تنويع مصادر الاقتصاد.. كلمة السر لتحقيق «رؤية المملكة 2030»

في إطار أكبر تحول اقتصادي في تاريخها

وزراء سعوديون أثناء مؤتمر صحافي لإعلان خطة التحول الوطني للمملكة في جدة أول من أمس (رويترز)
وزراء سعوديون أثناء مؤتمر صحافي لإعلان خطة التحول الوطني للمملكة في جدة أول من أمس (رويترز)
TT

تنويع مصادر الاقتصاد.. كلمة السر لتحقيق «رؤية المملكة 2030»

وزراء سعوديون أثناء مؤتمر صحافي لإعلان خطة التحول الوطني للمملكة في جدة أول من أمس (رويترز)
وزراء سعوديون أثناء مؤتمر صحافي لإعلان خطة التحول الوطني للمملكة في جدة أول من أمس (رويترز)

قررت السعودية تنفيذ خطة طموحة للتحول الوطني بحلول عام 2020، ترمي إلى تنويع المصادر غير النفطية للاقتصاد السعودي، وتوفير 450 ألف وظيفة في القطاعات غير الحكومية، وذلك بعد موافقة الحكومة السعودية على «برنامج التحول الوطني» في السادس من يونيو (حزيران) الحالي، كأحد البرامج الأساسية لتحقيق رؤية السعودية على الأجل الطويل حتى عام 2030.
وبعد تحقيق الموازنة السعودية لعجز قارب 100 مليار دولار خلال العام المالي الماضي متأثرًا بانهيار أسعار النفط العالمية، أصبح من الضروري إيجاد مصادر دخل بديلة يعتمد عليها الاقتصاد السعودي، وهو ما أدركته الإدارة الاقتصادية للبلاد ورسمته في خطة مستقبلية بعيدة المدى، ترمي إلى إصلاح نقاط الضعف الأساسية وحسن إدارة واستغلال الموارد المتاحة بشكل يضمن تعظيم عوائدها واستمراريتها للأجيال القادمة.
وتعد رؤية السعودية 2030 خطة بعيدة الأجل تهدف لتحويل المملكة إلى قوة استثمارية عالمية وتقلل اعتمادها على النفط كمحرك رئيسي للاقتصاد، وينظر إليها وإلى أبرز برامجها - خطة التحول الوطني - على أنها أكبر تغيير تقوده الحكومة في تاريخ المملكة.
* الأهداف الرئيسية لبرنامج التحول الوطني
تهدف خطة التحول الوطني إلى زيادة الإيرادات الحكومية غير النفطية بأكثر من ثلاث أمثالها إلى 530 مليار ريال (141 مليار دولار) بحلول عام 2020، مقارنة بـ163.5 مليار حاليًا (43.59 مليار دولار)، وذلك من خلال أكثر من 500 مشروع ومبادرة، وزيادة الأصول الحكومية بنسبة 67 في المائة، من ثلاثة إلى خمسة مليارات ريال (800 مليون إلى 1.33 مليار دولار).
بجانب تنويع مصادر الدخل غير النفطية وزيادة فرص العمل الجديدة في القطاعات غير الحكومية، يهدف البرنامج إلى خفض الإنفاق العام بنسبة 40 في المائة على مدى السنوات الخمس المقبلة من 45 في المائة حاليًا، بجانب تقليص دعم الماء والكهرباء بمقدار 200 مليار ريال (53.33 مليار دولار) بحلول 2020، وتعزيز الشراكة مع القطاع الخاص للمساهمة في دفع عجلة التنمية وخلق فرص عمل، لتقليل نسبة البطالة بين السعوديين من 11.6 في المائة حاليًا إلى 9 في المائة بحلول 2020، ورفع نسبة مساهمة النساء في سوق العمل من 23 في المائة إلى 28 في المائة.
ويهدف أيضًا إلى زيادة الصادرات غير النفطية من 185 مليار ريال سعودي (49.33 مليار دولار) إلى أكثر من 300 مليار ريال (80 مليار دولار) بحلول عام 2030، كذلك زيادة الاستثمارات في السياحة من 145 مليار ريال (38.66 مليار دولار) إلى 171.5 مليار (45.73 مليار دولار)، وزيادة عدد الحجاج من 1.5 مليون شخص إلى 2.5 مليون سنويا، وعدد المعتمرين من سبعة ملايين إلى 15 مليونا سنويا.
هذا بالإضافة إلى تعزيز الاستثمار الأجنبي المباشر من 30 مليار ريال (8 مليارات دولار) إلى 70 مليارا (18.66 مليار دولار)، كذلك التخطيط لبناء مجمع دولي ضخم للصناعات البحرية من شأنه أن يوفر 80 ألف فرصة عمل، وخفض الواردات بـ12 مليار دولار سنويا.
* ميزانية البرنامج
أوضح وزير الدولة السعودي محمد بن عبد الملك آل الشيخ إنه سيتم تنفيذ المرحلة الأولى من البرنامج عبر 24 هيئة حكومية بميزانية قدرها نحو 270 مليار ريال (72 مليار دولار) خلال السنوات الخمس المقبلة، بالإضافة إلى مساهمة القطاع الخاص التي من المتوقع أن تصل إلى 300 مليار ريال (80 مليار دولار).
ومن المتوقع وفقا لخطة التحول أن يساهم فرض ضريبة للقيمة المضافة وضريبة على المشروبات المحلاة والتبغ ورسوم إضافية على القطاع الخاص في زيادة الإيرادات غير النفطية، وأكد آل الشيخ أن الضريبة الوحيدة التي تم الاتفاق عليها حتى الآن هي ضريبة القيمة المضافة التي تعتزم دول الخليج تطبيقها اعتبارا من 2018.
وأكد وزير الدولة أنه لن يكون للمبالغ المخصصة لبرنامج التحول الوطني أثر مالي كبير على ميزانية الدولة، ولن تمول الدولة البرنامج بفرض ضرائب جديدة على الدخل، وبحسب الوثيقة تشمل مبادرات برنامج التحول الوطني التي سيتم إطلاقها في عام 2016 إنفاق 150 مليون ريال (40 مليون دولار) على إعداد وتطبيق ضريبة الدخل على الأجانب العاملين في المملكة.
ومن المتوقع الاستفادة من أرباح صندوق الاستثمارات العامة السعودي، في تنويع مصادر دخل الاقتصاد الوطني، وذلك بعد تحويله إلى صندوق سيادي بأصول تقدر قيمتها بتريليوني دولار، ليصبح بذلك «أضخم» الصناديق السيادية عالميا، ومزيدًا من الإيرادات ستدخل إلى الموازنة العامة السعودية بعد طرح نحو 5 في المائة من أسهم شركة «أرامكو» الوطنية للاكتتاب العام وفقا لرؤية المملكة 2030، من خلال عائدات الضرائب ونسب من الإيرادات مقابل حقوق الانتفاع.
* تطوير الخدمات المقدمة للمواطنين جزء من الخطة
تسعى الخطة إلى رفع مستوى الخدمات التي تقدمها الحكومة وتعزيز جودتها من أجل تحقيق الكفاءة والفعالية في ممارسة أجهزة الدولة لمهامها واختصاصاتها على أكمل وجه والارتقاء بمستوى الخدمات المقدمة للمستفيدين.
وتشمل خطة التحول الوطني مئات المبادرات الحكومية التي وضعت لتحقيق عدد من الأهداف الاجتماعية بجانب الاقتصادية لتنفيذها خلال خمس سنوات، وتتضمن 4.7 مليار ريال (1.25 مليار دولار) لتطوير أقسام العناية المركزة والطوارئ في المستشفيات.
كما شملت المبادرات إعادة هيكلة وتنظيم قطاع البريد بتكلفة 2.1 مليار ريال (560 مليون دولار) وتأسيس هيئة للملكية الفكرية بتكلفة 5 ملايين ريال (1.33 مليون دولار) وتحسين أداء الخدمة المدنية بتكلفة 8 ملايين ريال (2.13 مليون دولار) وبرنامج للعناية بالتراث الحضاري للمملكة بتكلفة قدرها 3.5 مليار ريال (930 مليون دولار).
* تعزيز ريادة السعودية في مجال الطاقة وخاصة المتجددة
السعودية كأكبر مصدر للنفط في العالم تطمح في الحفاظ على صدارتها النفطية وتعزيزها مستقبلاً، وتسعى وزارة الطاقة إلى المحافظة على طاقة إنتاج النفط عند 12.5 مليون برميل يوميا، مع زيادة طاقة إنتاج الغاز إلى 17.8 مليار قدم مكعبة يوميا من 12 مليار قدم مكعبة حاليًا، وزيادة طاقة التكرير إلى 3.3 مليون برميل يوميا من 2.9 مليون وفقا لأهداف البرنامج الوطني. وأكد وزير الطاقة والصناعة والثروة المعدنية خالد الفالح أن الوزارة تهدف في إطار البرنامج إلى تعزيز القدرة التنافسية لقطاع الطاقة السعودي، ومضاعفة إنتاج الغاز الطبيعي وتعزيز الصادرات غير النفطي، وأوضح الفالح أن هناك خططا لإنشاء عدد من المدن الصناعية يرتقب أن توفر 150 ألف فرصة عمل.
* طموحات كبيرة مع وجود تحديات
تهدف الخطة إلى إتاحة الفرصة للقطاع الخاص لتوفير مصادر جديدة للدخل وتعزيز عملية خلق الوظائف، لكن توجد مخاوف من صعوبة تمكن القطاع الخاص من القيام بدور فعال مع اعتماده بشكل رئيسي في العقود المنصرمة على الإنفاق الحكومي الذي بات يتراجع في ظل سعي الحكومة الحالي لترشيد النفقات.



كيف سينعكس الخفض المرتقب للفائدة الأميركية على اقتصادات الخليج؟

شعار وكالة «ستاندرد آند بورز» (رويترز)
شعار وكالة «ستاندرد آند بورز» (رويترز)
TT

كيف سينعكس الخفض المرتقب للفائدة الأميركية على اقتصادات الخليج؟

شعار وكالة «ستاندرد آند بورز» (رويترز)
شعار وكالة «ستاندرد آند بورز» (رويترز)

وسط تنامي الترجيحات بخفض «الاحتياطي الفيدرالي» الأميركي أسعار الفائدة مرة أخرى خلال اجتماعه يوم الخميس، تتجه الأنظار نحو تأثير هذا الإجراء الذي يلي الانتخابات الأميركية على اقتصادات دول الخليج وبنوكها.

وتعقد اللجنة الفيدرالية للسوق المفتوحة في «الاحتياطي الفيدرالي» اجتماعاً ليومين؛ بدءاً من الأربعاء، حيث يتوقع أن تعلن في نهايته خفضاً لأسعار الفائدة الفيدرالية بمقدار 25 نقطة أساس. وهو ما سيواكبه خفض مماثل للفائدة من المصارف المركزية الخليجية المرتبطة عملاتها بالدولار، والتي لا تشمل الكويت التي تعتمد على سلة من العملات، بحسب ما شرح خبراء في وكالة «ستاندرد آند بورز غلوبال» لـ«الشرق الأوسط».

وقالت المحللة السيادية في «ستاندرد آند بورز»، ذهبية غوبتا: «يجب أن تعزز أسعار الفائدة المنخفضة اقتصادات الخليج غير النفطية من خلال دعم الطلب على الائتمان وقطاعات مثل العقارات والبناء. ونتوقع أن يبلغ متوسط النمو 3.3 في المائة بدول الخليج من عام 2024 إلى 2027، مقارنة بـ1 في المائة في 2023، مدعوماً بالنشاط غير النفطي القوي والزيادة في إنتاج النفط».

وأضافت أنه يجب أن تؤدي التيسيرات النقدية أيضاً إلى تقليل تكاليف خدمة الدين بالنسبة للحكومات، خصوصاً تلك التي لديها احتياجات اقتراض مرتفعة، مثل السعودية من حيث الأرقام الاسمية، والبحرين كنسبة من الناتج المحلي الإجمالي، و«نرجح أن تظل معدلات التضخم منخفضة نسبياً بسبب الأسعار المدارة على عدة سلع وارتباطها بالدولار القوي نسبياً».

البنوك الخليجية

من جانبه، توقع محلل الائتمان الأول في «ستاندرد آند بورز»، الدكتور محمد دمق، لـ«الشرق الأوسط»، أن تظل ربحية البنوك الخليجية قوية في عام 2024، بفضل تأخير خفض أسعار الفائدة، واستمرار مرونة جودة الأصول، بفضل الاقتصادات الداعمة، والرفع المالي المحدود، ومستوى عالٍ من الاحتياطيات الاحترازية.

وقال: «نتوقع تدهوراً طفيفاً في الربحية لعام 2025، حيث سيستمر (الاحتياطي الفيدرالي) في خفض أسعار الفائدة. وبشكل عام، من الممكن أن يكون إجمالي الخفض بمقدار 225 نقطة أساس، شاملة الـ50 نقطة أساس التي تم خفضها بالفعل في سبتمبر (أيلول) 2024، ونتوقع أن تتبع معظم البنوك المركزية الخليجية هذا الاتجاه».

وشرح دمق أن كل انخفاض بمقدار 100 نقطة أساس في أسعار الفائدة يقلل بمعدل نحو 9 في المائة من صافي أرباح البنوك الخليجية المصنفة. وهذا يستند إلى إفصاحات ديسمبر (كانون الأول) 2023، بافتراض ميزانية عمومية ثابتة وتحول متوازٍ في منحنى العائد.

ومن ناحية إيجابية، يرجح دمق أن تؤدي أسعار الفائدة المنخفضة أيضاً إلى تقليل حجم الخسائر غير المحققة التي تراكمت لدى البنوك الخليجية على مدى العامين الماضيين. ويقدر هذه الخسائر بنحو 2.8 مليار دولار للبنوك التي تقوم الوكالة بتصنيفها، أو 1.9 في المائة في المتوسط من إجمالي حقوق المساهمين بنهاية عام 2023.

تخفيف الأثر السلبي

وتوقع دمق أن يتضاءل الأثر السلبي لانخفاض أسعار الفائدة من خلال ما يلي:

1- إجراءات الإدارة لإعادة هيكلة ميزانيات البنوك. ويمكن أن يتم ذلك من خلال تثبيت أسعار الفائدة عند مستوياتها الحالية أو تبديل الأسعار المتغيرة بأسعار ثابتة.

2- عودة الودائع إلى أدوات غير مدفوعة الفائدة، حيث شهدنا على مدى العامين الماضيين، انتقال الودائع إلى أدوات مدفوعة الفائدة في بعض الأسواق. وفي السعودية، على سبيل المثال، انخفضت نسبة الودائع تحت الطلب إلى إجمالي الودائع إلى 53 في المائة بنهاية عام 2023 من 65 في المائة بنهاية عام 2021. وتوقع انتقالاً مرة أخرى إلى أدوات غير مدفوعة الفائدة إذا انخفضت أسعار الفائدة، حسب حجم الانخفاض. وأقر بأن الانتقال مرة أخرى قد يستغرق وقتاً.

3- تكلفة محتملة أقل للمخاطر بالنسبة للبنوك: مع انخفاض أسعار الفائدة وإعادة تسعير البنوك للقروض التجارية، قد تتمتع الشركات بمزيد من مجال التنفس الذي يمكن أن يساعد في تحسين جدارتها الائتمانية، وبالتالي تقليل احتياجات البنوك من المخصصات.

4- تسارع محتمل في نمو الإقراض: يمكن أن تعوض الأحجام الأعلى عن الهوامش الأدنى، لا سيما في الأسواق التي تشهد طلباً كبيراً على الإقراض، مثل السعودية بسبب تنفيذ مشروعات «رؤية 2030».

مستويات السيولة

وأوضح دمق أنه من المحتمل أن يكون الأثر لخفض أسعار الفائدة محايداً إلى حد كبير على مستويات السيولة، وتوقع تقليص الخسائر غير المحققة في محافظ استثمار البنوك الخليجية، لكنه قدّر أن المبلغ سيكون صغيراً نسبياً (2.8 مليار دولار بنهاية عام 2023). ويمكن أن تشجع أسعار الفائدة المنخفضة أيضاً البنوك على الاستفادة من أسواق رأس المال الدولية بشكل أكثر قوة في البلدان التي تحتاج فيها إلى سيولة إضافية لتحفيز نمو الإقراض، مثل السعودية.