قرية عراقية تمنع مواطنيها من التدخين والمشروبات الغازية

أطلقها الشيوخ والوجهاء ونشروا لافتات تمنع الحديث في السياسة والدين

الممنوعات في لافتات تننتشر في المدينة لمنع التدخين وإطلاق منبهات السيارات ({الشرق الأوسط})
الممنوعات في لافتات تننتشر في المدينة لمنع التدخين وإطلاق منبهات السيارات ({الشرق الأوسط})
TT

قرية عراقية تمنع مواطنيها من التدخين والمشروبات الغازية

الممنوعات في لافتات تننتشر في المدينة لمنع التدخين وإطلاق منبهات السيارات ({الشرق الأوسط})
الممنوعات في لافتات تننتشر في المدينة لمنع التدخين وإطلاق منبهات السيارات ({الشرق الأوسط})

على نحو بدا غريبًا أول الأمر، لكنه سرعان ما حظي بإعجاب الناس وترحيبهم وصار حديث الشارع والصحافة، بعد أن أقدمت قرية في محافظة الديوانية (إحدى مدن جنوب العراق) على إطلاق قرارات منع التدخين وشرب السجائر وبيعها وتداولها في الأسواق والأماكن العامة، ومنع الأحاديث السياسية والدينية، ليستقر الحال بمنع تقديم المشروبات الغازية في المناسبات العامة لضررها على صحة الإنسان، وكذلك منع استخدام منبهات السيارات، لتحصل بذلك على لقب «القرية الصحية» الذي أطلقه المتابعون لقراراتها الجديدة.
القرارات الصحية اتخذها مجلس عشار ووجهاء قرية (البو ناهض) وألزم بها سكانها وزوارها أيضًا، وقوبلت بالترحيب والتشجيع من الكثيرين، في خطوة تهدف إلى تنظيم الحياة اليومية للسكان، والإفادة من طبيعتها الساحرة بتوسط نهر دجلة أراضيها الزراعية هناك والاستمتاع بالهدوء الذي يغلب على المكان.
يقول ناظم رويد 56 عامًا وأحد سكان القرية: «القرار جاء لأجل تنظيم الحياة في المدينة، والحفاظ على الوحدة الوطنية بعد أن صارت أحاديث السياسة وتجاذباتها وكذلك القضايا الدينية تتسبب بمشكلات كبيرة وعداوات أيضًا، كذلك الحال مع التدخين الذي استشرى بين الشباب على نحو كبير، فكان القرار بمنعه من قبل وجهاء القرية، وهي قرارات ملزمة التنفيذ».
بدوره أكد كاظم حسون، عراقي مغترب لـ«الشرق الأوسط»: «القرارات بمجملها حظيت بموافقة سكان القرية، لما لها من آثار إيجابية عليهم، ونأمل أن تشمل كل القرى المجاورة».
وكشف حسون عن نيته تأسيس منتدى في القرية يجمع الأهالي في خطوة لعلها تسهم في تعزيز التواصل الاجتماعي واستلهام الذكريات الماضية والاستفادة منها لأجيال المستقبل وكذلك لتشجيع الرياضة وحديث الفن. وأضاف: «قريتنا اليوم تسمى بالقرية الصحية لمنع هذه الأشياء كما أنها تتمتع بطبيعة جميلة لمرور نهر دجلة فيها وتحسن الواقع الزراعي والبساتين فيها».
والمتجول في أرجاء قرية (البو ناهض) سيلمس انتشار لافتات كبيرة تدعو الناس لعدم التدخين وعدم تناول المشروبات الغازية، وعدم إطلاق منبهات السيارات إلا للضرورة القصوى، لأجل الترويج للحملة وحث الناس على تطبيقها.
وعد اجتماعيون في الديوانية هذه الظاهرة بالرائدة وينبغي الالتفات إليها من الجهات المعنية ورعايتها لما تحمل من معانٍ اجتماعية حديثة ودليل على التحضر والتقدم الحضاري، وقد تكون الخطوة الأولى من نوعها في الديوانية والعراق.
أما ماجد البصري مدير البيت الثقافي في الديوانية فقال: «هذه توجهات إيجابية خصوصًا أنها تحمل معها نصائح للشباب، وهي تنأى بالقرية عن أي مشكلات صحية أو تبعات عدائية بسبب أحاديث السياسة التي لا تجلب معها إلا المشكلات».
وطالب البصري بيوم وطني لمنع التدخين، وأن يعمم في كل محافظات العراق.
المواطن زهير العبودي 46 عامًا صاحب أحد محال البقالة، قال: «القرار إيجابي، ونشجع عليه، خصوصًا أنه يمنع كل ما له علاقة بصحة الإنسان، وأفرحني تقبل الناس له خصوصًا من الشباب».
وأشار إلى أن «كثرة الصدام والتشنج الذي يصاحب الأحاديث الدينية والسياسية، دعا كبار القرية وشيوخها إلى إصدار قرار منع ذكرها بشكل نهائي، والعمل على استذكار آبائنا وأجدادنا وقصصهم الجميلة، التي جمعتهم في أوقات الشدة والرخاء، بقلوب صافية نقية، على خلاف ما نشهده اليوم من قصص وروايات».
ويلفت صكبان، إلى أن «المنظمات العالمية والمحلية المعنية بالصحة، لو انتبهت إلى أساليب بسيطة، لنجحت في تحقيق برامجها التي تكلف مليارات الدولارات سنويًا، من دون أن تحقق نتائج ملموسة على أرض الواقع».
تقول الناشطة منار أحمد: «الظاهرة جيدة ومقبولة، وهي توجه الناس إلى الاهتمام بصحتهم وتسعى لأجل تنظيم الحياة الاجتماعية والصحية فيها، عبر تنظيم الجلسات والندوات الثقافية التي تسهم بشكل فاعل في نمو الثقافة العامة في القرية وجعلها مميزة بهذه الأفكار، بعد قرار منع التدخين، والكف عن الأحاديث والسياسة، وصولاً إلى منع المشروبات الغازية».
ولفتت إلى أن «اللجوء إلى الجلسات الثقافية الشعرية والأدبية والفنية والمسابقات الرياضية أسفرت عن ظهور طاقات ومواهب شابة، يمكنها أن تمثل العراق في المسابقات العربية والدولية».



ستيف بركات لـ«الشرق الأوسط»: أصولي اللبنانية تتردّد أبداً في صدى موسيقاي

عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية     -   ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)
عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية - ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)
TT

ستيف بركات لـ«الشرق الأوسط»: أصولي اللبنانية تتردّد أبداً في صدى موسيقاي

عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية     -   ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)
عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية - ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)

ستيف بركات عازف بيانو كندي من أصل لبناني، ينتج ويغنّي ويلحّن. لفحه حنين للجذور جرّه إلى إصدار مقطوعة «أرض الأجداد» (Motherland) أخيراً. فهو اكتشف لبنان في وقت لاحق من حياته، وينسب حبّه له إلى «خيارات مدروسة وواعية» متجذرة في رحلته. من اكتسابه فهماً متيناً لهويته وتعبيره عن الامتنان لما منحه إياه الإرث من عمق يتردّد صداه كل يوم، تحاوره «الشرق الأوسط» في أصله الإنساني المنساب على النوتة، وما أضفاه إحساسه الدفين بالصلة مع أسلافه من فرادة فنية.
غرست عائلته في داخله مجموعة قيم غنية استقتها من جذورها، رغم أنه مولود في كندا: «شكلت هذه القيم جزءاً من حياتي منذ الطفولة، ولو لم أدركها بوعي في سنّ مبكرة. خلال زيارتي الأولى إلى لبنان في عام 2008. شعرتُ بلهفة الانتماء وبمدى ارتباطي بجذوري. عندها أدركتُ تماماً أنّ جوانب عدة من شخصيتي تأثرت بأصولي اللبنانية».
بين كوبنهاغن وسيول وبلغراد، وصولاً إلى قاعة «كارنيغي» الشهيرة في نيويورك التي قدّم فيها حفلاً للمرة الأولى، يخوض ستيف بركات جولة عالمية طوال العام الحالي، تشمل أيضاً إسبانيا والصين والبرتغال وكوريا الجنوبية واليابان... يتحدث عن «طبيعة الأداء الفردي (Solo) التي تتيح حرية التكيّف مع كل حفل موسيقي وتشكيله بخصوصية. فالجولات تفسح المجال للتواصل مع أشخاص من ثقافات متنوعة والغوص في حضارة البلدان المضيفة وتعلّم إدراك جوهرها، مما يؤثر في المقاربة الموسيقية والفلسفية لكل أمسية».
يتوقف عند ما يمثله العزف على آلات البيانو المختلفة في قاعات العالم من تحدٍ مثير: «أكرّس اهتماماً كبيراً لأن تلائم طريقة عزفي ضمانَ أفضل تجربة فنية ممكنة للجمهور. للقدرة على التكيّف والاستجابة ضمن البيئات المتنوّعة دور حيوي في إنشاء تجربة موسيقية خاصة لا تُنسى. إنني ممتنّ لخيار الجمهور حضور حفلاتي، وهذا امتياز حقيقي لكل فنان. فهم يمنحونني بعضاً من وقتهم الثمين رغم تعدّد ملاهي الحياة».
