ممثلون وفنانون وكتاب في لندن ينضمون لمعسكر الراغبين في البقاء في أوروبا

منهم المخرج ستيف ماكوين.. وأيقونة الموضة والأزياء فيفيان.. والممثل مايكل كين

فيفيان ويستوود
فيفيان ويستوود
TT

ممثلون وفنانون وكتاب في لندن ينضمون لمعسكر الراغبين في البقاء في أوروبا

فيفيان ويستوود
فيفيان ويستوود

إذا كان تأييد المشاهير هو ما يهم، فسوف يحقق أولئك الذين يريدون لبريطانيا البقاء في الاتحاد الأوروبي فوزا سهلا في الاستفتاء المرتقب الخميس المقبل.
توافد الممثلون المحببون للجمهور، ونجوم موسيقى البوب والكتاب والفنانون على معسكر الراغبين في بقاء بريطانيا بالاتحاد.
وانضم نجم مسلسل شيرلوك الممثل بنديكت كومبرباتش، والأديبة والكاتبة المهتمة بالتاريخ هيلاري مانتل، والمخرج ستيف ماكوين، وأيقونة الموضة والأزياء فيفيان ويستوود، إلى أكثر من 280 من نجوم الصف الأول الذين سلكوا درب الحملة الانتخابية للراغبين في بقاء المملكة المتحدة ضمن التكتل.
وفيما يخص حصص كل منهما من الأسماء الكبيرة، فإن معسكر الراغبين في الانفصال هو المهزوم. فلا يؤيد هذا المعسكر إلا روجر دالتري، المغني الرئيسي في فريق «ذا هو» الغنائي الذي اشتهر في ستينات القرن الماضي، ونجم هوليوود المخضرم مايكل كين فقط.
لكن هل هناك أي دليل على أن تأييد المشاهير مؤثر حقا عندما يتعلق الأمر بالتصويت. أم هو انحراف عندما يخرج الأثرياء والمشاهير عن دورهم ويصبحون هم أنفسهم سياسيين؟
لكن نجم الثلاثية السينمائية «ذا هوبيت»، مارتن فريمان، النجم المشارك لكومبرباتش في مسلسل شيرلوك هولمز، ليس ضمن قائمة اتحاد المهن الإبداعية المشكلة من 96 في المائة من أعضائها، الذين وقعوا إلكترونيا على خطاب عبر موقع حملة المطالبة بالبقاء داخل الاتحاد.
في الفترة التي سبقت الانتخابات العامة في العام الماضي، تحدى فريمان أولئك الذين يظنون أن على نجوم السينما المليونيرات البقاء بعيدا عن السياسة. وظهر في حملات تلفزيونية لدعم حزب العمال.النجم السابق لمسلسل «دكتور هو»، ديفيد تينانت، الذي تصدر هو الآخر
دعاية حزب العمال، لم يظهر اسمه كذلك في القائمة التي تضم 282 من أعضاء اتحاد المهن الإبداعية.
ومني حزب العمال بخسارة مقنعة في الانتخابات الماضية، رغم تأييد النجوم الكبار الذي كان من بين مظاهره محادثة تلفزيونية بين زعيم الحزب إد ميليباند والممثل الكوميدي الصاخب ذي الشعبية الكبيرة، راسل براند.
وكان من بين الغائبين أيضا بشكل واضح عن لائحة اتحاد المهن الإبداعية، بطل جيمس بوند السابق شين كونري. الممثل المولود بإدنبره البالغ من العمر 85 عاما، الذي يحرص على بقاء بريطانيا في الاتحاد الأوروبي، رغم أنه ساعد في تمويل الحزب الوطني الاسكوتلندي الذي يسعى للاستقلال عن بريطانيا، واجه اتهاما بالتدخل في سياسة البلاد التي غادرها منذ ما يقرب من نصف قرن من الزمان.
وقالت السياسية الاسكوتلندية من حزب العمال، كارين جيلون، لصحيفة اسكوتلندية، إنها غير سعيدة بمثل هذا النشاط من جانب كونري. مضيفة «ربما يجب علينا أن نجد مشاركة من ممثلين يعملون ويعيشون في اسكوتلندا بدلا من ممثل يعيش في لوس أنجليس».
ستصوت سوزان دوجلاس، وهي مفتشة شرطة سابقة، لصالح مغادرة الاتحاد الأوروبي. وتعتقد أن تأييد المشاهير من «المحبوبين» يمكن أن تمثل ضررا لمعسكر المطالبين ببقاء بريطانيا في التكتل لأن الناس يرون أنهم يخدمون مصالحهم الذاتية. وقالت: إن «المحبوبين ربما يخدمون مصالحهم الخاصة».
ويتجاهل المستشار المالي المستقل، أندرو موريل، الذي يؤيد بقاء بريطانيا في الاتحاد الأوروبي، تملق المشتغلين بصناعة الترفيه.
وقال المصرفي السابق «كلا، أنا لا أتأثر بالمشاهير على الإطلاق، رغم أنني تأثرت بكل خبراء الاقتصاد البارزين والمؤسسات المالية المحترمة مثل صندوق النقد الدولي ومعهد الدراسات المالية ووزارة الخزانة التي حذرت من تضرر اقتصادنا إذا غادرنا الاتحاد».
وتؤكد وجهتا نظر دوجلاس وموريل البحث القائل إن تأييد المشاهير يعمل على الوجه الأفضل مع الناخبين الذين لا يهتمون كثيرا بالسياسة.
في ورقة بحثية صادرة عن الدورية الأوروبية للإدارة، ذكر الثلاثي من جامعة باث البريطانية - إيكانت فير، وإيلدا بيسيروفيتش، وبريت مارتن - أن ذوي الفطنة السياسية من غير المرجح أن يتأثروا بآراء المشاهير ولكن أولئك الذين هم أقل انخراطا في السياسة قد يتأثرون.
وأعلنت الورقة أنه «إذا كانت الأحزاب السياسية تستهدف هؤلاء المواطنين الذين لا يشاركون بنشاط في السياسة، فاستخدام تأييد المشاهير من شأنه أن يحدث تأثيرا كبيرا، بالنظر إلى نتائج هذا البحث». لكن هؤلاء الذين هم غير مهتمين بالسياسة هم الأقل احتمالا للخروج إلى التصويت في الاستفتاء المقبل. وقال الباحثون إن «عدد الناخبين الذين لا يشاركون سياسيا هم الأكثر عرضة لاستخدام تأييد المشاهير في التأثير عليهم، وفي الأوقات التي يكون فيها عدد هؤلاء الناخبين ضئيلا، كما كان الحال في ثمانينات القرن الماضي، يكون التأثير الظاهر أقل ما يمكن». وكلما كانت نسبة المشاركة أكبر، زاد تأثير تأييد المشاهير.



100 عامٍ من عاصي الرحباني

عاصي الرحباني وفيروز (تويتر)
عاصي الرحباني وفيروز (تويتر)
TT

100 عامٍ من عاصي الرحباني

عاصي الرحباني وفيروز (تويتر)
عاصي الرحباني وفيروز (تويتر)

في الرابع من شهر الخِصب وبراعم اللوز والورد، وُلد عاصي الرحباني. كانت البلادُ فكرةً فَتيّة لم تبلغ بعد عامها الثالث. وكانت أنطلياس، مسقط الرأس، قريةً لبنانيةً ساحليّة تتعطّر بزهر الليمون، وتَطربُ لارتطام الموج بصخور شاطئها.
لو قُدّر له أن يبلغ عامه المائة اليوم، لأَبصر عاصي التحوّلات التي أصابت البلاد وقُراها. تلاشت الأحلام، لكنّ «الرحباني الكبير» ثابتٌ كحقيقةٍ مُطلَقة وعَصي على الغياب؛ مقيمٌ في الأمس، متجذّر في الحاضر وممتدّةٌ جذوره إلى كل الآتي من الزمان.


عاصي الرحباني خلال جلسة تمرين ويبدو شقيقه الياس على البيانو (أرشيف Rahbani Productions)

«مهما قلنا عن عاصي قليل، ومهما فعلت الدولة لتكريمه قليل، وهذا يشمل كذلك منصور وفيروز»، يقول المؤلّف والمنتج الموسيقي أسامة الرحباني لـ«الشرق الأوسط» بمناسبة مئويّة عمّه. أما الصحافي والباحث محمود الزيباوي، الذي تعمّق كثيراً في إرث الرحابنة، فيرى أن التكريم الحقيقي يكون بتأليف لجنة تصنّف ما لم يُنشر من لوحاته الغنائية الموجودة في إذاعتَي دمشق ولبنان، وتعمل على نشره.
يقرّ أسامة الرحباني بتقصير العائلة تجاه «الريبرتوار الرحباني الضخم الذي يحتاج إلى تضافر جهود من أجل جَمعه»، متأسفاً على «الأعمال الكثيرة التي راحت في إذاعة الشرق الأدنى». غير أنّ ما انتشر من أغانٍ ومسرحيات وأفلام، على مدى أربعة عقود من عمل الثلاثي الرحباني عاصي ومنصور وفيروز، أصبح ذخيرةً للقرون المقبلة، وليس للقرن الرحباني الأول فحسب.

«فوتي احفظي، قومي سجّلي»
«كان بركاناً يغلي بالعمل... يكتب بسرعة ولا يتوقف عند هاجس صناعة ما هو أجمل، بل يترك السرد يمشي كي لا ينقطع الدفق»، هكذا يتذكّر أسامة عمّه عاصي. وفي بال الزيباوي كذلك، «عاصي هو تجسيدٌ للشغف وللإنسان المهووس بعمله». لم يكن مستغرباً أن يرنّ الهاتف عند أحد أصدقائه الساعة الثالثة فجراً، ليخرج صوت عاصي من السمّاعة قارئاً له ما كتب أو آخذاً رأيه في لحنٍ أنهاه للتوّ.
ووفق ما سمعه الزيباوي، فإن «بعض تمارين السيدة فيروز وتسجيلاتها كان من الممكن أن يمتدّ لـ40 ساعة متواصلة. يعيد التسجيل إذا لم يعجبه تفصيل، وهذا كان يرهقها»، رغم أنه الزوج وأب الأولاد الأربعة، إلا أن «عاصي بقي الأستاذ الذي تزوّج تلميذته»، على حدّ وصف الزيباوي. ومن أكثر الجمل التي تتذكّرها التلميذة عن أستاذها: «فوتي احفظي، قومي سَجّلي». أضنى الأمر فيروز وغالباً ما اعترفت به في الحوارات معها قبل أن تُطلقَ تنهيدةً صامتة: «كان ديكتاتوراً ومتطلّباً وقاسياً ومش سهل الرِضا أبداً... كان صعب كتير بالفن. لمّا يقرر شي يمشي فيه، ما يهمّه مواقفي».


عاصي وفيروز (تويتر)
نعم، كان عاصي الرحباني ديكتاتوراً في الفن وفق كل مَن عاصروه وعملوا معه. «كل العباقرة ديكتاتوريين، وهذا ضروري في الفن»، يقول أسامة الرحباني. ثم إن تلك القسوة لم تأتِ من عدم، فعاصي ومنصور ابنا الوَعر والحرمان.
أثقلت كتفَي عاصي منذ الصغر همومٌ أكبر من سنّه، فتحمّلَ وأخوه مسؤولية العائلة بعد وفاة الوالد. كان السند المعنوي والمادّي لأهل بيته. كمعطفٍ ردّ البردَ عنهم، كما في تلك الليلة العاصفة التي استقل فيها دراجة هوائية وقادها تحت حبال المطر من أنطلياس إلى الدورة، بحثاً عن منصور الذي تأخّر بالعودة من الوظيفة في بيروت. يروي أسامة الرحباني أنها «كانت لحظة مؤثرة جداً بين الأخوين، أبصرا خلالها وضعهما المادي المُذري... لم ينسيا ذلك المشهد أبداً، ومن مواقفَ كتلك استمدّا قوّتهما».
وكما في الصِبا كذلك في الطفولة، عندما كانت تمطر فتدخل المياه إلى المدرسة، كان يظنّ منصور أن الطوفان المذكور في الكتاب المقدّس قد بدأ. يُصاب بالهلَع ويصرخ مطالباً المدرّسين بالذهاب إلى أخيه، فيلاقيه عاصي ويحتضنه مهدّئاً من رَوعه.

«سهرة حبّ»... بالدَين
تعاقبت مواسم العزّ على سنوات عاصي الرحباني. فبعد بدايةٍ متعثّرة وحربٍ شرسة ضد أسلوبه الموسيقي الثائر على القديم، سلك دروب المجد. متسلّحاً بخياله المطرّز بحكايا جدّته غيتا و«عنتريّات» الوالد حنّا عاصي، اخترع قصصاً خفتت بفعلِ سحرِها الأصواتُ المُعترضة. أما لحناً، فابتدعَ نغمات غير مطابقة للنظريات السائدة، و«أوجد تركيبة جديدة لتوزيع الموسيقى العربية»، على ما يشرح أسامة الرحباني.


صورة تجمع عاصي ومنصور الرحباني وفيروز بالموسيقار محمد عبد الوهاب وفريد الأطرش، بحضور بديعة مصابني وفيلمون وهبي ونجيب حنكش (أرشيف Rahbani Productions)
كان عاصي مستعداً للخسارة المادية من أجل الربح الفني. يحكي محمود الزيباوي أنه، ولشدّة مثاليته، «سجّل مسرحية (سهرة حب) مرتَين ولم تعجبه النتيجة، فاقترض مبلغاً من المال ليسجّلها مرة ثالثة». ويضيف أن «أساطير كثيرة نُسجت حول الرحابنة، لكن الأسطورة الحقيقية الوحيدة هي جمال عملهم».
ما كانت لتكتمل أسطورة عاصي، لولا صوت تلك الصبية التي دخلت قفصَه الذهبي نهاد حدّاد، وطارت منه «فيروز».
«أدهشته»، يؤكّد الزيباوي؛ ويستطرد: «لكنّ أحداً منهما لم يعرف كيف يميّز بين نهاد حداد وفيروز»... «هي طبعاً المُلهِمة»، يقول أسامة الرحباني؛ «لمح فيها الشخصية التي لطالما أراد رسمَها، ورأى امرأةً تتجاوب مع تلك الشخصية»، ويضيف أن «عاصي دفع بصوت فيروز إلى الأعلى، فهو في الفن كان عنيفاً ويؤمن بالعصَب. كان يكره الارتخاء الموسيقي ويربط النجاح بالطبع الفني القوي، وهذا موجود عند فيروز».


زفاف عاصي الرحباني ونهاد حداد (فيروز) عام 1955 (تويتر)

دماغٌ بحجم وطن
من عزّ المجد، سرقت جلطة دماغيّة عاصي الرحباني عام 1972. «أكثر ما يثير الحزن أن عاصي مرض وهو في ذروة عطائه وإبداعه، وقد زادت الحرب اللبنانية من مرضه وصعّبت العمل كثيراً»، وفق الزيباوي. لم يكن القلق من الغد الغامض غريباً عليه. فهو ومنذ أودى انفجارٌ في إحدى الكسّارات بحياة زوج خالته يوسف الزيناتي، الذي كان يعتبره صياداً خارقاً واستوحى منه شخصيات لمسرحه، سكنته الأسئلة الحائرة حول الموت وما بعدَه.
الدماغ الذي وصفه الطبيب الفرنسي المعالج بأنه من أكبر ما رأى، عاد ليضيء كقمرٍ ليالي الحصّادين والعاشقين والوطن المشلّع. نهض عاصي ورجع إلى البزُق الذي ورثه عن والده، وإلى نُبله وكرمه الذي يسرد أسامة الرحباني عنهما الكثير.
بعد المرض، لانت قسوة عاصي في العمل وتَضاعفَ كرَمُه المعهود. يقول أسامة الرحباني إن «أقصى لحظات فرحه كانت لحظة العطاء». أعطى من ماله ومن فِكرِه، وعُرف بيدِه الموضوعة دائماً في جيبِه استعداداً لتوزيع النقود على المحتاجين في الشارع. أما داخل البيت، فتجسّد الكرَم عاداتٍ لطيفة وطريفة، كأن يشتري 20 كنزة متشابهة ويوزّعها على رجال العائلة وشبّانها.
خلال سنواته الأخيرة ومع احتدام الحرب، زاد قلق عاصي الرحباني على أفراد العائلة. ما كان يوفّر مزحة أو حكاية ليهدّئ بها خوف الأطفال، كما في ذلك اليوم من صيف 1975 الذي استُهدفت فيه بلدة بكفيا، مصيَف العائلة. يذكر أسامة الرحباني كيف دخل عاصي إلى الغرفة التي تجمّع فيها أولاد العائلة مرتعدين، فبدأ يقلّد الممثلين الأميركيين وهم يُطلقون النار في الأفلام الإيطالية، ليُنسيَهم ما في الخارج من أزيز رصاص حقيقي. وسط الدمار، بنى لهم وطناً من خيالٍ جميل، تماماً كما فعل وما زال يفعل في عامِه المائة، مع اللبنانيين.


عاصي الرحباني (غيتي)