ألبوم «بترا».. 9 قطع موسيقية بين جدران المدينة الوردية

ضمن الحملة العالمية لليونيسكو «متحدون من أجل التراث»

جانب من العروض الموسيقية ({الشرق الأوسط})
جانب من العروض الموسيقية ({الشرق الأوسط})
TT

ألبوم «بترا».. 9 قطع موسيقية بين جدران المدينة الوردية

جانب من العروض الموسيقية ({الشرق الأوسط})
جانب من العروض الموسيقية ({الشرق الأوسط})

ضمن الحملة العالمية لليونيسكو «متحدون من أجل التراث»، سيتم إطلاق الألبوم الجديد «بترا» للموسيقي لوكا أكوينو، وجمعية الأوركسترا الأردنية الوطنية، خلال حفل خاص يقام في 23 من شهر (يوليو (تموز) المقبل في مدينة البتراء الأثرية، الملقبة بالمدينة الوردية جنوب الأردن.
وهذه المبادرة وليدة المشروع المشترك بين مكتب اليونيسكو في عمان ومجموعة طلال أبو غزالة وجمعية الأوركسترا الأردنية الوطنية وسلطة إقليم البتراء التنموي السياحي.
وتنبع المقطوعات الموسيقية في الألبوم من عاطفة وشغف عازف البوق والمؤلف الموسيقي الإيطالي لوكا أكوينو الذي يوظف الارتدادات الصوتية الطبيعية (الصدى) في المواقع الأثرية لتحسين المقطوعات الموسيقية. وكواحد من أبرز موسيقيي الجاز الموهوبين في أوروبا، استحوذت الإمكانيات الصوتية للبتراء الصغيرة عليه خلال زياراته الثلاث التي قام بها للأردن.
ويجمع هذا الألبوم النابض بالحياة 9 قطع موسيقية تبث السعادة عند الاستماع لها. حيث تتفاعل الارتدادات الصوتية مع الغرف القديمة للصدى في البتراء، وتمتد الموسيقى ويتغير شكلها لتتخذ صورة أثيرية.
والبتراء الصغيرة جزء من محمية البتراء الأثرية المدرجة ضمن قائمة مواقع التراث العالمي لليونيسكو، حيث تمتاز بجمالها الأخاذ وقيمتها الأثرية التي لا تضاهى، كما أنها كانت فيما مضى من الزمن أهم المواقع التي يسعى أثرياء الأنباط لبناء بيوتهم فيها بعيدا عن مدينة البتراء الرئيسية في الظلال الباردة للوادي المحيط بها.
ويعتبر البوم «بترا» أول مشروع تسجيل تنتجه شركة طلال أبو غزالة الدولية للتسجيلات الجديدة، وهي شركة تسجيلات موسيقية تم إنشاؤها حديثا بهدف تطوير صناعة الموسيقى في الأردن.
وسيتم في 24 الشهر المقبل طرح 3 مقطوعات موسيقية على الإنترنت لتحميلها. وستذهب عوائد الألبوم إلى المؤسستين اللتين تدعمان البتراء وجمعية الأوركسترا الأردنية الوطنية.
بدوره، قدم مكتب اليونيسكو في عمان تشجيعا لهذه المبادرة الثقافية في هذا الوقت ضمن إطار الحركة العالمية «متحدون من أجل التراث». وتم إطلاق هذه الحملة القوية استجابة للهجمات الأخيرة غير المسبوقة على التراث.. الأمر الذي دعا مواطني العالم للوقوف ضد التطرف والراديكالية من خلال الاحتفال بالمواقع والعادات الثقافية التي تصنع من أي دولة مكان غنيا وحيويا.
وقال مدير سلطة إقليم البتراء التنموي السياحي عماد حجازين: «بفضل هذه المبادرة، سنقدم جانبا جديدا للإلهام الذي يقدمه جمال البتراء وهو فن الموسيقى».
وضم الجو التعاوني مشاركين من 10 دول مختلفة يؤدون ويعملون وراء الكواليس حتى يرى هذا التسجيل النور وهم الثلاثي الإيطالي لوكا أكوينو (البوق والموسيقى) وكارمن لوانا (الأكورديون) وسيرجيو كاسالي (الفلوت والتوزيع) وجمعية الأوركسترا الأردنية الوطنية بالتعاون مع عازفة الكمان الألمانية آنا ماريا ماتسوزاك، وعازف الكمان الأجهر السوري بسام الجبر، وعازف الإيقاعات براد برومفيلد من نيو أورلينز، وعازف الكمان الأرمني فاردان بترويسيان وعازف الاأوبوا الروماني لورينتيو باشيو.
وقال لوكا أكوينو: «إن تسجيل الألبوم في الأردن في بيئة محاطة بألوان الصحراء وأصداء موقع البتراء الأثري كان حلمًا أسعى لتحقيقه منذ زمن طويل، وقد تحقق الحلم أخيرًا».
وأضاف أن التجربة الصوفية التي شاركت فيها مع فريق عالمي رائع من مختلف الجنسيات البعيدة عن بعضها البعض؛ والذين وحدتهم الرغبة في التعبير عن أنفسهم من خلال الموسيقى، هي من أعطت الحياة لصوت ينشر الضوء من المنارات ويتناثر فوق بلدتي الجميلة بونوفيتو خلال رحلته نحو نيو أورلينز».
وقال إن هذا التقدير العالمي للموسيقى يحمل طياته رسالة مؤثرة تتجسد في إحساسنا بالانسجام مع هذا التنوع الثقافي. وقالت ممثلة اليونيسكو في الأردن كوستانزا فرينا: «بصورة تعكس توجهات في اليونيسكو، فإن الشغف المشترك الذي طغى على هذه التجربة الموسيقية يظهر كيف يمكن للفنون أن تبني جسورا قوية بين الثقافات وتتجاوز العوائق الجغرافية واللغوية والمادية». وقال مدير هيئة تشيط السياحة في الأردن عبد الرزاق عربيات: «هذه الشراكة الموسيقية مع جمعية الأوركسترا الأردنية الوطنية ومجموعة أبو غزالة ما هي إلا وسيلة رائعة لإظهار تقدير الأردن للموسيقى والفنون».
وأضاف: «إنه لمن الرائع أن نرى العدد المتزايد من الناس الذي يشاركون التجارب التي مروا بها في الأردن من خلال الموسيقى والفن، وخصوصا في أحد مواقع التراث العالمي. إن الحفلات في هذه المواقع التاريخية من الأشياء التي نحب أن نراها ونحب أن نراها مجددًا»، مشيرًا إلى أنه في نفس هذه المواقع كانت الحضارات القديمة تؤدي طقوسها وإعادة إحياء هذا الأمر يبين أن الموسيقى والمواقع التاريخية لا يمكن فصلهما عن بعضها بعضا.



