قرية «شنغن» في لوكسمبرغ تحكي قصة حلم أوروبي

يزورها نحو 50 ألف سائح سنويًا من مختلف أنحاء العالم

قرية «شنغن» في لوكسمبرغ تحكي قصة حلم أوروبي
TT

قرية «شنغن» في لوكسمبرغ تحكي قصة حلم أوروبي

قرية «شنغن» في لوكسمبرغ تحكي قصة حلم أوروبي

يزور نحو 50 ألف سائح سنويًا من مختلف أنحاء العالم قرية شنغن الصغيرة في لوكسمبرغ التي تعد رمزًا للوحدة الأوروبية وتضم المتحف الأوروبي الذي افتتح في 2010. وعندما سقط سقف المتحف الأوروبي أخيرًا في قرية شنغن، رأى الكثيرون في ذلك نذيرًا لشيء أكبر سيحدث، إلا أن رئيس بلدية القرية بين هومان سارع إلى نفي ذلك. وألقى هومان باللوم على العمال الذين استخدموا مواد غير مناسبة في المتحف المقام في القرية التي شهدت مولد منطقة التنقل الحر (شنغن) التي تشمل 26 بلدًا أوروبيًا. لكن وبينما يخضع المتحف إلى الإصلاحات، فإن الأحلام التي تأسس عليها الاتحاد الأوروبي تبدو عصية على الإصلاح، إذ إنه فقد حب الأوروبيين له الآن أكثر من أي وقت آخر في تاريخه.
وقال هومان لوكالة الصحافة الفرنسية أثناء مشاهدته نهر موسيل المليء بالمياه بفعل الفيضانات ينساب بين التلال المغطاة بكروم العنب: «يجب أن نستعيد هذه الرؤى وهذه الأحلام، وأن نعود إلى فعل ما نستطيع فعله معًا».
وأضاف: «عندما تعيش هنا فإنك تعيش اتفاق شنغن كل يوم، لأنك إذا تحركت مسافة 100 متر فقط ستصبح في بلد آخر. لقد شهدنا من هنا المنطقة بأكملها تستفيد من الاتفاق».
واختيرت القرية التي تتمتع بمناظر جميلة لتوقيع الاتفاق الذي أدى إلى خلق منطقة الشنغن في 1985، نظرًا لأنها تقع في منطقة تلتقي فيها لوكسمبرغ وفرنسا وألمانيا. فالدعم يتضاءل للمثل العليا التي أدت إلى إنشاء الاتحاد الأوروبي قبل أكثر من 60 عامًا على أنقاض ما تبقى من أوروبا ما بعد الحرب العالمية الثانية.
وأظهر استطلاع أجراه معهد «بيو» الأميركي أخيرًا انخفاضًا كبيرًا في التأييد للاتحاد الأوروبي بين الأوروبيين، بلغ 17 نقطة ليصل إلى 38 في المائة في فرنسا خلال عام واحد.
وقالت جانيس ايمانويليديس مديرة الدراسات في مركز السياسة الأوروبية الذي مقره بروكسل إن الأوروبيين «لم يعودوا يعشقون الحلم الأوروبي» بعد أن أصبحت مزاياه أمرًا مسلمًا الآن.
وأضافت: «خلال السنوات الست أو السبع الماضية، عانى الاتحاد الأوروبي من أزمة تلو الأخرى، والأمور لا تتحسن بل تسوء».
وكان لأزمة الهجرة تأثير كبير جدًا حيث علق كثير من الدول العمل باتفاق الشنغن للتنقل الحر، وأخفق القادة في الاتفاق على كيفية تقاسم عبء اللاجئين الذين زاد عددهم على المليون.
أما الاقتصاد فإنه يعاني من المشكلات مع ارتفاع نسبة البطالة بين الشباب بشكل كبير في جنوب أوروبا، وأزمة الديون اليونانية التي لا تزال تهدد منطقة اليورو وسط خلاف بين الدول حول تحمل تكلفة هذه الأزمة. وما زاد المشكلات تعقيدًا ازدياد أعداد المتشككين باليورو وانتشار الشعبوية في أنحاء القارة. من ناحية أخرى تتزايد الاتهامات لبروكسل بالبيروقراطية وتقويض السيادة القومية.
بدأ قادة الاتحاد الأوروبي يقرون بأن الأوروبيين لا يشاركونهم حلمهم بـ«زيادة التقارب بين دول الاتحاد».
حتى أن رئيس المفوضية الأوروبية جان - كلود يونكر المؤيد المتشدد للاتحاد الأوروبي، أقر بأن مواطني الاتحاد «بدأوا يبتعدون» عن المشروع الأوروبي، لأن بروكسل «تتدخل في كثير من مجالات حياتهم الخاصة». ويتزايد رفض الأوروبيين لأي نوع من المثالية.
تتساءل ايمانويليديس: «من الذي يحلم بالحلم الأوروبي؟ حتى الذين يمثلون هذا الحلم أصبحوا أكثر واقعية».
ومثال على ذلك هو تحذير رئيس الاتحاد الأوروبي دونالد توسك الشهر الماضي بأن بروكسل «مهووسة بفكرة الاندماج السريع والكامل (..) لقد فشلنا في ملاحظة أن الأشخاص العاديين من المواطنين الأوروبيين لا يشتركون في الحماس لحلمنا الأوروبي».
وفي قرية شنغن الصغيرة التي توجد فيها 8 محطات وقود لتزويد السائقين الفرنسيين والألمان بالوقود الرخيص، يأمل السكان في أن يستمر الحلم الأوروبي.
قال ديوغو كاميلاو ايرميندو الذي يزور شنغن حيث دفن والده، مع زوجته ماري - اليس كيركيريا: «الناس ينسون الحال قبل 30 و40 و50 و60 عامًا مضت مع الحروب وجميع المشكلات التي كانت تنتشر في ذلك الوقت».
وأضاف: «أعتقد أن بريطانيا يجب ألا تخرج من الاتحاد الأوروبي لأن ذلك لن يسهل الحياة على أحد بل سيخلق حدودًا ويعقد المؤسسات التي تحاول السماح للناس بالعيش بسلام دون مشكلات أو حروب». وتجري بريطانيا استفتاء يوم الخميس المقبل، يمكن أن يؤدي إلى خروجها من الاتحاد، بينما مستقبل منطقة الشنغن مهدد بعد موجة المهاجرين التي كانت الأسوأ والتي تشهدها أوروبا منذ الحرب العالمية الثانية.



ستيف بركات لـ«الشرق الأوسط»: أصولي اللبنانية تتردّد أبداً في صدى موسيقاي

عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية     -   ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)
عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية - ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)
TT

ستيف بركات لـ«الشرق الأوسط»: أصولي اللبنانية تتردّد أبداً في صدى موسيقاي

عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية     -   ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)
عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية - ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)

ستيف بركات عازف بيانو كندي من أصل لبناني، ينتج ويغنّي ويلحّن. لفحه حنين للجذور جرّه إلى إصدار مقطوعة «أرض الأجداد» (Motherland) أخيراً. فهو اكتشف لبنان في وقت لاحق من حياته، وينسب حبّه له إلى «خيارات مدروسة وواعية» متجذرة في رحلته. من اكتسابه فهماً متيناً لهويته وتعبيره عن الامتنان لما منحه إياه الإرث من عمق يتردّد صداه كل يوم، تحاوره «الشرق الأوسط» في أصله الإنساني المنساب على النوتة، وما أضفاه إحساسه الدفين بالصلة مع أسلافه من فرادة فنية.
غرست عائلته في داخله مجموعة قيم غنية استقتها من جذورها، رغم أنه مولود في كندا: «شكلت هذه القيم جزءاً من حياتي منذ الطفولة، ولو لم أدركها بوعي في سنّ مبكرة. خلال زيارتي الأولى إلى لبنان في عام 2008. شعرتُ بلهفة الانتماء وبمدى ارتباطي بجذوري. عندها أدركتُ تماماً أنّ جوانب عدة من شخصيتي تأثرت بأصولي اللبنانية».
بين كوبنهاغن وسيول وبلغراد، وصولاً إلى قاعة «كارنيغي» الشهيرة في نيويورك التي قدّم فيها حفلاً للمرة الأولى، يخوض ستيف بركات جولة عالمية طوال العام الحالي، تشمل أيضاً إسبانيا والصين والبرتغال وكوريا الجنوبية واليابان... يتحدث عن «طبيعة الأداء الفردي (Solo) التي تتيح حرية التكيّف مع كل حفل موسيقي وتشكيله بخصوصية. فالجولات تفسح المجال للتواصل مع أشخاص من ثقافات متنوعة والغوص في حضارة البلدان المضيفة وتعلّم إدراك جوهرها، مما يؤثر في المقاربة الموسيقية والفلسفية لكل أمسية».
يتوقف عند ما يمثله العزف على آلات البيانو المختلفة في قاعات العالم من تحدٍ مثير: «أكرّس اهتماماً كبيراً لأن تلائم طريقة عزفي ضمانَ أفضل تجربة فنية ممكنة للجمهور. للقدرة على التكيّف والاستجابة ضمن البيئات المتنوّعة دور حيوي في إنشاء تجربة موسيقية خاصة لا تُنسى. إنني ممتنّ لخيار الجمهور حضور حفلاتي، وهذا امتياز حقيقي لكل فنان. فهم يمنحونني بعضاً من وقتهم الثمين رغم تعدّد ملاهي الحياة».
