قال خبراء اقتصاديون وتربويون إن غالبية المستهلكين السعوديين لا يوائمون بين الدخل والإنفاق، مما يؤثر على تحديد وجهاتهم الاستهلاكية وفق معايير الضروريات والكماليات لتأمين متطلبات الحياة اليومية للفرد.
وقدر مختصون تحدثوا مع «الشرق الأوسط» إنفاق الأسرة السعودية متوسطة العدد والدخل بما لا يقل عن سبعة آلاف ريال، في حين أن شريحة الأثرياء لا تحكمهم معايير الشراء والإنفاق؛ بل معايير الرغبة.
يأتي ذلك في وقت تعد فيه مواسم الإنفاق التي يمر بها الفرد كمواسم الأعياد والعودة للمدارس من أكثر فترات ارتفاع الاستهلاك المحلي، نسبة إلى الإقبال المتزايد على عمليات الشراء والتبضع دون تحديد موازنة مالية فردية تمكن من التوفيق بين الدخل والإنفاق.
تشكل تلك الظاهرة الاستهلاكية أحد التحديات التي ترهق كاهل المواطن اقتصاديا، مما يترتب عليه النظر إلى الدخل الفردي على أنه لا يفي بمتطلبات الحياة اليومية والالتزامات الأسرية.
يرى الدكتور سعد الموينع «اختصاصي تربوي» أن ثقافة الاستهلاك تعود إلى عوامل عدة متداخلة، موضحا أن نوع التربية التي تلقاها الفرد يأتي في مقدمة تلك العوامل المسببة للإفراط في الاستهلاك، لافتا إلى أن تلك التنشئة تفقد المرء التوازن في الإنفاق، وتقديم الضروريات على الكماليات، ليصبح مستهلكا غير رشيد لا يعرف كيف يوازن بين دخله وإنفاقه في مثل هذه المناسبات.
وأشار الموينع إلى أن البيئة الأسرية هي الحاضن الأول لتنمية ثقافة الاستهلاك لدى الفرد، وعد توافر مقومات الحياة المرفهة للفرد والتعود على مستوى معين من الإنفاق المرتفع يجعل من الفرد «مستهلكا مسرفا»، مشيرا إلى أن تلك البيئة الأسرية تخلق نمطا اجتماعيا يجعل من ممارسة الإسراف في الاستهلاك نوعا من المحافظة على النظرة الاجتماعية للفرد.
ولفت الموينع إلى أن الانسجام مع تلك النظرة الاجتماعية للمجتمع بشكل عام، يجعل الفرد تحت الضغوط، سواء من قبل ربة المنزل أو الأطفال الذين يلحون على شراء حاجياتهم دون نقص، ولو كان ذلك فوق القدرات المالية، مشددا على ضرورة أن تعمل الجهات المعنية على حماية المستهلك من الوقوع في مثل هذه السلوكيات، من خلال توعيته وإرشاده وتثقيفه.
وفي السياق ذاته، قال فضل البوعينين الخبير الاقتصادي «إن سلوك الفرد الاستهلاكي يغيب عنه التخطيط المالي، مع مجاراة المظاهر الاجتماعية والتقاليد الموروثة، بالإضافة إلى ظاهرة التباهي، في ظل ضغط متطلبات الأسرة؛ مما يجعله مستهلكا منفلتا».
ولمح أبو البوعينين إلى أن المستهلك السعودي أصبح مدفوعا بتيار المجتمع نحو السلوك الاستهلاكي التوسعي، مبينا أن هذا المسلك يشكل خطرا يهدد الفرد والأسرة والمجتمع، عازيا ذلك إلى أسباب عدة، في مقدمتها فاقة الميسورين الذين لا يستطيعون ضبط استهلاكهم، وتقنين مصروفاتهم، على الرغم من ملاءتهم المالية النسبية.
ووفق البوعينين، فإن تقديرات إنفاق الفرد الاستهلاكي تتفاوت من طبقة لأخرى، مبينا أن الطبقة الفقيرة لا تمتلك ما تنفقه، مؤكدا أنها تحتاج لفتة من الحكومة والمجتمع ورجال الأعمال، خاصة في مناسبات العيد والتجهيز للمدارس. مضيفا «إن إنفاق الأسرة متوسطة العدد، من شريحة الدخل المتوسط لا يقل عن سبعة آلاف ريال، غير أن شريحة الأثرياء خارج المعادلة، ولا تحكمهم معايير الشراء والإنفاق بل معايير الرغبة»، مشيرا إلى أن عدم التوافق بين الإنفاق والدخل، سيدخل الفرد في دوامة الحاجة ثم الديون.
وأوضح البوعينين أن ممارسة الإنفاق الذكي الذي يقدم الحاجات الأساسية على الاستهلاكية، ويقدم الالتزامات على الرغبات، تعد أمرا ممكنا للفرد عبر ممارسة التخطيط المالي للتعامل مع راتبه، مبينا أنه يشترط له تحكيم عقله لا عواطفه لضمان نجاحه في ممارسة ذلك السلوك الإنفاقي.
وشدد البوعينين على أن السلوك الاستهلاكي المنفتح بلا حسابات يؤدي إلى دفع صاحبه للاقتراض من المصارف، مبينا أن هذا التوجه يزيد حجم القروض، ويؤدي إلى أضرار اجتماعية من الدرجة الأولى، مشيرا إلى أن المؤسسات الإسلامية مسؤولة عن تقديم العون للمحتاجين؛ حماية لهم من الوقوع في شباك المصارف.
وأكد البوعينين على أن المرأة هي المحرك الحقيقي للإنفاق وهي المسؤولة عن 80 في المائة من البذخ الاستهلاكي؛ الأمر الذي يعرض الأسر والمجتمعات لمخاطر كبيرة، لافتا إلى أنها هي أول من يتضرر، غير أنها تتجاهل تلك المخاطر مقابل تلبية رغباتها.
وبالعودة إلى الدكتور الموينع فإنه يؤكد على أن الأسس النفسية الراسخة لدى المستهلك تدفعه لزيادة إنفاقه الاستهلاكي عند حدوث زيادة في دخله، مع اتجاه البعض إلى محاولة ادخار جزء منه تتزايد هي الأخرى مع تزايد الدخل، وذلك كله بعد تجاوز حد معين من المستوى المعيشي، حتى يكون في مستوى كافٍ لإشباع المتطلبات الاستهلاكية الضرورية.
وفي ذات السياق، يرى خالد خضري وهو موظف حكومي أن بعض المستهلكين لا يقف عند حد دخله ولو كان قليلا، متجها نحو الاستدانة من المعارف والأقارب بدلا من المؤسسات المالية المقرضة لسد حاجاته الاستهلاكية، واصفا عملية الاستدانة بأنها تشكل نوعا من الإهانة الاجتماعية لصاحبها.
وأبان خضري أن تلك الاستدانة تؤدي في كثير من الأحيان للقطيعة والتنافر بين الأقارب والأصدقاء، زاعما أن البنوك أصبحت البديل المناسب لكثير منهم، غير أن البنوك ليست مؤسسات اجتماعية؛ لذا فهي لا تتوانى عن مقاضاة المتعثرين وربما سجنهم.
من جهته قال محمد الحمادي المستشار الاقتصادي «إن سلوك الفرد قبيل موسم عيد الفطر المبارك مثال يتضاعف فوق سلوك الفرد الاستهلاكي العادي، لتداخل عناصر اجتماعية واقتصادية وثقافية فيه، مثل ممارسة بعض المستهلكين من الجنسين ظاهرة التباهي، بالإضافة إلى الاستجابة إلى ضغوط طلبات الأسرة حول شراء احتياجات استهلاكية؛ ولكنها غير ضرورية، فضلا عن استنزافها حجما كبيرا من المال بشكل لا ينسجم مع المقدرات المالية».
وقال الحمادي «إن كثيرا من المستهلكين لا ينتبه إلى أخطائه الإنفاقية بعد انقضاء فترة إجازة العيد، ويجدون أنفسهم فجأة يعانون عجزا ماليا لا يستطيعون التعامل معه بشكل منطقي؛ بسبب محاولة مجاراتهم بعض الذين رزقهم الله أموالا كافية، تغطي حاجياتهم الضرورية والكمالية، ولا تؤثر في دخولهم في شيء».
وتابع المستشار الاقتصادي قائلا إنه إذا لم يراعِ المستهلك أهمية التخطيط لدخله بشكل يوازن بين توفير الاحتياجات الضرورية وفق الإمكانات المالية، ومن عجز دخله عن توفير حاجاته الأساسية، سيجد نفسه في حاجة إلى الاستغاثة بمن يقرضه، سواء مؤسسة مالية أو أصحاب أو أقارب أو حتى معارف.
ولفت الحمادي إلى ظاهرة وجود نوع من المستهلكين اعتاد الوقوع في براثن الاستدانات لدراسة الكيفية المناسبة لتوفير حاجاتهم بدخولهم المتاحة، مشيرا إلى أن المستهلك الذي يحاول الإيقاع بنفسه في سلة الحاجة المستمرة، لا يأخذ في الحسبان قلة دخله، مما يوقعه في مشكلات تصل إلى السجن، وربما العزل عن المجتمع حال انتشار سمعته كعميل سيئ لدى الجهات التي يقترض منها.
وشدد الحمادي على ضرورة أن يعي المستهلك مدى خطورة تماديه في استهلاك مسرف، بدعوى أنه يسعى إلى توفير احتياجات العيد في الوقت الذي يعاني فيه من ضيق ذات اليد، منوها بذوي الدخل المحدود ضرورة الانتباه إلى أهمية التخطيط المالي للتعامل مع ما لديهم من دخل، محكّما في ذلك عقله لا عواطفه، مع ضرورة ممارسة سياسة الإنفاق الذكي الذي يقدم الحاجات الأساسية على الاستهلاكية دون الإخفاق في ميزان الالتزامات والمقدرات.
وحول أكثر المتطلبات التي تضايق المستهلك وتخنق ميزانيته، يعتقد الخبير الاقتصادي فضل البوعينين أن الحاجات الاستهلاكية أصبحت جزءا من الأساسيات، عازيا ذلك إلى نظرة المجتمع؛ مما جعل الأسر تحمل نفسها أعباء كان من الممكن التخلي عنها بسهولة؛ فالأمر لم يعد مرتبطا بحاجات العيد، بل هو أبعد من ذلك.
استهلاك السعوديين في المواسم.. إنفاق فوق الحاجة
متوسط الصرف سبعة آلاف ريال.. والتخطيط غائب
استهلاك السعوديين في المواسم.. إنفاق فوق الحاجة
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة