«الخط العربي» في رمضان.. تزجية للوقت وإمتاع للذائقة

رواج ورشات التعلم.. وتطعيم الخطوط وزخارفها على المنتجات الاستهلاكية

من أعمال الخطاط سعود خان الذي يقدم دورات للخط العربي في شهر رمضان بجدة -  من أعمال الخطاط السعودي حسن آل رضوان - لوحة أخرى للخطاط سعود خان
من أعمال الخطاط سعود خان الذي يقدم دورات للخط العربي في شهر رمضان بجدة - من أعمال الخطاط السعودي حسن آل رضوان - لوحة أخرى للخطاط سعود خان
TT

«الخط العربي» في رمضان.. تزجية للوقت وإمتاع للذائقة

من أعمال الخطاط سعود خان الذي يقدم دورات للخط العربي في شهر رمضان بجدة -  من أعمال الخطاط السعودي حسن آل رضوان - لوحة أخرى للخطاط سعود خان
من أعمال الخطاط سعود خان الذي يقدم دورات للخط العربي في شهر رمضان بجدة - من أعمال الخطاط السعودي حسن آل رضوان - لوحة أخرى للخطاط سعود خان

تنعس الفنون البصرية في شهر رمضان، وتدخل فعالياتها في حالة خمول، ما عدا فن الخط العربي الذي يزداد وهجا في الشهر الكريم مستلهما الطابع الروحاني للأجواء الرمضانية، مما يثير شهيّة كثيرين لدخول ورشات تعلم الخط العربي، التي تزدهر هذه الأيام بصورة لافتة، فهذا الفن يجد في رمضان اهتماما لا يجده بالقدر نفسه في بقية الشهور.
وتتألق الحروف العربية كذلك في تزيين القطع الاستهلاكية على اختلاف أنواعها في رمضان، ما بين الألبسة والحلي والخزفيات والأواني، حيث نجد الخط العربي قد تم تطويعه ليخرج بصور احترافية، مما يضفى طابعا شرقيا عميقا على كثير من المنازل السعودية خلال هذا الشهر، مع الاستعانة بشكل مباشر بأحد الخطاطين أو اقتناء قطع مخطوطة ببعض الآيات القرآنية أو الحِكم والمأثورات.
إلا أن رواج دورات تعلم الخط العربي في شهر رمضان هو الأمر الأكثر بروزا، وهو ما يُعلق عليه الخطاط السعودي سعود خان، الذي يقدم هذه الأيام دورات للخط العربي في مركز «تسامي للفنون البصرية» بجدة، قائلا: «نحرص على تقديم دورات للخط العربي في رمضان بسبب روحانية هذا الشهر المنسجمة مع طابع هذا الفن».
ويتابع خان حديثه لـ«الشرق الأوسط» بالقول: «لدينا ثلاث دورات في شهر رمضان، وكل دورة مدتها 4 أيام، بدأنا بدورة الخط الديواني، ثم دورة خط الرقعة، وبعدها دورة تشكيل الخط العربي التي تتناول آلية العملية الإبداعية في تطعيم اللوحات التشكيلية بالخط العربي»، ويصف خان الإقبال على هذه الدورات بأنه «كبير ومشجع جدا، من الجنسين».
وانطلق (الخميس) في الرياض، معرض (الخط العربي والفن الإسلامي)، في مركز مدار المصممين، ويقدم نماذج فنية تعرض جماليات الخط العربي عبر لوحات جدارية وقطع يدوية وأوان مزينة بالزخارف والخطوط الإسلامية، وكثير منها مخطوط بعبارات ذات طابع رمضاني متفرد.
أمام ذلك، يرى الخطاط حسن آل رضوان، وهو رئيس جماعة الخط في جمعية الثقافة والفنون بالدمام، أن «انتعاشة الخط العربي في شهر رمضان جاء لالتصاقه بالقرآن الكريم والأحاديث الشريفة والطابع الروحاني المتزامن مع هذه الفترة»، ويضيف: «تفرغ الناس للعبادة يفتح شهيتهم لكل ما هو مرتبط بالأصالة الإسلامية، ومن ذلك، الفنون التي من أبرزها الخط العربي والإسلامي».
ويتابع آل رضوان حديثه لـ«الشرق الأوسط»، قائلا: «الخط العربي يعيد الناس إلى العبق الإيماني الجميل، بما يحمله هذا الفن من مضامين روحانية عالية»، مشيرا إلى أهمية ذائقة الخطاط في اختياره عبارات معينة تُنبه المتلقي لآيات قرآنية أو عبارات معينة قد يكون المتلقي غافلا عنها، وبما يحمله ذلك من فن وزخرفة يثيران الذائقة البصرية واللفظية، بحسب قوله.
ومن مشاهدات آل رضوان في جهود إحياء الخط العربي، يقول: «لم يعد حضوره مقتصرا على اللوحات والمعارض الفنية، بل امتد لتفاصيل الحياة العامة، بما في ذلك الملابس والقطع المنزلية، إلى جانب تزيين الخط العربي مرافق بعض مراكز التسوق والأماكن العامة، بأشكال زخرفية لافتة، وهو أمر مثير ومُحبب نفسيا لدى المتلقي، ويزداد الأمر في شهر رمضان المبارك، بالنظر لارتباط الخط العربي بالجانب الإيماني، فهي مسألة تكاملية للطرفين».
ويجمع الخطاطون على أن شهر رمضان فرصة للرجوع إلى أصالة الخط العربي ودعم طقوس التعبد بكتابة الآيات القرآنية والأحاديث الشريفة بخطوط جميلة تؤثر على المتلقي، خصوصا مع اهتمام الجيل الجديد ببحور الخط العربي واتخاذه وسيلة للمعرفة، بعد إلباسه لباسا قدسيا لارتباطه الوثيق بكتابة القرآن الكريم، ومع تباري الخطاطين في تجويده وتحسينه والتنافس على إقامة المعارض الفنية والورشات التدريبية، وتوظيف شهر رمضان لتذوق جماليات هذا الفن الضارب في أعماق الثقافة الشرقية.