كيف يستعد ستيف بركات لحفلاته؟ هل يقسو عليه القلق ويصيبه التوتر بإرباك؟ يجيب: «أولويتي هي أن يشعر الحاضر باحتضان دافئ ضمن العالم الموسيقي الذي أقدّمه. أسعى إلى خلق جو تفاعلي بحيث لا يكون مجرد متفرج بل ضيف عزيز. بالإضافة إلى الجانب الموسيقي، أعمل بحرص على تنمية الشعور بالصداقة الحميمة بين الفنان والمتلقي. يستحق الناس أن يلمسوا إحساساً حقيقياً بالضيافة والاستقبال». ويعلّق أهمية على إدارة مستويات التوتّر لديه وضمان الحصول على قسط كافٍ من الراحة: «أراعي ضرورة أن أكون مستعداً تماماً ولائقاً بدنياً من أجل المسرح. في النهاية، الحفلات الموسيقية هي تجارب تتطلب مجهوداً جسدياً وعاطفياً لا تكتمل من دونه».
عزف أناشيد نالت مكانة، منها نشيد «اليونيسف» الذي أُطلق من محطة الفضاء الدولية عام 2009 ونال جائزة. ولأنه ملحّن، يتمسّك بالقوة الهائلة للموسيقى لغة عالمية تنقل الرسائل والقيم. لذا حظيت مسيرته بفرص إنشاء مشروعات موسيقية لعلامات تجارية ومؤسسات ومدن؛ ومعاينة تأثير الموسيقى في محاكاة الجمهور على مستوى عاطفي عميق. يصف تأليف نشيد «اليونيسف» بـ«النقطة البارزة في رحلتي»، ويتابع: «التجربة عزّزت رغبتي في التفاني والاستفادة من الموسيقى وسيلة للتواصل ومتابعة الطريق».
تبلغ شراكته مع «يونيفرسال ميوزيك مينا» أوجها بنجاحات وأرقام مشاهدة عالية. هل يؤمن بركات بأن النجاح وليد تربة صالحة مكوّنة من جميع عناصرها، وأنّ الفنان لا يحلّق وحده؟ برأيه: «يمتد جوهر الموسيقى إلى ما وراء الألحان والتناغم، ليكمن في القدرة على تكوين روابط. فالنغمات تمتلك طاقة مذهلة تقرّب الثقافات وتوحّد البشر». ويدرك أيضاً أنّ تنفيذ المشاريع والمشاركة فيها قد يكونان بمثابة وسيلة قوية لتعزيز الروابط السلمية بين الأفراد والدول: «فالثقة والاهتمام الحقيقي بمصالح الآخرين يشكلان أسس العلاقات الدائمة، كما يوفر الانخراط في مشاريع تعاونية خطوات نحو عالم أفضل يسود فيه الانسجام والتفاهم».
بحماسة أطفال عشية الأعياد، يكشف عن حضوره إلى المنطقة العربية خلال نوفمبر (تشرين الثاني) المقبل: «يسعدني الوجود في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا كجزء من جولة (Néoréalité) العالمية. إنني في مرحلة وضع اللمسات الأخيرة على التفاصيل والتواريخ لنعلن عنها قريباً. تملؤني غبطة تقديم موسيقاي في هذا الحيّز النابض بالحياة والغني ثقافياً، وأتحرّق شوقاً لمشاركة شغفي وفني مع ناسه وإقامة روابط قوامها لغة الموسيقى العالمية».
منذ إطلاق ألبومه «أرض الأجداد»، وهو يراقب جمهوراً متنوعاً من الشرق الأوسط يتفاعل مع فنه. ومن ملاحظته تزايُد الاهتمام العربي بالبيانو وتعلّق المواهب به في رحلاتهم الموسيقية، يُراكم بركات إلهاماً يقوده نحو الامتنان لـ«إتاحة الفرصة لي للمساهمة في المشهد الموسيقي المزدهر في الشرق الأوسط وخارجه».
تشغله هالة الثقافات والتجارب، وهو يجلس أمام 88 مفتاحاً بالأبيض والأسود على المسارح: «إنها تولّد إحساساً بالعودة إلى الوطن، مما يوفر ألفة مريحة تسمح لي بتكثيف مشاعري والتواصل بعمق مع الموسيقى التي أهديها إلى العالم».