«عيش الأشرفية» يلوّن ساحة ساسين بالاستعراضات و«غزل البنات»

مهرجان أحياه عاصي الحلاني وأطلق خلاله موسم «مهرجانات صيف لبنان»

البالونات الملوّنة والألعاب المسليّة كانت في انتظار الأطفال في المهرجان - جانب من المعروضات في مهرجان «عيش الأشرفية»
البالونات الملوّنة والألعاب المسليّة كانت في انتظار الأطفال في المهرجان - جانب من المعروضات في مهرجان «عيش الأشرفية»
TT

«عيش الأشرفية» يلوّن ساحة ساسين بالاستعراضات و«غزل البنات»

البالونات الملوّنة والألعاب المسليّة كانت في انتظار الأطفال في المهرجان - جانب من المعروضات في مهرجان «عيش الأشرفية»
البالونات الملوّنة والألعاب المسليّة كانت في انتظار الأطفال في المهرجان - جانب من المعروضات في مهرجان «عيش الأشرفية»

«عيش الأشرفية» هو عنوان المهرجان الذي افتتح به موسم مهرجانات صيف لبنان، والذي شهدته ساحة ساسين المشهورة في المنطقة المذكورة.
وبمواكبة أمنية لافتة عزلت ساحة ساسين عن باقي الطرقات المتفرّعة منها، فحوّلتها إلى منطقة خاصة بالمشاة بعيدًا عن زحمة السير التي تعيشها يوميًا، انطلقت هذه المهرجانات التي أحياها الفنان عاصي الحلاني إضافة إلى ابنته ماريتا والأخوين شحادة.
وتوزّعت على طول أرصفة الساحة ومن على جانبيها أكشاك «سوق الأكل»، التي حضّر فيها أصحابها كلّ ما لذّ وطاب من أطباق ومأكولات وساندويتشات لبنانية ومكسيكية وإيطالية وصينية وغيرها، لتكون بمتناول روّاد المهرجان. وضمّ قسمًا من الساحة معرضًا للأشغال اليدوية والحرفية، والحلى والصابون والمونة اللبنانية واللوحات الزيتية وغيرها.
كما شهدت الساحة استعراضات حيّة وبينها ألعاب «قذف النار»، التي قدّمها شبّان محترفون في هذا المجال، فألّفوا لوحات استعراضية خارجة عن المألوف رافقها عزف على آلات الساكسفون والطبلة قدّمتها إحدى الفرق الشبابية.
وعلى هامش الاحتفالية، عقد وزير السياحة ميشال فرعون مؤتمرًا صحافيًا في المناسبة بحضور وزير الداخلية نهاد المشنوق في مطعم (شايز) في الأشرفية، أعلن خلاله انطلاق موسم الصيف في لبنان. وأشار فرعون في كلمة ألقاها خلاله إلى أن بيروت تعيش مع هذا المهرجان موسم الفرح والحفلات الضخمة التي يزيد عدد حاضريها على الـ15000 شخص. وأشار إلى أن صيف لبنان سيكون واعدًا وزاخرًا بنشاطات ومهرجانات تعمّ جميع مناطقه، التي يصل عددها إلى نحو 90 حفلة تستمر حتى شهر سبتمبر (أيلول) المقبل.