رحيل إيلي شويري عاشق لبنان و«أبو الأناشيد الوطنية»

عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»
عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»
TT

رحيل إيلي شويري عاشق لبنان و«أبو الأناشيد الوطنية»

عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»
عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»

إنه «فضلو» في «بياع الخواتم»، و«أبو الأناشيد الوطنية» في مشواره الفني، وأحد عباقرة لبنان الموسيقيين، الذي رحل أول من أمس (الأربعاء) عن عمر ناهز 84 عاماً.
فبعد تعرضه لأزمة صحية نقل على إثرها إلى المستشفى، ودّع الموسيقي إيلي شويري الحياة. وفي حديث لـ«الشرق الأوسط» أكدت ابنته كارول أنها تفاجأت بانتشار الخبر عبر وسائل التواصل الاجتماعي قبل أن تعلم به عائلته. وتتابع: «كنت في المستشفى معه عندما وافاه الأجل. وتوجهت إلى منزلي في ساعة متأخرة لأبدأ بالتدابير اللازمة ومراسم وداعه. وكان الخبر قد ذاع قبل أن أصدر بياناً رسمياً أعلن فيه وفاته».
آخر تكريم رسمي حظي به شويري كان في عام 2017، حين قلده رئيس الجمهورية يومها ميشال عون وسام الأرز الوطني. وكانت له كلمة بالمناسبة أكد فيها أن حياته وعطاءاته ومواهبه الفنية بأجمعها هي كرمى لهذا الوطن.
ولد إيلي شويري عام 1939 في بيروت، وبالتحديد في أحد أحياء منطقة الأشرفية. والده نقولا كان يحضنه وهو يدندن أغنية لمحمد عبد الوهاب. ووالدته تلبسه ثياب المدرسة على صوت الفونوغراف الذي تنساب منه أغاني أم كلثوم مع بزوغ الفجر. أما أقرباؤه وأبناء الجيران والحي الذي يعيش فيه، فكانوا من متذوقي الفن الأصيل، ولذلك اكتمل المشوار، حتى قبل أن تطأ خطواته أول طريق الفن.
- عاشق لبنان
غرق إيلي شويري منذ نعومة أظافره في حبه لوطنه وترجم عشقه لأرضه بأناشيد وطنية نثرها على جبين لبنان، ونبتت في نفوس مواطنيه الذين رددوها في كل زمان ومكان، فصارت لسان حالهم في أيام الحرب والسلم. «بكتب اسمك يا بلادي»، و«صف العسكر» و«تعلا وتتعمر يا دار» و«يا أهل الأرض»... جميعها أغنيات شكلت علامة فارقة في مسيرة شويري الفنية، فميزته عن سواه من أبناء جيله، وذاع صيته في لبنان والعالم العربي وصار مرجعاً معتمداً في قاموس الأغاني الوطنية. اختاره ملك المغرب وأمير قطر ورئيس جمهورية تونس وغيرهم من مختلف أقطار العالم العربي ليضع لهم أجمل معاني الوطن في قالب ملحن لا مثيل له. فإيلي شويري الذي عُرف بـ«أبي الأناشيد الوطنية» كان الفن بالنسبة إليه منذ صغره هَوَساً يعيشه وإحساساً يتلمسه في شكل غير مباشر.
عمل شويري مع الرحابنة لفترة من الزمن حصد منها صداقة وطيدة مع الراحل منصور الرحباني. فكان يسميه «أستاذي» ويستشيره في أي عمل يرغب في القيام به كي يدله على الصح من الخطأ.
حبه للوطن استحوذ على مجمل كتاباته الشعرية حتى لو تناول فيها العشق، «حتى لو رغبت في الكتابة عن أعز الناس عندي، أنطلق من وطني لبنان»، هكذا كان يقول. وإلى هذا الحد كان إيلي شويري عاشقاً للبنان، وهو الذي اعتبر حسه الوطني «قدري وجبلة التراب التي امتزج بها دمي منذ ولادتي».
تعاون مع إيلي شويري أهم نجوم الفن في لبنان، بدءاً بفيروز وسميرة توفيق والراحلين وديع الصافي وصباح، وصولاً إلى ماجدة الرومي. فكان يعدّها من الفنانين اللبنانيين القلائل الملتزمين بالفن الحقيقي. فكتب ولحن لها 9 أغنيات، من بينها «مين إلنا غيرك» و«قوم تحدى» و«كل يغني على ليلاه» و«سقط القناع» و«أنت وأنا» وغيرها. كما غنى له كل من نجوى كرم وراغب علامة وداليدا رحمة.
مشواره مع الأخوين الرحباني بدأ في عام 1962 في مهرجانات بعلبك. وكانت أول أدواره معهم صامتة بحيث يجلس على الدرج ولا ينطق إلا بكلمة واحدة. بعدها انتسب إلى كورس «إذاعة الشرق الأدنى» و«الإذاعة اللبنانية» وتعرّف إلى إلياس الرحباني الذي كان يعمل في الإذاعة، فعرّفه على أخوَيه عاصي ومنصور.

