أضافت إستونيا إلى مناهجها الدراسية مقررات لتعليم أطفال الصف الأول الابتدائي كيفية بناء ألعاب الكومبيوتر الخاصة بهم، وتقديم المنح الدراسية لتشجيع مزيد من الطلاب الجامعيين لدراسة التخصصات المعتمدة على التكنولوجيا. وفي إنجلترا، ستتيح المناهج الوطنية المحدثة قريبا لكل طفل في النظام التعليمي دراسة برمجة الكومبيوتر، بدءا من سن الخامسة. فيما تقول حملة «ساعة من التشفير» «Hour of Code» الأميركية إنها قد أقنعت بالفعل 28 مليون شخص بتعلم البرمجة.
يذكر أن الطلبة حول العالم، بدءا من المرحلة الابتدائية وحتى مستوى الدكتوراه، يرتبطون بشكل متزايد بمبادئ التشفير، التي تعرف أيضا باسم برمجة الكومبيوتر. وبدءا من سنغافورة إلى تالين، تؤكد الحكومات والمعلمون والناشطون في صناعة التكنولوجيا على ضرورة إلمام الطلاب بالمعرفة الأساسية، على الأقل، لكيفية عمل الأجهزة التي تلعب دورا كبيرا في الحياة المعاصرة.
ويرى باحثون أن مثل هذه المعرفة مهمة ليس فقط بالنسبة لمستقبل الطالب، بل للتنافسية المستقبلية لبلادهم أيضا، وقدرة صناعة التكنولوجيا على العثور على العمالة الماهرة.
تعريف الطلبة بالترميز في المراحل المبكرة من التعليم يساعدهم على إزالة الغموض عن المنطقة التي يمكن أن تثير مخاوفهم. كما يعمل أيضا على إلغاء الصورة النمطية لعلوم الكومبيوتر بوصفها علوما مملة، بحسب مؤيدين لهذه النظرية. إضافة إلى ذلك، تساعد البرمجة على تنمية الشق الإبداعي لدى الطلبة، فالدراسة قادرة على المساعدة في تطوير قدرات حل المشكلات إضافة إلى تهيئة الطلاب لعالم غيرت التكنولوجيا معالمه.
ويقول كلايف بيلي، مدير برنامج التطوير التعليمي في مؤسسة «راسبيري بي آي» وهي مؤسسة غير ربحية ومقرها بالقرب من كمبريدج في إنجلترا وتشجع تدريس علوم الكومبيوتر في المدارس البريطانية: «نحن لا ندرس الموسيقى في المدارس ليصبح كل الطلبة متخصصون في العزف على الكمان في المدارس، كما أننا لا نعلم الأطفال الكومبيوتر ليتحولوا جميعا إلى علماء في مجال الكومبيوتر، لكن ما نحاول القيام به هو أن نعرفهم على كيفية عمل هذه الآلات، ومن الجيد أن يفهم الجميع أساسيات عمل هذه الأشياء. وبالمناسبة، ربما يكون جيدا جدا في ذلك».
علاوة على ذلك، يشير مؤيدو هذه الفكرة إلى أن الأطفال يحبون ذلك كثيرا. وتقول روكسانا إيمادي، الاستراتيجية في «Code.org»، وهي مؤسسة حقوقية مقرها سياتل وترعى حملة «ساعة من الترميز»: «الأطفال في الوقت الحاضر متعلقون بهواتفهم، وكومبيوتراتهم اللوحية، ويستخدمون التكنولوجيا بصورة موسعة، لكن القليل منهم هو الذي يتعلم كيفية برمجة هذه الأجهزة. فحتى، وإن كان الأمر بسيطا في بعض الأحيان، كأن يقوم الطفل ببرمجة لعبة المتاهة أو إنسان آلي، وعندما ترى عملك وقد دبت فيه الروح، هنا تأتي لحظة الإلهام».
وأضافت: «المعلمون يستخدمونها مثل الحلوى، فيقول المدرس للطلبة: (إذا أنهيت عملك، فيمكنك الحصول على عشر دقائق من دروس علوم الكومبيوتر في نهاية الحصة الدراسية هدية). وعندما تدرس الأطفال في عمر ثماني سنوات، تكون الأنماط لم تثبت بعد».
وفي إستونيا التي ينظر إليها على نطاق واسع بوصفها أحد المجتمعات الأوروبية الأكثر حبا للتكنولوجيا، وضع محو الأمية في علوم الكومبيوتر بوصفه أولوية قومية. وقبل أن تصبح منسقة للمهارات التكنولوجية في وزارة الشؤون الاقتصادية في بلادها، قادت آفي لورينغسون، مشروع «بروغ تايغر»، لتدريب معلمي المدارس على إشراك التلاميذ في مجالات البرمجة ومجالات التقنية المتطورة الأخرى. وقالت إن هذا المشروع، لا يزال يشهد نموا واضحا، إلى جانب الطب. وتقول: «يبحث الآباء عن أنشطة ما بعد اليوم الدراسي لأبنائهم ويتساءلون: أين يمكن أن يتعلم أبنائي البرمجة؟ أو: أين توجد صفوف تعليم الإنسان الآلي؟».
وتسعى الشراكة بين القطاعين العام والخاص التي تدعى «آي تي أكاديمي»، والتي تركز على الجامعات، إلى تطوير ميادين مثل هندسة البرمجيات وأمن الشبكات عبر توظيف مزيد من الأساتذة وتوظيف طلبة من الخارج وتقديم المنح الدراسية لخريجي وطلبة الجامعات.
وترى كريستينا راهكيما، التي تدرس الماجستير في هندسة البرمجيات والرياضيات بجامعة تارتو في إستونيا، إنها استمتعت بالفرص التي أتاحتها لها مهارات الكومبيوتر. وتقول: «لو كانت لدى فكرة جيدة، لاستطعت إنشاء شركة»، وأشارت إلى أن «أي شخص يستطيع الترميز لن يجد صعوبة في الحصول على عمل، فكل الشركات تبحث عن مرشحين».
وقالت إنها تأمل في أن تتخلص الفتيات من الاعتقاد المسبق بشأن البرمجة بوصفها علما مثيرا للملل: «إن الأمر أكثر متعة مما يعتقدون. لديك فكرة وتكتب بعض الرموز وتنجح فعليا. إنه شعور رائع».
ويبدو وزير التعليم البريطاني مايكل جوف متفقا مع هذا الرأي، فقد أيد بشدة إعادة صياغة مناهج علوم الكومبيوتر التي قال إنها تبعث على الملل عند الأطفال بتعليماتها التي تثير الضجر حول كيفية تشغيل البرامج التي عفا عليها الزمن. المناهج الجديدة التي ستبدأ الوزارة في تطبيقها في سبتمبر (أيلول) المقبل ستتطلب نهجا أكثر صرامة.. حيث سيتعلم جميع الطلبة في إنجلترا بدءا من سن الخامسة أساسيات الترميز، وفي بداية سن الحادية عشرة سيجري تدريبهم على استخدام لغتي برمجة على الأقل.
وتقدم مؤسسة «راسبيري بي آي» خطط دروس ومصادر أخرى للمعلمين، خاصة أولئك الذين يعملون في المدارس الابتدائية الذين يفتقرون إلى التدريب المتخصص. وسيمكن لمشروعات مثل وضع الكاميرا بجانب مغذية الطيور وبرمجتها كي تنشر الصور على الإنترنت، أن تساعد الطلبة بشكل سريع في معرفة الاستخدامات الممكنة للترميز.
ويرى كلايف بيلي، مدير التطوير التعليمي في المؤسسة: «بدلا من الاستخدام السلبي للكومبيوتر اللوحي أو الكومبيوتر المحمول، كانت هذه هي المرة الأولى التي يستخدمون فيها الكومبيوتر للقيام بعمل مفيد. والهدف الأساسي ربما يتمثل في إرسال كاميرا إلى مساحة قريبة بوصفه جزءا من مشروع علمي، كتعليم الرياضيات، ويمكن أن تكون في علوم الروبوتات، أو أمور فنية رائعة، إلى جانب تطبيقات في الموسيقى أو حتى دروس في صالة الألعاب الرياضية».
وتخطط سنغافورة أيضا لإدخال الترميز إلى المناهج الدراسية، فيقول مين يون كان، أستاذ علوم الكومبيوتر والعميد المساعد في جامعة سنغافورة الوطنية: «حتى في مثل هذا المجتمع القائم على التكنولوجيا، يجري التقدم بشكل بطيء فقط».
أحد أبرز العناصر في الزيادة الأخيرة للرغبة في تعلم البرمجة، هو توافر مصادر البرمجة على الإنترنت، وإتاحة الفرصة لمن يتعلمون التشفير لمحاولة البرمجة في محرك بحث الإنترنت، ومعرفة مدى صحة الوسيلة التي يعملون بها». يقول كان: «يتواصل أساتذة في الجامعة مع الطلبة في مجالات مثل علم الأحياء أو الهندسة أو الكيمياء أو الطب بتعليمات في لغة البرمجة التي تسود في تلك المجالات».
وأضاف الدكتور ديفيد روسيتر، أستاذ الهندسة في جامعة هونغ كونغ للعلوم والتكنولوجيا، التي اشترطت ضرورة دراسة كل طلبة كلية الهندسة علم البرمجة في السنة الأولى أو السنة الثانية: «مع تركيز عالم العمل بشكل أكبر على التكنولوجيا، يجب أن نتكيف مع ذلك في قطاع التعليم».
في الوقت الراهن، ومع تزايد الطلب أيضا من جانب الطلبة أنفسهم في مجالات أخرى مثل العلوم الإنسانية، يقول روسيتر: «صار الطلب الآن أكثر مما يمكننا تحمله. ينبغي أن أرفض طلبات 200 طالب في هذا الفصل الدراسي يحاولون حضور هذا المقرر الدراسي».
ويقول بيتر هارشا، مدير الشؤون الحكومية في اتحاد أبحاث علوم الكومبيوتر، وهي مجموعة من أقسام جامعات أميركا الشمالية ومعاهد أبحاث التكنولوجيا، إن «معدل تسجيل الطلبة في علوم الكومبيوتر كان متذبذبا بشكل عام، تبعا لفرص الازدهار والتردي في صناعة التكنولوجيا». وأضاف أن هذا التذبذب في سبيله للتغيير.. «ففي عام 2011 - 2012 ارتفع عدد دارسي علوم الكومبيوتر في الولايات المتحدة بنسبة 29 في المائة، ويتوقع أن تظهر الإحصاءات التالية زيادة كبيرة للسنة السادسة على التوالي».
وعبر عن أمله في أن تتمكن حملات مثل «Code.org» في إثارة اهتمام الشباب، فقال: «عندما ترى الحالة الحزينة لطلاب الصف الثاني عشر في علوم الكومبيوتر، فسترى أن هناك فرصة للنمو بصورة كبيرة»، وذلك باستخدام مصطلح الاختزال للتعليم من رياض الأطفال حتى الصف الثاني عشر. وتسعى مؤسسة «Code.org» للضغط لتدريس علوم الكومبيوتر في كل المدارس الأميركية، كما تعمل على تدريب المعلمين بالتعاون مع بعض من أكبر المناطق التعليمية في البلاد، بما في ذلك نيويورك وشيكاغو ومقاطعة بروارد في ولاية فلوريدا. وقالت إيمادي: «وقع أكثر من 35.000 معلم طلبات لاستخدام البرامج التعليمية في الفصول الدراسية».
وقال بيلي: «هناك حاجة أساسية لبذل مزيد من الجهود إذا كانت هناك رغبة في استمرار التطور التكنولوجي. إذا غاب مهندسو وعلماء الكومبيوتر، فلن تكون هناك أجهزة جديدة».
* خدمة «نيويورك تايمز»
أوروبا على طريق إضافة البرمجة إلى المناهج الدراسية
تعريف الطلبة بها مبكرا يساعد في تنمية الشق الإبداعي
أوروبا على طريق إضافة البرمجة إلى المناهج الدراسية
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة