الملكة إليزابيث الثانية تستقبل الناشطة الباكستانية ملالا في قصر باكنغهام

كانت مرتبكة قبل الاجتماع معها وأهدتها كتابها «أنا ملالا»

والد ملالا ضياء الدين يوسف زاي يصافح الملكة وتبدو ملالا إلى يمينه (رويترز)
والد ملالا ضياء الدين يوسف زاي يصافح الملكة وتبدو ملالا إلى يمينه (رويترز)
TT

الملكة إليزابيث الثانية تستقبل الناشطة الباكستانية ملالا في قصر باكنغهام

والد ملالا ضياء الدين يوسف زاي يصافح الملكة وتبدو ملالا إلى يمينه (رويترز)
والد ملالا ضياء الدين يوسف زاي يصافح الملكة وتبدو ملالا إلى يمينه (رويترز)

أعربت الناشطة الباكستانية ملالا يوسف زاي، التي أطلقت جماعة طالبان النار عليها في الرأس العام الماضي، عن فخرها بلقاء الملكة إليزابيث الثانية في قصر باكنغهام أمس الجمعة. وكانت ملالا ووالدها ضياء الدين يوسف زاي قد دعيا لحضور حدث ترويجي للتعليم في دول الكومنولث التابعة للتاج البريطاني.
وقالت الفتاة، التي لا تزال تدرس وألقت كلمة في الأمم المتحدة في عيد ميلادها الـ16 ورشحت للفوز بجائزة نوبل للسلام، إنها منحت الملكة نسخة من كتابها «أنا ملالا». وأضافت أنها أخبرت الملكة عن مشاعرها تجاه التعليم «خاصة في هذا البلد كذلك». وتابعت ملالا «لقد كنت مرتبكة قبل الاجتماع معها لأن بعض الأشخاص قالوا إنه يتعين علي الانحناء احتراما لها وقال آخرون إنه يجب أن لا أتحدث حتى تتحدث». وأضافت «عقب ذلك عندما التقيتها، كانت في غاية الرقة بالفعل. وتحدثت إلي بطريقة ودية جدا». وتقيم ملالا وعائلتها حاليا في برمنغهام، ثاني أكبر مدن بريطانيا، بعد أن وصلت إلى البلاد للعلاج عقب محاولة اغتيال نفذتها طالبان.
وكانت ملالا تعرضت لهجوم من مسلحي طالبان بسبب نضالها من أجل تعليم الفتيات في دول إسلامية. وأسفر الهجوم الذي وقع قبل عام عن إصابتها.
ونفت ملالا اتهامها بأنها أصبحت «شخصية غربية» مؤكدة أنها فخورة بكونها باكستانية. وردا على سؤال لهيئة البث البريطاني «بي بي سي» في مقابلة سابقا حول ما إذا تحولت منذ الاعتداء عليها إلى «شخصية غربية» و«أصبحت الآن غربية» قالت ملالا يوسف زاي إن «والدي قال إن التربية ليست من الشرق ولا الغرب، إن التربية تربية والسلام، إنها حق للجميع». وأضافت أن «هناك أناسا يساندونني في باكستان، وأنا لا أعتبر نفسي غربية، أنا فتاة باكستانية وفخورة بأنني باكستانية».
وبعد أن تلقت الكثير من الجوائز والتكريمات الدولية أقام الرئيس الأميركي باراك أوباما وزوجته ميشيل حفل استقبال ضخما لملالا في البيت الأبيض. وقال البيت الأبيض إن أوباما أبدى شكره لملالا يوسف زاي على «عملها الملهم والحماسي من أجل تعليم الفتيات في باكستان.. الولايات المتحدة تنضم للشعب الباكستاني وكثيرين في شتى أنحاء العالم للاحتفال بشجاعة ملالا وتصميمها على تشجيع حق كل الفتيات في التعليم وتحقيق أحلامهن».
وحصلت ملالا على جائزة «المواطن العالمي» التي تمنحها «مبادرة كلينتون العالمية» لهذا العام في احتفال خاص في نيويورك أقيم الأسبوع الماضي، بعد سلسلة من التكريمات والجوائز العالمية، كان أحدثها وليس آخرها جائزة «ساخاروف لحرية الفكر». وشاركت الناشطة في تأسيس «صندوق ملالا» لمواصلة الدعوة للتعليم الجامعي للفتيات.
وحثت ملالا الزعماء على التركيز على التعليم لحل مشكلات العالم. وقالت: «نقول للحكومات والمسؤولين: إذا كنتم تريدون سلاما في سوريا وأفغانستان وباكستان.. إذا كنتم تريدون إنهاء الحروب.. إذا كنتم تريدون مكافحة الحروب.. فأرسلوا الكتب بدلا من البنادق».
وتناولت الناشطة الشابة قضايا منها عمالة الأطفال، والفقر، وعدم المساواة والظلم الذي تتعرض له النساء من أفغانستان إلى سوريا. وقالت: «النساء غير مقبولات حتى بوصفهن بشرا.. يعاملن بظلم وعدم مساواة. النساء يتعرضن للرفض والإهمال حتى في الدول المتقدمة؛ حيث لا يجدن فرص التقدم وتحقيق ما يتطلعن إليه».
وقد انقلبت حياة ملالا رأسا على عقب في التاسع من أكتوبر (تشرين الأول) 2012 عندما أطلق عليها أحد عناصر طالبان رصاصة في الرأس في وادي سوات، شمال غربي باكستان التي سيطر عليها المقاتلون الإسلاميون من 2007 إلى 2009.
وأعربت الفتاة مجددا عن رغبتها في أن تصبح سياسية وقالت «في المستقبل أريد ممارسة السياسة وأريد أن أصبح زعيمة وأصنع تغييرا في باكستان، أريد أن أصبح سياسية في باكستان ولا أريد أن أصبح سياسية في بلاد بلغت التطور».



100 عامٍ من عاصي الرحباني

عاصي الرحباني وفيروز (تويتر)
عاصي الرحباني وفيروز (تويتر)
TT

100 عامٍ من عاصي الرحباني

عاصي الرحباني وفيروز (تويتر)
عاصي الرحباني وفيروز (تويتر)

في الرابع من شهر الخِصب وبراعم اللوز والورد، وُلد عاصي الرحباني. كانت البلادُ فكرةً فَتيّة لم تبلغ بعد عامها الثالث. وكانت أنطلياس، مسقط الرأس، قريةً لبنانيةً ساحليّة تتعطّر بزهر الليمون، وتَطربُ لارتطام الموج بصخور شاطئها.
لو قُدّر له أن يبلغ عامه المائة اليوم، لأَبصر عاصي التحوّلات التي أصابت البلاد وقُراها. تلاشت الأحلام، لكنّ «الرحباني الكبير» ثابتٌ كحقيقةٍ مُطلَقة وعَصي على الغياب؛ مقيمٌ في الأمس، متجذّر في الحاضر وممتدّةٌ جذوره إلى كل الآتي من الزمان.


عاصي الرحباني خلال جلسة تمرين ويبدو شقيقه الياس على البيانو (أرشيف Rahbani Productions)

«مهما قلنا عن عاصي قليل، ومهما فعلت الدولة لتكريمه قليل، وهذا يشمل كذلك منصور وفيروز»، يقول المؤلّف والمنتج الموسيقي أسامة الرحباني لـ«الشرق الأوسط» بمناسبة مئويّة عمّه. أما الصحافي والباحث محمود الزيباوي، الذي تعمّق كثيراً في إرث الرحابنة، فيرى أن التكريم الحقيقي يكون بتأليف لجنة تصنّف ما لم يُنشر من لوحاته الغنائية الموجودة في إذاعتَي دمشق ولبنان، وتعمل على نشره.
يقرّ أسامة الرحباني بتقصير العائلة تجاه «الريبرتوار الرحباني الضخم الذي يحتاج إلى تضافر جهود من أجل جَمعه»، متأسفاً على «الأعمال الكثيرة التي راحت في إذاعة الشرق الأدنى». غير أنّ ما انتشر من أغانٍ ومسرحيات وأفلام، على مدى أربعة عقود من عمل الثلاثي الرحباني عاصي ومنصور وفيروز، أصبح ذخيرةً للقرون المقبلة، وليس للقرن الرحباني الأول فحسب.

«فوتي احفظي، قومي سجّلي»
«كان بركاناً يغلي بالعمل... يكتب بسرعة ولا يتوقف عند هاجس صناعة ما هو أجمل، بل يترك السرد يمشي كي لا ينقطع الدفق»، هكذا يتذكّر أسامة عمّه عاصي. وفي بال الزيباوي كذلك، «عاصي هو تجسيدٌ للشغف وللإنسان المهووس بعمله». لم يكن مستغرباً أن يرنّ الهاتف عند أحد أصدقائه الساعة الثالثة فجراً، ليخرج صوت عاصي من السمّاعة قارئاً له ما كتب أو آخذاً رأيه في لحنٍ أنهاه للتوّ.
ووفق ما سمعه الزيباوي، فإن «بعض تمارين السيدة فيروز وتسجيلاتها كان من الممكن أن يمتدّ لـ40 ساعة متواصلة. يعيد التسجيل إذا لم يعجبه تفصيل، وهذا كان يرهقها»، رغم أنه الزوج وأب الأولاد الأربعة، إلا أن «عاصي بقي الأستاذ الذي تزوّج تلميذته»، على حدّ وصف الزيباوي. ومن أكثر الجمل التي تتذكّرها التلميذة عن أستاذها: «فوتي احفظي، قومي سَجّلي». أضنى الأمر فيروز وغالباً ما اعترفت به في الحوارات معها قبل أن تُطلقَ تنهيدةً صامتة: «كان ديكتاتوراً ومتطلّباً وقاسياً ومش سهل الرِضا أبداً... كان صعب كتير بالفن. لمّا يقرر شي يمشي فيه، ما يهمّه مواقفي».


عاصي وفيروز (تويتر)
نعم، كان عاصي الرحباني ديكتاتوراً في الفن وفق كل مَن عاصروه وعملوا معه. «كل العباقرة ديكتاتوريين، وهذا ضروري في الفن»، يقول أسامة الرحباني. ثم إن تلك القسوة لم تأتِ من عدم، فعاصي ومنصور ابنا الوَعر والحرمان.
أثقلت كتفَي عاصي منذ الصغر همومٌ أكبر من سنّه، فتحمّلَ وأخوه مسؤولية العائلة بعد وفاة الوالد. كان السند المعنوي والمادّي لأهل بيته. كمعطفٍ ردّ البردَ عنهم، كما في تلك الليلة العاصفة التي استقل فيها دراجة هوائية وقادها تحت حبال المطر من أنطلياس إلى الدورة، بحثاً عن منصور الذي تأخّر بالعودة من الوظيفة في بيروت. يروي أسامة الرحباني أنها «كانت لحظة مؤثرة جداً بين الأخوين، أبصرا خلالها وضعهما المادي المُذري... لم ينسيا ذلك المشهد أبداً، ومن مواقفَ كتلك استمدّا قوّتهما».
وكما في الصِبا كذلك في الطفولة، عندما كانت تمطر فتدخل المياه إلى المدرسة، كان يظنّ منصور أن الطوفان المذكور في الكتاب المقدّس قد بدأ. يُصاب بالهلَع ويصرخ مطالباً المدرّسين بالذهاب إلى أخيه، فيلاقيه عاصي ويحتضنه مهدّئاً من رَوعه.

«سهرة حبّ»... بالدَين
تعاقبت مواسم العزّ على سنوات عاصي الرحباني. فبعد بدايةٍ متعثّرة وحربٍ شرسة ضد أسلوبه الموسيقي الثائر على القديم، سلك دروب المجد. متسلّحاً بخياله المطرّز بحكايا جدّته غيتا و«عنتريّات» الوالد حنّا عاصي، اخترع قصصاً خفتت بفعلِ سحرِها الأصواتُ المُعترضة. أما لحناً، فابتدعَ نغمات غير مطابقة للنظريات السائدة، و«أوجد تركيبة جديدة لتوزيع الموسيقى العربية»، على ما يشرح أسامة الرحباني.


صورة تجمع عاصي ومنصور الرحباني وفيروز بالموسيقار محمد عبد الوهاب وفريد الأطرش، بحضور بديعة مصابني وفيلمون وهبي ونجيب حنكش (أرشيف Rahbani Productions)
كان عاصي مستعداً للخسارة المادية من أجل الربح الفني. يحكي محمود الزيباوي أنه، ولشدّة مثاليته، «سجّل مسرحية (سهرة حب) مرتَين ولم تعجبه النتيجة، فاقترض مبلغاً من المال ليسجّلها مرة ثالثة». ويضيف أن «أساطير كثيرة نُسجت حول الرحابنة، لكن الأسطورة الحقيقية الوحيدة هي جمال عملهم».
ما كانت لتكتمل أسطورة عاصي، لولا صوت تلك الصبية التي دخلت قفصَه الذهبي نهاد حدّاد، وطارت منه «فيروز».
«أدهشته»، يؤكّد الزيباوي؛ ويستطرد: «لكنّ أحداً منهما لم يعرف كيف يميّز بين نهاد حداد وفيروز»... «هي طبعاً المُلهِمة»، يقول أسامة الرحباني؛ «لمح فيها الشخصية التي لطالما أراد رسمَها، ورأى امرأةً تتجاوب مع تلك الشخصية»، ويضيف أن «عاصي دفع بصوت فيروز إلى الأعلى، فهو في الفن كان عنيفاً ويؤمن بالعصَب. كان يكره الارتخاء الموسيقي ويربط النجاح بالطبع الفني القوي، وهذا موجود عند فيروز».


زفاف عاصي الرحباني ونهاد حداد (فيروز) عام 1955 (تويتر)

دماغٌ بحجم وطن
من عزّ المجد، سرقت جلطة دماغيّة عاصي الرحباني عام 1972. «أكثر ما يثير الحزن أن عاصي مرض وهو في ذروة عطائه وإبداعه، وقد زادت الحرب اللبنانية من مرضه وصعّبت العمل كثيراً»، وفق الزيباوي. لم يكن القلق من الغد الغامض غريباً عليه. فهو ومنذ أودى انفجارٌ في إحدى الكسّارات بحياة زوج خالته يوسف الزيناتي، الذي كان يعتبره صياداً خارقاً واستوحى منه شخصيات لمسرحه، سكنته الأسئلة الحائرة حول الموت وما بعدَه.
الدماغ الذي وصفه الطبيب الفرنسي المعالج بأنه من أكبر ما رأى، عاد ليضيء كقمرٍ ليالي الحصّادين والعاشقين والوطن المشلّع. نهض عاصي ورجع إلى البزُق الذي ورثه عن والده، وإلى نُبله وكرمه الذي يسرد أسامة الرحباني عنهما الكثير.
بعد المرض، لانت قسوة عاصي في العمل وتَضاعفَ كرَمُه المعهود. يقول أسامة الرحباني إن «أقصى لحظات فرحه كانت لحظة العطاء». أعطى من ماله ومن فِكرِه، وعُرف بيدِه الموضوعة دائماً في جيبِه استعداداً لتوزيع النقود على المحتاجين في الشارع. أما داخل البيت، فتجسّد الكرَم عاداتٍ لطيفة وطريفة، كأن يشتري 20 كنزة متشابهة ويوزّعها على رجال العائلة وشبّانها.
خلال سنواته الأخيرة ومع احتدام الحرب، زاد قلق عاصي الرحباني على أفراد العائلة. ما كان يوفّر مزحة أو حكاية ليهدّئ بها خوف الأطفال، كما في ذلك اليوم من صيف 1975 الذي استُهدفت فيه بلدة بكفيا، مصيَف العائلة. يذكر أسامة الرحباني كيف دخل عاصي إلى الغرفة التي تجمّع فيها أولاد العائلة مرتعدين، فبدأ يقلّد الممثلين الأميركيين وهم يُطلقون النار في الأفلام الإيطالية، ليُنسيَهم ما في الخارج من أزيز رصاص حقيقي. وسط الدمار، بنى لهم وطناً من خيالٍ جميل، تماماً كما فعل وما زال يفعل في عامِه المائة، مع اللبنانيين.


عاصي الرحباني (غيتي)