وعودة لفعاليات المهرجان، برزت صناعة حلوى «غزل البنات» التي تشكّل رمزًا من رموز الطفولة في لبنان، فقد استوقفت الأهل مع أولادهم الذين تسمّروا أمام أحد الأكشاك التي يصنعها، فتابعوا بعيون تلمع بالحماس مشوار العيدان الخشبية، التي يلتفّ حولها نسيج الخيوط الزهرية حلوة الطعم ليلتهموها بنهم عند اكتمالها.
وفي هذه المناسبة أيضًا كرّمت منطقة الأشرفية عددًا من الوجوه المعروفة في مجالات كثيرة، كالدكتورة مي شدياق (مجال الإعلام) والدكتور أنطوني رحايل (مجال الطهي)، فيما خصّوا أولاد شارع مار مخايل بلفتة تكريمية لتطوّعهم في تنظيف الدرج المشهور في هذا الشارع.
وصدح صوت عاصي الحلاني في ساحة ساسين التي اتسّمت بحضور كثيف ليستمرّ في وصلته الغنائية حتى ما بعد منتصف الليل معلنًا ختام المهرجان. وتفاعل الحضور مع الأغاني التي قدّمتها ماريتا الحلاني (ابنة عاصي الحلاني)، التي أدّت فيها مقاطع أغانٍ للراحلة داليدا (أغاني أغاني وحلوة يا بلدي)، إضافة إلى أخرى خاصة بها مثل. وكان الأخوان شحادة قد افتتحا هذه الحفلة بعد أن قدّما أغاني لبنانية شعبية وكلاسيكية لفيروز وزكي ناصيف اشتعلت الأجواء بالحماس والتصفيق لأدائهما الطربي الجميل. وغصّت المطاعم والمقاهي المحيطة بساحة ساسين بروّادها الذين حجزوا مقاعدهم فيها قبيل بداية المهرجان، ليتسنى لهم الاستمتاع بغناء ضيوفه من الفنانين.
ولم يتوان سكان العمارات المطلّة أيضًا على الساحة، من المشاركة في المهرجان من على شرفات منازلهم، فاستقبلوا أصدقاءهم وجيرانهم في جلسة بيتوتية كانت الموسيقى العنوان العريض لها.
وامتزجت لوحات الفرح ما بين المحتفين بمهرجان الأشرفية، فحمل بعض الآباء أولادهم على أكتافهم لمتابعة أحداثه عن قرب، بينما راح أطفال آخرون يركضون وهم يحملون البالونات الملوّنة بيد، ويقضمون منقوشة الزعتر على الصاج أو ساندويتش الشاورما بيدهم الأخرى، فيما أمضى غيرهم وقتًا ممتعًا في قسم الألعاب الخاص بهم الذي استحدث في الساحة المذكورة للمناسبة.
نجح منظمّو مهرجان «عيش الأشرفية» في استقطاب الآلاف من الأشخاص الذين غصّت بهم ساحة ساسين، بعد أن افترشوا أرضها أو وقفوا على أرصفتها أو جلسوا على الكراسي البلاستيكية المستقدمة خصيصًا للمناسبة، فكان خير بداية لموسم زاهر من مهرجانات الصيف في لبنان.
وكان وزير السياحة ميشال فرعون قد أكد أن لبنان سيشهد إقبالاً كثيفًا من قبل أولاده المغتربين ومن السيّاح العرب، بحيث من المنتظر أن تحطّ يوميًا على أرضه أكثر من مائة طائرة في موسم الأعياد حاملة على متنها 16 ألف راكب، وذلك بعد أن اضطرت بعض شركات الطيران إلى زيادة عدد رحلاتها إلى لبنان في هذه الفترة، كما أشار إلى أن نسبة الحجوزات في فنادقه تبلغ نحو 75 في المائة من الموسم نفسه.



رحيل إيلي شويري عاشق لبنان و«أبو الأناشيد الوطنية»

عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»
عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»
TT

رحيل إيلي شويري عاشق لبنان و«أبو الأناشيد الوطنية»

عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»
عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»

إنه «فضلو» في «بياع الخواتم»، و«أبو الأناشيد الوطنية» في مشواره الفني، وأحد عباقرة لبنان الموسيقيين، الذي رحل أول من أمس (الأربعاء) عن عمر ناهز 84 عاماً.
فبعد تعرضه لأزمة صحية نقل على إثرها إلى المستشفى، ودّع الموسيقي إيلي شويري الحياة. وفي حديث لـ«الشرق الأوسط» أكدت ابنته كارول أنها تفاجأت بانتشار الخبر عبر وسائل التواصل الاجتماعي قبل أن تعلم به عائلته. وتتابع: «كنت في المستشفى معه عندما وافاه الأجل. وتوجهت إلى منزلي في ساعة متأخرة لأبدأ بالتدابير اللازمة ومراسم وداعه. وكان الخبر قد ذاع قبل أن أصدر بياناً رسمياً أعلن فيه وفاته».
آخر تكريم رسمي حظي به شويري كان في عام 2017، حين قلده رئيس الجمهورية يومها ميشال عون وسام الأرز الوطني. وكانت له كلمة بالمناسبة أكد فيها أن حياته وعطاءاته ومواهبه الفنية بأجمعها هي كرمى لهذا الوطن.
ولد إيلي شويري عام 1939 في بيروت، وبالتحديد في أحد أحياء منطقة الأشرفية. والده نقولا كان يحضنه وهو يدندن أغنية لمحمد عبد الوهاب. ووالدته تلبسه ثياب المدرسة على صوت الفونوغراف الذي تنساب منه أغاني أم كلثوم مع بزوغ الفجر. أما أقرباؤه وأبناء الجيران والحي الذي يعيش فيه، فكانوا من متذوقي الفن الأصيل، ولذلك اكتمل المشوار، حتى قبل أن تطأ خطواته أول طريق الفن.
- عاشق لبنان
غرق إيلي شويري منذ نعومة أظافره في حبه لوطنه وترجم عشقه لأرضه بأناشيد وطنية نثرها على جبين لبنان، ونبتت في نفوس مواطنيه الذين رددوها في كل زمان ومكان، فصارت لسان حالهم في أيام الحرب والسلم. «بكتب اسمك يا بلادي»، و«صف العسكر» و«تعلا وتتعمر يا دار» و«يا أهل الأرض»... جميعها أغنيات شكلت علامة فارقة في مسيرة شويري الفنية، فميزته عن سواه من أبناء جيله، وذاع صيته في لبنان والعالم العربي وصار مرجعاً معتمداً في قاموس الأغاني الوطنية. اختاره ملك المغرب وأمير قطر ورئيس جمهورية تونس وغيرهم من مختلف أقطار العالم العربي ليضع لهم أجمل معاني الوطن في قالب ملحن لا مثيل له. فإيلي شويري الذي عُرف بـ«أبي الأناشيد الوطنية» كان الفن بالنسبة إليه منذ صغره هَوَساً يعيشه وإحساساً يتلمسه في شكل غير مباشر.
عمل شويري مع الرحابنة لفترة من الزمن حصد منها صداقة وطيدة مع الراحل منصور الرحباني. فكان يسميه «أستاذي» ويستشيره في أي عمل يرغب في القيام به كي يدله على الصح من الخطأ.
حبه للوطن استحوذ على مجمل كتاباته الشعرية حتى لو تناول فيها العشق، «حتى لو رغبت في الكتابة عن أعز الناس عندي، أنطلق من وطني لبنان»، هكذا كان يقول. وإلى هذا الحد كان إيلي شويري عاشقاً للبنان، وهو الذي اعتبر حسه الوطني «قدري وجبلة التراب التي امتزج بها دمي منذ ولادتي».
تعاون مع إيلي شويري أهم نجوم الفن في لبنان، بدءاً بفيروز وسميرة توفيق والراحلين وديع الصافي وصباح، وصولاً إلى ماجدة الرومي. فكان يعدّها من الفنانين اللبنانيين القلائل الملتزمين بالفن الحقيقي. فكتب ولحن لها 9 أغنيات، من بينها «مين إلنا غيرك» و«قوم تحدى» و«كل يغني على ليلاه» و«سقط القناع» و«أنت وأنا» وغيرها. كما غنى له كل من نجوى كرم وراغب علامة وداليدا رحمة.
مشواره مع الأخوين الرحباني بدأ في عام 1962 في مهرجانات بعلبك. وكانت أول أدواره معهم صامتة بحيث يجلس على الدرج ولا ينطق إلا بكلمة واحدة. بعدها انتسب إلى كورس «إذاعة الشرق الأدنى» و«الإذاعة اللبنانية» وتعرّف إلى إلياس الرحباني الذي كان يعمل في الإذاعة، فعرّفه على أخوَيه عاصي ومنصور.

مع أفراد عائلته عند تقلده وسام الأرز الوطني عام 2017

ويروي عن هذه المرحلة: «الدخول على عاصي ومنصور الرحباني يختلف عن كلّ الاختبارات التي يمكن أن تعيشها في حياتك. أذكر أن منصور جلس خلف البيانو وسألني ماذا تحفظ. فغنيت موالاً بيزنطياً. قال لي عاصي حينها؛ من اليوم ممنوع عليك الخروج من هنا. وهكذا كان».
أسندا إليه دور «فضلو» في مسرحية «بياع الخواتم» عام 1964. وفي الشريط السينمائي الذي وقّعه يوسف شاهين في العام التالي. وكرّت السبحة، فعمل في كلّ المسرحيات التي وقعها الرحابنة، من «دواليب الهوا» إلى «أيام فخر الدين»، و«هالة والملك»، و«الشخص»، وصولاً إلى «ميس الريم».
أغنية «بكتب اسمك يا بلادي» التي ألفها ولحنها تعد أنشودة الأناشيد الوطنية. ويقول شويري إنه كتب هذه الأغنية عندما كان في رحلة سفر مع الراحل نصري شمس الدين. «كانت الساعة تقارب الخامسة والنصف بعد الظهر فلفتني منظر الشمس التي بقيت ساطعة في عز وقت الغروب. وعرفت أن الشمس لا تغيب في السماء ولكننا نعتقد ذلك نحن الذين نراها على الأرض. فولدت كلمات الأغنية (بكتب اسمك يا بلادي عالشمس الما بتغيب)».
- مع جوزيف عازار
غنى «بكتب اسمك يا بلادي» المطرب المخضرم جوزيف عازار. ويخبر «الشرق الأوسط» عنها: «ولدت هذه الأغنية في عام 1974 وعند انتهائنا من تسجيلها توجهت وإيلي إلى وزارة الدفاع، وسلمناها كأمانة لمكتب التوجيه والتعاون»، وتابع: «وفوراً اتصلوا بنا من قناة 11 في تلفزيون لبنان، وتولى هذا الاتصال الراحل رياض شرارة، وسلمناه شريط الأغنية فحضروا لها كليباً مصوراً عن الجيش ومعداته، وعرضت في مناسبة عيد الاستقلال من العام نفسه».
يؤكد عازار أنه لا يستطيع اختصار سيرة حياة إيلي شويري ومشواره الفني معه بكلمات قليلة. ويتابع لـ«الشرق الأوسط»: «لقد خسر لبنان برحيله مبدعاً من بلادي كان رفيق درب وعمر بالنسبة لي. أتذكره بشوشاً وطريفاً ومحباً للناس وشفافاً، صادقاً إلى أبعد حدود. آخر مرة التقيته كان في حفل تكريم عبد الحليم كركلا في الجامعة العربية، بعدها انقطعنا عن الاتصال، إذ تدهورت صحته، وأجرى عملية قلب مفتوح. كما فقد نعمة البصر في إحدى عينيه من جراء ضربة تلقاها بالغلط من أحد أحفاده. فضعف نظره وتراجعت صحته، وما عاد يمارس عمله بالشكل الديناميكي المعروف به».
ويتذكر عازار الشهرة الواسعة التي حققتها أغنية «بكتب اسمك يا بلادي»: «كنت أقفل معها أي حفل أنظّمه في لبنان وخارجه. ذاع صيت هذه الأغنية، في بقاع الأرض، وترجمها البرازيليون إلى البرتغالية تحت عنوان (أومينا تيرا)، وأحتفظ بنصّها هذا عندي في المنزل».
- مع غسان صليبا
مع الفنان غسان صليبا أبدع شويري مرة جديدة على الساحة الفنية العربية. وكانت «يا أهل الأرض» واحدة من الأغاني الوطنية التي لا تزال تردد حتى الساعة. ويروي صليبا لـ«الشرق الأوسط»: «كان يعد هذه الأغنية لتصبح شارة لمسلسل فأصررت عليه أن آخذها. وهكذا صار، وحققت نجاحاً منقطع النظير. تعاونت معه في أكثر من عمل. من بينها (كل شيء تغير) و(من يوم ما حبيتك)». ويختم صليبا: «العمالقة كإيلي شويري يغادرونا فقط بالجسد. ولكن بصمتهم الفنية تبقى أبداً ودائماً. لقد كانت تجتمع عنده مواهب مختلفة كملحن وكاتب ومغنٍ وممثل. نادراً ما نشاهدها تحضر عند شخص واحد. مع رحيله خسر لبنان واحداً من عمالقة الفن ومبدعيه. إننا نخسرهم على التوالي، ولكننا واثقون من وجودهم بيننا بأعمالهم الفذة».
لكل أغنية كتبها ولحنها إيلي شويري قصة، إذ كان يستمد موضوعاتها من مواقف ومشاهد حقيقية يعيشها كما كان يردد. لاقت أعماله الانتقادية التي برزت في مسرحية «قاووش الأفراح» و«سهرة شرعية» وغيرهما نجاحاً كبيراً. وفي المقابل، كان يعدها من الأعمال التي ينفذها بقلق. «كنت أخاف أن تخدش الذوق العام بشكل أو بآخر. فكنت ألجأ إلى أستاذي ومعلمي منصور الرحباني كي يرشدني إلى الصح والخطأ فيها».
أما حلم شويري فكان تمنيه أن تحمل له السنوات الباقية من عمره الفرح. فهو كما كان يقول أمضى القسم الأول منها مليئة بالأحزان والدموع. «وبالقليل الذي تبقى لي من سنوات عمري أتمنى أن تحمل لي الابتسامة».