ستيف بركات لـ«الشرق الأوسط»: أصولي اللبنانية تتردّد أبداً في صدى موسيقاي

عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية     -   ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)
عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية - ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)
TT

ستيف بركات لـ«الشرق الأوسط»: أصولي اللبنانية تتردّد أبداً في صدى موسيقاي

عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية     -   ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)
عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية - ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)

ستيف بركات عازف بيانو كندي من أصل لبناني، ينتج ويغنّي ويلحّن. لفحه حنين للجذور جرّه إلى إصدار مقطوعة «أرض الأجداد» (Motherland) أخيراً. فهو اكتشف لبنان في وقت لاحق من حياته، وينسب حبّه له إلى «خيارات مدروسة وواعية» متجذرة في رحلته. من اكتسابه فهماً متيناً لهويته وتعبيره عن الامتنان لما منحه إياه الإرث من عمق يتردّد صداه كل يوم، تحاوره «الشرق الأوسط» في أصله الإنساني المنساب على النوتة، وما أضفاه إحساسه الدفين بالصلة مع أسلافه من فرادة فنية.
غرست عائلته في داخله مجموعة قيم غنية استقتها من جذورها، رغم أنه مولود في كندا: «شكلت هذه القيم جزءاً من حياتي منذ الطفولة، ولو لم أدركها بوعي في سنّ مبكرة. خلال زيارتي الأولى إلى لبنان في عام 2008. شعرتُ بلهفة الانتماء وبمدى ارتباطي بجذوري. عندها أدركتُ تماماً أنّ جوانب عدة من شخصيتي تأثرت بأصولي اللبنانية».
بين كوبنهاغن وسيول وبلغراد، وصولاً إلى قاعة «كارنيغي» الشهيرة في نيويورك التي قدّم فيها حفلاً للمرة الأولى، يخوض ستيف بركات جولة عالمية طوال العام الحالي، تشمل أيضاً إسبانيا والصين والبرتغال وكوريا الجنوبية واليابان... يتحدث عن «طبيعة الأداء الفردي (Solo) التي تتيح حرية التكيّف مع كل حفل موسيقي وتشكيله بخصوصية. فالجولات تفسح المجال للتواصل مع أشخاص من ثقافات متنوعة والغوص في حضارة البلدان المضيفة وتعلّم إدراك جوهرها، مما يؤثر في المقاربة الموسيقية والفلسفية لكل أمسية».
يتوقف عند ما يمثله العزف على آلات البيانو المختلفة في قاعات العالم من تحدٍ مثير: «أكرّس اهتماماً كبيراً لأن تلائم طريقة عزفي ضمانَ أفضل تجربة فنية ممكنة للجمهور. للقدرة على التكيّف والاستجابة ضمن البيئات المتنوّعة دور حيوي في إنشاء تجربة موسيقية خاصة لا تُنسى. إنني ممتنّ لخيار الجمهور حضور حفلاتي، وهذا امتياز حقيقي لكل فنان. فهم يمنحونني بعضاً من وقتهم الثمين رغم تعدّد ملاهي الحياة».
كيف يستعد ستيف بركات لحفلاته؟ هل يقسو عليه القلق ويصيبه التوتر بإرباك؟ يجيب: «أولويتي هي أن يشعر الحاضر باحتضان دافئ ضمن العالم الموسيقي الذي أقدّمه. أسعى إلى خلق جو تفاعلي بحيث لا يكون مجرد متفرج بل ضيف عزيز. بالإضافة إلى الجانب الموسيقي، أعمل بحرص على تنمية الشعور بالصداقة الحميمة بين الفنان والمتلقي. يستحق الناس أن يلمسوا إحساساً حقيقياً بالضيافة والاستقبال». ويعلّق أهمية على إدارة مستويات التوتّر لديه وضمان الحصول على قسط كافٍ من الراحة: «أراعي ضرورة أن أكون مستعداً تماماً ولائقاً بدنياً من أجل المسرح. في النهاية، الحفلات الموسيقية هي تجارب تتطلب مجهوداً جسدياً وعاطفياً لا تكتمل من دونه».
عزف أناشيد نالت مكانة، منها نشيد «اليونيسف» الذي أُطلق من محطة الفضاء الدولية عام 2009 ونال جائزة. ولأنه ملحّن، يتمسّك بالقوة الهائلة للموسيقى لغة عالمية تنقل الرسائل والقيم. لذا حظيت مسيرته بفرص إنشاء مشروعات موسيقية لعلامات تجارية ومؤسسات ومدن؛ ومعاينة تأثير الموسيقى في محاكاة الجمهور على مستوى عاطفي عميق. يصف تأليف نشيد «اليونيسف» بـ«النقطة البارزة في رحلتي»، ويتابع: «التجربة عزّزت رغبتي في التفاني والاستفادة من الموسيقى وسيلة للتواصل ومتابعة الطريق».
تبلغ شراكته مع «يونيفرسال ميوزيك مينا» أوجها بنجاحات وأرقام مشاهدة عالية. هل يؤمن بركات بأن النجاح وليد تربة صالحة مكوّنة من جميع عناصرها، وأنّ الفنان لا يحلّق وحده؟ برأيه: «يمتد جوهر الموسيقى إلى ما وراء الألحان والتناغم، ليكمن في القدرة على تكوين روابط. فالنغمات تمتلك طاقة مذهلة تقرّب الثقافات وتوحّد البشر». ويدرك أيضاً أنّ تنفيذ المشاريع والمشاركة فيها قد يكونان بمثابة وسيلة قوية لتعزيز الروابط السلمية بين الأفراد والدول: «فالثقة والاهتمام الحقيقي بمصالح الآخرين يشكلان أسس العلاقات الدائمة، كما يوفر الانخراط في مشاريع تعاونية خطوات نحو عالم أفضل يسود فيه الانسجام والتفاهم».
بحماسة أطفال عشية الأعياد، يكشف عن حضوره إلى المنطقة العربية خلال نوفمبر (تشرين الثاني) المقبل: «يسعدني الوجود في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا كجزء من جولة (Néoréalité) العالمية. إنني في مرحلة وضع اللمسات الأخيرة على التفاصيل والتواريخ لنعلن عنها قريباً. تملؤني غبطة تقديم موسيقاي في هذا الحيّز النابض بالحياة والغني ثقافياً، وأتحرّق شوقاً لمشاركة شغفي وفني مع ناسه وإقامة روابط قوامها لغة الموسيقى العالمية».
منذ إطلاق ألبومه «أرض الأجداد»، وهو يراقب جمهوراً متنوعاً من الشرق الأوسط يتفاعل مع فنه. ومن ملاحظته تزايُد الاهتمام العربي بالبيانو وتعلّق المواهب به في رحلاتهم الموسيقية، يُراكم بركات إلهاماً يقوده نحو الامتنان لـ«إتاحة الفرصة لي للمساهمة في المشهد الموسيقي المزدهر في الشرق الأوسط وخارجه».
تشغله هالة الثقافات والتجارب، وهو يجلس أمام 88 مفتاحاً بالأبيض والأسود على المسارح: «إنها تولّد إحساساً بالعودة إلى الوطن، مما يوفر ألفة مريحة تسمح لي بتكثيف مشاعري والتواصل بعمق مع الموسيقى التي أهديها إلى العالم».