«السبيعي إخوان»: رحلة الاعتدال.. من ضيق الحال إلى المال

انطلقا في حياة عصامية عبر 80 عامًا صارا خلالها علامة بارزة.. ولم يغفلا الجانب الخيري

«السبيعي إخوان»: رحلة الاعتدال.. من ضيق الحال إلى المال
TT

«السبيعي إخوان»: رحلة الاعتدال.. من ضيق الحال إلى المال

«السبيعي إخوان»: رحلة الاعتدال.. من ضيق الحال إلى المال

ثنائي شقيق كتوأمين، يشبه أحدهما الآخر في كل شيء، في أسلوب الحياة، وفي الفكر التجاري، وفي استقبال الناس، وفي المشاركات الاجتماعية. أحدهما يقيم في الرياض والثاني يستقر في جدة، تزور أحدهما فتظن نفسك في بيت الثاني، فهما يتكاملان في المنازل وفي التزاوج بين الأبناء والبنات، يطابق وضعهما شكل البيوتات التجارية العريقة التي تنعقد بين أخوين أو شريكين فيكمل أحدهما الآخر. كان أمثال هؤلاء الشركاء فيما مضى يتقاسمون المنازل ويتناوبون الإجازات، وتدوم تجارتهم المشتركة لتنتقل إلى الأحفاد، وقد يفضّونها عن تراضٍ بينهم في سنّ متأخرة خشية نشوء خصومة لاحقة بين الأولاد.
بدأ الأخوَان محمد وعبد الله إبراهيم السبيعي حياة عصامية، ومرّا بتجارتي التجزئة والجملة، وقادهما الحظ فيما بعدُ إلى الصّيرفة التقليدية حتى صار مصرفهما في الستينات علامةً بارزة في شارع «قابل» بجدة، وفي قيصرية البلدية (الصفاة) بالرياض. وعندما اتجهت مؤسسة النقد العربي السعودي (البنك المركزي) إلى لم شتات المصارف الفردية قبل أعوام في بنك عصري موحّد، بادرا إلى مباركة الفكرة بالتضامن مع نظرائهما الصيارفة وأسسوا «بنك البلاد» بأسلوب التورّق والصيرفة الإسلامية، برأسمال اشتركوا فيه بحسب نسب أصول كل شريك. والآن يُعد بنكا «البلاد» و«الإنماء» أحدث البنوك السعودية (2004 و2008 على التوالي).
لعل من أطرف ما يُقال عن الشراكة التجارية للأخوين «السبيعي» أنهما مع بُعد المسافة بين إقامتيهما في الرياض وجدة، يوقّعان توقيعًا واحدًا مشتركًا يحمل اسميهما معًا، يبلغ من التعقيد ما قد يعجز أمهر المزوّرين عن تقليده.
صدر عن حياة أكبرهما (محمد) كتابان، أحدهما عن سيرته عام 2007 وتُرجم إلى الإنجليزية لاحقًا، وأما الكتاب الثاني فقد ضمّ الأشعار النبطية التي قالها في مناسبات أسرية واجتماعية مختلفة، وهو بالمناسبة ممن يهوى الشعر العامي ويجيد التغنّي به، والواقع أن كتاب السيرة الذي ألّفته ابنته «هدى» يُعبّر كل التعبير عن عمّها (عبد الله الذي يصغره بسنوات قليلة) وذلك بحكم التشابه الكلّي بينهما.
تحوّل كتاب سيرته عام 2013 إلى سيناريو، ومنه إلى نصّ وصورة في فيلم توثيقي مؤثّر عن رحلة الأخوين المتوازنة من الفقر إلى الغنى، دون بذخ ولا بطر، انتقل الأخوان خلالها من مسقط رأسيهما «عنيزة» إلى مكة المكرمة، حيث كانت فرص التعليم والمعيشة أفضل.
تنقّلا فيها - عبر ثمانين عامًا - من وظيفة متدنّية الأجر إلى عمل البناء بالطوب، ثم عادا للسوق فشكّلا بالتدرّج تجارة تقوم على التجزئة وعلى الصرافة والتحويلات، التي تطوّرت مع مجموعة مماثلة من الصيارفة الروّاد كما سلف، لتصبح عملاً بنكيًّا متقدّمًا، لكنهما وقد كانت العفّة والتديّن ركيزة أساسيّة في تربيتهما، لم يُغفلا الجانب الخيري الموازي لتجارتهما فأسّسا مؤسسة خيرية رائدة تقوم فكرتها على تعويد الأسر على الإنتاج والعمل، ولم ينسوا مسقط الرأس «عُنيزة» من عمل استثماري منتج قوامه عدد من المشروعات الزراعية والسياحية والتنمويّة النافعة.
من طريف ما يُعرف عن الشيخ محمد - وهو الذي يحفظ القرآن الكريم منذ صغره عن ظهر قلب - أنه يجيد التلاوة في إمامة الصلاة الجهرية، وذلك على الرغم من عدم فصاحة النطق عنده في الحديث اليومي الدارج.
رحلة محمد وأخيه عبد الله، ابني إبراهيم السبيعي، اللّذين ولدا في عنيزة بمنطقة القصيم، ثم ارتحلا يضربان في الأرض ابتغاءً لفضل الله، فاتجها غربًا نحو مكة المكرمة طلبًا للعلم والتجارة، ثم افترقا مكانًا لا قلبًا، ليُكرمهما الله على قدر نياتهما الطيبة، حيث لم تغيّرهما المادة، ولم تبدُ على أسرتيهما مظاهر التبذير والإسراف والترف والتنكّر لنعمة الله، بل ظلّتا محافظتين متواضعتين موثوقتين في السوق والمجتمع، يغلب على تصرّفهما الاستقامة والسمت والمصداقية والقيام بواجبات الضيافة وقضاء لوازم الناس والمعوزين، والتواصل الأسري، وأداء الالتزامات الاجتماعية، والإسهام سرًّا وعلانيةً في المبادرات والمشروعات النافعة من خلال مؤسستهما الخيريّة الوقفيّة وعبر الجهود الفرديّة، ووفائهما المستمر لمسقط الرأس «عنيزة»، وذلك فضلاً على التزامهما الظاهر والباطن بالشعائر الوسطية الدينية المنضبطة. يصدُق عليهما قولُ الحق سبحانه في سورة النور: ﴿رِجَالٌ لا تُلْهِيهِمْ تِجَارَةٌ وَلا بَيْعٌ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَإِقَامِ الصَّلَاةِ وَإِيتَاءِ الزَّكَاةِ يَخَافُونَ يَوْمًا تَتَقَلَّبُ فِيهِ الْقُلُوبُ وَالأَبْصَارُ ﴾.

* باحث وإعلامي سعودي



غوتيريش يحث من «كوب 29» العالم على سد فجوة تمويل بـ359 مليار دولار

زعماء العالم يلتقطون صورة جماعية في مؤتمر «كوب 29» (إ.ب.أ)
زعماء العالم يلتقطون صورة جماعية في مؤتمر «كوب 29» (إ.ب.أ)
TT

غوتيريش يحث من «كوب 29» العالم على سد فجوة تمويل بـ359 مليار دولار

زعماء العالم يلتقطون صورة جماعية في مؤتمر «كوب 29» (إ.ب.أ)
زعماء العالم يلتقطون صورة جماعية في مؤتمر «كوب 29» (إ.ب.أ)

بينما حثَّ الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش، من باكو حيث يُعقد مؤتمر «كوب 29»، القادة الدوليين على سد فجوة تمويل التكيف، البالغة 359 مليار دولار مع تفاقم الآثار المناخية التي تهدد الاستقرار العالمي والمجتمعات الضعيفة، كان لافتاً الانتقاد اللاذع الذي وجهه إلهام علييف رئيس أذربيجان، البلد المستضيف للمؤتمر، إذ انتقد علييف المنتقدين الغربيين لصناعة النفط والغاز في أذربيجان، واصفاً بلاده بأنها ضحية «حملة مدبرة جيداً من الافتراء والابتزاز».

وقد جددت مناقشات اليوم الثاني من فعاليات مؤتمر الأمم المتحدة لتغير المناخ في العاصمة الأذربيجانية، باكو، تطلعات دول العالم إلى التوصل لاتفاقات جادة؛ للتخفيف من عواقب التغير المناخي، التي باتت واضحة من خلال الفيضانات، والعواصف، وحرائق الغابات، وموجات الحرارة الشديدة، وسط تحذيرات متزايدة بشأن تفاقم أزمة المناخ العالمية، مع الدعوة لإيجاد أرضية نقاش مشتركة.

وصول الضيوف إلى مؤتمر الأمم المتحدة للتغير المناخي في استاد باكو (رويترز)

وعلى الرغم من مشاركة قادة وممثلين من نحو 200 دولة، فإن بعض القادة الدوليين قرروا عدم حضور المؤتمر، بمَن في ذلك الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، ورئيسة المفوضية الأوروبية أورسولا فون دير لاين، والرئيس البرازيلي لولا دا سيلفا، الذي من المقرر أن تتولى بلاده رئاسة مؤتمر الأطراف في عام 2025. وفي الوقت نفسه، ألغى المستشار الألماني أولاف شولتس رحلته إلى باكو؛ بسبب انهيار تحالفه الحاكم الأسبوع الماضي.

وأعلنت أكبر بنوك التنمية المتعددة الأطراف في العالم هدفاً جديداً لجمع تمويلات للمناخ بشكل سنوي للدول النامية، بواقع 120 مليار دولار بحلول نهاية العقد.

احتواء الكارثة المناخية

في كلمته الافتتاحية، وجّه الأمين العام للأمم المتحدة، أنطونيو غوتيريش، تحذيراً شديد اللهجة إلى قادة العالم، مؤكداً أن البشرية في سباق مع الزمن لاحتواء الاحتباس الحراري عند 1.5 درجة مئوية.

وعبّر غوتيريش عن قلقه من احتمال تجاوز هذا الهدف خلال العام الحالي، واصفاً عام 2024 بأنه «درس في تدمير المناخ». وأشار إلى أن تلك الكوارث المناخية، التي تضر بشكل خاص الدول الفقيرة، هي «قصة ظلم عالمي»، مطالباً الدول الثرية بالوفاء بتعهداتها.

الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش يلقي كلمته (إ.ب.أ)

وأعرب عن الحاجة الملحة لسد الفجوة المتزايدة في تمويل التكيف مع المناخ، التي قد تصل إلى 359 مليار دولار سنوياً بحلول عام 2030.

رئيس الإمارات يدعو لتعاون دولي مستدام

من جهته، أكد رئيس دولة الإمارات، الشيخ محمد بن زايد آل نهيان، التزام بلاده بتسريع العمل المناخي، وبناء اقتصاد مستدام، مشيراً إلى أن الإمارات، التي استضافت مؤتمر «كوب 28» العام الماضي، قدَّمت «اتفاق الإمارات» بوصفه خريطة طريق لتحقيق انتقال عادل في قطاع الطاقة، موضحاً في الوقت نفسه أن التعاون الدولي البنَّاء يوفر فرصة جديدة للنمو الاقتصادي والاجتماعي المستدام، عادّاً أن «العمل المناخي ليس عبئاً، بل فرصة للتقدم».

اتهام أذربيجان

وفي خطاب لافت، انتقد رئيس أذربيجان، إلهام علييف، وسائل الإعلام الغربية وبعض المنظمات البيئية التي وصفها بأنها «مزيفة»، متهماً إياها بشنِّ حملة تشويه ضد بلاده. ورد علييف على الاتهامات بأن أذربيجان «دولة نفطية» بتأكيده أن النفط والغاز «هبة من الله»، مؤكداً أن «الأسواق العالمية بحاجة إلى هذه الموارد، تماماً كما تحتاج إلى الذهب والشمس والرياح». جاء هذا التصريح في ظل تصاعد الدعوات للابتعاد عن استخدام الوقود التقليدي.

الرئيس الأذربيجاني إلهام علييف يتحدث في حفل افتتاح المؤتمر (رويترز)

وقال: «لسوء الحظ، أصبحت المعايير المزدوجة، والعادة في إلقاء المحاضرات على البلدان الأخرى، والنفاق السياسي، نوعاً من أسلوب العمل لبعض السياسيين والمنظمات غير الحكومية التي تسيطر عليها الدولة ووسائل الإعلام المزيفة في بعض الدول الغربية».

واستهدف علييف، بشكل خاص، الدول الأوروبية التي وقَّعت على الفور صفقات لتوسيع مشترياتها من الغاز الأذربيجاني في أعقاب الغزو الروسي الكامل لأوكرانيا، وقال: «لم تكن فكرتنا. لقد كان اقتراحاً من المفوضية الأوروبية».

وأشار إلى اجتماعه مع رئيسة المفوضية الأوروبية أورسولا فون دير لاين في يوليو (تموز) 2022، عندما وقّع الاتحاد الأوروبي صفقة مع أذربيجان لمضاعفة إمدادات الغاز من البلاد. وقال: «إنهم كانوا بحاجة إلى غازنا؛ بسبب الوضع الجيوسياسي المتغير، وطلبوا منا المساعدة».

ويعتمد اقتصاد أذربيجان بشكل كبير على إنتاج النفط والغاز. وفي عام 2022، شكّل هذا الإنتاج نحو نصف الناتج المحلي الإجمالي للبلاد و92.5 في المائة من عائدات التصدير، وفقاً لإدارة التجارة الدولية الأميركية.

