نجوم الدراما في لبنان يكتسحون الشاشة في رمضان

وسط غياب شبه تام للبرامج الحوارية الفنية على الشاشات المحلية

فريق مسلسل «خاتون»
فريق مسلسل «خاتون»
TT

نجوم الدراما في لبنان يكتسحون الشاشة في رمضان

فريق مسلسل «خاتون»
فريق مسلسل «خاتون»

مرة جديدة تشهد الساحة التلفزيونية اللبنانية سباقا حاميا فيما بينها على خلفية أعمال الدراما التي ستعرضها في موسم رمضان، فإضافة إلى اختيار غالبيتها (المستقبل والجديد وإم تي في)، مسلسلات عربية مختلطة تضم عددا من نجوم التمثيل في لبنان، فإن «بي سي آي» راهنت مرة أخرى على الأعمال اللبنانية البحتة لتدخل المعركة بأدواتها الخاصة. فلقد استطاعت في موسم رمضان الماضي انتزاع المركز الأول بين زميلاتها من خلال تحقيقها أعلى نسبة مشاهدة في مسلسلي «باب الحارة 7» و«قلبي دق»» فقررت خرق المحظور مرة أخرى هذا العام من خلال عملين لبنانيين قلبا وقالبا «وين كنتي» و«مش أنا.» وبموازاة ذلك ستلاقي باقي محطات التلفزة على ساحة المعركة، من خلال مسلسلات ضخمة تصيب المشاهد بالحماس لمجرد السماع بأسمائها، مثل «ليالي الحلمية 6» و«باب الحارة 8» و«العراب 2». كما اختارت أعمال سوريا يشهد لرواجها في أجزائها السابقة كـ«طوق البنات 3». ولجأت المحطة نفسها إلى عملين سوريين آخرين، أحدهما تاريخي (عطر الشام) والآخر من النوع البدوي الكوميدي (الطواريد).
ويعد «ليالي الحلمية» أحد الأعمال المنتظرة في العالم العربي كافة، بعد أن تابعه المشاهد في الماضي على مدى خمسة أجزاء (من عام 1987 حتى 1995)، إلا أن الجزء السادس منه سيشهد تغييرات عدة، أولها أحداثه التي تدور بعد ثورة يناير (كانون الثاني) المصرية، وأيضا بالنسبة لكتابة نصه التي تعود لأيمن بهجت قمر؛ إذ حل مكان مؤلفه الأساسي أسامة أنور عكاشة الذي توفي عام 2010، وسيستعيد المشاهد ذكرياته من جديد مع نازك السلحدار (صفية العمري)، وكذلك مع زهرة (إلهام شاهين) وعلي البدري (هشام سليم)، إضافة إلى ثلاثين ممثلا آخر.
وأما الجزء الثاني من «العرّاب» فسيشهد تبدلات كثيرة بعد أن يرث «جاد» (باسل خياط)، الزعامة عن أبيه بمساندة أخيه «قيصر» (باسم ياخور)، ولتبدأ مرحلة مؤامرات ومواجهات جديدة ما بين الزعيم الجديد وأعدائه.
وبالنسبة للعملين اللبنانيين «وين كنتي» و«مش أنا»، فهما يتناولا قصتين مختلفتين، بحيث يحكي الأول قصة حب مستحيلة من بطولة ريتا حايك، فيما يتناول الآخر قصة حب تلونها مواقف كوميدية، ويجتمع فيها كل من كارين رزق الله وبديع أبو شقرا.
الحيرة التي ستصيب اللبناني ستدور في إطار هوية العمل الدرامي الذي سيتابعه في هذه الفترة من ناحية، وكذلك في فلك اسم النجم الذي يرغب في أن يرافقه بلياليه الملاح من هذا الشهر الكريم من ناحية ثانية. وهو الأمر الذي سيدفعه إلى ممارسة عملية تشطيب واسعة ترتكز على عنصرين أساسيين: الحملة الترويجية المرافقة للعمل المعروض؛ مما يساهم في إذاعة صيته تلقائيا، والقناعات الخاصة التي سبق واستشفها المشاهد من خبرته في متابعة هذا النوع من الأعمال.
تلفزيون «إم تي في» من ناحيته يدخل هذه المنافسة الحامية، من خلال أعمال درامية ثلاثة تشد المشاهد بأبطالها وبتنوعها. فهو بدأ الترويج منذ فترة لمسلسلاته الثلاثة: «صرخة روح» و«خاتون» و«يا ريت». وقد يكون الإعلان الترويجي لهذا الأخير المغناة شارته بصوت الفنانة إليسا، أكثر ما علق في ذهن المشاهد مما آثار شهيته لمتابعته قبل غيره. وهذا الأسلوب سبق واتبعته المحطة المذكورة مع مسلسل «لو» في الماضي، والذي غنت مقدمته أيضا إليسا فحصد نجاحا كبيرا. ويلعب بطولة «يا ريت» الممثلة ماغي بوغصن ومكسيم خليل وقيس الشيخ نجيب، وهو من كتابة كلوديا مرشيليان.
أما «خاتون» الذي يجمع عددا من نجوم التمثيل، وفي مقدمهم اللبنانيون يوسف وورد الخال وطوني عيسى، إضافة إلى كل من سلافة معمار وباسم ياخور وجيني أسبر وغيرهم، فشهرته سبقته من خلال الحملة الترويجية التي رافقته منذ بداية تصويره. وقد اتخذت شريحة من اللبنانيين قرارها في متابعته؛ نظرا لإعجابها بنجومه، وبقصته التي تدور أحداثها في حارات الشام القديمة.
ويعتبر «صرخة روح» نوعا دراميا يختلف عن غيره، كونه يتألف من ست خماسيات تحكي عن الخيانة بكل وجوهها، ويلعب بطولتها باميلا الكك وباسم مغنية وطوني عيسى وكارمن لبس ومجدي مشموشي، وغيرهم من نجوم الشاشة اللبنانية والسورية معا.
من ناحيتها، فإن محطة «الجديد» تتضمن شبكتها الرمضانية أكبر سلة أعمال درامية لهذا الموسم، وتتألف من ثمانية مسلسلات عربية مختلطة وأخرى سوريا. ويأتي مسلسل «نص يوم» (إنتاج شركة الصباح) في مقدمها والتي تعلق «الجديد» الآمال عليها لجذب عدد كبير من المشاهدين. يلعب دور البطولة في هذا العمل الممثلة نادين نسيب نجيم، التي سيقع في حبها تيم حسن، وهما الثنائي الذي حققا نجاحا باهرا من خلال مسلسل «لو». كما سيكون مشاهد هذه القناة على موعد مع مسلسل عربي مختلط «جريمة شغف»، وهو من بطولة نادين الراسي وقصي الخولي وأمل عرفة. ويحكي قصة (كتبتها نور الشيشكلي)، ومحورها محاولات انتقام خمس نساء من رجل واحد.
ومن المسلسلات الأخرى التي ستعرضها «الجديد» «مذنبون أبرياء» مع بسام كوسا وكندة حنا، والكوميدي «سليمو وحريمو» من بطولة عبد المنعم العمايري وجيني أسبر، و«نبتدي منين الحكاية» مع سلافة معمار، التي ستطل أيضا في «دومينو» عبر الشاشة نفسها. إضافة إلى مسلسلي «الندم» (باسم ياخور) و«إذاعة فيتامين» (عبد المنعم العمايري).
ومن جهتها، فإن قناة «المستقبل» تعتبر الوحيدة بين المحطات اللبنانية المحلية، التي خصصت للأعمال الدرامية المصرية حصة لا يستهان بها من برامجها الرمضانية. وتفتتحها مع «أفراح القبة» وهو من بطولة جمال سليمان ومنى زكي وصبا مبارك، ومع «الخروج» الذي يلعب بطولته ظافر العابدين ودرّة وشريف سلامة. وكذلك ستتابع عرض مسلسل «فرصة ثانية للحب» (هيدي كرم وهشام المليجي وباميلا الكك وسامية الطرابلسي وغيرهم). أما مسلسل «سمرقند» فيتوج شبكتها الرمضانية؛ إذ يعتبر من الأعمال التاريخية المنتظرة لهذا الموسم، وهو من بطولة يوسف الخال وعابد فهد وأمل بشوشة. ومن البرامج الأخرى التي ستعرضها «نساء عصر النبّوة» و«خير الكلام» و«القرآن والحياة». كما تخص «المستقبل» الأطفال ببرنامج «فانوسي» الذي يهدف إلى تثقيف الأولاد من خلال تعريفه بالأخلاق الإسلامية وبعبادات الصوم والصلاة بأسلوب حواري بسيط.
ويسجل هذا العام غيابا تاما للبرامج الحوارية الفنية على الشاشات اللبنانية، كما يفتقد لفقرات الألعاب والمسابقات التي عادة ما كانت تندرج على لائحة غالبية البرامج التلفزيونية. وحدها قناة (إم تي في) لونت شبكتها الرمضانية ببرنامج معلومات وجوائز بعنوان «من جيلك» لمحمد قيس. كما سيكون للابتسامة حصتها من خلال عرض برنامج «عيش وكول غيرها»، مع كميل أسمر المعروف في عالم المقالب التلفزيونية المصورة التي لا تخلو من الإثارة والضحك.



«للموت 3»... مسلسل كل شيء

رندة كعدي بين ماغي بوغصن ودانييلا رحمة في لقطة من المسلسل
رندة كعدي بين ماغي بوغصن ودانييلا رحمة في لقطة من المسلسل
TT

«للموت 3»... مسلسل كل شيء

رندة كعدي بين ماغي بوغصن ودانييلا رحمة في لقطة من المسلسل
رندة كعدي بين ماغي بوغصن ودانييلا رحمة في لقطة من المسلسل

يدرك الجزء الثالث من مسلسل «للموت» أنّ الخطأ ممنوع، ومع ذلك تلقّفته أخطاء على شكل مبالغات. حوَّل تونس أرضاً لبنانية - سورية، وأعاد بطلتيه «سحر»، ماغي بوغصن، و«ريم»، دانييلا رحمة، إلى عالم المافيا بحجّة واهية بعد توبة لم تدم. وهو كرّر المحفوظ غيباً في المسلسلات المشتركة: فتيات ومخدرات ورجال وسلاح ودولارات مُسددة بعشرات الآلاف لارتكاب جرائم. ذلك يحاكي جانب «الأكشن» ويضمن اشتعال الأحداث. جانبه الآخر أشدّ واقعية؛ إنسانه يمكن تصديقه.
على الورق أن يضمن مكاناً في المنافسة الرمضانية، فالمسلسل يطلّ بعد موسمين قالا الكثير. تُوزّع كاتبته نادين جابر سطورها بين الحقيقة والخيال. تتجرأ في الطرح وتُجدّد المقاربة، باستعمال «حيل» تصطدم أحياناً بالهشاشة. لِمَ تونس والمطاردات السوريالية في شوارعها؟ أهكذا تعود البطلتان إلى بحيرة الدم؟ ماذا عن «القوى الخارقة» و«الحاسة السادسة»، فتكشفان (خصوصاً «سحر») المستور والمعلن، ويقع جميع الرجال في غرامهما!
إنها الدراما ولا مفرّ من توابل تُنكّه الطبخة. هنا، يخرج المسلسل من كونه «واقعياً» ويسبح حيث تتكاثر الحيتان. هذا الموسم، تدخل امرأة على الخط؛ ويكاد عنصر اللعب مع الرجال يعلن خواتيمه لولا رغبة «شفيق» (اللافت كميل سلامة) بالانتقام. هذه المرأة هي «كارما» (أداء متفوق لورد الخال)، فتضرب بيد من حديد وتمسك الزمام، إلى أن يطال شرّها ابنتها فتُذعن للمصير.

ورد الخال تتألق بشخصية «كارما» (لقطة من المسلسل)

لم تعد بوغصن ورحمة تقفان أمام كاميرا فيليب أسمر بكونهما ممثلتين. تستبدلان بكيانهما الشخصيتين وتتوهّجان فيهما. تقدّمانهما على طريقة ذوبان السكر في الماء لبلوغ المحلول الواحد المُحلّى. الثلاثية مع الخال تتألق.
عوامل قوة المسلسل (إنتاج «إيغل فيلمز»، «MTV» و«شاهد») تغلب ثغراته. فالنص مشغول لحبس الأنفاس، وإن مرّت حلقات باردة. الحوارات بعيدة عن السطح. وهناك أشعار تُقال على ألسنة الشخصيات، وأوجاع وحكم حياة. يحدث ذلك أمام عين مخرج ينتشل الجمال من أقصى القهر. كادراته ناطقة واختياره لـ«اللوكيشنات» خلّاق. أمامه، يعطي الممثلون الإحساس الصائب والـ«ريأكشن» المطلوب، فلا تتكاثر الدعسات الناقصة حول الأقدام. فيليب أسمر فنان المسلسل.
خطايا «كارما» المتوارثة عن الأب تصيب العائلة بأسرها. تمتلئ الشخصية بدوافع ارتكاب الشر، من دون مبرر يمنح سلوكها أسباباً تخفيفية. لكنها إنسان، والبشر خَطَأة. فإلى جانب السوء، تستطيع الحب ولفرط كثافته يصبح مَرضياً تجاه الرجل وشبه هوسي تجاه ابنتها بعد موت ابنها ضحية الأثمان المترتّبة على الصفقات.
يحرص مهيار خضور ويامن الحجلي عن الانفعال الموزون. الأول يجيد التردد ومراجعة الحسابات، ثم الخلاص بالحب. والآخر فنان في غضبه وألم الذاكرة، يقلّب صفحات مضيئة عنوانها حب العُمر. خلطُ أوراق يعيدهما إلى المعدن الطيب قبل توحّش الظروف، فيتحالفان على الجَمعة بعد قطيعة.
ذلك العالم الفانتازيّ ظلّ شاهداً على مشاعر صادقة وعطف لا مشروط. «سحر» و«ريم» جدليتان في كل حالاتهما؛ في خصامهما وصُلحهما. وَقْعٌ فريد في الدراما العربية، غير مفهوم إلا لأمهات لم ينجبن ولأوفياء هم عملة نادرة في زمن الغدر. عنوان المسلسل «للموت»، منبعه عاطفة لا يبررها إلا القادرون على العطاء.

ثنائي البطولة من سوريا يامن الحجلي (يمين) ومهيار خضور (لقطة من المسلسل)

المقلب الواقعي يبلغ جماله الإنساني في رندة كعدي بشخصية «حنان». العطف وأمومة العالم في العيون والملامح واللسان والقلب. لم يعد الحي فقيراً وهجرت أحوال ناسه الويلات؛ مع ذلك، تعتصره المعاناة حيث المال يصطدم بمنغّصات الحياة ودورة الزمن على البشر؛ فيؤدي أحمد الزين مشهداً بديعاً لرجل بلا ذاكرة، تآكل بالألزهايمر، وتقدّم كعدي أنبل دروس مواجهة السرطان بإرادة التغلّب عليه، وسط عويل ختام اللحام البارعة وتكاتف الأسرة رغم الامتحانات القاسية.
تُلقي نادين جابر على وسام صباغ بشخصية «محمود» قيمتين إنسانيتين يؤديهما بالدمع: إسقاط النظرة الذكورية حيال المرأة المطلّقة، وإعلاء صوت المواطن الشريف. ومن باب الانتخابات النيابية، يُبيّن المسلسل مدى تجذّر الفساد اللبناني وقدرة أزلامه على سحق الأنقياء.
مرة أخرى، تؤكد الكاتبة حق الأم بحضانة أطفالها وإنْ انحازت القوانين للأب. ورغم مسحة الكآبة الطافحة على وجه دوجا حيجازي، فقد قدّمت آلام الأمهات المنسلخات عن أولادهن بالظلم والقوة. يمرّر المسلسل رسائل نبيلة بصوت صريح حيناً وبرمزية فنية حيناً آخر. لا يكتفي بالتحوّل مسرحاً لغلبة المبالغة وسطوة البطولات؛ بل يتبنّى مواقف ويُذكّر بقضايا تمسّ الصميم، تستوجب التحديث وإعادة النظر.
ينطبق على المسلسل عدُّه مسلسلَ كل شيء، ففيه خليط يخاطب الجميع. يصبح أبطاله بعضاً من الناس، الجدد منهم والقدماء. ريان حركة بشخصية «لميس»، أداء عفوي منساب، اختزالها مؤثر لثمن الزواج المبكر وتطوّر أفكار الإنسان. كارول عبود بدور «سارية» القناع الترفيهي لنفس طمّاعة تجيد إمساك تفاصيلها. فادي أبي سمرا حالة خاصة؛ ومن تونس فاطمة بن سعيدان بشخصية «جاكو» بطعم العسل.
يكتمل الأداء الجماعي مع فايز قزق ومحمد عقيل وعلي منيمنة وسحر فوزي ورانيا عيسى وساشا دحدوح وعلي سكر وروزي الخولي ومنير شليطا وسلطان ديب وأوس وفائي ومارلين نعمان... مع خليل أبو عبيد والطفلة تالين بورجيلي بشخصية «خلود» المُحمّلة عذابات الكبار.