مخاوف من ظهور «داعش» في ألبانيا

قلق من انتشار شرارة التطرف في بلد يتمتع بتسامح ديني

مئذنة مسجد ترتفع في سماء العاصمة تيرانا «واشنطن بوست»
مئذنة مسجد ترتفع في سماء العاصمة تيرانا «واشنطن بوست»
TT

مخاوف من ظهور «داعش» في ألبانيا

مئذنة مسجد ترتفع في سماء العاصمة تيرانا «واشنطن بوست»
مئذنة مسجد ترتفع في سماء العاصمة تيرانا «واشنطن بوست»

اسأل بوجار هيسا عن التهم التي أتت به إلى «سجن 302» الضيق بالعاصمة تيرانا، وسوف يمطرك هائجا بوابل من كلمات الإنكار. «لم يحدث مطلقا أن شجعت الإرهاب»، وفق الرجل الذي أدين الشهر الماضي بتجنيد شباب ألباني للانضمام لـ«داعش».
لكن إن ضغطت قليلا فسوف يقر هيسا بدعمه لفصيل يشبه تنظيم داعش، لا في سوريا، لكن في ألبانيا، الدولة العضو في حلف شمال الأطلسي (ناتو) والحليف القريب من الولايات المتحدة في جنوب أوروبا.
ولدى سؤاله في غرفة الزوار الضيقة بالسجن عن توقعاته بشأن مستقبل بلاده، توقع هيسا أن الشريعة، أو القوانين الإسلامية، لا محالة سوف تحل محل الحكم الغربي، وهي الكلمات التي استصرخت تابعية من الأعضاء الصغار في السجن.
أضاف الشيخ الملتحي في وجود حارس يقظ خارج الباب أن «الإسلام يستطيع التعايش مع غيره من الديانات، لكن هل في وجود الديمقراطية؟ لا»، مضيفا أن «أي إنسان يقول: إن الشريعة يمكنها التعايش مع الديمقراطية هو حتما منافق».
تلك هي الكلمات التي تصف بكل دقة حال المسؤولين في دولة ألبانيا صغيرة الحجم، التي لا يتعدى سكانها 2.8 مليون نسمة بعد أن دخل مسؤولوها حربا في مواجهة لإخماد شراراتها الأولى التي تسريت من خلال الحدود الشرقية للبلاد.
تقع منطقة البلقان بين البحر الإدرياتيكي المتلألئ وقمم سلسلة جبال الألب ويسكنها غالبية مسلمة، غير أنها تتمتع بتسامح ديني واعتدال متوارث من مئات السنين، لكن هنا وعلى بعد 1200 ميلا من الحرب الدائرة في سوريا، وجد تنظيم داعش أتباعا قليلين لكنهم مخلصون.
سافر أكثر من 100 ألباني إلى الشرق الأوسط للانضمام للتنظيم الإرهابي، واستطاعت قلة منهم جني الشهرة باستخدام الإنترنت ومن خلالها قاموا بإغواء غيرهم من الفلاحين للحاق بهم. ووجد نداؤهم للجهاد في سبيل الإسلام دعوة من بعض المساجد المتشددة التي انتشرت في ألبانيا في السنوات الأخيرة، بعضها بني بتمويل من جمعيات خيرية إسلامية والبعض الآخر عن طريق دعاة من تركيا ومنطقة الخليج العربي.
لكن حكومة ألبانيا تقاوم باستماتة. مرر البرلمان مؤخرا قانون يحظر المشاركة في تنظيم داعش، وشنت أجهزة الأمن حملة مشددة على المجندين الذين يتخذون طريقهم إلى العراق وسوريا. كان بوجار هيسا، الإمام السجين، واحدا من 3 من رجال الدين، وستة آخرين صدرت بحقهم الشهر الماضي عقوبات تصل إلى السجن 18 عاما؛ بسبب تشجيعهم المزعوم للشباب الألبان على اعتناق الجهاد العنيف. لكن هذه الجهود تواجه ريحا معاكسة، بما في ذلك تيار متشدد يأتي من الشرق ويمتد عبر بلد مجاور من البلقان، لا يزال يعاني آثار حرب طائفية في تسعينيات القرن الماضي. وتجد الرسائل المتطرفة أرضا خصبة في الأحياء والقرى الأكثر فقرا؛ حيث يزداد الفساد الحكومي وتتجاوز نسبة البطالة في أوساط الشباب البالغين 40 في المائة أحيانا. وتعمل شرطة الحدود على تعزيز الدوريات لملاحقة المقاتلين الإسلاميين الذين يسافرون شمالا لوسط أوروبا مع المهاجرين السوريين، على الرغم من أن مجموعة صغيرة من المهاجمين هم فقط من امتلكوا الشجاعة لمحاولة الممرات الوعرة في جبال الألب في ألبانيا. قال المتحدث باسم البرلمان الألباني، إلير ميتا، خلال زيارة في واشنطن الشهر الماضي: «لكن حتى الجبال لا تستطيع وقف هذا المد».
ويقر المسؤولون الألبان بأن سلاحهم الفعال ضد التطرف - وهو التنمية الاقتصادية - يظل دون المطلوب، كما هو حال الوعود الغربية بزيادة التجارة والاستثمار مع بلد لا يزال يعاني الفقر بعد 25 عاما على نهاية الحكم الشيوعي.
وقال يلي مانجاني، وزير العدل في مقابلة: «لم يكن الدين أبدا هو المشكلة هنا: إنه التعليم، وغياب المجتمع المدني المتطور. والمشكلة هي الفقر، خاصة في تلك المناطق البعيدة. عندما يكون لديك وضع يشعر فيه الناس بقلة الحيلة، يتمكن المتطرفون من الاصطياد في تلك البركة». إن فكرة الإسلام المتشدد ما زال تواجه صعوبة في بلد يأخذ دينه بيسر دائما.
وعلى مدار قرون، كان الألبان مزيجا طيبا من المسلمين السنة، والمسيحيين الأرثوذوكس، والرومان الكاثوليك، مع أقلية نافذة من البكتاشيين، وهم فئة من المسلمين الصوفيين المعتدلين الذين يقع مقرهم العالمي في ألبانيا. وعلى مدار ما يقرب من 50 عاما حتى انهيار الشيوعية في 1990. اعتبر قادة البلاد الماركسيين ألبانيا أول دولة ملحدة في العالم؛ حيث حظروا رسميا الشعائر الدينية واضطهدوا الأئمة والقساوسة.
كان من بين المضطهدين الجد المسلم ليلي غورا، وهو رجل دين سني معتدل يرأس اليوم مسجدا بارزا في تيرانا، لا يبعد كثيرا عن التماثيل التي تكرم ذكرى سكانديربرغ، البطل القومي لألبانيا في القرن الـ15، الذي تحول لاعتناق المسيحية.
يرتدي غورا بذلة ويحتسي القهوة في أحد مقاهي تيرانا ذات التصميم العصري، وهو يدين لجده ليس فقط لدينه، بل كذلك لإيمانه باحتضان جيرانه من الأديان الأخرى. ومثل هذا القبول، بحسب قوله، كان دائما من الأركان الأساسية للإسلام الألباني - أو حتى وقت قريب على الأقل.
قال غورا: «لقد كنا دائما فخورين بأننا بلد تستطيع فيه ممارسة معتقداتك كما تحب. لكن الناس الذين نشأوا في عهد الشيوعية لديهم القليل من الفهم لدينهم. والآن، بعد 25 عاما من الديمقراطية والحرية، يجد البعض مشكلات في فهم الحدود بين الأديان». وقد كانت الجماعات الأجنبية تواقة للغاية لتقديم المساعدة في التعليم الديني. بداية من أوائل التسعينيات من القرن الماضي، وصلت الجمعيات الخيرية الإسلامية، وبعضها مدعوم من الممالك الخليجية الغنية، إلى تيرانا للبدء في بناء المساجد والمدارس الدينية.
في العقد الماضي، شهدت أكبر المدن الألبانية زيادة في عدد المساجد المستقلة، غير المرتبطة بـ«المجتمع الإسلامي الألباني»، وهي المنظمة التي ترأس مراكز العبادة السنية المعتدلة في البلاد. كما نهضت التجمعات الإنجيلية المسيحية كذلك، فعززت من وعي طائفي متزايد يقول كثير من الألبان إنه دخيل على ثقافتهم. واليوم، فإن أحد أكبر المشروعات في تيرانا، هو مسجد ضخم بتكلفة 34 مليون دولار، تموله جزئيا الحكومة التركية، وفي حين أن قليلين هم المسؤولون الحكوميون الذين يشككون علنا في سخاء تركيا، لكن بعضهم عبر في تصريحات خاصة عن سخطه. وتساءل مسؤول كبير: «لماذا مسجد جديد بمثل هذا التمويل السخي في بلد لديه الكثير من الاحتياجات المهمة، بما في ذلك المدارس، والطرق السريعة والبنية التحتية المطلوبة لصناعة السياحة الواعدة في ألبانيا، وإن لم تحقق النمو الكامل بعد؟».
ومؤخرا، ليس المساجد نفسها التي تخشى مسؤولي الأمن الألبان. إنها الرسائل، التي يتداولها عدد صغير من الأئمة المستقلين، وكثير منهم تدرب خارج البلاد.
بدأت المخاوف من التشدد تتراكم قبل عامين عندما بدأت أول موجة من متطوعي «داعش» تغادر باتجاه سوريا، بدعوة من رجال الدين المحليين في بعض الأحيان. وفي بعض القرى البعيدة في جنوب شرقي ألبانيا، بدأت شباب من المسلمين في سنوات المراهقة أو في عشرينيات العمر مغادرة البلاد في مجموعات صغيرة، ويفصحون فيما بعد أنهم وصلوا إلى العراق أو سوريا. انضم بعضهم إلى وحدات مقاتلة من البلقان، تتكون من أفراد من الألبان ومن كوسوفو.
ترقى مقاتل ألباني، هو أبو بلقيسا، الإمام البالغ من العمر 32 عاما من قرية لشنيكا الصغيرة شرقي البلاد، إلى موقع قيادي، ثم أصبح نجما على الإنترنت، حيث ظهر في فيديوهات «داعش»، تحت لقب «ألمير داتشي»، ليحث بني وطنه على تنفيذ هجمات إرهابية في البلاد. قتل بلقيسا في وقت لاحق أثناء القتال، لكن مقاطع الفيديو التي ظهر فيها، التي تم تداولها على نطاق واسع، ساهمت في دفع حملة أمنية مشددة من قبل المسؤولين الألبان على المتشددين الحقيقيين والمشتبه فيهم في أنحاء البلاد.
وتم إغلاق عدد من المساجد التي عرفت بصلتها بالمتشددين، أو أجبرت على تغيير قيادتها، وألقي القبض على كثير من الإسلاميين البارزين. وكان بوجار هيسا بين أولئك الذين ألقي القبض عليهم في حملات الاعتقال الأولى، بجانب 8 من الإسلاميين الآخرين المتهمين بتشجيع المصلين على دعم «داعش».
* «واشنطن بوست»



موسكو تلعب على التصعيد النووي في انتظار عودة ترمب إلى البيت الأبيض

الرئيس الروسي فلاديمير بوتين خلال اجتماع في موسكو 21 نوفمبر 2024 (رويترز)
الرئيس الروسي فلاديمير بوتين خلال اجتماع في موسكو 21 نوفمبر 2024 (رويترز)
TT

موسكو تلعب على التصعيد النووي في انتظار عودة ترمب إلى البيت الأبيض

الرئيس الروسي فلاديمير بوتين خلال اجتماع في موسكو 21 نوفمبر 2024 (رويترز)
الرئيس الروسي فلاديمير بوتين خلال اجتماع في موسكو 21 نوفمبر 2024 (رويترز)

يشكّل تحديث العقيدة النووية لروسيا الذي أعلنه الرئيس الروسي فلاديمير بوتين مؤخراً، تحذيراً للغرب، وفتحاً ﻟ«نافذة استراتيجية» قبل دخول الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب البيت الأبيض، وفق تحليل لصحيفة «لوفيغارو» الفرنسية.

«إن تحديث العقيدة النووية الروسية يستبعد احتمال تعرّض الجيش الروسي للهزيمة في ساحة المعركة»، بيان صادر عن رئيس الاستخبارات الخارجية الروسية، سيرغي ناريتشكين، لا يمكن أن يكون بياناً عادياً، حسب «لوفيغارو». فمن الواضح، حسب هذا التصريح الموجه إلى الغربيين، أنه من غير المجدي محاولة هزيمة الجيش الروسي على الأرض، لأن الخيار النووي واقعي. هذه هي الرسالة الرئيسة التي بعث بها فلاديمير بوتين، الثلاثاء، عندما وقّع مرسوم تحديث العقيدة النووية الروسية المعتمد في عام 2020.

ويدرك الاستراتيجيون الجيوسياسيون الحقيقة الآتية جيداً: الردع هو مسألة غموض (فيما يتعلّق باندلاع حريق نووي) ومسألة تواصل. «وفي موسكو، يمكننا أن نرى بوضوح الذعر العالمي الذي يحدث في كل مرة يتم فيها نطق كلمة نووي. ولا يتردد فلاديمير بوتين في ذكر ذلك بانتظام، وفي كل مرة بالنتيجة المتوقعة»، حسب الصحيفة. ومرة أخرى يوم الثلاثاء، وبعد توقيع المرسوم الرئاسي، انتشرت موجة الصدمة من قمة مجموعة العشرين في كييف إلى بكين؛ حيث حثّت الحكومة الصينية التي كانت دائماً شديدة الحساسية تجاه مبادرات جيرانها في ما يتصل بالمسائل النووية، على «الهدوء» وضبط النفس. فالتأثير الخارق الذي تسعى روسيا إلى تحقيقه لا يرتبط بالجوهر، إذ إن العقيدة النووية الروسية الجديدة ليست ثورية مقارنة بالمبدأ السابق، بقدر ارتباطها بالتوقيت الذي اختارته موسكو لهذا الإعلان.

صورة نشرتها وزارة الدفاع الروسية في الأول من مارس 2024 اختبار إطلاق صاروخ باليستي عابر للقارات تابع لقوات الردع النووي في البلاد (أ.ف.ب)

العقيدة النووية الروسية

في سبتمبر (أيلول) الماضي، وفي حين شنّت قوات كييف في أغسطس (آب) توغلاً غير مسبوق في منطقة كورسك في الأراضي الروسية، رد فلاديمير بوتين بتحديد أنه يمكن استخدام الأسلحة النووية ضد دولة غير نووية تتلقى دعماً من دولة نووية، في إشارة واضحة إلى أوكرانيا والولايات المتحدة. لكن في نسخة 2020 من الميثاق النووي الروسي، احتفظت موسكو بإمكانية استخدام الأسلحة الذرية أولاً، لا سيما في حالة «العدوان الذي تم تنفيذه ضد روسيا بأسلحة تقليدية ذات طبيعة تهدّد وجود الدولة ذاته».

وجاء التعديل الثاني في العقيدة النووية الروسية، الثلاثاء الماضي، عندما سمحت واشنطن لكييف باستخدام الصواريخ بعيدة المدى: رئيس الكرملين يضع ختمه على العقيدة النووية الجديدة التي تنص على أن روسيا ستكون الآن قادرة على استخدام الأسلحة النووية «إذا تلقت معلومات موثوقة عن بدء هجوم جوي واسع النطاق عبر الحدود، عن طريق الطيران الاستراتيجي والتكتيكي وصواريخ كروز والطائرات من دون طيار والأسلحة التي تفوق سرعتها سرعة الصوت». وحسب المتخصصة في قضايا الردع في المعهد الفرنسي للعلاقات الدولية (إيفري)، هيلواز فايت، فإن هذا يعني توسيع شروط استخدام السلاح النووي الروسي.

الرئيس الروسي فلاديمير بوتين يصافح الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب خلال اجتماع على هامش قمة مجموعة العشرين في أوساكا باليابان 28 يونيو 2019 (رويترز)

انتظار عودة ترمب

لفترة طويلة، لاحظ صقور الاستراتيجية الجيوستراتيجية الروسية أن الردع الروسي تلاشى. وبالنسبة إليهم، فقد حان الوقت لموسكو لإعادة تأكيد خطوطها الحمراء من خلال «إعادة ترسيخ الخوف» من الأسلحة النووية، على حد تعبير سيرغي كاراجانوف، الخبير الذي يحظى باهتمام فلاديمير بوتين. ةمن هذا المنظار أيضاً، يرى هؤلاء المختصون اندلاع الحرب في أوكرانيا، في 24 فبراير (شباط) 2022، متحدثين عن «عدوان» من الغرب لم تكن الترسانة النووية الروسية قادرة على ردعه. بالنسبة إلى هؤلاء المتعصبين النوويين، ينبغي عدم حظر التصعيد، بل على العكس تماماً. ومن الناحية الرسمية، فإن العقيدة الروسية ليست واضحة في هذا الصدد. لا تزال نسخة 2020 من العقيدة النووية الروسية تستحضر «تصعيداً لخفض التصعيد» غامضاً، بما في ذلك استخدام الوسائل غير النووية.

وحسب قناة «رايبار» المقربة من الجيش الروسي على «تلغرام»، فإنه كان من الضروري إجراء تحديث لهذه العقيدة؛ لأن «التحذيرات الروسية الأخيرة لم تُؤخذ على محمل الجد».

ومن خلال محاولته إعادة ترسيخ الغموض في الردع، فإن فلاديمير بوتين سيسعى بالتالي إلى تثبيط الجهود الغربية لدعم أوكرانيا. وفي ظل حملة عسكرية مكلفة للغاية على الأرض، يرغب رئيس «الكرملين» في الاستفادة من الفترة الاستراتيجية الفاصلة بين نهاية إدارة الرئيس الأميركي جو بايدن ووصول الرئيس المنتخب دونالد ترمب إلى البيت الأبيض، الذي يتوقع منه بوتين مبادرات سلام محتملة لإنهاء الحرب.

يسعى بوتين، وفق الباحثة في مؤسسة «كارنيغي»، تاتيانا ستانوفايا، لوضع الغرب أمام خيارين جذريين: «إذا كنت تريد حرباً نووية، فستحصل عليها»، أو «دعونا ننهي هذه الحرب بشروط روسيا».