توم هانكس عن «كابتن فيليبس» لـ {الشرق الأوسط}: يدعوك الفيلم لأن تفكر في الأحداث التي يعيشها العالم

هناك جروح إنسانية تؤلمني.. الوضع القائم في أميركا وخارجها

من «الكابتن فيليبس»
من «الكابتن فيليبس»
TT

توم هانكس عن «كابتن فيليبس» لـ {الشرق الأوسط}: يدعوك الفيلم لأن تفكر في الأحداث التي يعيشها العالم

من «الكابتن فيليبس»
من «الكابتن فيليبس»

المخرج بول غرينغراس يعود إلى قارعة الأفلام التي تبرز معضلة الشخصية الرئيسة في أزمة خانقة. حتى سلسلة «بورن» التي أخرجها من بطولة مات دايمون هي عن مثل هذه المعضلات الحادة؛ رجل يفقد ذاكرته ولا يعلم لماذا تحاول المخابرات الأميركية إعدامه، فيداوم الهرب بحثا عن السبب وعن ذاكرته المفقودة، كما عن النجاة.
في «كابتن فيليبس» الأزمة حقيقية (كتلك التي في فيلميه السابقين «يونايتد 93» و«أحد دموي»)، لكنها معالجة بروحه التي تميل إلى الاستعراض التقني اللافت، عوض أن تشكّل الدراما الواقعية التي تقترحها حادثة قيام القراصنة الصوماليين باحتجاز سفينة يقودها الكابتن رتشارد فيليبس (كما يقوم به توم هانكس)، التي جرى خطفها واحتجازها في حادثة شهيرة وقعت سنة 2009، قبل أن تتدخل البحرية الأميركية في مواجهة مع المسلّحين انتهت باستردادها.
* توم هانكس ليس غريبا عن هذه الأدوار.
- أحب الأدوار التي تتطلب النظر إلى شخصية غير عادية، وأنا وغيري، سواء كانوا مؤرخين أو كتّابا أو حتى جمهورا تابع تلك الأحداث، أعتبر أن الكابتن فيليبس ليس شخصية عادية، ولا شخصا عاديا بحد ذاته. لا التركيبة النفسية والعاطفية ولا الشخص الماثل أمام الحدث، الذي يدرك سريعا حجم المسؤولية الواقعة على كتفيه نظرا لما يقع.
* حين تتحدّث عن الأدوار التي تتطلب شخصية غير عادية، أتذكر «معزول» (Cast Away) أكثر مما أتذكر مثلا «شيفرة دافنشي».
- كلاهما مختلف. لكن مقارنة «كابتن فيليبس» بـ«معزول» قد تبدو غريبة للبعض، لكنها تماما ما أقصد.
* ذكرت لي ذات مرّة أن بعض الأدوار التي تؤديها تتطلب فتح جروح نفسية لديك. هل دورك الجديد واحد منها؟
- ليس تماما في الواقع. لكن هناك جروحا إنسانية تؤلمني؛ الوضع القائم في أميركا وفي خارجها. العنف والحروب وهذه الحادثة طبعا، بل كل ما يعيشه العالم من أوضاع في السنوات الأخيرة من هذا العصر الغريب. لا أقول ذلك لكي أهرب من الرد على الصعيد الشخصي، لكن «كابتن فيليبس» في اعتقادي يدعوك إلى أن تفكّر في الحدث، وفي كونه واحدا من أحداث كثيرة يعيشها العالم. من ناحية، هناك شجاعة الكابتن فيليبس، ومن ناحية أخرى هناك وضع أعتقد أنه يتجاوز الصواب والخطأ.
* البعض يقول إن الأحداث مختلفة عما تم عرضه على الشاشة.
