر تخميرًا خفيفًا «فقط لكسر الطعم الفطير» للدقيق الذي يضاف لمقدار كافٍ من الماء، وعلى نار هادئة يتم تحريكه بصورة متصلة حتى ينضج ويصير متماسكًا لا «يلزق»، وتُشكّل بصبها في مواعين ممسوحة بقليل من الزيت والماء.
وللسودانيين «ملاح» أي مرقة متنوعة تختلف من حيث المكونات والطعم واللون وبالطبع طرق إعدادها. ومن أشهر الملحات طيلة شهر الصيام، ملاح التقلية الذي يرمز اسمه لثقل قوامه، وأساس مكوناته كمية مقتدرة من البصل المحمر جيدا زائد لحم بقري مفروم وصلصة طماطم وبهارات أهمها الكزبرة ومسحوق الفلفل الأحمر غير الحار «بابريكا» مما يكسبه لونًا أحمر قانيا شديد الحمرة والجمال.
تخلط تلك المكونات وتنضج معًا ثم يُضاف إليها قليل من البامية المجففة ويسمونها «ويكة» وللويكة خصائص شبه سحرية، إذ تكسب الخليط قوامًا متماسكًا ولزوجة محببة بجانب فوائد البامية الغذائية.
بخلاف ملاح التقلية تنوع ربة البيت السودانية مائدتها بملاح «النعيمية» وهو أخف قواما من التقلية وأنعم ملمسًا، ويدخل ضمن مكوناته اللبن «الزبادي» كعنصر أساسي.
ومع انتشار الوعي الصحي ومحاولات التقليل من تناول اللحوم التي يعشقها السودانيون، بدرجة ملحوظة، دخلت في صناعة ملاح النعيمية أفكار جديدة باستبدال كمية من العدس باللحم المفروم أو الفول المسحون مع البصل المحمر والزبادي والطماطم وبالطبع «الويكة». وعادة يكون ملاح النعيمية برتقالي اللون.
نوع ثالث من أهم ملحات رمضان التي تحظى برواج تام، ملاح «الروب» أو ملاح«البياض» والاسم مكتسب من لونه ناصح البياض، إذ يتكون أساسا من اللبن الزبادي، ولنجاحه لا بد من استخدام أجود الأنواع كاملة الدسم. يصنع ملاح الروب من سلق بعض فصوص الثوم وكمية معتبرة من البصل المجزأ لأجزاء كبيرة، التي يصفى ماؤها ويضاف للزبادي الذي يوضع على نار هادئة، ومن ثم تبدأ عملية تدويره تدويرا مستمرا مع إضافة ملاعق من الدقيق أو بودرة أرز، وحديثا هناك من يستخدم ملاعق من النشا أو الكورن فلور.
ما إن يغلظ القوام وينضج الدقيق أو النشا أو الأرز، حتى تضاف كمية من الملح حسب الذوق ثم ترمى تلك البصلات والثومات التي تكون قد استوت تمامًا فتختلط وتجد طريقها داخل ذلك الإبداع الشهي.
هناك من يضيف قطعًا من الفلفل الأحمر والأخضر لإكساب الملاح نكهة شهية بجانب حرص شديد على تزيين السطح بقليل من السمن أو زبد سائح.
وعن العصيدة السودانية التي أصبحت تُقدّم فاتحة شهية في قوالب مختلفة الأشكال مزينة ومزخرفة بدلاً عن ذلك الشكل التقليدي المدور فحسب، كما أوضحت كثير من ربات البيوت، يشكلنها في قوالب أشبه بقوالب الكيك، بل هناك بين المغتربات من أصبحن يستخدمن دقيق الذرة الشامي والسمولينا وحتى الزبادي لصنع العصيدة وفق «عولمة» وتبادل ثقافات يتماشى والمتوفر بالأسواق، حيث يعشن بعيدًا عن الوطن الذي يعشقنه ويعشقن أطعمته وموروثاته.
بجانب المائدة الرمضانية السودانية تنتشر العصيدة في أكثر من مائدة أفريقية وتعتبر الطبق الرئيسي ولها مكونات وأسماء مختلفة، ومنها «الاكارجي»، وهي أكثر انتشارًا في نيجريا وتصنع من اللوبيا والبصل والملح وتخلط بزيت النخيل الذي يكسبها لونًا مميزًا، وتؤكل مع مرق من الفلفل الحار والسمك المجفف كما تؤكل مع طبيخ خضراوات مشكلة، يُضاف إليه لحم ودجاج في سيراليون وليبيريا.
في نيجريا كذلك، وعند قبائل اليوروبا أكبر القبائل الأفريقية وأكثرها ثراء وجاهًا تشتهر عصيدة الـ«موين موين» أو «الموي موي» كما ينطقها آخرون، وتُصنع من اليام والكسافة، وهناك من يصنعها من البلانتين، وهو نبات أشبه بالموز لكنه كبير الحجم ويطبخ أو يحمر أو يسلق ولا يؤكل نيئًا.
وتشير دراسات إلى أن البلانتين من أغنى المواد الغذائية وعادة يشرحونه شرائح ويحمرونه ويشتهونه مع صوص حار ممتزج الطعم ما بين حلو ومالح، أو «سويت أند ساور». هذا وتعود فكرة تناول العصيدة والملاح أو المرق والاستمساك بها رمضانيًا لكونها طبقًا غنيًا المكونات الغذائية بجانب كونها خفيفة سهلة الهضم، تُقدم دافئة مما يساعد المعدة التي تكون مسترخية طيلة نهار الصيام على استقبال هادئ لأول طبق طعام، هذا بالإضافة لكونها طبقًا متكاملاً ليس باهظ التكاليف رغم طعمه الشهي وثرائه الغذائي.



أجواء احتفالية في مصر ابتهاجاً بعيد الفطر

زحام لافت في ساحات المساجد خلال تأدية صلاة العيد (وزارة الأوقاف المصرية)
زحام لافت في ساحات المساجد خلال تأدية صلاة العيد (وزارة الأوقاف المصرية)
TT

أجواء احتفالية في مصر ابتهاجاً بعيد الفطر

زحام لافت في ساحات المساجد خلال تأدية صلاة العيد (وزارة الأوقاف المصرية)
زحام لافت في ساحات المساجد خلال تأدية صلاة العيد (وزارة الأوقاف المصرية)

سادت أجواء البهجة منذ الساعات الأولى من صباح أول أيام عيد الفطر في مصر، حيث احتشد المصلون من مختلف الأعمار في ساحات المساجد، وسط تكبيرات العيد التي ترددت أصداؤها في المحافظات المختلفة.
وشهدت ساحات المساجد زحاماً لافتاً، مما أدى إلى تكدس المرور في كثير من الميادين، والمناطق المحيطة بالمساجد الكبرى بالقاهرة مثل مسجد الإمام الحسين، ومسجد عمرو بن العاص، ومسجد السيدة نفيسة، ومسجد السيدة زينب، وكذلك شهدت ميادين عدد من المحافظات الأخرى زحاماً لافتاً مع صباح يوم العيد مثل ساحة مسجد القائد إبراهيم بالإسكندرية.
وتبدأ مع صلاة العيد أولى مباهج الاحتفالات عبر «إسعاد الأطفال»، وفق ما تقول ياسمين مدحت (32 عاماً) من سكان محافظة الجيزة (غرب القاهرة). مضيفةً أن «صلاة العيد في حد ذاتها تعد احتفالاً يشارك الأهالي في صناعة بهجته، وفي كل عام تزداد مساحة مشاركة المصلين بشكل تطوعي في توزيع البالونات على الأطفال، وكذلك توزيع أكياس صغيرة تضم قطع حلوى أو عيدية رمزية تعادل خمسة جنيهات، وهي تفاصيل كانت منتشرة في صلاة العيد هذا العام بشكل لافت»، كما تقول في حديثها مع «الشرق الأوسط».

بالونات ومشاهد احتفالية في صباح عيد الفطر (وزارة الأوقاف المصرية) 
ويتحدث أحمد عبد المحسن (36 عاماً) من محافظة القاهرة، عن تمرير الميكروفون في صلاة العيد بين المُصلين والأطفال لترديد تكبيرات العيد، في طقس يصفه بـ«المبهج»، ويقول في حديثه مع «الشرق الأوسط» إن «الزحام والأعداد الغفيرة من المصلين امتدت إلى الشوارع الجانبية حول مسجد أبو بكر الصديق بمنطقة (مصر الجديدة)، ورغم أن الزحام الشديد أعاق البعض عند مغادرة الساحة بعد الصلاة بشكل كبير، فإن أجواء العيد لها بهجتها الخاصة التي افتقدناها في السنوات الأخيرة لا سيما في سنوات (كورونا)».
ولم تغب المزارات المعتادة عن قائمة اهتمام المصريين خلال العيد، إذ استقطبت الحدائق العامة، ولعل أبرزها حديقة الحيوان بالجيزة (الأكبر في البلاد)، التي وصل عدد الزائرين بها خلال الساعات الأولى من صباح أول أيام العيد إلى ما يتجاوز 20 ألف زائر، حسبما أفاد، محمد رجائي رئيس الإدارة المركزية لحدائق الحيوان، في تصريحات صحافية.
ويبلغ سعر تذكرة حديقة الحيوان خمسة جنيهات، وهو مبلغ رمزي يجعل منها نزهة ميسورة لعدد كبير من العائلات في مصر. ومن المنتظر أن ترتفع قيمة التذكرة مع الانتهاء من عملية التطوير التي ستشهدها الحديقة خلال الفترة المقبلة، التي يعود تأسيسها إلى عام 1891، وتعد من بين أكبر حدائق الحيوان في منطقة الشرق الأوسط من حيث المساحة، حيث تقع على نحو 80 فداناً.