كيف يستعد ستيف بركات لحفلاته؟ هل يقسو عليه القلق ويصيبه التوتر بإرباك؟ يجيب: «أولويتي هي أن يشعر الحاضر باحتضان دافئ ضمن العالم الموسيقي الذي أقدّمه. أسعى إلى خلق جو تفاعلي بحيث لا يكون مجرد متفرج بل ضيف عزيز. بالإضافة إلى الجانب الموسيقي، أعمل بحرص على تنمية الشعور بالصداقة الحميمة بين الفنان والمتلقي. يستحق الناس أن يلمسوا إحساساً حقيقياً بالضيافة والاستقبال». ويعلّق أهمية على إدارة مستويات التوتّر لديه وضمان الحصول على قسط كافٍ من الراحة: «أراعي ضرورة أن أكون مستعداً تماماً ولائقاً بدنياً من أجل المسرح. في النهاية، الحفلات الموسيقية هي تجارب تتطلب مجهوداً جسدياً وعاطفياً لا تكتمل من دونه».
عزف أناشيد نالت مكانة، منها نشيد «اليونيسف» الذي أُطلق من محطة الفضاء الدولية عام 2009 ونال جائزة. ولأنه ملحّن، يتمسّك بالقوة الهائلة للموسيقى لغة عالمية تنقل الرسائل والقيم. لذا حظيت مسيرته بفرص إنشاء مشروعات موسيقية لعلامات تجارية ومؤسسات ومدن؛ ومعاينة تأثير الموسيقى في محاكاة الجمهور على مستوى عاطفي عميق. يصف تأليف نشيد «اليونيسف» بـ«النقطة البارزة في رحلتي»، ويتابع: «التجربة عزّزت رغبتي في التفاني والاستفادة من الموسيقى وسيلة للتواصل ومتابعة الطريق».
تبلغ شراكته مع «يونيفرسال ميوزيك مينا» أوجها بنجاحات وأرقام مشاهدة عالية. هل يؤمن بركات بأن النجاح وليد تربة صالحة مكوّنة من جميع عناصرها، وأنّ الفنان لا يحلّق وحده؟ برأيه: «يمتد جوهر الموسيقى إلى ما وراء الألحان والتناغم، ليكمن في القدرة على تكوين روابط. فالنغمات تمتلك طاقة مذهلة تقرّب الثقافات وتوحّد البشر». ويدرك أيضاً أنّ تنفيذ المشاريع والمشاركة فيها قد يكونان بمثابة وسيلة قوية لتعزيز الروابط السلمية بين الأفراد والدول: «فالثقة والاهتمام الحقيقي بمصالح الآخرين يشكلان أسس العلاقات الدائمة، كما يوفر الانخراط في مشاريع تعاونية خطوات نحو عالم أفضل يسود فيه الانسجام والتفاهم».
بحماسة أطفال عشية الأعياد، يكشف عن حضوره إلى المنطقة العربية خلال نوفمبر (تشرين الثاني) المقبل: «يسعدني الوجود في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا كجزء من جولة (Néoréalité) العالمية. إنني في مرحلة وضع اللمسات الأخيرة على التفاصيل والتواريخ لنعلن عنها قريباً. تملؤني غبطة تقديم موسيقاي في هذا الحيّز النابض بالحياة والغني ثقافياً، وأتحرّق شوقاً لمشاركة شغفي وفني مع ناسه وإقامة روابط قوامها لغة الموسيقى العالمية».
منذ إطلاق ألبومه «أرض الأجداد»، وهو يراقب جمهوراً متنوعاً من الشرق الأوسط يتفاعل مع فنه. ومن ملاحظته تزايُد الاهتمام العربي بالبيانو وتعلّق المواهب به في رحلاتهم الموسيقية، يُراكم بركات إلهاماً يقوده نحو الامتنان لـ«إتاحة الفرصة لي للمساهمة في المشهد الموسيقي المزدهر في الشرق الأوسط وخارجه».
تشغله هالة الثقافات والتجارب، وهو يجلس أمام 88 مفتاحاً بالأبيض والأسود على المسارح: «إنها تولّد إحساساً بالعودة إلى الوطن، مما يوفر ألفة مريحة تسمح لي بتكثيف مشاعري والتواصل بعمق مع الموسيقى التي أهديها إلى العالم».