لبنان بعد تفجيرات القاع: مرحلة جديدة من المواجهة مع الإرهاب

وزير الداخلية: الانتحاريون وصلوا من سوريا وليس من المخيمات

جنود لبنانيون في دوريات بقرية القاع التي ضربتها عمليات إرهابية أول من أمس بالقرب من الحدود مع سوريا (أ.ف.ب)
جنود لبنانيون في دوريات بقرية القاع التي ضربتها عمليات إرهابية أول من أمس بالقرب من الحدود مع سوريا (أ.ف.ب)
TT

لبنان بعد تفجيرات القاع: مرحلة جديدة من المواجهة مع الإرهاب

جنود لبنانيون في دوريات بقرية القاع التي ضربتها عمليات إرهابية أول من أمس بالقرب من الحدود مع سوريا (أ.ف.ب)
جنود لبنانيون في دوريات بقرية القاع التي ضربتها عمليات إرهابية أول من أمس بالقرب من الحدود مع سوريا (أ.ف.ب)

فتحت تفجيرات القاع في البقاع الشمالي، غير المسبوقة، مرحلة جديدة من العمليات الإرهابية التي أصابت لبنان في السنوات الأخيرة، ما أدى إلى استنفار أمني وسياسي شامل. وفي وقت لا تزال فيه التحقيقات مستمرة لمعرفة الجهة التي تقف خلف هذه الأعمال والأهداف منها بعد مرور أكثر من 24 ساعة من دون أن يتبناها أي طرف، أعلن وزير الداخلية نهاد المشنوق «أن الانتحاريين أتوا من إمارتهم في سوريا وليس من المخيمات». من جهته، كشف قائد الجيش العماد جان قهوجي أنّ ثلاثة منهم من الجنسية السورية، قائلا: «كان من المتوقع أن نصل إلى مرحلة جديدة في طريقة عمل الإرهابيين»، بينما قال مدير عام الأمن العام اللواء عباس إبراهيم «ليس أكيدا أن هناك بين الانتحاريين في بلدة القاع، امرأة، كما تردد أمس»، مشيرا إلى أنّ الأجهزة الأمنية كان لديها معلومات عن تفجيرات متوقعة نتيجة تحقيقات واعترافات».
واعتبرت الحكومة اللبنانية بعد اجتماعها أمس: «إن الاعتداء على الأمن القومي اللبناني والطريقة غير المألوفة التي نفذ بها، يدشنان مرحلة نوعية من المواجهة بين الدولة اللبنانية والإرهاب الذي يسعى منذ سنوات إلى ضرب الأمن والاستقرار في لبنان وجره إلى أتون الفتنة»، ودعا رئيسها تمام سلام إلى «استنفار وطني»، معربا عن خشيته من أن يكون ما حصل في القاع بداية لموجة من العمليات الإرهابية في مناطق لبنانية مختلفة.
وقال المشنوق خلال زيارته لبلدة القاع، أمس: «هذا الأمر كان متوقعا وسبق أن قلت إننا في الأجهزة الأمنية من الجيش وقوى الأمن الداخلي والأمن العام، استطعنا أن نحقق عددا كبيرا من العمليات الاستباقية بأن نمنع المجرمين من القيام بأعمالهم. ولكن لا يمكن أن يكون المنع مائة في المائة»، مضيفا: «لسنا أكثر قدرة من عواصم أوروبية شهدت عمليات أسوأ بكثير من الذي حصل هنا». ووجه نداء إلى السياسيين والأحزاب، قائلا: «صحيح أن الجيش لم يقصر في واجباته، لكن الأهم هو الأمن السياسي في لبنان، وهو لا يتوافر ولا يكتمل إلا بانتخاب رئيس للجمهورية». وفي متابعة للوضع الأمني بعد التفجيرات في القاع، عقد عصر أمس في السراي الكبير، اجتماع أمني برئاسة رئيس مجلس الوزراء تمام سلام الذي كان قد ترأس قبل الظهر جلسة للحكومة.
كما عقد اجتماع أمني طارئ جمع كل من قائد الجيش العماد جان قهوجي وزير الداخلية والبلديات نهاد المشنوق، يرافقه المدير العام لقوى الأمن الداخلي اللواء إبراهيم بصبوص والمدير العام للأمن العام اللواء عباس إبراهيم، وتناول البحث التطورات الأمنية الأخيرة في منطقة القاع، وتعزيز الجهود المشتركة لمكافحة الإرهاب، وتم التوافق على اتخاذ سلسلة تدابير أمنية وقائية في مختلف المناطق اللبنانية للحفاظ على الأمن والاستقرار وطمأنة المواطنين.
ولفت مصدر نيابي مطّلع إلى أن الفرضية التي تقول بأن القاع لم تكن هدفا وأنها كانت ممرا لتنفيذ التفجيرات في مناطق أخرى، لا تزال قائمة في موازاة فرضيات أخرى، أهمها أنّ البلدة التي تعرّضت في يوم واحد لثماني تفجيرات كانت الهدف الأساس، واصفا لـ«الشرق الأوسط» ما حصل في المنطقة بـ«حفلة جنون تنبئ بمأزق يعيشه الإرهابيون الذين لم يحققوا أهدافهم، إذا كانت داخل البلدة، واستطاع أبناؤها مواجهة ما يحصل بوعي تحت إشراف الجيش اللبناني». وأبدى المصدر تخوّفه من استمرار موجة الأعمال الإرهابية التي قد تطال مختلف المناطق، مضيفا: «الوضع خطر ولا أحد قادر على تنبؤ أو تقديم معلومات حول ما قد يحصل بعد اليوم وكل ما يتم الإعلان عنه لا يمكن وضعه إلا في خانة التحليلات».
وكان أربعة انتحاريين يضعون أحزمة أو يحملون حقائب متفجرات، قد فجروا أنفسهم، صباح الاثنين مبكرا، في بلدة القاع، ما تسبب بمقتل خمسة مدنيين وإصابة 15 آخرين بجروح. وقرابة العاشرة والنصف ليلا، من اليوم نفسه، فجر أربعة انتحاريين آخرين أنفسهم في البلدة ذاتها ما تسبب بوقوع 13 جريحا، وأثار جوا من الرعب والتوتر في البلدة.
وبعدما كانت تفجيرات القاع، كما عند وقوع أي حادث أمني، فتحت ملف اللاجئين السوريين على مصراعيه، وقد سارع سكان في بلدة القاع إلى توجيه أصابع الاتهام إلى تجمعات للاجئين الموجودة في منطقة مشاريع القاع. قال المشنوق: «الأهم هو أننا اتفقنا مع أهالي الضيعة ومع كنيستها وبلديتها ومع كل الشباب هنا، أننا مسؤولون ومعنيون إنسانيا بالنازحين السوريين لكن لن نقبل أن يخالفوا القانون اللبناني أو يتعدوا على أي مشاع لبناني»، مشيرا إلى أنّه «تم الاتفاق في اللجنة الوزارية على البحث في صيغة تؤكد مسؤوليتنا الإنسانية لكن في الوقت ذاته يجب الاتفاق على مفهوم دولي موحد لماهية المناطق الآمنة وأن نشجعهم على العودة إلى أراضيهم».
وكان محافظ البقاع - الهرمل قد أصدر مساء الاثنين بعد وقوع التفجيرات ليلا، قرارا يمنع بموجبه منع التجول للنازحين السوريين في منطقة القاع وراس بعلبك، فيما نفذت وحدات الجيش المنتشرة في مناطق بعلبك أمس سلسلة عمليات دهم شملت مخيمات النازحين السوريين وقد أوقفت خلالها 103 سوريين لوجودهم داخل الأراضي اللبنانية بصورة غير شرعية، كما أوقفت لبنانيين لحيازتهما بندقية نوع كلاشينكوف ومسدسا حربيا.
وقال رئيس بلدية القاع الواقعة على الحدود الشرقية، بشير مطر لـ«وكالة الصحافة الفرنسية»: «هناك تخوف من وجود إرهابيين آخرين، لذلك تقوم وحدات من الجيش اللبناني بتمشيط المنطقة بحثا عنهم»، مشيرا إلى أنّه «وبسبب الوضع الأمني الحرج، تم تأجيل جنازة الشهداء التي كانت مرتقبة عصر اليوم (أمس) لأجل غير مسمى، فيما أشارت معلومات صحافية إلى أن التشييع سيقام عصر اليوم الأربعاء. وفي ضوء المعلومات التي تشير في الفترة الأخيرة، إلى أنّ لبنان سيكون في مرمى الأعمال الإرهابية، وهو ما كانت قد حذّرت منه أيضا سفارات أجنبية، إضافة إلى ما لفتت إليه مصادر أمنية بأن هدف التفجيرات كان مراكز دينية بالتزامن مع أحياء المسلمين ليلة القدر، ألغى ما يسمى «حزب الله» إحياء ليلة القدر التي كانت مقررة في المقامات الدينية والمساجد، بسبب الأوضاع الأمنية المستجدة إثر التفجيرات في القاع، واتخذ في بعلبك وقرى البقاع الشمالي تدابير أمنية احترازية مشددة.
كما أصدر المكتب الإعلامي المركزي في حركة «أمل» أشار فيه إلى أنّه «ونظرا إلى الوضع الأمني، وبناء على قرار قيادة الحركة، أعلن مكتب الشباب والرياضة المركزي في حركة أمل إلغاء الإحياء المركزي لليلة القدر في مجمع الإمام الصادق (شمس الدين) الطيونة الذي كان مقررا أمس، الثلاثاء، طالبا من الإخوة جميعا إحياء ليلة القدر كل في منطقته».
واستمرت المواقف الشاجبة محليا ودوليا، للأعمال الإرهابية، داعية إلى الالتفاف حول الدولة والجيش اللبناني. واعتبر رئيس الحكومة السابق، رئيس تيار المستقبل، النائب سعد الحريري، أن «لا مجال أمام المخاطر التي تطل برأسها من الحرب السورية، سوى التأكيد على حصرية دور الدولة وأجهزتها الأمنية والعسكرية، في مكافحة آفة الإرهاب التي تتسلل إلى بلدنا»، داعيا إلى وضع خطة رسمية تعالج تداعيات النزوح السوري.
كما دعت كتلة «المستقبل» في اجتماعها أمس، الحكومة إلى مطالبة الأمم المتحدة عبر مجلس الأمن لتأمين دعم قوات اليونيفيل للجيش اللبناني على الحدود اللبنانية كافة عملاً بمندرجات القرار 1701.
من جهته، دعا «تكتل التغيير والإصلاح» بعد اجتماعه برئاسة النائب ميشال عون، الحكومة، إلى تحمل مسؤولياتها بموضوع النزوح السوري. وأضاف: «ليس الهلع هو المطلوب، بل التصدي للإرهاب الذي بدأت تُرسم معالمه على حدودنا». وكان لمجلس الأمن موقف تجاه ما حصل في لبنان، مؤكدا على «ضرورة تقديم المرتكبين والمنظمين والممولين ورعاة هذه الأعمال إلى العدالة»، وحث جميع الدول، وفقا لالتزاماتها بموجب القانون الدولي وقرارات مجلس الأمن ذات الصلة، على التعاون بنشاط مع السلطات اللبنانية في هذا الصدد.
كما دانت وزارة الخارجية الفرنسية «الهجمات الإرهابية التي ارتكبت مجددًا في بلدة القاع» البقاعية الحدودية مع سوريا وأعربت «عن تضامننا مع لبنان». وفي بيان لها، أكدت أنها ستواصل «تحمل المسؤولية الكاملة في إطار الدعم الذي على المجتمع الدولي أن يوفره لاستقرار لبنان وأمنه ومؤسساته».
كما استنكرت سفارة إيطاليا في لبنان «الهجمات السافرة التي تعرضت لها القاع مؤكدة على دعمها للجيش والقوى الأمنية اللبنانية».



مصر وسلطنة عمان تبحثان سلامة الملاحة في البحر الأحمر

نائب رئيس الوزراء لشؤون مجلس الوزراء بسلطنة عُمان يستقبل وزير الخارجية المصري (الخارجية المصرية)
نائب رئيس الوزراء لشؤون مجلس الوزراء بسلطنة عُمان يستقبل وزير الخارجية المصري (الخارجية المصرية)
TT

مصر وسلطنة عمان تبحثان سلامة الملاحة في البحر الأحمر

نائب رئيس الوزراء لشؤون مجلس الوزراء بسلطنة عُمان يستقبل وزير الخارجية المصري (الخارجية المصرية)
نائب رئيس الوزراء لشؤون مجلس الوزراء بسلطنة عُمان يستقبل وزير الخارجية المصري (الخارجية المصرية)

بحث وزير الخارجية المصري بدر عبد العاطي، في سلطنة عمان، الاثنين، ملفَ التوترات الأمنية في البحر الأحمر، مؤكداً أهمية سلامة الملاحة البحرية وحرية التجارة الدولية، وارتباط ذلك بشكل مباشر بأمن الدول المشاطئة للبحر الأحمر.

وحسب بيان صادر عن وزارة الخارجية المصرية، أشار عبد العاطي إلى «تأثير تصاعد حدة التوترات في البحر الأحمر على مصر، بشكل خاص، في ضوء تراجع إيرادات قناة السويس».

وأدى تصعيد جماعة «الحوثيين» في اليمن لهجماتها على السفن المارة في مضيق باب المندب والبحر الأحمر، منذ نهاية نوفمبر (تشرين الثاني) 2023، بداعي التضامن مع الفلسطينيين في غزة، إلى تغيير شركات الشحن العالمية الكبرى مسارها من البحر الأحمر، واضطرت إلى تحويل مسار السفن إلى طرق بديلة منها مجرى رأس الرجاء الصالح.

وتراجعت إيرادات قناة السويس من 9.4 مليار دولار (الدولار الأميركي يساوي 50.7 جنيه في البنوك المصرية) خلال العام المالي (2022 - 2023)، إلى 7.2 مليار دولار خلال العام المالي (2023 - 2024)، حسب ما أعلنته هيئة قناة السويس في أكتوبر (تشرين الأول) الماضي.

وخلال لقاء الوزير عبد العاطي مع فهد بن محمود آل سعيد نائب رئيس الوزراء لشؤون مجلس الوزراء، أشار إلى تقدير مصر الكبير للقيادة الحكيمة للسلطان هيثم بن طارق، وللدور الإيجابي الذي تضطلع به سلطنة عمان على المستويين الإقليمي والدولي.

وأكد عبد العاطي أهمية التعاون المشترك لتعزيز الأمن العربي، وحرص مصر على التنسيق والتشاور مع السلطنة لتثبيت دعائم الأمن والاستقرار في المنطقة، لا سيما في ظل الاضطرابات غير المسبوقة التي تشهدها منطقة الشرق الأوسط على عدة جبهات.

وطبقاً للبيان، تناول اللقاء مناقشة عدد من القضايا الإقليمية ذات الاهتمام المشترك، على رأسها القضية الفلسطينية واستمرار العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة، والجهود المصرية لاحتواء التصعيد في المنطقة، والتوصل لاتفاق لوقف إطلاق النار وإطلاق سراح الرهائن، كما تم تبادل الرؤى حول الأوضاع في سوريا واليمن والسودان وليبيا.

وخلال لقائه مع بدر البوسعيدي، وزير خارجية سلطنة عُمان، في إطار زيارته الرسمية إلى مسقط، ناقش عبد العاطي مجمل العلاقات الثنائية والتنسيق المشترك حيال القضايا الإقليمية محل الاهتمام المشترك.

مباحثات سياسية بين وزير الخارجية المصري ونظيره العماني (الخارجية المصرية)

تناول الوزيران، حسب البيان المصري، أطر التعاون الثنائي القائمة، وسبل تعزيز مسار العلاقات بين مصر وسلطنة عُمان، والارتقاء بها إلى آفاق أوسع تنفيذاً لتوجيهات قيادتي البلدين.

وزار الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي، مسقط، في يونيو (حزيران) 2022، بينما زار السلطان هيثم بن طارق القاهرة في مايو (أيار) 2023.

وأكد الوزيران على أهمية التحضير لعقد الدورة السادسة عشرة للجنة المشتركة بين البلدين خلال الربع الأول من عام 2025، لتعزيز التعاون الثنائي بين البلدين في مختلف المجالات.

وشدد عبد العاطي على الأهمية التي توليها مصر لتطوير وتعزيز علاقاتها مع سلطنة عُمان، مشيداً بالعلاقات الوطيدة والتاريخية التي تجمع بين البلدين. وأشار إلى الاهتمام الخاص الذي توليه مصر للتعاون مع أشقائها في الدول العربية في مجال جذب الاستثمارات والتعاون الاقتصادي والتبادل التجاري، مستعرضاً برنامج الإصلاح الاقتصادي والاجتماعي الجاري تطبيقه في مصر، والخطوات التي تم اتخاذها لتهيئة المناخ الاستثماري وتوفير الحوافز لجذب الاستثمارات الأجنبية.

كما أشار إلى أهمية العمل على تعزيز التعاون بين المنطقة الاقتصادية لقناة السويس وهيئة المنطقة الاقتصادية الخاصة بـالدقم، وكذلك الربط البحري بين ميناءي «الدقم» و«صلالة»، والموانئ المصرية مثل ميناء الإسكندرية وميناء العين السخنة وغيرهما، بما يعزز التبادل التجاري بين البلدين، ويساهم في تعميق التعاون بينهما في مجالات النقل الملاحي والتخزين اللوجستي، في ضوء ما تتمتع به مصر وعُمان من موقع جغرافي متميز يشرف على ممرات ملاحية ومضايق بحرية استراتيجية.

وفيما يتعلق بالأوضاع الإقليمية في ظل التحديات المتواترة التي تشهدها المنطقة، ناقش الوزيران، وفق البيان المصري، التطورات في سوريا، والحرب في غزة، وكذلك الأوضاع في ليبيا ولبنان، وتطورات الأزمة اليمنية وجهود التوصل لحل سياسي شامل، وحالة التوتر والتصعيد في البحر الأحمر التي تؤثر بشكل مباشر على أمن الدول المشاطئة له، كما تطرق النقاش إلى الأوضاع في منطقة القرن الأفريقي والتطورات في السودان والصومال.

وأكد البيان أن اللقاء عكس رؤيةً مشتركةً بين الوزيرين للعديد من التحديات التي تواجه المنطقة، وكيفية مواجهتها، وأكدا على أهمية تعزيز التعاون بين البلدين والحرص على تكثيف التشاور والتنسيق بشأن مختلف القضايا، كما اتفق الوزيران على تبادل تأييد الترشيحات في المحافل الإقليمية والدولية.