شيء مشابه لفيلم «السحلية» الإيراني حدث في الكويت قبل أيام. ويحدث في غيرها كل يوم. حكاية المتلبسين بالدين الذين يسطون على إيمان الناس ووعيهم.
فيلم «السحلية» يروي قصة هذه النوعية من الأفاقين الذين يستغلون الدين للنفوذ للمجتمع وتحقيق مآربهم، هو أيضًا يكشف القشرة الهشة من الوعي الفردي والجمعي الذي يتآكل أمام الخطاب المتشح بلباس الدين، حيث يمكن لأي محتال أو نصّاب أن يحقق مآربه لمجرد التلبس بثياب الأتقياء. «السحلية» فيلم إيراني جريء عرض في عام 2004 للمخرج كمال تبريزي، ويؤدي دور البطولة باقتدار الفنان برويز برستوئي، يروي قصة شاب يسمى «رضا السحلية» يمتهن النصب والاحتيال والسرقة والسطو على المنازل، حتى يقوده حظه للسجن، ثم يحاول الفرار لكنه يفشل، وبعد أن يشتبه في أنه يوشك على الانتحار يتم نقله إلى المستشفى، وهناك يلتقي بواعظ «شيخ» يرتدي العمامة يُصادف أن اسمه «رضا» أيضا، فيقيم معه صلة ما يلبث أن يسرق ملابسه وأوراقه الثبوتية ويهرب. وبمجرد خروجه من غرفة المستشفى، يُفاجأ أن العالم يفتح له ذراعيه؛ يلتمس منه البركة والدعاء، وحين ركب القطار قاصدًا الفرار يتم توجيهه إلى الدرجة الأولى تكريمًا لعمامته، ثم يقوم السائق بجلب سيدة وابنتها الشابة للركوب معه حفاظًا عليهما، فأي مكان أكثر أمانًا للمرأة من وجودها بجانب رجل دين؟!. المرأة نفسها لم تفوت الفرصة، راحت تشتكي لهذا الشيخ همومها وتكشف له أسرار بيتها، وما تلاقيه ابنتها الشابة من زوجها، حتى أنها كشفت له عن بعض جسد ابنتها لكي يرى بعينه علامات الضرب والتعذيب على جسمها، وحين تجد أن ابنتها مترددة، تردعها قائلة إن الشيخ مثل الطبيب يمكنه أن يكشف على جسدك..!
في القطار يجد نفسه وجها لوجه مع الحقيقة، حين يطلب منه الركاب وفيهم ضباط عسكريون أن يؤمهم للصلاة، غير مكترثين بالخلل في أدائه والارتباك الذي ينتابه.. حسنًا ها هو النصاب الديني يبدأ مهمته بالاستيلاء على أهل الفطنة والكياسة أيضًا!.
يصل الشيخ رضا إلى القرية التي يريد، وبمجرد أن يرى أهلها شيخا مرتديًا لباس الصالحين ينهالون عليه إكرامًا ورعاية، ثم يقدمونه للمسجد ويعينوه أمامًا لهم. لكن من أين لهذا الرجل البسيط الذي لا يتقن شيئا من العلم أن يعظ الناس أو يرشدهم..؟، هنا يستعين المخرج بالكوميديا السوداء، حيث يقدم الشيخ خطابًا بليغًا محشوًا بالكلمات المنمقة التي لا تعني شيئا ولا يُفهم منها شيء، والناس البسطاء يتمايلون وتدمع أعينهم. وحين راقبه بعض الصبية ورأوه يخرج في الليل لممارسة هوايته المعتادة في السرقة، كذبّوا أعينهم وقالوا إنه ربما كان يقوم بمساعدة المحتاجين ليلاً، تلك كانت مسحة إضافية للقداسة تمتع بها. في الأخير يسقط هذا الشيخ المزيف في يد الشرطة.
في الكويت نجح مدع أردني الجنسية، أن يخدع الناس بمخلف اتجاهاتهم ومذاهبهم، مدعيًا أنه شيخ سني، ثم سيد شيعي، ثم متصوف، ليتمكن من خداع الجميع من أجل كسب المال. قصة هذا الرجل أشدّ خطورة من قصة «رضا السحلية» لأن رضا نصّاب فهلوي لا يتقن حتى أداء العبادة وصياغة الخطاب، ولذلك ظلّ حبيس قرية نائية، ولو أمكنه أن يمتلك ناصية الخطابة والبلاغة لأصبح شيئا كبيرًا، أما سحلية الكويت فقد نفذ بسرعة السهم في التجمعات الدينية يخطب في هؤلاء عن ظلامة الزهراء وفي أولئك عن مكانة الصحابة، والجميع يتلقى الخطاب المشحون بالخوف من الآخر غافلاً أن الخطيب ليس سوى أفّاق ونصّاب.
هذه مصيبتا.. أننا نؤجر عقولنا شققًا مفروشة لكل محتال متلبس بالدين ليعيث فيها فسادًا، يسترخي النصاب الديني ويوجه عقول الناس نحو البلادة أحيانًا، والتطرف والعدوانية أحيانًا أخرى.
«السحلية» في الكويت!
«السحلية» في الكويت!
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة