انطلاق معرض جائزة «جميل 4» في متحف بيرا بإسطنبول

الباكستاني غلام محمد يفوز بها ويعيد لفن المنمنمات بريقه

انطلاق معرض جائزة «جميل 4» في متحف بيرا بإسطنبول
TT

انطلاق معرض جائزة «جميل 4» في متحف بيرا بإسطنبول

انطلاق معرض جائزة «جميل 4» في متحف بيرا بإسطنبول

أعلن، أول من أمس، اسم الفائز بجائزة جميل للفن الإسلامي وحصل عليها الفنان الباكستاني غلام محمد الذي تقدم بخمسة أعمال للمسابقة تعتمد على تقنية الكولاج بالورق. وأقيم احتفال بتسليم الجائزة في متحف بيرا بإسطنبول حيث يقام معرض للأعمال الفائزة إلى جانب أعمال 11 فنانًا من القائمة القصيرة. وجاء في حيثيات منح الجائزة أن الفنان الذي تدرب على حرفة المنمنمات الإسلامية استخدم أوراقًا من كتب مستخدمة ليصنع منها خليطًا فنيًا مميزًا. وقال مارتن روث مدير فيكتوريا آند ألبرت ورئيس لجنة التحكيم إن احتيار الفائز في هذه المسابقة كان أمرًا صعبًا للغاية، وأضاف: «أنا فخور بأن (جميل 4) مُنِحَت لفنان شاب واعد في مقتبل حياته الفنية»، أما فادي جميل رئيس مجتمع جميل الدولية فقال: «نهنئ غلام محمد أول فنان باكستاني يفوز بجائز جميل. نجح الفنان في استخدام قصاصات من كتب قديمة بلغة الأوردو، ولصقها على ورق خاص يستخدم لرسم المنمنمات، في خلق معانٍ جديدة للاحتفاء بالتراث الفن والحرفة الإسلامية».
وفي حديث مع ريناتا بابش، مدير عام «الفن جميل» الدولية، حول الجائزة هذا العام ومعرض الأعمال المشاركة الذي يفتح أبوابه اليوم في متحف بإسطنبول خلافا للمعتاد من أن يحتضنه متحف فيكتوريا آند ألبرت اللندني. أتساءل حول تأثير ذلك، وتجيب ريناتا بأن المعارض السابقة انطلقت من لندن ثم جالت حول العالم وهو ما لاقى نجاحا كبيرا، وتضيف: «هذه المرة كانت هناك فكرة بإطلاق المتحف من مدينة أخرى بدلا من لندن. بالمنظور نفسه نخطط حاليا لإقامة مركزين للفنون في دبي وجدة وهو ما يطرح احتمالية إقامة المعارض المقبلة في أي من البلدين». أما اختيار تركيا فتشير بابش إلى أن القائمين على الجائزة تداولوا فيما بينهم الفكرة وذلك لتحقيق تواصل مع جهة جديدة، خصوصا أن الفائزتين بالجائزة الأخيرة هما مصممتان من تركيا، وتضيف: «أعتقد أن الاختيار جيد وأتطلع للمكان الجديد وأيضا لرؤية جمهور جديد».
المعرض اتبع تقليدا بالتجول على مدن عالمية لتوسيع قاعدة الجمهور المطلع على الأعمال الفنية المتنافسة، مثل روسيا وإسبانيا، ومن العالم العربي الشارقة. وتشير بابش إلى أن استقبال الجمهور في كل تلك البلدان كان مرحبا، وتقول إن أكثر ما لفت نظرها هو استقبال المعرض في الشارقة حيث نجح في استقطاب اهتمام المشاهدين، مرجعة ذلك إلى أن الأعمال المتنافسة لجائزة جميل تجمع بين التراث والمعاصرة وأضافت: «للأسف لا نرى كثيرا مثل هذا الأسلوب الفني، فالفن الغربي وأساليبه غالب في المنطقة على حساب الفن المحلي. ومن هنا تأتي أهمية الجائزة، فهي جائزة عالمية ليست فقط عربية أو إسلامية». أعلق بأن الجائزة تعتمد على استلهام الفن الإسلامي، وتجيب: «صحيح، يجب أن تكون الجائزة مستلهمة من الفن الإسلامي وهو الأمر الشيق هنا، فهي ليست مقصورة على المنطقة العربية أو على الفنانين المسلمين، ولكنها تتوجه لفنانين من جميع أنحاء العالم درجوا على انتهاج هذا الأسلوب الفني. ولفتني خلال معرضنا في الشارقة اهتمام الطلاب الذين شاركوا في ورش العمل بفكرة أن الفنانين المشاركين لهم خلفيات مختلفة فهم من بلاد مختلفة يعملون بتراث واحد».
على هامش الحديث عن الجائزة، تشير بابش إلى أن «الفن جميل» لديها خطط لإعداد برامج تعليمية في الإمارات، مشيرة إلى وجود برنامج تعليمي فني قائم بالفعل في جدة، غير أنها تشير إلى أمر آخر: «قبل البدء في البرنامج سنقوم باستكشاف النظام التعليمي هناك خصوصا التعليم الفني. وجدنا أن الفن لا يدرس بالمستوى المطلوب وهو للأسف الحال في أوروبا أيضا».
أعود بها للحديث حول الجائزة وأسألها عن رأيها في الأعمال المشاركة في المعرض، فتقول: «الأعمال المشاركة مثيرة للاهتمام، تتميز بالتفاوت في الأساليب الفنية المختلفة وفي الوسائل أيضا. أيضا البلدان الممثلة في المسابقة متنوعة، كذلك أعمار الفنانين المشاركين متفاوتة».
ويتنافس 11 فنانا وفنانة على الجائزة التي تمنح كل عامين وتبلغ قيمتها 25 ألف جنيه إسترليني، وتتفاوت الأعمال ما بين السيراميك والأشكال الهندسية الإسلامية والمشربيات وخطوط من العمارة القديمة وتنويعات حديثة على قطع سجاد عتيقة تتنافس على عيون الزوار في المعرض المقام في متحف بيرا بإسطنبول ويستمر حتى 14 أغسطس.
وحسب ما علق مارتن روث، مدير فيكتوريا آند ألبرت وأحد المحكمين للجائزة، فالمعرض المتجول للجائزة نجح في جذب نحو 172 ألف زائر منذ إطلاقها في عام 2009. ويشير إلى أن متحف بيرا بإسطنبول «المعروف بمزجه التراث العثماني مع الفنون المعاصرة في الفن والتصميم يحظى بعلاقة ممتازة مع متحف فيكتوريا آند ألبرت».
وتقدم لـجائزة «جميل» في دورتها الرابعة أكثر من 280 فنانا وفنانة من بلدان عدة، منها أفغانستان ومالي وبورتو ريكو وتايلاند، وقامت لجنة من المحكمين يرأسها مارتن روث باختيار الفنانين للقائمة القصيرة. من الفنانين في القائمة القصيرة هناك ديفيد الزورث ولارا أسود وشهند هيساميان ولوشيا كوش وغلام محمد ووائل شوقي وبهية شهاب وغيرهم. ديفيد الزورث تخصص في آخر عشر سنوات في تاريخ البستنة والمناظر التاريخية، يقدم منسوجتين، حيث يستخدم سجادا من إيران وباكستان ويعيد تطريزهما لتكوين ما يسميه «سجاد الحدائق»، ففي العمل الأول طرز منظرا متخذا من رسومات آبي جين ديلاغريف لحدائق قصر فرساي على أرضية سجادة من كيرمان عمرها 150 عاما، أما العمل الثاني «هايد بارك كاشان» فيعتمد على خريطة تصور المعرض الكبير الذي عقد في هايد بارك عام 1862 غزلها على سجادة كاشان كبيرة عمرها 75 عاما. أما لارا أسود وهي مصّممة خط وغرافيك مستقلّة ومهتّمة بشكل خاص بالعلاقة بين نظم الكتابة العربية واللاتينية والهويات المتعددة الثقافات، فيدور عملها «وحدات الأبجدية العربية» حول مشروعها المستمر لتطوير خطوط طباعية عربية. أما الفنانة بهية شهاب فيضم المعرض من عملها «ألف مرة لا»، وهو يعكس تركيزها على النص العربي القديم، وكيف يمكن أن يستخدم لحل معضلات التصميم الحديث. الفنانة التركية كنان، وهي من أشد المدافعات عن حقوق المرأة في تركيا، تقدم عملين يعتمدان على أسلوب المنمنمات العثمانية، الأول يصور مظاهرات ميدان تقسيم التي شغلت العالم في عام 2013، والعمل الآخر يصور لحظة أخرى للمتظاهرين وهم يعبرون جسر البسفور. سيفيت إيريك يقدم سلسلة بعنوان «مسطرة» يستخدم فيها أداة القياس التقليدية، ويتعامل معها فنيا على أنها تصور الزمن. أما النحات الإيراني ساهند هيساميان يستكشف في أعماله الأشكال الهندسية الإيرانية التقليدية عبر تبني الشكل المثلث المستخدم في معمار المباني الدينية، ويقوم بعكس المعمار الإيراني الخارجي بجمالياته ونقوشه في مواجهة معمار أساسي خال من الحليات. الفنانة لوسيا كوش تقدم ما يعرف بالتدخل المعماري، حيث تستخدم ألواحا من الزجاج لتكوين أشكال مربعة مستوحاة من المشربيات التي وجدت طريقها إلى البيوت في البرازيل منذ القرن الـ16 عبر قدومها مع المستوطنين البرتغاليين.



ستيف بركات لـ«الشرق الأوسط»: أصولي اللبنانية تتردّد أبداً في صدى موسيقاي

عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية     -   ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)
عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية - ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)
TT

ستيف بركات لـ«الشرق الأوسط»: أصولي اللبنانية تتردّد أبداً في صدى موسيقاي

عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية     -   ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)
عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية - ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)

ستيف بركات عازف بيانو كندي من أصل لبناني، ينتج ويغنّي ويلحّن. لفحه حنين للجذور جرّه إلى إصدار مقطوعة «أرض الأجداد» (Motherland) أخيراً. فهو اكتشف لبنان في وقت لاحق من حياته، وينسب حبّه له إلى «خيارات مدروسة وواعية» متجذرة في رحلته. من اكتسابه فهماً متيناً لهويته وتعبيره عن الامتنان لما منحه إياه الإرث من عمق يتردّد صداه كل يوم، تحاوره «الشرق الأوسط» في أصله الإنساني المنساب على النوتة، وما أضفاه إحساسه الدفين بالصلة مع أسلافه من فرادة فنية.
غرست عائلته في داخله مجموعة قيم غنية استقتها من جذورها، رغم أنه مولود في كندا: «شكلت هذه القيم جزءاً من حياتي منذ الطفولة، ولو لم أدركها بوعي في سنّ مبكرة. خلال زيارتي الأولى إلى لبنان في عام 2008. شعرتُ بلهفة الانتماء وبمدى ارتباطي بجذوري. عندها أدركتُ تماماً أنّ جوانب عدة من شخصيتي تأثرت بأصولي اللبنانية».
بين كوبنهاغن وسيول وبلغراد، وصولاً إلى قاعة «كارنيغي» الشهيرة في نيويورك التي قدّم فيها حفلاً للمرة الأولى، يخوض ستيف بركات جولة عالمية طوال العام الحالي، تشمل أيضاً إسبانيا والصين والبرتغال وكوريا الجنوبية واليابان... يتحدث عن «طبيعة الأداء الفردي (Solo) التي تتيح حرية التكيّف مع كل حفل موسيقي وتشكيله بخصوصية. فالجولات تفسح المجال للتواصل مع أشخاص من ثقافات متنوعة والغوص في حضارة البلدان المضيفة وتعلّم إدراك جوهرها، مما يؤثر في المقاربة الموسيقية والفلسفية لكل أمسية».
يتوقف عند ما يمثله العزف على آلات البيانو المختلفة في قاعات العالم من تحدٍ مثير: «أكرّس اهتماماً كبيراً لأن تلائم طريقة عزفي ضمانَ أفضل تجربة فنية ممكنة للجمهور. للقدرة على التكيّف والاستجابة ضمن البيئات المتنوّعة دور حيوي في إنشاء تجربة موسيقية خاصة لا تُنسى. إنني ممتنّ لخيار الجمهور حضور حفلاتي، وهذا امتياز حقيقي لكل فنان. فهم يمنحونني بعضاً من وقتهم الثمين رغم تعدّد ملاهي الحياة».
كيف يستعد ستيف بركات لحفلاته؟ هل يقسو عليه القلق ويصيبه التوتر بإرباك؟ يجيب: «أولويتي هي أن يشعر الحاضر باحتضان دافئ ضمن العالم الموسيقي الذي أقدّمه. أسعى إلى خلق جو تفاعلي بحيث لا يكون مجرد متفرج بل ضيف عزيز. بالإضافة إلى الجانب الموسيقي، أعمل بحرص على تنمية الشعور بالصداقة الحميمة بين الفنان والمتلقي. يستحق الناس أن يلمسوا إحساساً حقيقياً بالضيافة والاستقبال». ويعلّق أهمية على إدارة مستويات التوتّر لديه وضمان الحصول على قسط كافٍ من الراحة: «أراعي ضرورة أن أكون مستعداً تماماً ولائقاً بدنياً من أجل المسرح. في النهاية، الحفلات الموسيقية هي تجارب تتطلب مجهوداً جسدياً وعاطفياً لا تكتمل من دونه».
عزف أناشيد نالت مكانة، منها نشيد «اليونيسف» الذي أُطلق من محطة الفضاء الدولية عام 2009 ونال جائزة. ولأنه ملحّن، يتمسّك بالقوة الهائلة للموسيقى لغة عالمية تنقل الرسائل والقيم. لذا حظيت مسيرته بفرص إنشاء مشروعات موسيقية لعلامات تجارية ومؤسسات ومدن؛ ومعاينة تأثير الموسيقى في محاكاة الجمهور على مستوى عاطفي عميق. يصف تأليف نشيد «اليونيسف» بـ«النقطة البارزة في رحلتي»، ويتابع: «التجربة عزّزت رغبتي في التفاني والاستفادة من الموسيقى وسيلة للتواصل ومتابعة الطريق».
تبلغ شراكته مع «يونيفرسال ميوزيك مينا» أوجها بنجاحات وأرقام مشاهدة عالية. هل يؤمن بركات بأن النجاح وليد تربة صالحة مكوّنة من جميع عناصرها، وأنّ الفنان لا يحلّق وحده؟ برأيه: «يمتد جوهر الموسيقى إلى ما وراء الألحان والتناغم، ليكمن في القدرة على تكوين روابط. فالنغمات تمتلك طاقة مذهلة تقرّب الثقافات وتوحّد البشر». ويدرك أيضاً أنّ تنفيذ المشاريع والمشاركة فيها قد يكونان بمثابة وسيلة قوية لتعزيز الروابط السلمية بين الأفراد والدول: «فالثقة والاهتمام الحقيقي بمصالح الآخرين يشكلان أسس العلاقات الدائمة، كما يوفر الانخراط في مشاريع تعاونية خطوات نحو عالم أفضل يسود فيه الانسجام والتفاهم».
بحماسة أطفال عشية الأعياد، يكشف عن حضوره إلى المنطقة العربية خلال نوفمبر (تشرين الثاني) المقبل: «يسعدني الوجود في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا كجزء من جولة (Néoréalité) العالمية. إنني في مرحلة وضع اللمسات الأخيرة على التفاصيل والتواريخ لنعلن عنها قريباً. تملؤني غبطة تقديم موسيقاي في هذا الحيّز النابض بالحياة والغني ثقافياً، وأتحرّق شوقاً لمشاركة شغفي وفني مع ناسه وإقامة روابط قوامها لغة الموسيقى العالمية».
منذ إطلاق ألبومه «أرض الأجداد»، وهو يراقب جمهوراً متنوعاً من الشرق الأوسط يتفاعل مع فنه. ومن ملاحظته تزايُد الاهتمام العربي بالبيانو وتعلّق المواهب به في رحلاتهم الموسيقية، يُراكم بركات إلهاماً يقوده نحو الامتنان لـ«إتاحة الفرصة لي للمساهمة في المشهد الموسيقي المزدهر في الشرق الأوسط وخارجه».
تشغله هالة الثقافات والتجارب، وهو يجلس أمام 88 مفتاحاً بالأبيض والأسود على المسارح: «إنها تولّد إحساساً بالعودة إلى الوطن، مما يوفر ألفة مريحة تسمح لي بتكثيف مشاعري والتواصل بعمق مع الموسيقى التي أهديها إلى العالم».