حظر المواقع الاجتماعية يشوه صورة تركيا

بينما تناقش تركيا الجوانب السلبية للحظر الذي جرى فرضه مؤخرا على موقع التواصل الاجتماعي «تويتر» وموقع «يوتيوب»، بالإضافة إلى احتمالية توسع الحكومة في حظر مواقع التواصل الاجتماعي ليشمل «فيسبوك»، يشير المراقبون إلى تزايد نسبة المخاوف والقلق خشية أن تتسبب مثل هذه الخطوة في تشويه صورة تركيا أمام المستثمرين الأجانب والسائحين.
جدير بالذكر أن الاقتصاد التركي يعتمد على تدفقات رأس المال الأجنبي لتعويض النسبة المنخفضة لمدخرات البلاد والعجز الكبير في الطاقة، ومن ثم يتطلب هذا الأمر ضرورة بقاء الصورة الجيدة البلاد لجذب الاستثمارات من الخارج. ويقول الخبراء إنه من المؤكد أن الحظر المفروض على موقع «تويتر» - الذي جعل تركيا تنضم إلى قائمة الدول التي تفرض قيودا على وسائل الإعلام الاجتماعية مثل كوريا الشمالية والصين وإيران - لن يساعد تركيا في جذب الاستثمارات الأجنبية المباشرة بالدرجة المرغوبة. وقد فرضت حكومة حزب العدالة والتنمية حظرا لمنع النفاذ إلى موقع التواصل الاجتماعي «تويتر» في الأسبوع الماضي، وهو ما اعتبره الكثيرون محاولة لصرف الانتباه عن مزاعم ابتزاز الأموال التي تستهدف رئيس الوزراء رجب طيب إردوغان وعائلته وحكومته. وفي محاولة لتمديد هذا الحظر، فرضت هيئة الاتصالات حظرا لمنع الوصول إلى خوادم نظام أسماء النطاقات الذي تقدمه «غوغل» والذي يستخدمه الكثير من المستخدمين كحيلة للهروب من الحظر المفروض على «تويتر». وجاء هذا الحظر عقب إلقاء إردوغان لكلمته أمام حشد من الجماهير في مدينة بورصة، حيث ذكر أن الحكومة عزمت على «استئصال موقع تويتر». جدير بالذكر أن الكثير من مستخدمي تويتر نشروا روابط على موقع «يوتيوب» لمكالمات هاتفية مسربة وصور من المزعوم أنها تعد دليلا على الادعاءات بابتزاز الأموال من جانب عائلة رئيس الوزراء والحكومة، حيث صارت هذه التحقيقات معروفة في 17 ديسمبر (كانون الأول). وبعد فرض هذا الحظر على موقع «تويتر» بفترة وجيزة، قامت هيئة الاتصالات يوم الخميس بمنع الوصول إلى منصة مشاركة المقاطع المصورة (الفيديوهات) على موقع «يوتيوب»، حيث أعقب هذا الإجراء تسريب تسجيل صوتي يقال إنه منسوب لوزير الخارجية التركي ورئيس الاستخبارات وكبار قادة الجيش حينما كانوا يناقشون التطورات في دولة سوريا - التي مزقتها الحرب - ، حيث جرى رفع هذا التسريب على الموقع. وأعرب ممثلو التجارة العالمية بالفعل عن مخاوفهم بسبب الحظر المفروض على موقع «تويتر»، مشيرين إلى أن هذا الحظر يضر بعملية إنفاذ القانون والديمقراطية بشكل سليم في تركيا.
وفي حديثه لصحيفة «تودايز زمان»، قال يوفوك سانلي، المراسل الاقتصادي لصحيفة «فاتان» اليومية، من المؤكد أن الحظر المفروض على «تويتر» يتسبب في تزايد المخاوف بين المستثمرين الأجانب، ولا سيما شركات التكنولوجيا ومواقع التواصل الاجتماعي التي ستدرس عملية الاستثمار في تركيا. وأضاف أن «الحظر المفروض على وسائل الإعلام الاجتماعي ربما يؤدي أيضا إلى انخفاض التصنيف الائتماني لتركيا». وفي هذا الصدد، أصدرت جمعية الصناعيين ورجال الأعمال الأتراك بيانا صحافيا بشأن الحظر المفروض على موقع «تويتر»، - حيث لا يتماشى هذا الحظر مع حرية الرأي والتعبير - مشيرة إلى أن هذا الإجراء يكشف - حسبما يبدو - عن وجود مخاوف لا أساس لها، فضلا عن الإضرار بالديمقراطية.
وفي نفس السياق، أكد رضا نور ميرال، رئيس اتحاد رجال الأعمال والصناعيين الأتراك، أن تركيا تتجه بشكل كبير نحو التحول لنظام استبدادي في ضوء قرار الحكومة الأخير بفرض الحظر. وقال ميرال إن الاتحاد - بوصفه جماعة تمثل رجال الأعمال - تدين هذا الحظر المفروض على «تويتر»، كما تحث على ضرورة رفع الحظر في أقرب وقت ممكن. وأردف قائلا «من المستحيل أن تتمكن تركيا من تحقيق أهدافها الاقتصادية من خلال التصرف بهذه الطريقة». وفي الواقع أنه في حال استمرار فرض الحظر على مواقع التواصل الاجتماعي، فستكون هناك تأثيرات سلبية على قطاعي السياحة والتسويق الرقمي بصورة مباشرة بسبب هذا الحظر. ويقول خبراء في الشؤون التركية إن العدو اللدود لإردوغان اليوم هو الداعية فتح الله غولن البالغ 73 عاما، الحليف السابق الذي بات في نظره يحرك من بعيد مخططا لإسقاطه.
ومنذ أشهر يواجه إردوغان أسوأ أزمة في حكمه المستمر منذ 11 عاما، شهدت مظاهرات هائلة في الشوارع وفضيحة فساد متفجرة واقتصادا متعثرا. وتضررت حكومته كثيرا من سلسلة من التسريبات على الإنترنت كشفت قصصا رشاوى وفسادا وتناقلها مستخدمو الإنترنت بسرعة هائلة. ورد إردوغان بتهديد «الخونة» و«الإرهابيين»، فيما أدت مساعيه الحثيثة للجم وسائل التواصل الاجتماعي إلى نفور حلفائه الغربيين. ومع اقتراب امتحانه الأول في صناديق الاقتراع منذ انطلاق الأزمة في يونيو (حزيران)، تعهد إردوغان بمطاردة خصومه «حتى كهوفهم». وفي مرحلة سابقة، كان إردوغان وغولن حليفين مقربين حولا مشهدا سياسيا ظل طوال عقود خاضعا للعلمانيين والجنرالات من هواة الانقلابات.
ووسط مطالبات كثيفة في أوساط المسلمين المحافظين الذين كلوا مرحلة «الوصاية العسكرية»، حصل حزب العدالة والتنمية على السلطة عام 2002 وفاز في جميع الاستحقاقات منذاك التاريخ. وقاد الحزب المؤمن والداعم للأعمال ازدهارا هائلا في البناء واقتصادا ديناميكيا فيما بدأت تركيا تلقى الاستحسان في الخارج كنموذج لديمقراطية مسلمة ولاعبة عالمية نامية. وفيما أبدى حزب العدالة والتنمية قوته المذهلة في صناديق الاقتراع، وفر غولن التكنوقراط من أجل إدارة البيروقراطية مستثمرا ما هو حركة دينية من جهة وإمبراطورية أعمال من جهة أخرى.
ويؤكد أنصار غولن المعروفون بتقواهم وذكائهم في الأعمال، أن حركتهم تسعى إلى دمج «إسلام متحضر» بالحداثة والعلوم والقومية التركية. وغادر غولن إلى الولايات المتحدة عام 1999 للتهرب من اتهامات بممارسة أنشطة «معادية للعلمانية». وهو يرأس اليوم مؤسسة تدير مجموعة وسائل إعلامية ومراكز ثقافية ومدارس.
وتدير شبكة الخدمات التعليمية التي أسسها مدارس في 150 بلدا تشجع التحضر والمثابرة وتروج لإسلام معتدل ومتسامح.
كما أنها تدير في تركيا مدارس تبوأ خريجوها المخلصون مناصب رفيعة في الشرطة والقضاء.
وصرح المتحدث فاروق أكديتش «لا نعد الطلاب للامتحانات فحسب، نعدهم للحياة». وأضاف أن الطلاب «يتعلمون الإحسان والقانون الدولي وألا يقعوا في فخ الفساد أو السرقة، يتعلمون أن يكونوا قدوة». لكن الكثيرين يشيرون إلى انعدام شفافية التيار المتماسك.
وصرح سنان أولغن من مركز ادم للأبحاث «لا شفافية قط.. لا نعلم من يتلقى الأوامر ممن. لقد اخترقوا النظام برمته سواء في الجهاز التنفيذي أو في جهازي العدل والشرطة». ويلقب الأنصار المخلصون لإردوغان الذي كان في السابق لاعب كرة قدم شبه محترف ورئيسا لبلدية إسطنبول، رئيس الوزراء «الفارع الطول» أو «السلطان»، لكن منتقديه يتهمونه بالانجراف إلى سلوك «حكم الرجل الواحد». وعندما قمعت الشرطة المتظاهرين في يونيو في مواجهات أدت إلى مقتل 8 أشخاص وجرح الآلاف، وفرت صحف غولن تغطية شاملة. وحذرت مؤسسة الصحافيين والكتاب المرتبطة بغولن من أن تركيا قد تخسر «طابعها كدولة خاضعة لحكم القانون». وصرح نائب رئيس المؤسسة جمال أوشاك لوكالة الصحافة الفرنسية أن مزاعم تدبير «الطبيب المحترم» غولن لكل شيء من بعيد خاطئة، مشددا «لم نتدخل قط في السياسة ولن نفعل أبدا».
وفي إطار تصعيد الخلاف بين الرجلين، هدد إردوغان في نوفمبر (تشرين الثاني) بإغلاق جميع مدارس غولن وقال «سيخسرون مليار دولار سنويا»، وهو إجراء أقره البرلمان في الشهر الجاري.
وترى أغلبية الأتراك أن فضيحة الفساد الواسعة التي انطلقت في ديسمبر (كانون الأول) ليست إلا انتقاما. وتم توقيف العشرات من حلفاء إردوغان في السياسة والأعمال. وتراوحت الاتهامات المدعومة بسلسلة تسريبات أحاديث مسجلة من الرشوة إلى تهريب الذهب والتجارة غير المشروعة مع إيران.
ورد إردوغان بحملة تطهير طالت آلاف الشرطيين والمدعين فيما شددت الحكومة السيطرة على القضاء والإنترنت.
أما غولن الذي نادرا ما يجري مقابلات، فرد في مقال في صحيفة فايننشال تايمز في الشهر الجاري مؤكدا أن «مجموعة صغيرة في الفرع التنفيذي للحكومة تجعل تطور البلاد برمتها رهينة لديها».
والأسبوع الماضي، باتت الحرب بين الطرفين أكثر شراسة عندما نشر تسجيل سري على موقع يوتيوب لاجتماع أمني رفيع يناقش احتمالات التدخل عسكريا في سوريا. ولا يرجح أن يعود الهدوء قريبا.
فعشية الانتخابات البرلمانية والرئاسية، ما زال أمام إردوغان موسم انتخابي طويل بعد انتخابات الأحد المحلية، فيما تتكاثر الشائعات حول تسريبات جديدة ستنشر. يبدو أن المعركة للسيطرة على تركيا بدأت للتو. وضغطت حكومة إردوغان على وسائل الإعلام وشنت حملة على الإنترنت حيث أمرت مؤخرا بإغلاق موقعي تويتر ويوتيوب ما أثار احتجاجات من حلفاء تركيا في الحلف الأطلسي وجماعات حقوق الإنسان. ووصفت منظمة العفو الدولية الحظر بأنه «محاولة لفرض الرقابة الحكومية لن تؤدي سوى إلى تعميق انعدام الثقة والإحباط».
وأضافت أنه «حتى لو كان للسلطات التركية مخاوف مشروعة حول بعض المحتوى (على الإنترنت) إلا أنه من المبالغ فيه تماما فرض حظر شامل على يوتيوب في البلد بأكمله». ودعا مؤلفون من بينهم غونتر غراس والكاتب التركي أورهان باموك الحكومة إلى أن تتذكر «أن هذا البلد الجميل سيكون أكثر قوة وسعادة عندما يحترم التعددية والتنوع وحرية التعبير».
ووسط جو من انعدام الثقة وانتخابات أمس التي يحق لأكثر من 50 مليون شخص التصويت فيها، يعتزم حزب الشعب الجمهوري المعارض وعشرات آلاف المتطوعين من المواطنين مراقبة عملية فرز الأصوات. وتعتبر هذه الانتخابات حاسمة لإردوغان الذي يسعى إلى الحفاظ على هيمنته على السلطة رغم الاضطرابات الأخيرة. ويسعى إردوغان إلى الحصول على منصب الرئيس خلفا لعبد الله غل في الانتخابات التي ستجري في أغسطس (آب) وهي الأولى التي سينتخب فيها الأتراك رئيسا للدولة.
وتنتهي ولاية إردوغان الثالثة كرئيس للوزراء العام المقبل، ليكمل 12 عاما في الحكم، وهي أقصى مدة لتولي هذا المنصب بموجب قوانين حزب العدالة والتنمية التي لمح إردوغان إلى رغبته في تغييرها.