- يجوز، لكن أليست هذه هي الحال مع كل فيلم روائي؟ أعتقد أن النقاد يستطيعون لوم فيلم تسجيلي أو فيلم تقريري (ريبورتاجي)، إذا ما أغفل حقائق مهمة أو غيّر في وقائع معينة، لكن في السينما الروائية هناك حالات تتطلب التغيير لا يمكن للفيلم أن يعرضها كما هي. في الحقيقة، إذا أردنا التدقيق؛ الحادثة وقعت في أيام، وتنقلها السينما في ساعتين. بالطبع لا بد أن تتغير.
* ما الجروح النفسية التي ذكرتها؟
- أعتقد ما قصدته هو أن هناك في شخصيّتي وشخصية كل منا معالم داخلية من الصعب التغلب عليها، لأنها نتاج أحداث سابقة. تاريخ الحياة الفردية؛ سواء أنت أو أنا أو سوانا. كل منا يحملها؛ والدي كان يطلب مني أشياء مستحيلة التقديم أو الفعل وأنا ما زلت في سن صغيرة نسبيا.
* 10 سنوات مثلا؟
- تقريبا، ربما أقل. كنت أفشل فيها طبعا لأنها تحتاج إلى مجهود أكبر من قدراتي آنذاك. ربما هذا هو السبب الذي من أجله لم أنبغ في تنفيذ الأشياء. يكفيني أني حسن العشرة تجاه الزوجة والأولاد. لا أريد أن أصلح أعطالا أو حتى أدق مسمارا لكي أبرهن على أني أجيد النجارة وإصلاح شيء مكسور (يضحك). بالنسبة لآخرين ربما أشياء مختلفة من البيت أو من المدرسة. لكن كل منا لديه هذا الجانب الذي يريد أن يتحاشى التعامل معه فيبقى في ذاته مدّة طويلة.
* ما الأدوار التي في اعتقادك لا تتطلب رجوعا إلى الماضي؟
- كثيرة، لكن العودة إلى الماضي مسألة شخصية. ربما يستطيع ممثل أن يؤدي دور رجل يعاني من آثار الحرب النفسية، لكن هذا لا يتسبب في أزمة. هناك آخرون ربما لا يستطيعون إلا تذكر حوادث كانت قريبة من البيت. الأمر يختلف ولن تقرأ في الصحف أن ممثلا يكشف عن هواجسه أو متاعبه النفسية. الأكثر انتشارا أننا نهرب إلى الأمام. نريد أن نمثّل أكثر.
* في المقابلة السابقة، كنت على أهبة التمثيل للمسرح، ورأيناك لاحقا في فيلم تلفزيوني، وهذا بالطبع يمشي بالتناسق مع أعمالك السينمائية.. ما وصفك للمرحلة التي تعيش فيها الآن؟
- إنها مرحلة رائعة. كل أولادي كبروا، مما يجعلني إنسانا سعيدا (يضحك). عندما لا يصبح من واجباتك تحميم الأولاد والاكتراث لكل صغيرة أو كبيرة في حياتهم، فإن ذلك نوع من التعويض الزمني، كأنما عدت إلى شبابك الأول. الآن كبروا ويعرفون كيف يقودون السيارة بحيث لم يعد واجبا عليك أن تقودهم إلى المدرسة ومنها. هذا يمنحني فرصة العودة إلى العمل بالكثافة التي لاحظتها. هناك بين مشاريعي عدد من الأفلام والمسلسلات التلفزيونية أيضا. إنه وسيط بات عندي مثيرا كالتمثيل في الأفلام. سأنتج هذه الأعمال التلفزيونية لكني سأبقى على صلة بالسينما.
* هل هذا كثير؟
- لا. مطلقا. طالما أنك تحب ما تقوم به فستقوم به طوال حياتك.



رحيل إيلي شويري عاشق لبنان و«أبو الأناشيد الوطنية»

عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»
عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»
TT

رحيل إيلي شويري عاشق لبنان و«أبو الأناشيد الوطنية»

عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»
عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»

إنه «فضلو» في «بياع الخواتم»، و«أبو الأناشيد الوطنية» في مشواره الفني، وأحد عباقرة لبنان الموسيقيين، الذي رحل أول من أمس (الأربعاء) عن عمر ناهز 84 عاماً.
فبعد تعرضه لأزمة صحية نقل على إثرها إلى المستشفى، ودّع الموسيقي إيلي شويري الحياة. وفي حديث لـ«الشرق الأوسط» أكدت ابنته كارول أنها تفاجأت بانتشار الخبر عبر وسائل التواصل الاجتماعي قبل أن تعلم به عائلته. وتتابع: «كنت في المستشفى معه عندما وافاه الأجل. وتوجهت إلى منزلي في ساعة متأخرة لأبدأ بالتدابير اللازمة ومراسم وداعه. وكان الخبر قد ذاع قبل أن أصدر بياناً رسمياً أعلن فيه وفاته».
آخر تكريم رسمي حظي به شويري كان في عام 2017، حين قلده رئيس الجمهورية يومها ميشال عون وسام الأرز الوطني. وكانت له كلمة بالمناسبة أكد فيها أن حياته وعطاءاته ومواهبه الفنية بأجمعها هي كرمى لهذا الوطن.
ولد إيلي شويري عام 1939 في بيروت، وبالتحديد في أحد أحياء منطقة الأشرفية. والده نقولا كان يحضنه وهو يدندن أغنية لمحمد عبد الوهاب. ووالدته تلبسه ثياب المدرسة على صوت الفونوغراف الذي تنساب منه أغاني أم كلثوم مع بزوغ الفجر. أما أقرباؤه وأبناء الجيران والحي الذي يعيش فيه، فكانوا من متذوقي الفن الأصيل، ولذلك اكتمل المشوار، حتى قبل أن تطأ خطواته أول طريق الفن.
- عاشق لبنان
غرق إيلي شويري منذ نعومة أظافره في حبه لوطنه وترجم عشقه لأرضه بأناشيد وطنية نثرها على جبين لبنان، ونبتت في نفوس مواطنيه الذين رددوها في كل زمان ومكان، فصارت لسان حالهم في أيام الحرب والسلم. «بكتب اسمك يا بلادي»، و«صف العسكر» و«تعلا وتتعمر يا دار» و«يا أهل الأرض»... جميعها أغنيات شكلت علامة فارقة في مسيرة شويري الفنية، فميزته عن سواه من أبناء جيله، وذاع صيته في لبنان والعالم العربي وصار مرجعاً معتمداً في قاموس الأغاني الوطنية. اختاره ملك المغرب وأمير قطر ورئيس جمهورية تونس وغيرهم من مختلف أقطار العالم العربي ليضع لهم أجمل معاني الوطن في قالب ملحن لا مثيل له. فإيلي شويري الذي عُرف بـ«أبي الأناشيد الوطنية» كان الفن بالنسبة إليه منذ صغره هَوَساً يعيشه وإحساساً يتلمسه في شكل غير مباشر.
عمل شويري مع الرحابنة لفترة من الزمن حصد منها صداقة وطيدة مع الراحل منصور الرحباني. فكان يسميه «أستاذي» ويستشيره في أي عمل يرغب في القيام به كي يدله على الصح من الخطأ.
حبه للوطن استحوذ على مجمل كتاباته الشعرية حتى لو تناول فيها العشق، «حتى لو رغبت في الكتابة عن أعز الناس عندي، أنطلق من وطني لبنان»، هكذا كان يقول. وإلى هذا الحد كان إيلي شويري عاشقاً للبنان، وهو الذي اعتبر حسه الوطني «قدري وجبلة التراب التي امتزج بها دمي منذ ولادتي».
تعاون مع إيلي شويري أهم نجوم الفن في لبنان، بدءاً بفيروز وسميرة توفيق والراحلين وديع الصافي وصباح، وصولاً إلى ماجدة الرومي. فكان يعدّها من الفنانين اللبنانيين القلائل الملتزمين بالفن الحقيقي. فكتب ولحن لها 9 أغنيات، من بينها «مين إلنا غيرك» و«قوم تحدى» و«كل يغني على ليلاه» و«سقط القناع» و«أنت وأنا» وغيرها. كما غنى له كل من نجوى كرم وراغب علامة وداليدا رحمة.
مشواره مع الأخوين الرحباني بدأ في عام 1962 في مهرجانات بعلبك. وكانت أول أدواره معهم صامتة بحيث يجلس على الدرج ولا ينطق إلا بكلمة واحدة. بعدها انتسب إلى كورس «إذاعة الشرق الأدنى» و«الإذاعة اللبنانية» وتعرّف إلى إلياس الرحباني الذي كان يعمل في الإذاعة، فعرّفه على أخوَيه عاصي ومنصور.

مع أفراد عائلته عند تقلده وسام الأرز الوطني عام 2017

ويروي عن هذه المرحلة: «الدخول على عاصي ومنصور الرحباني يختلف عن كلّ الاختبارات التي يمكن أن تعيشها في حياتك. أذكر أن منصور جلس خلف البيانو وسألني ماذا تحفظ. فغنيت موالاً بيزنطياً. قال لي عاصي حينها؛ من اليوم ممنوع عليك الخروج من هنا. وهكذا كان».
أسندا إليه دور «فضلو» في مسرحية «بياع الخواتم» عام 1964. وفي الشريط السينمائي الذي وقّعه يوسف شاهين في العام التالي. وكرّت السبحة، فعمل في كلّ المسرحيات التي وقعها الرحابنة، من «دواليب الهوا» إلى «أيام فخر الدين»، و«هالة والملك»، و«الشخص»، وصولاً إلى «ميس الريم».
أغنية «بكتب اسمك يا بلادي» التي ألفها ولحنها تعد أنشودة الأناشيد الوطنية. ويقول شويري إنه كتب هذه الأغنية عندما كان في رحلة سفر مع الراحل نصري شمس الدين. «كانت الساعة تقارب الخامسة والنصف بعد الظهر فلفتني منظر الشمس التي بقيت ساطعة في عز وقت الغروب. وعرفت أن الشمس لا تغيب في السماء ولكننا نعتقد ذلك نحن الذين نراها على الأرض. فولدت كلمات الأغنية (بكتب اسمك يا بلادي عالشمس الما بتغيب)».
- مع جوزيف عازار
غنى «بكتب اسمك يا بلادي» المطرب المخضرم جوزيف عازار. ويخبر «الشرق الأوسط» عنها: «ولدت هذه الأغنية في عام 1974 وعند انتهائنا من تسجيلها توجهت وإيلي إلى وزارة الدفاع، وسلمناها كأمانة لمكتب التوجيه والتعاون»، وتابع: «وفوراً اتصلوا بنا من قناة 11 في تلفزيون لبنان، وتولى هذا الاتصال الراحل رياض شرارة، وسلمناه شريط الأغنية فحضروا لها كليباً مصوراً عن الجيش ومعداته، وعرضت في مناسبة عيد الاستقلال من العام نفسه».
يؤكد عازار أنه لا يستطيع اختصار سيرة حياة إيلي شويري ومشواره الفني معه بكلمات قليلة. ويتابع لـ«الشرق الأوسط»: «لقد خسر لبنان برحيله مبدعاً من بلادي كان رفيق درب وعمر بالنسبة لي. أتذكره بشوشاً وطريفاً ومحباً للناس وشفافاً، صادقاً إلى أبعد حدود. آخر مرة التقيته كان في حفل تكريم عبد الحليم كركلا في الجامعة العربية، بعدها انقطعنا عن الاتصال، إذ تدهورت صحته، وأجرى عملية قلب مفتوح. كما فقد نعمة البصر في إحدى عينيه من جراء ضربة تلقاها بالغلط من أحد أحفاده. فضعف نظره وتراجعت صحته، وما عاد يمارس عمله بالشكل الديناميكي المعروف به».
ويتذكر عازار الشهرة الواسعة التي حققتها أغنية «بكتب اسمك يا بلادي»: «كنت أقفل معها أي حفل أنظّمه في لبنان وخارجه. ذاع صيت هذه الأغنية، في بقاع الأرض، وترجمها البرازيليون إلى البرتغالية تحت عنوان (أومينا تيرا)، وأحتفظ بنصّها هذا عندي في المنزل».
- مع غسان صليبا
مع الفنان غسان صليبا أبدع شويري مرة جديدة على الساحة الفنية العربية. وكانت «يا أهل الأرض» واحدة من الأغاني الوطنية التي لا تزال تردد حتى الساعة. ويروي صليبا لـ«الشرق الأوسط»: «كان يعد هذه الأغنية لتصبح شارة لمسلسل فأصررت عليه أن آخذها. وهكذا صار، وحققت نجاحاً منقطع النظير. تعاونت معه في أكثر من عمل. من بينها (كل شيء تغير) و(من يوم ما حبيتك)». ويختم صليبا: «العمالقة كإيلي شويري يغادرونا فقط بالجسد. ولكن بصمتهم الفنية تبقى أبداً ودائماً. لقد كانت تجتمع عنده مواهب مختلفة كملحن وكاتب ومغنٍ وممثل. نادراً ما نشاهدها تحضر عند شخص واحد. مع رحيله خسر لبنان واحداً من عمالقة الفن ومبدعيه. إننا نخسرهم على التوالي، ولكننا واثقون من وجودهم بيننا بأعمالهم الفذة».
لكل أغنية كتبها ولحنها إيلي شويري قصة، إذ كان يستمد موضوعاتها من مواقف ومشاهد حقيقية يعيشها كما كان يردد. لاقت أعماله الانتقادية التي برزت في مسرحية «قاووش الأفراح» و«سهرة شرعية» وغيرهما نجاحاً كبيراً. وفي المقابل، كان يعدها من الأعمال التي ينفذها بقلق. «كنت أخاف أن تخدش الذوق العام بشكل أو بآخر. فكنت ألجأ إلى أستاذي ومعلمي منصور الرحباني كي يرشدني إلى الصح والخطأ فيها».
أما حلم شويري فكان تمنيه أن تحمل له السنوات الباقية من عمره الفرح. فهو كما كان يقول أمضى القسم الأول منها مليئة بالأحزان والدموع. «وبالقليل الذي تبقى لي من سنوات عمري أتمنى أن تحمل لي الابتسامة».