هكذا احتفلت مدينة طرابلس بـ«رمضان في مائة عام»

بين القدود الحلبية والمسحراتية.. تاريخ من الصيام والطرب

فرقة «أبو سليم» في عرض فكاهي
فرقة «أبو سليم» في عرض فكاهي
TT

هكذا احتفلت مدينة طرابلس بـ«رمضان في مائة عام»

فرقة «أبو سليم» في عرض فكاهي
فرقة «أبو سليم» في عرض فكاهي

لرمضان في طرابلس نكهة خاصة، ورغم كل الظروف القاسية التي مرت على المدينة، بقيت للشهر الكريم مكانته، وطقوسه واحتفالاته وأكلاته وسهراته التي تستمر حتى الفجر. واختار «مركز الصفدي الثقافي» أن يقدم أمسية تختصر، خلال ما يقارب ساعتين من الزمن، «رمضان في مائة عام»، مع دعوة عامة لكل الأهالي، ليستعيدوا قرنًا من عمر مدينتهم، بمشاركة فنانيها الذين بلغ بعضهم نجومية عالية.
الأمسية اعتمدت على فيلم وثائقي بث متقطعًا، تخللته، أغنيات، واسكتشات وفتلات صوفية، وطرب كثير، وكلام جميل عن العلاقة بين الصيام وفعل الخير الذي بات الناس، مع تردي الوضع الاقتصادي، في أمس الحاجة لتعزيزه بينهم.
بدأ الفيلم الوثائقي بإطلالة من ابن المدينة الممثل عبد المجيد مجذوب لابسا عباءته، شارحًا أصل الاسم الذي أطلق على المدينة، الذي يعني «المدن الثلاث»، ليتحدث بعد ذلك عن الشعوب التي توالت على المدينة، من فينيقيين، إلى بيزنطيين وعرب وإفرنج، وعثمانيين وفرنسيين، إلى أن طردت الجيوش الأجنبية كليًا، وتم الاستقلال للبنان. بدأ الغناء بعدها بمشاركة فرقة موسيقية، ليستمع الجمهور إلى «على الروزانا» و«يا مال الشام». وتوالت حكاية المدينة موثقة بالصور والرواية التاريخية، مرورًا بالحربين العالميتين؛ الأولى والثانية، وما عانت بينهما طرابلس من فقر وجوع وعوز، لينتهي الأمر مع «سايكس بيكو»، بالتقسيم ووقوع طرابلس تحت الانتداب الفرنسي كما كل المدن اللبنانية، ومن بعدها الاستقلال، وبدء حركة الازدهار والنمو، لتكون الحرب الأهلية عام 1975 نكسة جديدة للأهالي الذين بقوا يقاومون الحزن بالتعاضد والتكافل.
المخرجة فاطمة رشا شحادة، سعت كي لا تثقل بالتاريخ على الحضور، فوزعت الأعمال الفنية حية على المسرح بين المقاطع الوثائقية القصيرة. إحدى أجمل اللوحات الفنية، تلك التي شارك فيها صوفي بالفتلة المولوية على وقع «طلع البدر علينا، من ثنيات الوداع». شخص واحد على المسرح أدى فتلته الصوفية، في ما كانت الشاشة العملاقة التي شكلت خلفية المسرح تجعل المشاهد أكثر كثافة ونبضًا. فتارة نرى الصوفي تشاركه فتلته امرأة توشحت بالأحمر يطير ثوبها من شدة الدوران، وتارة أخرى يلتحق بالراقص صوفي آخر أو اثنان وربما ثلاثة، وأحيانا تصبح الدوائر الصغيرة التي تدور على الخلفية، بمثابة تنانير تتراقص بالعشرات.
لم يعد الأمر يحتاج لفرقة صوفية متعددة الأشخاص، كما جرت العادة، وإنما بمقدور المؤثرات الإلكترونية أن تفعل سحرها. أبو سليم الطبل وفرقته، التي بدأت عملها منذ ستينات القرن الماضي، كانت حاضرة أيضًا، وقدمت عرضًا تمثيليًا رمضانيًا قصيرًا، إلى جانب رفيقي دربه شكري شكر الله وأسعد، اللذين شاركاه شطرًا من مشواره الفني. كان مؤثرًا أن ترى أبو سليم الذي بلغ السابعة والثمانين من العمر يقف على المسرح، ويصل في نهاية الفقرة التمثيلية إلى حالة ارتجالية، قال فيها ما يجول بخاطره من حزن على طرابلس، متحدثًا عن الإهمال الذي أصاب مدينة الـ45 خانًا، كما قال، والقلعة الصليبية التي تستحق وحدها أن تتحول إلى معلم يفتح لمختلف أنواع النشاطات، إضافة إلى الجزر البحرية الجميلة التي اعتبر أن تحويلها إلى محميات للطيور والزواحف، بدل أن يتمتع بها الإنسان، جزء من الفشل. كما أسف على معرض رشيد كرامي، الذي فرح به حين شيد، بوصفه أول مساحة دولية للعرض في لبنان من تصميم معماري عالمي برازيلي هو أوسكار نيماير، لكنه يكاد يتحول بعد عدة عقود إلى زريبة للأبقار. ما بين النقد والضحك والغناء، توالى الفنانون على المسرح، وكان للبديعة آمال رعد إطلالة مميزة من خلال أدائها أغنية أم كلثوم «ألف ليلة وليلة». وكان للفنان أحمد دوغان أيضًا حصة في أغنيتين، وأحسن صنعًا حين أتبعهما بأغنية «جانا الهوى» لعبد الحليم حافظ التي أداها في فيلم «أبي فوق الشجرة»، بعد أن شهدت نجاحًا كبيرًا، وهي واحدة من أجمل ما لحن بليغ حمدي. وغنى الفنان معن زكريا «ليلة إمبارح ما جانيش نوم» عازفًا على العود، في ما أنهي الطفل الرابح في برنامج «ذي فويس كيدس» سافيو هيكل الحفل، بأغنية كارول سماحة «انت مين؟» التي تنشد فيها الإنسانية الضائعة.
وكانت مفاجأة الحفل، حضور فرقة المسحراتي الذين اعتلوا المسرح بطبولهم، وتلك الحكايا الدينية الشعبية التي يروونها أثناء تجوالهم، في الحارات. ونادى المسحراتي على الوزير محمد الصفدي الذي كان حاضرًا، كما خاطب عددًا من الأسماء التي يعرفها في الصالة التي امتلأت عن بكرة أبيها، ليضفي جوًا من المرح بين الحضور.