مع أفراد عائلته عند تقلده وسام الأرز الوطني عام 2017

ويروي عن هذه المرحلة: «الدخول على عاصي ومنصور الرحباني يختلف عن كلّ الاختبارات التي يمكن أن تعيشها في حياتك. أذكر أن منصور جلس خلف البيانو وسألني ماذا تحفظ. فغنيت موالاً بيزنطياً. قال لي عاصي حينها؛ من اليوم ممنوع عليك الخروج من هنا. وهكذا كان».
أسندا إليه دور «فضلو» في مسرحية «بياع الخواتم» عام 1964. وفي الشريط السينمائي الذي وقّعه يوسف شاهين في العام التالي. وكرّت السبحة، فعمل في كلّ المسرحيات التي وقعها الرحابنة، من «دواليب الهوا» إلى «أيام فخر الدين»، و«هالة والملك»، و«الشخص»، وصولاً إلى «ميس الريم».
أغنية «بكتب اسمك يا بلادي» التي ألفها ولحنها تعد أنشودة الأناشيد الوطنية. ويقول شويري إنه كتب هذه الأغنية عندما كان في رحلة سفر مع الراحل نصري شمس الدين. «كانت الساعة تقارب الخامسة والنصف بعد الظهر فلفتني منظر الشمس التي بقيت ساطعة في عز وقت الغروب. وعرفت أن الشمس لا تغيب في السماء ولكننا نعتقد ذلك نحن الذين نراها على الأرض. فولدت كلمات الأغنية (بكتب اسمك يا بلادي عالشمس الما بتغيب)».
- مع جوزيف عازار
غنى «بكتب اسمك يا بلادي» المطرب المخضرم جوزيف عازار. ويخبر «الشرق الأوسط» عنها: «ولدت هذه الأغنية في عام 1974 وعند انتهائنا من تسجيلها توجهت وإيلي إلى وزارة الدفاع، وسلمناها كأمانة لمكتب التوجيه والتعاون»، وتابع: «وفوراً اتصلوا بنا من قناة 11 في تلفزيون لبنان، وتولى هذا الاتصال الراحل رياض شرارة، وسلمناه شريط الأغنية فحضروا لها كليباً مصوراً عن الجيش ومعداته، وعرضت في مناسبة عيد الاستقلال من العام نفسه».
يؤكد عازار أنه لا يستطيع اختصار سيرة حياة إيلي شويري ومشواره الفني معه بكلمات قليلة. ويتابع لـ«الشرق الأوسط»: «لقد خسر لبنان برحيله مبدعاً من بلادي كان رفيق درب وعمر بالنسبة لي. أتذكره بشوشاً وطريفاً ومحباً للناس وشفافاً، صادقاً إلى أبعد حدود. آخر مرة التقيته كان في حفل تكريم عبد الحليم كركلا في الجامعة العربية، بعدها انقطعنا عن الاتصال، إذ تدهورت صحته، وأجرى عملية قلب مفتوح. كما فقد نعمة البصر في إحدى عينيه من جراء ضربة تلقاها بالغلط من أحد أحفاده. فضعف نظره وتراجعت صحته، وما عاد يمارس عمله بالشكل الديناميكي المعروف به».
ويتذكر عازار الشهرة الواسعة التي حققتها أغنية «بكتب اسمك يا بلادي»: «كنت أقفل معها أي حفل أنظّمه في لبنان وخارجه. ذاع صيت هذه الأغنية، في بقاع الأرض، وترجمها البرازيليون إلى البرتغالية تحت عنوان (أومينا تيرا)، وأحتفظ بنصّها هذا عندي في المنزل».
- مع غسان صليبا
مع الفنان غسان صليبا أبدع شويري مرة جديدة على الساحة الفنية العربية. وكانت «يا أهل الأرض» واحدة من الأغاني الوطنية التي لا تزال تردد حتى الساعة. ويروي صليبا لـ«الشرق الأوسط»: «كان يعد هذه الأغنية لتصبح شارة لمسلسل فأصررت عليه أن آخذها. وهكذا صار، وحققت نجاحاً منقطع النظير. تعاونت معه في أكثر من عمل. من بينها (كل شيء تغير) و(من يوم ما حبيتك)». ويختم صليبا: «العمالقة كإيلي شويري يغادرونا فقط بالجسد. ولكن بصمتهم الفنية تبقى أبداً ودائماً. لقد كانت تجتمع عنده مواهب مختلفة كملحن وكاتب ومغنٍ وممثل. نادراً ما نشاهدها تحضر عند شخص واحد. مع رحيله خسر لبنان واحداً من عمالقة الفن ومبدعيه. إننا نخسرهم على التوالي، ولكننا واثقون من وجودهم بيننا بأعمالهم الفذة».
لكل أغنية كتبها ولحنها إيلي شويري قصة، إذ كان يستمد موضوعاتها من مواقف ومشاهد حقيقية يعيشها كما كان يردد. لاقت أعماله الانتقادية التي برزت في مسرحية «قاووش الأفراح» و«سهرة شرعية» وغيرهما نجاحاً كبيراً. وفي المقابل، كان يعدها من الأعمال التي ينفذها بقلق. «كنت أخاف أن تخدش الذوق العام بشكل أو بآخر. فكنت ألجأ إلى أستاذي ومعلمي منصور الرحباني كي يرشدني إلى الصح والخطأ فيها».
أما حلم شويري فكان تمنيه أن تحمل له السنوات الباقية من عمره الفرح. فهو كما كان يقول أمضى القسم الأول منها مليئة بالأحزان والدموع. «وبالقليل الذي تبقى لي من سنوات عمري أتمنى أن تحمل لي الابتسامة».