مع حلول الربيع وأعياد النوروز تصبح الحدائق ملاذ الإيرانيين

فن معماري قديم وإنجازات فریدة من نوعها

تعتبر حديقة «إرم» في مدينة شيراز من المتنزهات الرائعة التي تجذب السياح في إيران
تعتبر حديقة «إرم» في مدينة شيراز من المتنزهات الرائعة التي تجذب السياح في إيران
TT

مع حلول الربيع وأعياد النوروز تصبح الحدائق ملاذ الإيرانيين

تعتبر حديقة «إرم» في مدينة شيراز من المتنزهات الرائعة التي تجذب السياح في إيران
تعتبر حديقة «إرم» في مدينة شيراز من المتنزهات الرائعة التي تجذب السياح في إيران

مع دخول العام الجديد وفصل الربيع الذي يحتفل فيه الإيرانيون بأعياد النوروز تصبح الحدائق الإيرانية ليس ملاذا لقضاء أوقات الراحة فقط، وإنما مكان للاستمتاع بجماليات هذا الفن المعماري التاريخي الفريد. فقد أثارت الحدائق والغابات والأغادير والينابيع منذ قدم الزمن إعجاب الإيرانيين الذين كانوا مولعين بالطبيعة، والأشجار والزهور. وحفلت المدن التاريخية في إيران بالحدائق بأشكالها المتنوعة وأبعادها المختلفة. واتخذت الحدائق في كل منطقة طابعا خاصا نظرا للبيئة، والإقليم، والثقافة.
ولم يقتصر تصميم الحدائق الإيرانية على الحدائق المنفردة، بل تجلت أشكال مختلفة منها في الحياة الخاصة والاجتماعية للشعب الإيراني. وينطبق مسمى الحديقة الإيرانية على فناء البيوت الصغيرة، والحدائق المنتشرة في المدن الكبرى مثل مدينة أصفهان، عاصمة الحكم الصفوي في إيران. فلذلك تحظى الحدائق في المدن الإيرانية بأهمية خاصة.
تعتبر حديقة «إرم» في مدينة شيراز من المتنزهات الرائعة التي تجذب السياح في إيران. يشابه أسلوب بناء الحديقة التي تم إنشاؤها في فترة حكم الشاه ناصر الدين القاجاري العمارات في فترة حكم الزند والصفويين. تقع الحديقة في شمال غربي مدينة شيراز، لكن الوثائق التاريخية تشير إلى أن موقع الحديقة كان خارج مدينة شيراز حتى عام 1946، وتحيط بها الصحراء، والأنهار، والأحجار. وأخذت مدينة شيراز في التوسع شيئا فشيئا، حيث أصبح موقع الحديقة في شمال غربي المدينة، غير أنها باتت في الوقت الحاضر تقع في شمال المدينة. وتحد الحديقة من شمال الغرب «شارع دانشجو» (أسياب الثلاثي)، و«شارع ارم» من شمال الشرق، و«ساحة ارم» شمالا. وتقع الحديقة على سفح جبل «أسياب الثلاثي»، وتبعد نحو 2 إلى 3 كيلومترات عن جبل «باباكوهي» الشهير.
كما تعد حديقة «جهان نما» من أقدم الحدائق المنتشرة في إقليم شيراز، وهي تقع بالقرب من مقبرة الشاعر الإيراني حافظ الشيرازي. كانت المنطقة جزءا من صحراء «جعفر آباد»، وسهل «مصلى». وكانت الحديقة في فترة حكم آل مظفر وآل اينجو مزدهرة. وذكر الشاعر الإيراني حافظ الشيرازي سهول جعفر آباد ومصلى في أشعاره بسبب الروعة والنقاء التي كانت تتمتع بها هذه السهول.
وأثارت الحديقة اهتمام القائد العسكري التركي تيمورلنك عند إقامته في مدينة شيراز، إذ قام بإنشاء حديقة مماثلة لها نحو مدينة سمرقند وسماها «جهان نما». وكانت تحظى الحديقة الواقعة في الزاوية الشرقية لشارع حافظ في مدينة شيراز بأهمية في فترة حكم الصفويين. كما تنتشر حدائق عديدة وسهول خضراء في كل أنحاء مدينة أصفهان، وذلك بسبب نهر زاينده رود. وتشتهر مدينة أصفهان بمدينة الحدائق في إيران التي صممها الصفويون منذ 400 عام، حيث تعتبر حديقة «جهلستون» نموذجا لحديقة ملكية في فترة الحكم الصفوي بمساحة تبلغ 67000 متر مربع. وتم إنشاء الحديقة في فترة الشاه عباس الأول، إذ تتوسط الحديقة عمارة «جهلستون». شهدت العمارة إحداث تغييرات كبيرة في فترة الشاه عباس الثاني، وتم إلحاق قاعة «أينه» وقاعة «هجده ستون»، وغرفتين من الجهتين الشمالية والجنوبية لقاعة «أينة»، والشرفتين لقاعة الملك، وبركة مياه عظيمة أمام القاعة مزودة بكل فنون الزينة والزخرفة التي تستخدم في الرسم على الجدران والأسقف.
تقع حديقة «جهلستون» في مدينة أصفهان، وشرق شارع «جهار باغ» وجنوب «شارع سباه»، وغرب «ميدان نقش جهان»، حيث تحيط بها حدائق أخرى مما يسهل الوصول إليها عن طريق هذه الحدائق. وتشكل هذه الحدائق المنتشرة على طول شارع «جهار باغ» أحد المكونات الرئيسة لمدينة أصفهان في فترة حكم الصفويين، إذ تعد حديقة «جهلستون» حلقة وصل بين هذه الحدائق وساحة «نقش جهان» في المدينة.
وعزلت الجدران حديقة «جهلستون» عن محيطها في المدينة، ولا ترتبط في الوقت الحاضر بباقي المكونات في المدينة. وكانت المكونات الرئيسة للمدينة (ساحة «نقش جهان» أو سائر المعالم التاريخية) متصلة ببعضها البعض، مما يقدم نموذجا لهيكل المدينة. وليس هناك حاليا ما يربط بين ساحة «نقش جهان» وحديقة «جهلستون»، مثل حلقات الوصل في الماضي والتي تتجسد في المداخل. وكانت الحديقة تتمتع ببهاء خاص كعمارة منفردة وكأحد مكونات المدينة الرئيسة.
أما حديقة «غولشن» فهي إحدى أعتق وأهم الحدائق في إقليم شيراز، وكانت محل إقامة للملوك في فترة الصفويين. وقام حاکم إقليم فارس في عهد الشاه عباس الصفوي بتشييد قلعة في زاوية من هذه الحديقة، مستخدما صخورا من مقبرة «جعفر آباد» و«مصلى». وقام ميرزا علي محمد خان قوام الملك في عام 1863 بإعادة إعمار الحديقة بعد أن تم تدميرها إثر الإطاحة بحكم الصفويين، وأصبحت الحديقة أرضا متروكة.
وأضحت الحديقة من أجمل حدائق إقليم شيراز في عهد القاجار، وتم وضع سياج من الورود للحديقة التي غرست فيها أشجار فواكه متنوعة، وبنيت فيها شوارع تحيط بها أشجار الأرز، والحور، والصفصاف، والسماء، إضافة إلى شلالات صخریة تجري فيها المياه، وتم زرع الأعشاب على جانبي الشلالات. وبقيت برکة المياه الواقعة في فناء القصر بعد تدمير الحديقة.
تعتبر حديقة «الأميرة ماهان» نموذجا عن الحدائق الإيرانية التي تتوسطها طاولات كبيرة تجري بجانبها الأنهار، ويجلس الناس عليها ويستمتعون بمشاهد طبيعية رائعة. لقد أصدر عبد الحميد ميرزا ناصر الدولة القاجاري (1919 - 1930) أمرا بإنشاء الحديقة التي لم يُستكمل بناؤها بعد وفاته. وتقع الحديقة بالقرب من مقبرة شاه نعمت ولي الله ولي الواقعة في سفوح جبل جوبار.
فقد أسهمت الأراضي الخصبة، وأشعة الشمس، والنسيم العليل، وإمكانية الحصول على الماء، في إنشاء هذه الحديقة الواقعة في أرض قاحلة. وتعرضت حديقة «الأميرة ماهان» إلى أضرار بالغة رغم الميزات الطبيعية التي كانت تتمتع بها، وأصبحت أرضا متروكة لفترات مديدة بسبب تغير الظروف السياسية والاجتماعية التي عاشتها البلاد في تلك الفترة. ولحقت خسائر بالغة بالحديقة شملت الأجزاء الرئيسة والمحيطة بها.
وقد تعرض فن إنشاء الحدائق، والمكونات الرئيسة لها (كالأنهار، وبرك الماء، والأرصفة، والطبيعة مثل الأشجار، والزهور، والأراضي) إلى أضرار جسيمة وغير جسيمة بسبب تطورات الأوضاع السياسية والاجتماعية في إيران. وتبعد حديقة «الأميرة ماهان» عن مدينة كرمان مسافة 35 كيلومترا جنوب شرق، وتقع في طريق كرمان – مدينة بام، وبالقرب من مرتفعات جوبار، حيث تبعد عن قرية ماهان مسافة 6 كيلومترات. وتستقر الحديقة في أحضان الصحراء، وتحيط بها مرتفعات جوبار، وبولوار. وتحظى الحديقة بمشهد رائع بسبب جبال جوبار التي تكتسيها الثلوج، مما يجعلها تحفة مميزة في هذه المنطقة. ويبلغ ارتفاع المنطقة عن مستوى سطح البحر 1850 مترا، في الوقت الذي يبلغ فيه ارتفاع الحديقة عن مستوى سطح البحر 2000 متر بسبب موقعها في سفوح جبل جوبار.
تذكر كتب التاريخ الخاص بإقليم يزد العديد من الحدائق الجميلة في هذا الإقليم، ومنها كتاب «ذكريات يزد»، حيث يشير الكاتب ايرج افشار إلى أن تاريخ إنشاء الحدائق المهمة والعظيمة في يزد يعود إلى القدم. ويلمح كتاب «تاريخ يزد الحديث» إلى حديقة تسمى بـ«الحدائق الثلاثين» أو «سي باغ»، غير أنه لم يوجد أثر أو ما يدل على وجود هذه الحديقة حاليا. وتم إنشاء الحديقة وهي إحدى أعظم الحدائق الإيرانية في عهد الزند في عام 1781. وكان صاحب هذه الحديقة هو محمد تقي خان المعروف بالخان الكبير في إقليم يزد، وأحد أكبر الرجالات في تلك الفترة، وقد حفر قناة تدعى «دولت آباد» مستخدما مياه القناة لإنشاء حديقة «دولت آباد». وتشكلت القناة المهمة من مجموع خمس قنوات، ويعود تاريخ حفرها إلى أكثر من 200 عام. تقع مدينة كاشان على حافة الصحراء، وهي تبعد عن طهران 220 كيلومتر جنوبا و86 كيلومترا عن مدينة قم جنوبا، وتعد حديقة «فين» أحد المتنزهات السياحية التي تحيط بمدينة كاشان. تعرف المنطقة التي تستقر فيها الحديقة بـ«فين الصغير»، وهي واقعة في جنوب غربي مدينة كاشان. وتقع حديقة «فين» التاريخية في جنوب شرقي طريق «فين» في مدينة كاشان بالقرب من ينبوع «سليمان» التاريخي. وفيما كانت تضم منطقة «فين» مجموعة من الحدائق، تعتبر حديقة «فين» درة المجموعة هذه.
الحدائق الإيرانية هي أحد الإنجازات المهمة والفریدة من نوعها والتي حققتها الثقافة الإيرانية، ولم يقتصر انتشار هذه الظاهرة على الحدود الإيرانية، بل إنها امتدت إلى أنحاء هضبة إيران. وما يجعل هذا الإنجاز ذياقيمة فريدة هو استمراره على امتداد تاريخ الحضارة الإيرانية.
*إعداد {الشرق الأوسط} بالفارسية {شرق بارسي}



«البحر الأحمر السينمائي» يشارك في إطلاق «صنّاع كان»

يتطلّع برنامج «صنّاع كان» إلى تشكيل جيل جديد من قادة صناعة السينما
يتطلّع برنامج «صنّاع كان» إلى تشكيل جيل جديد من قادة صناعة السينما
TT

«البحر الأحمر السينمائي» يشارك في إطلاق «صنّاع كان»

يتطلّع برنامج «صنّاع كان» إلى تشكيل جيل جديد من قادة صناعة السينما
يتطلّع برنامج «صنّاع كان» إلى تشكيل جيل جديد من قادة صناعة السينما

في مسعى لتمكين جيل جديد من المحترفين، وإتاحة الفرصة لرسم مسارهم المهني ببراعة واحترافية؛ وعبر إحدى أكبر وأبرز أسواق ومنصات السينما في العالم، عقدت «معامل البحر الأحمر» التابعة لـ«مؤسسة مهرجان البحر الأحمر السينمائي» شراكة مع سوق الأفلام بـ«مهرجان كان»، للمشاركة في إطلاق الدورة الافتتاحية لبرنامج «صنّاع كان»، وتمكين عدد من المواهب السعودية في قطاع السينما، للاستفادة من فرصة ذهبية تتيحها المدينة الفرنسية ضمن مهرجانها الممتد من 16 إلى 27 مايو (أيار) الحالي.
في هذا السياق، اعتبر الرئيس التنفيذي لـ«مؤسسة مهرجان البحر الأحمر السينمائي» محمد التركي، أنّ الشراكة الثنائية تدخل في إطار «مواصلة دعم جيل من رواة القصص وتدريب المواهب السعودية في قطاع الفن السابع، ومدّ جسور للعلاقة المتينة بينهم وبين مجتمع الخبراء والكفاءات النوعية حول العالم»، معبّراً عن بهجته بتدشين هذه الشراكة مع سوق الأفلام بـ«مهرجان كان»؛ التي تعد من أكبر وأبرز أسواق السينما العالمية.
وأكّد التركي أنّ برنامج «صنّاع كان» يساهم في تحقيق أهداف «مهرجان البحر الأحمر السينمائي الدولي» ودعم جيل جديد من المواهب السعودية والاحتفاء بقدراتها وتسويقها خارجياً، وتعزيز وجود القطاع السينمائي السعودي ومساعيه في تسريع وإنضاج عملية التطوّر التي يضطلع بها صنّاع الأفلام في المملكة، مضيفاً: «فخور بحضور ثلاثة من صنّاع الأفلام السعوديين ضمن قائمة الاختيار في هذا البرنامج الذي يمثّل فرصة مثالية لهم للنمو والتعاون مع صانعي الأفلام وخبراء الصناعة من أنحاء العالم».
وفي البرنامج الذي يقام طوال ثلاثة أيام ضمن «سوق الأفلام»، وقع اختيار «صنّاع كان» على ثمانية مشاركين من العالم من بين أكثر من 250 طلباً من 65 دولة، فيما حصل ثلاثة مشاركين من صنّاع الأفلام في السعودية على فرصة الانخراط بهذا التجمّع الدولي، وجرى اختيارهم من بين محترفين شباب في صناعة السينما؛ بالإضافة إلى طلاب أو متدرّبين تقلّ أعمارهم عن 30 عاماً.
ووقع اختيار «معامل البحر الأحمر»، بوصفها منصة تستهدف دعم صانعي الأفلام في تحقيق رؤاهم وإتمام مشروعاتهم من المراحل الأولية وصولاً للإنتاج.
علي رغد باجبع وشهد أبو نامي ومروان الشافعي، من المواهب السعودية والعربية المقيمة في المملكة، لتحقيق الهدف من الشراكة وتمكين جيل جديد من المحترفين الباحثين عن تدريب شخصي يساعد في تنظيم مسارهم المهني، بدءاً من مرحلة مبكرة، مع تعزيز فرصهم في التواصل وتطوير مهاراتهم المهنية والتركيز خصوصاً على مرحلة البيع الدولي.
ويتطلّع برنامج «صنّاع كان» إلى تشكيل جيل جديد من قادة صناعة السينما عبر تعزيز التعاون الدولي وربط المشاركين بخبراء الصناعة المخضرمين ودفعهم إلى تحقيق الازدهار في عالم الصناعة السينمائية. وسيُتاح للمشاركين التفاعل الحي مع أصحاب التخصصّات المختلفة، من بيع الأفلام وإطلاقها وتوزيعها، علما بأن ذلك يشمل كل مراحل صناعة الفيلم، من الكتابة والتطوير إلى الإنتاج فالعرض النهائي للجمهور. كما يتناول البرنامج مختلف القضايا المؤثرة في الصناعة، بينها التنوع وصناعة الرأي العام والدعاية والاستدامة.
وبالتزامن مع «مهرجان كان»، يلتئم جميع المشاركين ضمن جلسة ثانية من «صنّاع كان» كجزء من برنامج «معامل البحر الأحمر» عبر الدورة الثالثة من «مهرجان البحر الأحمر السينمائي الدولي» في جدة، ضمن الفترة من 30 نوفمبر (تشرين الثاني) حتى 9 ديسمبر (كانون الأول) المقبلين في المدينة المذكورة، وستركز الدورة المنتظرة على مرحلة البيع الدولي، مع الاهتمام بشكل خاص بمنطقة الشرق الأوسط.


رحيل إيلي شويري عاشق لبنان و«أبو الأناشيد الوطنية»

عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»
عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»
TT

رحيل إيلي شويري عاشق لبنان و«أبو الأناشيد الوطنية»

عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»
عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»

إنه «فضلو» في «بياع الخواتم»، و«أبو الأناشيد الوطنية» في مشواره الفني، وأحد عباقرة لبنان الموسيقيين، الذي رحل أول من أمس (الأربعاء) عن عمر ناهز 84 عاماً.
فبعد تعرضه لأزمة صحية نقل على إثرها إلى المستشفى، ودّع الموسيقي إيلي شويري الحياة. وفي حديث لـ«الشرق الأوسط» أكدت ابنته كارول أنها تفاجأت بانتشار الخبر عبر وسائل التواصل الاجتماعي قبل أن تعلم به عائلته. وتتابع: «كنت في المستشفى معه عندما وافاه الأجل. وتوجهت إلى منزلي في ساعة متأخرة لأبدأ بالتدابير اللازمة ومراسم وداعه. وكان الخبر قد ذاع قبل أن أصدر بياناً رسمياً أعلن فيه وفاته».
آخر تكريم رسمي حظي به شويري كان في عام 2017، حين قلده رئيس الجمهورية يومها ميشال عون وسام الأرز الوطني. وكانت له كلمة بالمناسبة أكد فيها أن حياته وعطاءاته ومواهبه الفنية بأجمعها هي كرمى لهذا الوطن.
ولد إيلي شويري عام 1939 في بيروت، وبالتحديد في أحد أحياء منطقة الأشرفية. والده نقولا كان يحضنه وهو يدندن أغنية لمحمد عبد الوهاب. ووالدته تلبسه ثياب المدرسة على صوت الفونوغراف الذي تنساب منه أغاني أم كلثوم مع بزوغ الفجر. أما أقرباؤه وأبناء الجيران والحي الذي يعيش فيه، فكانوا من متذوقي الفن الأصيل، ولذلك اكتمل المشوار، حتى قبل أن تطأ خطواته أول طريق الفن.
- عاشق لبنان
غرق إيلي شويري منذ نعومة أظافره في حبه لوطنه وترجم عشقه لأرضه بأناشيد وطنية نثرها على جبين لبنان، ونبتت في نفوس مواطنيه الذين رددوها في كل زمان ومكان، فصارت لسان حالهم في أيام الحرب والسلم. «بكتب اسمك يا بلادي»، و«صف العسكر» و«تعلا وتتعمر يا دار» و«يا أهل الأرض»... جميعها أغنيات شكلت علامة فارقة في مسيرة شويري الفنية، فميزته عن سواه من أبناء جيله، وذاع صيته في لبنان والعالم العربي وصار مرجعاً معتمداً في قاموس الأغاني الوطنية. اختاره ملك المغرب وأمير قطر ورئيس جمهورية تونس وغيرهم من مختلف أقطار العالم العربي ليضع لهم أجمل معاني الوطن في قالب ملحن لا مثيل له. فإيلي شويري الذي عُرف بـ«أبي الأناشيد الوطنية» كان الفن بالنسبة إليه منذ صغره هَوَساً يعيشه وإحساساً يتلمسه في شكل غير مباشر.
عمل شويري مع الرحابنة لفترة من الزمن حصد منها صداقة وطيدة مع الراحل منصور الرحباني. فكان يسميه «أستاذي» ويستشيره في أي عمل يرغب في القيام به كي يدله على الصح من الخطأ.
حبه للوطن استحوذ على مجمل كتاباته الشعرية حتى لو تناول فيها العشق، «حتى لو رغبت في الكتابة عن أعز الناس عندي، أنطلق من وطني لبنان»، هكذا كان يقول. وإلى هذا الحد كان إيلي شويري عاشقاً للبنان، وهو الذي اعتبر حسه الوطني «قدري وجبلة التراب التي امتزج بها دمي منذ ولادتي».
تعاون مع إيلي شويري أهم نجوم الفن في لبنان، بدءاً بفيروز وسميرة توفيق والراحلين وديع الصافي وصباح، وصولاً إلى ماجدة الرومي. فكان يعدّها من الفنانين اللبنانيين القلائل الملتزمين بالفن الحقيقي. فكتب ولحن لها 9 أغنيات، من بينها «مين إلنا غيرك» و«قوم تحدى» و«كل يغني على ليلاه» و«سقط القناع» و«أنت وأنا» وغيرها. كما غنى له كل من نجوى كرم وراغب علامة وداليدا رحمة.
مشواره مع الأخوين الرحباني بدأ في عام 1962 في مهرجانات بعلبك. وكانت أول أدواره معهم صامتة بحيث يجلس على الدرج ولا ينطق إلا بكلمة واحدة. بعدها انتسب إلى كورس «إذاعة الشرق الأدنى» و«الإذاعة اللبنانية» وتعرّف إلى إلياس الرحباني الذي كان يعمل في الإذاعة، فعرّفه على أخوَيه عاصي ومنصور.

مع أفراد عائلته عند تقلده وسام الأرز الوطني عام 2017

ويروي عن هذه المرحلة: «الدخول على عاصي ومنصور الرحباني يختلف عن كلّ الاختبارات التي يمكن أن تعيشها في حياتك. أذكر أن منصور جلس خلف البيانو وسألني ماذا تحفظ. فغنيت موالاً بيزنطياً. قال لي عاصي حينها؛ من اليوم ممنوع عليك الخروج من هنا. وهكذا كان».
أسندا إليه دور «فضلو» في مسرحية «بياع الخواتم» عام 1964. وفي الشريط السينمائي الذي وقّعه يوسف شاهين في العام التالي. وكرّت السبحة، فعمل في كلّ المسرحيات التي وقعها الرحابنة، من «دواليب الهوا» إلى «أيام فخر الدين»، و«هالة والملك»، و«الشخص»، وصولاً إلى «ميس الريم».
أغنية «بكتب اسمك يا بلادي» التي ألفها ولحنها تعد أنشودة الأناشيد الوطنية. ويقول شويري إنه كتب هذه الأغنية عندما كان في رحلة سفر مع الراحل نصري شمس الدين. «كانت الساعة تقارب الخامسة والنصف بعد الظهر فلفتني منظر الشمس التي بقيت ساطعة في عز وقت الغروب. وعرفت أن الشمس لا تغيب في السماء ولكننا نعتقد ذلك نحن الذين نراها على الأرض. فولدت كلمات الأغنية (بكتب اسمك يا بلادي عالشمس الما بتغيب)».
- مع جوزيف عازار
غنى «بكتب اسمك يا بلادي» المطرب المخضرم جوزيف عازار. ويخبر «الشرق الأوسط» عنها: «ولدت هذه الأغنية في عام 1974 وعند انتهائنا من تسجيلها توجهت وإيلي إلى وزارة الدفاع، وسلمناها كأمانة لمكتب التوجيه والتعاون»، وتابع: «وفوراً اتصلوا بنا من قناة 11 في تلفزيون لبنان، وتولى هذا الاتصال الراحل رياض شرارة، وسلمناه شريط الأغنية فحضروا لها كليباً مصوراً عن الجيش ومعداته، وعرضت في مناسبة عيد الاستقلال من العام نفسه».
يؤكد عازار أنه لا يستطيع اختصار سيرة حياة إيلي شويري ومشواره الفني معه بكلمات قليلة. ويتابع لـ«الشرق الأوسط»: «لقد خسر لبنان برحيله مبدعاً من بلادي كان رفيق درب وعمر بالنسبة لي. أتذكره بشوشاً وطريفاً ومحباً للناس وشفافاً، صادقاً إلى أبعد حدود. آخر مرة التقيته كان في حفل تكريم عبد الحليم كركلا في الجامعة العربية، بعدها انقطعنا عن الاتصال، إذ تدهورت صحته، وأجرى عملية قلب مفتوح. كما فقد نعمة البصر في إحدى عينيه من جراء ضربة تلقاها بالغلط من أحد أحفاده. فضعف نظره وتراجعت صحته، وما عاد يمارس عمله بالشكل الديناميكي المعروف به».
ويتذكر عازار الشهرة الواسعة التي حققتها أغنية «بكتب اسمك يا بلادي»: «كنت أقفل معها أي حفل أنظّمه في لبنان وخارجه. ذاع صيت هذه الأغنية، في بقاع الأرض، وترجمها البرازيليون إلى البرتغالية تحت عنوان (أومينا تيرا)، وأحتفظ بنصّها هذا عندي في المنزل».
- مع غسان صليبا
مع الفنان غسان صليبا أبدع شويري مرة جديدة على الساحة الفنية العربية. وكانت «يا أهل الأرض» واحدة من الأغاني الوطنية التي لا تزال تردد حتى الساعة. ويروي صليبا لـ«الشرق الأوسط»: «كان يعد هذه الأغنية لتصبح شارة لمسلسل فأصررت عليه أن آخذها. وهكذا صار، وحققت نجاحاً منقطع النظير. تعاونت معه في أكثر من عمل. من بينها (كل شيء تغير) و(من يوم ما حبيتك)». ويختم صليبا: «العمالقة كإيلي شويري يغادرونا فقط بالجسد. ولكن بصمتهم الفنية تبقى أبداً ودائماً. لقد كانت تجتمع عنده مواهب مختلفة كملحن وكاتب ومغنٍ وممثل. نادراً ما نشاهدها تحضر عند شخص واحد. مع رحيله خسر لبنان واحداً من عمالقة الفن ومبدعيه. إننا نخسرهم على التوالي، ولكننا واثقون من وجودهم بيننا بأعمالهم الفذة».
لكل أغنية كتبها ولحنها إيلي شويري قصة، إذ كان يستمد موضوعاتها من مواقف ومشاهد حقيقية يعيشها كما كان يردد. لاقت أعماله الانتقادية التي برزت في مسرحية «قاووش الأفراح» و«سهرة شرعية» وغيرهما نجاحاً كبيراً. وفي المقابل، كان يعدها من الأعمال التي ينفذها بقلق. «كنت أخاف أن تخدش الذوق العام بشكل أو بآخر. فكنت ألجأ إلى أستاذي ومعلمي منصور الرحباني كي يرشدني إلى الصح والخطأ فيها».
أما حلم شويري فكان تمنيه أن تحمل له السنوات الباقية من عمره الفرح. فهو كما كان يقول أمضى القسم الأول منها مليئة بالأحزان والدموع. «وبالقليل الذي تبقى لي من سنوات عمري أتمنى أن تحمل لي الابتسامة».


ستيف بركات لـ«الشرق الأوسط»: أصولي اللبنانية تتردّد أبداً في صدى موسيقاي

عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية     -   ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)
عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية - ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)
TT

ستيف بركات لـ«الشرق الأوسط»: أصولي اللبنانية تتردّد أبداً في صدى موسيقاي

عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية     -   ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)
عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية - ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)

ستيف بركات عازف بيانو كندي من أصل لبناني، ينتج ويغنّي ويلحّن. لفحه حنين للجذور جرّه إلى إصدار مقطوعة «أرض الأجداد» (Motherland) أخيراً. فهو اكتشف لبنان في وقت لاحق من حياته، وينسب حبّه له إلى «خيارات مدروسة وواعية» متجذرة في رحلته. من اكتسابه فهماً متيناً لهويته وتعبيره عن الامتنان لما منحه إياه الإرث من عمق يتردّد صداه كل يوم، تحاوره «الشرق الأوسط» في أصله الإنساني المنساب على النوتة، وما أضفاه إحساسه الدفين بالصلة مع أسلافه من فرادة فنية.
غرست عائلته في داخله مجموعة قيم غنية استقتها من جذورها، رغم أنه مولود في كندا: «شكلت هذه القيم جزءاً من حياتي منذ الطفولة، ولو لم أدركها بوعي في سنّ مبكرة. خلال زيارتي الأولى إلى لبنان في عام 2008. شعرتُ بلهفة الانتماء وبمدى ارتباطي بجذوري. عندها أدركتُ تماماً أنّ جوانب عدة من شخصيتي تأثرت بأصولي اللبنانية».
بين كوبنهاغن وسيول وبلغراد، وصولاً إلى قاعة «كارنيغي» الشهيرة في نيويورك التي قدّم فيها حفلاً للمرة الأولى، يخوض ستيف بركات جولة عالمية طوال العام الحالي، تشمل أيضاً إسبانيا والصين والبرتغال وكوريا الجنوبية واليابان... يتحدث عن «طبيعة الأداء الفردي (Solo) التي تتيح حرية التكيّف مع كل حفل موسيقي وتشكيله بخصوصية. فالجولات تفسح المجال للتواصل مع أشخاص من ثقافات متنوعة والغوص في حضارة البلدان المضيفة وتعلّم إدراك جوهرها، مما يؤثر في المقاربة الموسيقية والفلسفية لكل أمسية».
يتوقف عند ما يمثله العزف على آلات البيانو المختلفة في قاعات العالم من تحدٍ مثير: «أكرّس اهتماماً كبيراً لأن تلائم طريقة عزفي ضمانَ أفضل تجربة فنية ممكنة للجمهور. للقدرة على التكيّف والاستجابة ضمن البيئات المتنوّعة دور حيوي في إنشاء تجربة موسيقية خاصة لا تُنسى. إنني ممتنّ لخيار الجمهور حضور حفلاتي، وهذا امتياز حقيقي لكل فنان. فهم يمنحونني بعضاً من وقتهم الثمين رغم تعدّد ملاهي الحياة».
كيف يستعد ستيف بركات لحفلاته؟ هل يقسو عليه القلق ويصيبه التوتر بإرباك؟ يجيب: «أولويتي هي أن يشعر الحاضر باحتضان دافئ ضمن العالم الموسيقي الذي أقدّمه. أسعى إلى خلق جو تفاعلي بحيث لا يكون مجرد متفرج بل ضيف عزيز. بالإضافة إلى الجانب الموسيقي، أعمل بحرص على تنمية الشعور بالصداقة الحميمة بين الفنان والمتلقي. يستحق الناس أن يلمسوا إحساساً حقيقياً بالضيافة والاستقبال». ويعلّق أهمية على إدارة مستويات التوتّر لديه وضمان الحصول على قسط كافٍ من الراحة: «أراعي ضرورة أن أكون مستعداً تماماً ولائقاً بدنياً من أجل المسرح. في النهاية، الحفلات الموسيقية هي تجارب تتطلب مجهوداً جسدياً وعاطفياً لا تكتمل من دونه».
عزف أناشيد نالت مكانة، منها نشيد «اليونيسف» الذي أُطلق من محطة الفضاء الدولية عام 2009 ونال جائزة. ولأنه ملحّن، يتمسّك بالقوة الهائلة للموسيقى لغة عالمية تنقل الرسائل والقيم. لذا حظيت مسيرته بفرص إنشاء مشروعات موسيقية لعلامات تجارية ومؤسسات ومدن؛ ومعاينة تأثير الموسيقى في محاكاة الجمهور على مستوى عاطفي عميق. يصف تأليف نشيد «اليونيسف» بـ«النقطة البارزة في رحلتي»، ويتابع: «التجربة عزّزت رغبتي في التفاني والاستفادة من الموسيقى وسيلة للتواصل ومتابعة الطريق».
تبلغ شراكته مع «يونيفرسال ميوزيك مينا» أوجها بنجاحات وأرقام مشاهدة عالية. هل يؤمن بركات بأن النجاح وليد تربة صالحة مكوّنة من جميع عناصرها، وأنّ الفنان لا يحلّق وحده؟ برأيه: «يمتد جوهر الموسيقى إلى ما وراء الألحان والتناغم، ليكمن في القدرة على تكوين روابط. فالنغمات تمتلك طاقة مذهلة تقرّب الثقافات وتوحّد البشر». ويدرك أيضاً أنّ تنفيذ المشاريع والمشاركة فيها قد يكونان بمثابة وسيلة قوية لتعزيز الروابط السلمية بين الأفراد والدول: «فالثقة والاهتمام الحقيقي بمصالح الآخرين يشكلان أسس العلاقات الدائمة، كما يوفر الانخراط في مشاريع تعاونية خطوات نحو عالم أفضل يسود فيه الانسجام والتفاهم».
بحماسة أطفال عشية الأعياد، يكشف عن حضوره إلى المنطقة العربية خلال نوفمبر (تشرين الثاني) المقبل: «يسعدني الوجود في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا كجزء من جولة (Néoréalité) العالمية. إنني في مرحلة وضع اللمسات الأخيرة على التفاصيل والتواريخ لنعلن عنها قريباً. تملؤني غبطة تقديم موسيقاي في هذا الحيّز النابض بالحياة والغني ثقافياً، وأتحرّق شوقاً لمشاركة شغفي وفني مع ناسه وإقامة روابط قوامها لغة الموسيقى العالمية».
منذ إطلاق ألبومه «أرض الأجداد»، وهو يراقب جمهوراً متنوعاً من الشرق الأوسط يتفاعل مع فنه. ومن ملاحظته تزايُد الاهتمام العربي بالبيانو وتعلّق المواهب به في رحلاتهم الموسيقية، يُراكم بركات إلهاماً يقوده نحو الامتنان لـ«إتاحة الفرصة لي للمساهمة في المشهد الموسيقي المزدهر في الشرق الأوسط وخارجه».
تشغله هالة الثقافات والتجارب، وهو يجلس أمام 88 مفتاحاً بالأبيض والأسود على المسارح: «إنها تولّد إحساساً بالعودة إلى الوطن، مما يوفر ألفة مريحة تسمح لي بتكثيف مشاعري والتواصل بعمق مع الموسيقى التي أهديها إلى العالم».