الدراما الاجتماعية تتصدر «الماراثون» التلفزيوني مصرياً

من مسلسل {جعفر العمدة}
من مسلسل {جعفر العمدة}
TT

الدراما الاجتماعية تتصدر «الماراثون» التلفزيوني مصرياً

من مسلسل {جعفر العمدة}
من مسلسل {جعفر العمدة}

من بين 30 عملاً درامياً مصرياً تم عرضها خلال ماراثون دراما رمضان 2023، تنوعت بين دراما اجتماعية وكوميدية، ووطنية، وتاريخية، تصدرت الدراما الاجتماعية السباق، بعدما حققت بعض المسلسلات التي تنتمي لها تفاعلاً كبيراً بين الجمهور، وإشادات نقدية لافتة.
وشهد هذا الموسم ظواهر عديدة، منها زيادة عدد المسلسلات القصيرة، وتشابه الأفكار بين أكثر من عمل، وتصدر الفنانات لبطولات العديد من الأعمال، وعودة الدراما الدينية مع مسلسل «رسالة الإمام»، وطرح قضايا المرأة الشائكة، على غرار مسلسلات «تحت الوصاية، وعملة نادرة، وستهم»، كما أنتجت الشركة المتحدة عملين وطنيين يرصدان بطولات الجيش المصري في حربه ضد الإرهاب، وهما: «الكتيبة 101»، و«حرب»، وقدمت عملاً تاريخياً بعنوان «سره الباتع» كأول أعمال المخرج خالد يوسف في الدراما التلفزيونية، فيما كان نصيب الأسد للأعمال الكوميدية بـ7 مسلسلات.

نيللي كريم

وبينما احتلت بعض الأعمال «الترند» أكثر من مرة، خلال الماراثون على غرار مسلسلي «جعفر العمدة، وتحت الوصاية»، و«ضرب نار»، و«المداح»، مرت أعمالاً أخرى مرور الكرام، ولم تكن مثار اهتمام على أي وجه. وفق نقاد.
وبحسب محلل البيانات والذكاء الاصطناعي مصطفى أبو جمرة، فإن مواقع «السوشيال ميديا» كانت محركاً أساسياً في دفع الجمهور لمشاهدة أعمال دون أخرى، موضحاً لـ«الشرق الأوسط» أن أكبر دليل على ذلك نسب المشاهدة لـ«جعفر العمدة» التي عززتها مواقع التواصل ودفعت لتوجيه متابعين جدد للمسلسل، مشيراً إلى أن «جعفر العمدة» لمحمد رمضان، و«تحت الوصاية» لمنى زكي، نالا نصيب الأسد في نسب المشاهدة خلال الماراثون الرمضاني، وفقاً لمؤشرات تحليل مواقع «السوشيال ميديا»، على حد تعبيره.
وبين صعود وهبوط مسلسلات ماراثون دراما رمضان، ترصد «الشرق الأوسط» أبرز الأعمال التي نجحت في جذب الانتباه من خلال أفكارها الجذابة وسردها المشوق، والأخرى التي فشلت في لفت الأنظار وشهدت تراجع بعض النجوم، عبر آراء نقاد.

خالد النبوي في {رسالة الإمام}

- تألق منى زكي
تقيس الناقدة خيرية البشلاوي نجاح العمل الفني بمدى ما يحققه من صدى اجتماعي إيجابي، لذا ترى أن مسلسل «تحت الوصاية» عمل جيد تتكامل فيه العناصر الفنية، ونجحت بطلته منى زكي في أداء دورها بشكل صادق، ولم تكن الطفلة «التوأم» ولا الطفل «عمر الشريف» بأقل حضوراً وتلقائية، وكل الممثلين على نسق أداء بارع مثل رشدي الشامي، كما أن نيللي كريم التي طرحت قضية تمس آلاف النساء في صعيد مصر تتعلق بحرمان بعض النساء من ميراثهن الشرعي بحكم عادات وتقاليد مغلوطة عبر مسلسل «عملة نادرة».
ورغم الانتشار الكبير لمسلسل «جعفر العمدة»، فإن الناقدة المصرية تتحفظ على النجاح الجماهيري الذي حققه المسلسل، وتراه مؤشراً على تراجع المجتمع، مبررة ذلك بقولها إن المسلسل ومعه «المداح» هما الأسوأ لأنهما يشدان المجتمع للخلف عبر ما يطرحانه من أفكار تمثل ردة حقيقية. على حد تعبيرها.

ياسمين عبد العزيز في مشهد من مسلسل (ضرب نار)

- تراجع يسرا
فيما يرى الناقد طارق الشناوي أن أبرز أعمال رمضان 2013 مسلسل «تحت الوصاية» لتميزه في الكتابة لخالد وشيرين دياب، وتكامل عناصره الفنية التي قادها المخرج محمد شاكر خضير، ووصول أداء منى زكي فيه إلى ذروة الإبداع.
وأشار إلى أن فكرة البطولة الثنائية في مسلسلي «الكتيبة 101، وحرب» من الجماليات الفنية التي تحسب لصناع العمل، كما جاء «رسالة الإمام» بطولة خالد النبوي، في توقيته ليقدم صورة صادقة عن سماحة الإسلام.
وعن أفضل الأعمال الكوميدية هذا العام قال: «كامل العدد، والصفارة» الأبرز.
ويعتقد الشناوي، أن مسلسل «سوق الكانتو» عمل مهم، لكن ظلمه صخب العرض الرمضاني، مما أثر عليه سلباً، لكنه يرى أنه سيأخذ حقه في عرضه الثاني بعد شهر رمضان.
ولم يخف الشناوي انحيازه لـ«الهرشة السابعة» لجرأته في الكتابة، وبطلته أمينة خليل التي تعبر بقوة عن فن أداء الممثل الفطري، مشيراً إلى أن مسلسل «1000 حمد الله على السلامة» شهد تراجعاً بالنسبة للفنانة يسرا لأن اختيارها لم يكن موفقاً نصاً وإخراجاً.

علي قاسم وأسماء جلال في مشهد من مسلسل «الهرشة السابعة»

- تكرار الشخصيات
من جهتها، أكدت الناقدة ماجدة خير الله، أن مسلسل «تحت الوصاية» تصدر قائمة الأفضل لديها من دون منازع، لكن هذا لا يمنع من تميز مسلسلات أخرى من بينها «الهرشة السابعة» و«كامل العدد» كأعمال اجتماعية لطيفة، بجانب «تغيير جو» الذي يمثل نوعية أخرى تتطلب تأملاً، وكذلك «رشيد» لمحمد ممدوح، و«جت سليمة» لدنيا سمير غانم.
وترى خير الله أن الممثل محمد سعد «انتحر فنياً» بإصراره على اختيارات غير موفقة، معلنة عدم تعاطفها مع «جعفر العمدة»، مشيرة كذلك إلى تكرار عمرو سعد نفسه، على مدى ثلاث سنوات بالمحتوى والأداء نفسيهما.
- الأفضل كوميدياً
ورغم عرض سبعة أعمال كوميديا خلال الشهر الكريم، فإن الجمهور يميل أكثر للدراما الاجتماعية في رمضان بحسب الناقد خالد محمود، الذي يرى أن «الكبير أوي» لأحمد مكي إضافة مهمة في جزئه السابع، وتميز بالدفع بوجوه جديدة، وهو يظل عملاً ناجحاً، و«الصفارة» كان الأبرز لأن أحمد أمين لديه قدرة على التغيير والتلوين، ونجح مسلسل «جت سليمة» لدنيا سمير غانم في الجمع بين الكوميديا والاستعراض والغناء، لكن محمود يرى أن تجربة يسرا مع الكوميديا هذا العام غير موفقة لضعف السيناريو.

زكي خطفت الإشادات عبر «تحت الوصاية» (الشرق الأوسط)

- مستوى متوسط
ووفقاً للناقد رامي عبد الرازق فإن الموسم الدرامي هذا العام جاء متوسط المستوى والنجاح، وأن الخاسرين أكثر من الفائزين، مؤكداً أن المسلسلات القصيرة ستفرض وجودها في المواسم اللاحقة، لا سيما مع تفوق أعمال من بينها، «الهرشة السابعة» و«الصفارة» و«تحت الوصاية»، التي يراها «أكثر ثلاثة أعمال رابحة على مستوى الشكل الفني والمضمون الدرامي الذي ينطوي على قدر كبير من التماسك والنضح والعمق والتوزان».
وأعرب عبد الرازق عن إحباطه من مسلسل «سره الباتع»، مبرراً ذلك بقوله: «المسلسل شهد استسهالاً في المعالجة، ومباشرة في الطرح، ونمطية وعدم إتقان في الشكل رغم الميزانية الضخمة التي أتيحت له، وأن مسلسل «سوق الكانتو» حقق نقلة فنية في شكل الديكورات والإخراج الفني لكن الدراما به جاءت هشة كما أن إيقاعها بطيء، بالإضافة إلى أن كثيراً من الأعمال سوف تتبخر تماماً من ذاكرة المشاهد ولن يعود إليها مرة أخرى، باستثناء مسلسل «تحت الوصاية». مؤكداً أن على ياسمين عبد العزيز أن تكتفي بهذا القدر من الأعمال التي تجمعها وزوجها الفنان أحمد العوضي بعد «ضرب نار».