وفد إلى ألمانيا في الأشهر الماضية أكثر من مليون شخص، ويشكل المسلمون من سوريا والعراق وأفغانستان والصومال وغيرها غالبيتهم. وفي حين تنهمك المنظمات الخيرية الكنسية بقوة في المساعدة في الترجمة وتوفير المساكن وجمع التبرعات، تكرس المنظمات الإسلامية شهر رمضان في ألمانيا لتعزيز العلاقات مع اللاجئين وتذليل صعوبات العيش، في القاعات المشتركة، وفي الملاعب المغلقة، وفي المخيمات.
وفتحت المساجد والجمعيات الإسلامية أبوابها طوال شهر الصوم أمام اللاجئين للتمتع بوجبات إفطار منوعة تلي يومًا طويلاً من الصيام ينتهي مع غروب الشمس في العاشرة مساء. وفي هذا العام، اتفقت كل المؤسسات والجمعيات الإسلامية الكبيرة، وخصوصًا اتحاد الجمعيات الإسلامية التركية، والمجلس الأعلى للمسلمين، على أن يكون رمضان شهر التآخي بين الأديان، وشهرًا مباركًا لدمج اللاجئين. وهكذا يقيم اتحاد الجمعيات الإسلامية التركية حفلات إفطار في المسجد الكبير في كولون يحضره أكثر من ألف مسلم ولاجئ مسلم يوميًا. ورفع المجلس الأعلى للمسلمين شعار «نرعى اللاجئين»، وفضلاً على دعواته لموائد الإفطار السنوية المشتركة مع ممثلي الديانات الأخرى، فتح أبوابه هذا العام أمام اللاجئين من كل الأديان والمعتقدات.
«رمضان شهر الاندماج»
ويقيم اتحاد الجمعيات الإسلامية الليبرالية، الذي تدعمه مؤسسات إسلامية مسيحية ويهودية، موائد الإفطار للاجئين في كنيسة لوثر في كولون. وهي حفلات اندماج يحضرها، إضافة إلى اللاجئين، ممثلون عن الديانات الأخرى في ألمانيا. وقالت ربيعة موللر إن الموائد تقام في الحوش الداخلي للكنيسة تحت شعار «لاجئ - أخ - صديق»، وتنتهي دائمًا بعلاقات وصداقات جديدة.
في شرق ألمانيا، وفي مسجد هالة، تقيم الجمعية الثقافية الإسلامية في المدينة، موائد إفطار جماعية للاجئين يحضرها من 150 إلى 250 شخصًا كل يوم. وقال جميل اميلال إن فروع الجمعية في 5 مدن ألمانية تحذو حذو الجمعية في هالة، ويحضرها لاجئون من سوريا إلى الصومال وأفغانستان. وأضاف أن موائد الإفطار أصبحت منبرًا للاندماج في ولاية سكسونيا أنهالت.
«شهر واحد.. مجتمع واحد»
وتحت شعار «شهر واحد.. مجتمع واحد» تقيم جمعية الشباب المسلم في ألمانيا (برلين) سلسلة من موائد الإفطار في كل ألمانيا. وهي مناسبات، وفق تعبير رئيس المنظمة بلال كياني، لتعلم اللغة ومعالجة مشكلات اللاجئين في النهار، وموائد إفطار جماعي في المساء. وأضاف كياني أن المهم بالنسبة لهم أن يفهم الشباب المسلمون الجدد أنهم يعيشون في مجتمع متعدد الثقافات، وأن عليهم الاندماج في هذا المجتمع. وفضلاً على موائد الإفطار الحافلة، التي تبدأ بالتمر وشوربة العدس وتنتهي بالبقلاوة، والتي تقيمها الجمعيات الإسلامية الكبيرة بعنوان «مساعدة اللاجئين»، تجلب النظر محاولات فردية للمساعدة في شهر رمضان. منها بادرة السيدة البوسنية الأصل نادرة ميكيتش التي تعمل متطوعة في مجال الترجمة للاجئين في ميونيخ. إذ تقيم ميكيتش، بدعم من متطوعين آخرين، موائد إفطار لعشرات اللاجئين يوميًا بدعم من متبرعين. وتقول ميكيتش إنها اتصلت بكثير من المطاعم التركية الذين وفروا موائد إفطار عظيمة. تبرعت منظمة إسلامية بتوفير قاعة للإفطار في مبناها، وتبرع تركي بمطبخ مطعمه للمساعدة في تحضير الإفطار.
اتحاد كرة القدم الألماني
يلعب بفتوى من الأزهر
ولا بد من مكان لكرة القدم، وألعاب القوى الأخرى، في رمضان بحكم كثرة الرياضيين المسلمين الذين يلعبون باسم ألمانيا. وهناك 4 لاعبين دوليين يلعبون ضمن «المانشافت» الذي يقوده يوغي لوف، وهم: ايمره شان ومسعود أوزيل (من أصول تركية) وشكوردان مصطافي (من أصل ألباني) وسامي خضيرة (من أصل تونسي). وبعد تعدد الفتاوى في السنوات الأخيرة حول جواز الإفطار من عدمه بالنسبة للاعبين، استحصل اتحاد كرة القدم الألماني على فتوى من جامع الأزهر في القاهرة بإمكانية إفطار اللاعبين خلال دورة كأس أوروبا لكرة القدم، بشرط تعويض ذلك لاحقًا، وبشرط تقديم المساعدات والتبرعات للفقراء. وهي فتوى يؤيدها المجلس الأعلى للمسلمين في ألمانيا الذي يرى في لعب مباراة كرة القدم جهدًا لا يقل عن الجهد المسلط على عامل يعمل قرب فرن صهر الحديد.
ومعروف أن اللاعبين الأربعة يتبعون هذه الفتوى التي أيدها اتحاد الجمعيات الإسلامية التركية أيضًا، إلا أن الألباني ميرغم مافراي، الذي يمثل منتخب بلاده في مونديال باريس، ويلعب في صفوف نادي ف. س. كولون الألماني، يرى غير ذلك. ويقول مافراي إن رمضان بالنسبة إليه أهم من مونديال كرة القدم رغم أن بعض زملائه يختلف معه في هذه النظرة.
ومعروف، حتى الآن، أن مدافع الوسط مافراي لعب بكفاءة عالية ضد سويسرا ورومانيا رغم صيامه، وجلبت قدراته الرياضية أنظار نوادي أوروبا الكبيرة.
وعلى أي حال، أصبح شهر رمضان في ألمانيا هذا العام انعكاسًا للمشكلات الأساسية التي تواجه المجتمع، وخصوصًا قضية الاندماج، ومواجهة ارتفاع المد اليمني، وتداعيات «زعل» الجالية التركية من قرار البرلمان الألماني بإدانة جرائم العثمانيين ضد الأرمن. وهكذا في حين تفتح المساجد أبوابها طوال الشهر لإقامة وجبات الإفطار المشتركة مع الألمان (المسيحيين)، ألغى اتحاد الجمعيات الإسلامية التركي وجبة إفطار يحضرها رئيس البرلمان الألماني نوربرت لامرت احتجاجًا على قرار البرلمان.