باريس تعترف بفضل الأجانب الذين صنعوا الأناقة الفرنسية

عاشوا فيها وأبدعوا وساهموا في جعلها مركزاً لـ {الهوت كوتور}

المصمم التونسي الأصل عز الدين علاية يقف أمام تصاميمه النسائية التي عرضت سابقا في روما ({غيتي})
المصمم التونسي الأصل عز الدين علاية يقف أمام تصاميمه النسائية التي عرضت سابقا في روما ({غيتي})
TT

باريس تعترف بفضل الأجانب الذين صنعوا الأناقة الفرنسية

المصمم التونسي الأصل عز الدين علاية يقف أمام تصاميمه النسائية التي عرضت سابقا في روما ({غيتي})
المصمم التونسي الأصل عز الدين علاية يقف أمام تصاميمه النسائية التي عرضت سابقا في روما ({غيتي})

من الذي صنع أسطورة الأناقة الباريسية؟ إنهم مهاجرون ومصممون فقراء وفدوا إلى عاصمة النور من البلاد القريبة والبعيدة، وفيها حققوا شهرة عالمية وأنشأوا دورًا للأزياء حملت أسماءهم ومن بعدهم انتقلت إلى ملكية مؤسسات استثمارية كبرى عابرة للقارات.
من يراجع أسماء الرواد يجد كثيرًا منها ذا رنين إيطالي، وإسباني، وبولوني، وتركي وحتى عربي. ولعل التونسي عز الدين علايا لم يكن أول مصممي الأزياء العرب الذين لمعوا في العاصمة الفرنسية، ولن يكون اللبناني إيلي صعب آخرهم. وقد سبق لغرفة الموضة، وهي نقابة المشتغلين بالأزياء وعروضها الموسمية في باريس، أن نظمت معرضًا كبيرًا لتكريم مصممي الأزياء الأجانب الذين عاشوا وأبدعوا في فرنسا وساهموا في تحويلها من موطن للأدب والفنون إلى مركز للخياطة الراقية «الهوت كوتور» في العالم كله.
من هؤلاء كينزو وماريانو فورتوني ويوجي ياماموتو وإيسي مياكي وإلزا سكياباريلي وكريستوبال بالانسياغا وباكو رابان وعلايا وراف سيمونز وتشارلز فريدريك وورث، مبتكر العطر الشهير الذي ينعش الروح. وهي أسماء لم تكن ترن في أسماع من شدوا الرحال إلى العاصمة الفرنسية، آتين من اليابان وأميركا وتونس وإيطاليا وبلجيكا وروسيا وأرمينيا، وهي قد احتضنتهم وسمحت لمواهبهم بالتفتح وأخذت من كل واحد منهم سنوات من العرق والسهر وأعطته، في المقابل، الشهرة والثروة.
لا تنكر باريس أن هناك مهارات لم تكن متوفرة فيها بل جاء أصحابها من وراء الحدود: خياطون وطرازات وحائكات دانتيلا ومبتكرو عطور ونساجون وأسطوات في التفصيل وقص القماش. لقد صبوا خبراتهم في بوتقة الموضة الباريسية وصنعوا للمدينة تلك السمعة العالمية بالخبرات المتراكمة والمهارات، أو ما يسمى بالفرنسية «السافوار فير»، أو «معرفة أسرار الصنع». وهي هجرات ليست حديثة العهد، بل يعود بعضها إلى أواسط القرن التاسع عشر. أما أسبابها فكانت سياسية، أو للبحث عن الرزق، أو للانضمام إلى أجواء مدينة الفنون والنور والحرية.
من المهارات ورشات التطريز التي برع فيها الروس في عشرينات القرن الماضي، وفن صناعة الأحذية الذي تفوق فيه الأرمن. ويمكن للباحث في أرشيفات الموضة أن يرى نماذج رائعة من تلك المطرزات والإكسسوارات الجلدية والقبعات والمعاطف والفساتين المحفوظة، عادة، في متحف «جالييرا» للأزياء في باريس.
ليس من المعتاد أن يرى المرء في المعارض زوارًا جاءوا ليتأملوا حذاءً قديمًا، أو قبعة من الريش، أو ليقفوا طويلاً ليقرأوا وثائق تاريخية من ملفات دائرة حماية اللاجئين، أو مراسم جمهورية بمنح الجنسية الفرنسية لفلان أو فلانة ممن كانوا مهاجرين هاربين من الحروب أو من الشظف في بلدانهم ثم صاروا شخصيات يشار لها بالبنان. ومن الوثائق المهمة تلك المراسلات الرسمية التي تأسست بموجبها ورشات للخياطة سرعان ما أصبحت دورًا للأزياء الباذخة.
هناك صور قديمة للمصمم تشارلز فريدريك وورث وهو يوقع اسمه على الفساتين التي يصممها مثل رسام يوقع لوحاته الفنية. إن هذا المهاجر الإنجليزي الأصل يعتبر مؤسس فن الخياطة الراقية، أواسط القرن التاسع عشر، وأول من أطلق فكرة تجديد المجموعات مع كل موسم وابتكر تقليد عرض الأزياء. لقد كان يطلب من زوجته أن ترتدي التصاميم وتدور بها أمام زبونات محله للخياطة، لكي تأخذ الزبونة فكرة واقعية عن الثوب عند ارتدائه. ومن تلك الفكرة البسيطة تطورت العروض وتحولت إلى مهرجانات واستعراضات موسمية يسعى لها المصورون وتتابعها الأنيقات في العالم كله.
كان لباريس الفضل في تأطير مهنة التصميم، وفي حفظ تطوراتها، الأمر الذي نتج عنه إطلاق موضات جديدة متتابعة ومدارس مختلفة في الأزياء. وفي حين برع الألمان والروس في الثياب الكلاسيكية، جاء اليابانيون، بعد عقود، ليقدموا ثورة الثياب الحديثة والشبابية والتصاميم التي تخففت من زوائد الريش والدانتيلا والثنيات الكثيرة التي تربك المرأة وتجعلها أسيرة فستانها، غير مرتاحة بما ترتدي. ثم جاء المصممون البلجيكيون فأحدثوا ثورة تالية استهجنت التقاليد القديمة ودعت إلى شطحات عصرية، إلى أن جاء الشبان الإنجليز الموهوبون ونفخوا في الموضة الباريسية نفخات التفلت والجنون. ألم يكن جون غاليانو، المدير الفني لدار «ديور» قرابة عشرين عامًا، عبقريًا بنسبة النصف ومجنونًا بنسبة النصف الباقي؟
وهناك في متحف الموضة نماذج من أبرز الفساتين والمعاطف والتاييورات التي أبدعها فنانون أجانب لحساب دور أزياء باريسية، أمثال فيفيان ويستوود، وألكسندر ماكوين، وفيبي فيلو، وغاليانو، ولوسيل، وكلارا ويت كيلر، وجان موير. وهناك نماذج من التطوير الذي خضعت له الأقمشة العادية، حين كان المبتكر يسارع إلى تسجيل القماش الجديد لدى دائرة الملكية الفكرية مثلما تسجل براءات الاختراع. وهكذا قام ماريانو فورتوني، في أوائل القرن الماضي، بتسجيل القماش ذي الكسرات الصغيرة «البليسيه» الذي لا يفقد طياته عند الغسيل، كابتكار خاص به ولا يسمح بتقليده مجانًا.
عند قيام الثورة على القياصرة في روسيا، عام 1917، هرب الناجون من النبلاء إلى فرنسا. وكان بينهم الأمير فيليكس وزوجته إيرينا يوسبوف. وقد أسس الاثنان في باريس «دار إرفيه» عام 1924، بينما عملت المصممة الروسية ناتاليا جونتاروفا لحساب «ميربور» وورشة «كيمير» التي تخصصت في إنتاج الخيوط التزيينية المتعرجة. ثم جاء الياباني إيسي مياكي وقدم طريقة جديدة لثنيات القماش الرفيعة، كما كان له حضوره في دنيا العطور الباريسية، حيث أطلق روائح ما زال الرجال والنساء يطلبونها على مدى السنوات. إلى أن وصلنا إلى البلجيكي دريس فان نوتن وتصاميمه الملونة التي صارت بمثابة التوقيع الخاص الذي تتعرف عليه العين من النظرة الأولى. أما الإيطاليون فقد شكلوا وحدهم مدرسة متميزة في الخياطة والتفصيل. وكانت أول الوافدين المصممة إلزا سكياباريلي، التي تجنست بالجنسية الفرنسية عام 1931 وكان لها حضورها القوي في أواسط القرن الماضي بفضل علاقاتها مع الفنانين وميلها إلى المدرسة السوريالية في الرسم. وهي قد حاولت أن تنقل هذه المدرسة الفنية إلى تصميم الأزياء وأن تطبقها في فساتينها وقبعاتها. لقد فصلت تاييرات لها جيوب تسحب مثل الجوارير، وابتكرت أزرارًا لها شكل الحلي الثمينة. وفي نهاية المطاف تمكنت سكياباريلي من حفر اسمها في تاريخ الموضة الباريسية الراقية، وقد أعيد تجديد شركتها، على أيدي مستثمرين، رغم أنها رحلت عن دنيانا منذ عقود.
من إسبانيا جاء باكو رابان، أواسط القرن الماضي، ليقيم ثورته الخاصة في أساليب التصميم ويبتكر فساتين من لوائح المعدن ورقائق الألمنيوم لمجرد أن يسمح لأفكاره الحرة بتجريب كل ما يخطر على البال. وما زال باكو رابان يعمل في باريس، رغم تقدمه في السن، يشرب قهوته الصباحية في مقهى «فلور» في حي السان جيرمان، متأملاً الحياة الجديدة وأفواج الطلاب والسياح، كأنه يستلهم العابرات لكي يبتكر ثوبًا عصريًا.



رحيل إيلي شويري عاشق لبنان و«أبو الأناشيد الوطنية»

عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»
عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»
TT

رحيل إيلي شويري عاشق لبنان و«أبو الأناشيد الوطنية»

عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»
عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»

إنه «فضلو» في «بياع الخواتم»، و«أبو الأناشيد الوطنية» في مشواره الفني، وأحد عباقرة لبنان الموسيقيين، الذي رحل أول من أمس (الأربعاء) عن عمر ناهز 84 عاماً.
فبعد تعرضه لأزمة صحية نقل على إثرها إلى المستشفى، ودّع الموسيقي إيلي شويري الحياة. وفي حديث لـ«الشرق الأوسط» أكدت ابنته كارول أنها تفاجأت بانتشار الخبر عبر وسائل التواصل الاجتماعي قبل أن تعلم به عائلته. وتتابع: «كنت في المستشفى معه عندما وافاه الأجل. وتوجهت إلى منزلي في ساعة متأخرة لأبدأ بالتدابير اللازمة ومراسم وداعه. وكان الخبر قد ذاع قبل أن أصدر بياناً رسمياً أعلن فيه وفاته».
آخر تكريم رسمي حظي به شويري كان في عام 2017، حين قلده رئيس الجمهورية يومها ميشال عون وسام الأرز الوطني. وكانت له كلمة بالمناسبة أكد فيها أن حياته وعطاءاته ومواهبه الفنية بأجمعها هي كرمى لهذا الوطن.
ولد إيلي شويري عام 1939 في بيروت، وبالتحديد في أحد أحياء منطقة الأشرفية. والده نقولا كان يحضنه وهو يدندن أغنية لمحمد عبد الوهاب. ووالدته تلبسه ثياب المدرسة على صوت الفونوغراف الذي تنساب منه أغاني أم كلثوم مع بزوغ الفجر. أما أقرباؤه وأبناء الجيران والحي الذي يعيش فيه، فكانوا من متذوقي الفن الأصيل، ولذلك اكتمل المشوار، حتى قبل أن تطأ خطواته أول طريق الفن.
- عاشق لبنان
غرق إيلي شويري منذ نعومة أظافره في حبه لوطنه وترجم عشقه لأرضه بأناشيد وطنية نثرها على جبين لبنان، ونبتت في نفوس مواطنيه الذين رددوها في كل زمان ومكان، فصارت لسان حالهم في أيام الحرب والسلم. «بكتب اسمك يا بلادي»، و«صف العسكر» و«تعلا وتتعمر يا دار» و«يا أهل الأرض»... جميعها أغنيات شكلت علامة فارقة في مسيرة شويري الفنية، فميزته عن سواه من أبناء جيله، وذاع صيته في لبنان والعالم العربي وصار مرجعاً معتمداً في قاموس الأغاني الوطنية. اختاره ملك المغرب وأمير قطر ورئيس جمهورية تونس وغيرهم من مختلف أقطار العالم العربي ليضع لهم أجمل معاني الوطن في قالب ملحن لا مثيل له. فإيلي شويري الذي عُرف بـ«أبي الأناشيد الوطنية» كان الفن بالنسبة إليه منذ صغره هَوَساً يعيشه وإحساساً يتلمسه في شكل غير مباشر.
عمل شويري مع الرحابنة لفترة من الزمن حصد منها صداقة وطيدة مع الراحل منصور الرحباني. فكان يسميه «أستاذي» ويستشيره في أي عمل يرغب في القيام به كي يدله على الصح من الخطأ.
حبه للوطن استحوذ على مجمل كتاباته الشعرية حتى لو تناول فيها العشق، «حتى لو رغبت في الكتابة عن أعز الناس عندي، أنطلق من وطني لبنان»، هكذا كان يقول. وإلى هذا الحد كان إيلي شويري عاشقاً للبنان، وهو الذي اعتبر حسه الوطني «قدري وجبلة التراب التي امتزج بها دمي منذ ولادتي».
تعاون مع إيلي شويري أهم نجوم الفن في لبنان، بدءاً بفيروز وسميرة توفيق والراحلين وديع الصافي وصباح، وصولاً إلى ماجدة الرومي. فكان يعدّها من الفنانين اللبنانيين القلائل الملتزمين بالفن الحقيقي. فكتب ولحن لها 9 أغنيات، من بينها «مين إلنا غيرك» و«قوم تحدى» و«كل يغني على ليلاه» و«سقط القناع» و«أنت وأنا» وغيرها. كما غنى له كل من نجوى كرم وراغب علامة وداليدا رحمة.
مشواره مع الأخوين الرحباني بدأ في عام 1962 في مهرجانات بعلبك. وكانت أول أدواره معهم صامتة بحيث يجلس على الدرج ولا ينطق إلا بكلمة واحدة. بعدها انتسب إلى كورس «إذاعة الشرق الأدنى» و«الإذاعة اللبنانية» وتعرّف إلى إلياس الرحباني الذي كان يعمل في الإذاعة، فعرّفه على أخوَيه عاصي ومنصور.

مع أفراد عائلته عند تقلده وسام الأرز الوطني عام 2017

ويروي عن هذه المرحلة: «الدخول على عاصي ومنصور الرحباني يختلف عن كلّ الاختبارات التي يمكن أن تعيشها في حياتك. أذكر أن منصور جلس خلف البيانو وسألني ماذا تحفظ. فغنيت موالاً بيزنطياً. قال لي عاصي حينها؛ من اليوم ممنوع عليك الخروج من هنا. وهكذا كان».
أسندا إليه دور «فضلو» في مسرحية «بياع الخواتم» عام 1964. وفي الشريط السينمائي الذي وقّعه يوسف شاهين في العام التالي. وكرّت السبحة، فعمل في كلّ المسرحيات التي وقعها الرحابنة، من «دواليب الهوا» إلى «أيام فخر الدين»، و«هالة والملك»، و«الشخص»، وصولاً إلى «ميس الريم».
أغنية «بكتب اسمك يا بلادي» التي ألفها ولحنها تعد أنشودة الأناشيد الوطنية. ويقول شويري إنه كتب هذه الأغنية عندما كان في رحلة سفر مع الراحل نصري شمس الدين. «كانت الساعة تقارب الخامسة والنصف بعد الظهر فلفتني منظر الشمس التي بقيت ساطعة في عز وقت الغروب. وعرفت أن الشمس لا تغيب في السماء ولكننا نعتقد ذلك نحن الذين نراها على الأرض. فولدت كلمات الأغنية (بكتب اسمك يا بلادي عالشمس الما بتغيب)».
- مع جوزيف عازار
غنى «بكتب اسمك يا بلادي» المطرب المخضرم جوزيف عازار. ويخبر «الشرق الأوسط» عنها: «ولدت هذه الأغنية في عام 1974 وعند انتهائنا من تسجيلها توجهت وإيلي إلى وزارة الدفاع، وسلمناها كأمانة لمكتب التوجيه والتعاون»، وتابع: «وفوراً اتصلوا بنا من قناة 11 في تلفزيون لبنان، وتولى هذا الاتصال الراحل رياض شرارة، وسلمناه شريط الأغنية فحضروا لها كليباً مصوراً عن الجيش ومعداته، وعرضت في مناسبة عيد الاستقلال من العام نفسه».
يؤكد عازار أنه لا يستطيع اختصار سيرة حياة إيلي شويري ومشواره الفني معه بكلمات قليلة. ويتابع لـ«الشرق الأوسط»: «لقد خسر لبنان برحيله مبدعاً من بلادي كان رفيق درب وعمر بالنسبة لي. أتذكره بشوشاً وطريفاً ومحباً للناس وشفافاً، صادقاً إلى أبعد حدود. آخر مرة التقيته كان في حفل تكريم عبد الحليم كركلا في الجامعة العربية، بعدها انقطعنا عن الاتصال، إذ تدهورت صحته، وأجرى عملية قلب مفتوح. كما فقد نعمة البصر في إحدى عينيه من جراء ضربة تلقاها بالغلط من أحد أحفاده. فضعف نظره وتراجعت صحته، وما عاد يمارس عمله بالشكل الديناميكي المعروف به».
ويتذكر عازار الشهرة الواسعة التي حققتها أغنية «بكتب اسمك يا بلادي»: «كنت أقفل معها أي حفل أنظّمه في لبنان وخارجه. ذاع صيت هذه الأغنية، في بقاع الأرض، وترجمها البرازيليون إلى البرتغالية تحت عنوان (أومينا تيرا)، وأحتفظ بنصّها هذا عندي في المنزل».
- مع غسان صليبا
مع الفنان غسان صليبا أبدع شويري مرة جديدة على الساحة الفنية العربية. وكانت «يا أهل الأرض» واحدة من الأغاني الوطنية التي لا تزال تردد حتى الساعة. ويروي صليبا لـ«الشرق الأوسط»: «كان يعد هذه الأغنية لتصبح شارة لمسلسل فأصررت عليه أن آخذها. وهكذا صار، وحققت نجاحاً منقطع النظير. تعاونت معه في أكثر من عمل. من بينها (كل شيء تغير) و(من يوم ما حبيتك)». ويختم صليبا: «العمالقة كإيلي شويري يغادرونا فقط بالجسد. ولكن بصمتهم الفنية تبقى أبداً ودائماً. لقد كانت تجتمع عنده مواهب مختلفة كملحن وكاتب ومغنٍ وممثل. نادراً ما نشاهدها تحضر عند شخص واحد. مع رحيله خسر لبنان واحداً من عمالقة الفن ومبدعيه. إننا نخسرهم على التوالي، ولكننا واثقون من وجودهم بيننا بأعمالهم الفذة».
لكل أغنية كتبها ولحنها إيلي شويري قصة، إذ كان يستمد موضوعاتها من مواقف ومشاهد حقيقية يعيشها كما كان يردد. لاقت أعماله الانتقادية التي برزت في مسرحية «قاووش الأفراح» و«سهرة شرعية» وغيرهما نجاحاً كبيراً. وفي المقابل، كان يعدها من الأعمال التي ينفذها بقلق. «كنت أخاف أن تخدش الذوق العام بشكل أو بآخر. فكنت ألجأ إلى أستاذي ومعلمي منصور الرحباني كي يرشدني إلى الصح والخطأ فيها».
أما حلم شويري فكان تمنيه أن تحمل له السنوات الباقية من عمره الفرح. فهو كما كان يقول أمضى القسم الأول منها مليئة بالأحزان والدموع. «وبالقليل الذي تبقى لي من سنوات عمري أتمنى أن تحمل لي الابتسامة».