وقال علييف: «بصفتنا رئيس مؤتمر الأطراف التاسع والعشرين، فسنكون بالطبع من المدافعين الأقوياء عن التحول الأخضر، ونحن نفعل ذلك. ولكن في الوقت نفسه، يجب أن نكون واقعيين».

واختتم حديثه بانتقاد جماعات المجتمع المدني التي دعت إلى مقاطعة مؤتمر الأطراف التاسع والعشرين؛ بسبب الحكومة القمعية في أذربيجان، وبصمة الوقود التقليدي. وقال: «لدي أخبار سيئة لهم. لدينا 72 ألف مشارك من 196 دولة. ومن بينهم 80 رئيساً ونائب رئيس ورئيس وزراء. لذا اجتمع العالم في باكو، ونقول للعالم: مرحباً بكم في أذربيجان».

بريطانيا... وتعهدات مناخية طموحة

من جهته، قال رئيس الوزراء البريطاني كير ستارمر، إن بريطانيا ستخفِّض انبعاثات الغازات المسببة للاحتباس الحراري بنسبة 81 في المائة بحلول عام 2035. إذ تعهدت البلاد بهدف مناخي أكثر طموحاً في قمة المناخ التابعة للأمم المتحدة (كوب 29).

رئيس الوزراء البريطاني كير ستارمر يصعد إلى المنصة لإلقاء كلمة خلال مؤتمر «كوب 29» (رويترز)

وقال ستارمر، في مؤتمر صحافي، خلال مؤتمر المناخ في باكو بأذربيجان: «في مؤتمر المناخ هذا، سُررت بإعلان أننا نبني على سمعتنا بوصفنا قائداً مناخياً، مع هدف المملكة المتحدة لعام 2035، «NDC (المساهمات المحددة وطنياً)»؛ لخفض جميع انبعاثات الغازات المسببة للاحتباس الحراري بنسبة 81 في المائة على الأقل عن مستويات عام 1990».

وقال ستارمر إن الجمهور البريطاني لن يثقل كاهله بسبب الهدف الجديد، الذي يستبعد انبعاثات الطيران والشحن الدوليَّين. وأضاف: «ما لن نفعله هو أن نبدأ في إخبار الناس بكيفية عيش حياتهم. لن نبدأ في إملاء ما يجب أن يفعلوه على الناس».

ويتماشى الهدف الجديد مع توصية من لجنة من مستشاري المناخ الذين قالوا الشهر الماضي إن الهدف يجب أن يتجاوز الخفض الحالي بنسبة 78 في المائة للانبعاثات، قياساً على مستويات عام 1990.

ازدياد اللاجئين بسبب الكوارث المناخية

وعلى هامش القمة، حذَّرت المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين من ازدياد أعداد اللاجئين المتأثرين بتداعيات المناخ، في ظل تصاعد الصدمات المناخية وتكرارها.

وأشار المفوض الأممي، فيليبو غراندي، إلى أن اللاجئين غالباً ما يفرون إلى دول مجاورة تواجه هي أيضاً تحديات مناخية. وذكر التقرير أن 75 في المائة من اللاجئين الذين نزحوا بحلول نهاية العام الماضي يعيشون في مناطق تتعرض لكوارث مناخية متزايدة.

أزمة المناخ تتجاوز البيئة

من جهته، قال الأمين التنفيذي لاتفاقية الأمم المتحدة الإطارية بشأن تغير المناخ، سيمون ستيل، إن أزمة المناخ لم تعد مجرد قضية بيئية، بل أصبحت ذات تبعات اقتصادية، إذ ُيقدَّر أن الكوارث المناخية قد تكلف بعض الدول حتى 5 في المائة من ناتجها المحلي الإجمالي.

وأضاف: «مع ازدياد التكاليف على الأسر والشركات نتيجة لتغيرات المناخ، يحذِّر الخبراء من أن ارتفاع التضخم قد يستمر ما لم تتخذ الدول إجراءات مناخية أكثر جرأة».

وتابع ستيل: «إن التأثيرات المناخية المتفاقمة ستؤدي إلى زيادة التضخم ما لم تتمكَّن كل دولة من اتخاذ إجراءات مناخية أكثر جرأة». وقال: «دعونا نتعلم الدروس من الجائحة: عندما عانى المليارات لأننا لم نتخذ إجراءات جماعية بالسرعة الكافية. عندما تضررت سلاسل الإمداد. دعونا لا نرتكب هذا الخطأ مرة أخرى. تمويل العمل المناخي هو تأمين عالمي ضد التضخم».