ملتقى دولي يبحث تجديد الخطاب الثقافي في القاهرة

بمشاركة أكثر من 130 باحثًا من 17 دولة عربية وأوروبية

ملتقى دولي يبحث تجديد الخطاب الثقافي في القاهرة
TT

ملتقى دولي يبحث تجديد الخطاب الثقافي في القاهرة

ملتقى دولي يبحث تجديد الخطاب الثقافي في القاهرة

في محاولة للبحث عن خطاب ثقافي أكثر تعددية وتسامحا، وتشخيص العلل والمعضلات الثقافية والبحث عن مخرج من الأزمات السوسيوثقافية، انطلقت أمس الأحد، فعاليات الدورة الأولى للملتقى الدولي لـ«تجديد الخطاب الثقافي»، التي تنعقد في الفترة من 29 إلى 31 مايو (أيار) بالمجلس الأعلى للثقافة بدار الأوبرا المصرية.
افتتح الملتقى وزير الثقافة المصري حلمي النمنم، والدكتورة أمل الصبان الأمين العام للمجلس الأعلى للثقافة، بحضور عدد كبير من المثقفين والكتاب والإعلاميين والفنانين، حيث اكتظت القاعة عن آخرها بالحضور. وتستمر فعاليات الملتقى على مدار ثلاثة أيام، بمشاركة أكثر من 130 مشاركا من 17 دولة عربية وأوروبية يبحثون سبل وأساليب تجديد الخطاب الثقافي بكل أركانه. من بين الدول المشاركة: السعودية، والأردن، وفلسطين، وسلطنة عمان، والعراق، وسوريا، والجزائر، والمغرب، وتونس، وليبيا، وألبانيا، وكوسوفو، وفرنسا، وبريطانيا، ومصر، ولبنان، وبلجيكا، والسودان، واليمن.
وألقى كلمة المشاركين العرب والأجانب، الدكتور عز الدين ميهوبي وزير الثقافة الجزائري، التي تناول فيها محاور الملتقى كافة، وعرج فيها على كل الأزمات الثقافية التي تعاني منها المجتمعات العربية خصوصا في ظل الأزمات السياسية الراهنة، مشددا على أهمية علاقة المثقف بالسلطة، قائلا: «دور المثقف في العالم العربي، أن يقف في صفوف المعارضة بهدف البحث عما هو أفضل، لكن عليه ألا ينسى واجباته من سعي للتغير السلمي، وإعلاء مصلحة الوطن فوق المصالح الفردية، وهو للأسف ما لاحظته خلال ما مر به العالم العربي من أحداث مؤسفة، علينا أن نعيد ترتيب ذاتنا الثقافية والحضارية لكي تساعدنا في الخروج من الموقف المتفرج ومن وضع الناقد الساخط لتسمح لنا جميعا بالانخراط والتجاوب والتفاعل مع المنجز البشري في مختلف المعارف الثقافية والفنية والأدبية».
وانتقد ميهوبي الخطاب الثقافي السائد في العالم العربي، مسلطا الضوء على مشكلة تهميش القاموس اللغوي العربي، قائلا: «إننا في العالم العربي نعيش بين لغتين، لغة هجينة وأخرى سجينة، ولا نستعمل لغتنا العربية إلا في دائرة الفاعل والمفعول به، رغم ثراء القاموس اللغوي، حيث يضم أكثر من 12 مليون كلمة ومرادفة». وشدد على مشكلة الأمية التي باتت تعني «الجهل بأدوات التعامل مع التكنولوجيا ووسائطها».
كما ألقت الدكتورة إلهام كلاب، رئيسة حلقة الحوار الثقافي في بيروت، كلمة أشارت فيها إلى الدور المصري اللبناني في التنوير العربي، ورفد النهضة العربية منذ بدايات القرن التاسع عشر، مشددة على دور المثقفين في مواجهة أهوال المرحلة التاريخية القاتمة وأزماتها، قائلة: «الحروب تبدأ في العقول أولا.. نحن نعيش عصر ثقافة القوة وثقافة التمييز والإلغاء والتهميش.. نستبطن في ثناياها الإرهاب والموت». وأضافت: «علينا إعلاء الحكمة والإبداع ومعرفة كيفية مخاطبة العالم خطابا تفاعليا يحتفي بالآخر، مع تجديد الرؤية للتراث في عصر العولمة».
وتطرقت الدكتورة أمل الصبان، رئيس المجلس الأعلى للثقافة، في كلمتها لمشكلة ثقافية جوهرية تمس عزلة المثقف عن مجتمعه، قائلة: «الثقافة ليست حكرًا على المثقفين وربما كانت هذه إحدى المشكلات الثقافية في مجتمعنا العربي اليوم، لأن الثقافة للجميع في كل المجتمعات الحية المنتجة للمعرفة. ودعونا نعترف بأن المثقف في مجتمعنا العربي اليوم يعاني نوعًا من العزلة وحالة من الانفصال الشعوري والوجداني مع بقية فئات المجتمع. وهذه المشكلة يقع عبء علاجها على المثقف نفسه». وأضافت متسائلة: «إن رفاعة الطهطاوي ومحمد عبده وطه حسين والعقاد ومحمود مختار وعلي مصطفى مشرّفة وحسن فتحي وغيرهم من رموز الثقافة في مجتمعاتنا العربية في عقود سابقة كانوا أقرب إلى فئات المجتمع وأكثر قدرة على التواصل معها والتأثير فيها، بخلاف ما هو حادث مع رموز الثقافة اليوم. هل يرجع ذلك إلى اختلاف مرجعيات مثقف اليوم عن مرجعية مثقف الأمس؟ هل المثقف العربي اليوم يفتقر إلى الأسس الفلسفية لبناء منظومة ثقافية متكاملة وفاعلة؟».
وعن أسباب اختيار تجديد الخطاب الثقافي عنوانا للملتقى الدولي، أشار وزير الثقافة المصري حلمي النمنم، في كلمته إلى أن «التصور الأول للملتقى كان لتجديد الخطاب الديني، ومن ثم فكرنا أن الخطاب الديني هو جزء من المكون الثقافي للشعوب العربية، وبالتالي فإن الهدف من عقد هذا الملتقى تمثل في البحث عن حلول لما نعيشه في عالمنا العربي من أزمات. فحتى الآن الأزمة الكبرى في عالمنا العربي (القضية الفلسطينية)، لكن للأسف كبرنا وهرمنا ولم تحل القضية الفلسطينية، ثم توالت الأزمات علينا في العالم العربي، ومنها أزمة الأجنبي القادم لنا بالحرية مثلما حدث في العراق، ولم تأت الحرية»، مضيفا: «التجديد يثير تساؤلا إلى أي حد وبأي معنى؟ وهل يشمل الظاهر فقط أم ينغمس في الأعماق؟ وهل هناك خطاب ثقافي واحد أم هناك خطابات متعددة؟ والثقافة ذاتها بأي معنى نفهمها؟ ونحن نتطلع إلى تساؤلات وإجابات وتوصيات المفكرين والمثقفين».
ومن أبرز المشاركين في المؤتمر: الزميل ربعي المدهون، الذي لقي احتفاء خاصا به بمناسبة فوزه بجائزة البوكر هذا العام، كما يشارك الروائي الجزائري واسيني الأعرج، والشاعر السيد حجاب، والمفكر الدكتور فيصل دراج، و الدكتور سعيد اللاوندي، وسعود قبيلات، ويوسف القعيد، وأنور مغيث، وعبد الرحيم العلام، وخالد عزب، وشريف الجيار، وعمار علي حسن، وفتحي أبو عيانة، والمخرج خالد يوسف، والفنان محمود حميدة، وغيرهم.
يتضمن الملتقى عددا من المحاور الرئيسية المهمة، منها: مناقشة تجديد الخطاب الثقافي، والصناعات الثقافية الإبداعية، وتجديد الخطاب الروائي.. الضرورة والفن، وأزمة الثقافة من أزمة التعليم، وإصلاح الثقافة بوابة لإصلاح المجتمع، والثقافة والمستقبل في السياق العربي الإفريقي، وتشريعات ينتظرها المثقفون من البرلمان، وحقوق المواطن الثقافية والعلمية، والثقافة والتعليم، والثقافة والمجتمع، والحاجة إلى تجديد منظومة القيم الثقافية، ودور المجتمع المدني في تجديد الخطاب الثقافي، وتعلم الإبداع وتعليمه، والفن، والثقافة، والأمن القومي، وإدارة العمل الثقافي وإشكالياته ودور التكنولوجيا في تجديد الخطاب الثقافي. كما ينظم الملتقى ثلاث ورش عمل وهي: آليات تجديد الخطاب الثقافي، وتسويق المنتج الثقافي، والشباب وتجديد الخطاب الثقافي.
ويصاحب الملتقى إقامة معرض بعنوان «الأصالة والمعاصرة»، يتضمن نماذج من الصناعات الثقافية مثل مشغولات الحلي والسجاد اليدوي والخيامية، بالإضافة إلى معرض للكتاب.



ستيف بركات لـ«الشرق الأوسط»: أصولي اللبنانية تتردّد أبداً في صدى موسيقاي

عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية     -   ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)
عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية - ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)
TT

ستيف بركات لـ«الشرق الأوسط»: أصولي اللبنانية تتردّد أبداً في صدى موسيقاي

عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية     -   ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)
عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية - ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)

ستيف بركات عازف بيانو كندي من أصل لبناني، ينتج ويغنّي ويلحّن. لفحه حنين للجذور جرّه إلى إصدار مقطوعة «أرض الأجداد» (Motherland) أخيراً. فهو اكتشف لبنان في وقت لاحق من حياته، وينسب حبّه له إلى «خيارات مدروسة وواعية» متجذرة في رحلته. من اكتسابه فهماً متيناً لهويته وتعبيره عن الامتنان لما منحه إياه الإرث من عمق يتردّد صداه كل يوم، تحاوره «الشرق الأوسط» في أصله الإنساني المنساب على النوتة، وما أضفاه إحساسه الدفين بالصلة مع أسلافه من فرادة فنية.
غرست عائلته في داخله مجموعة قيم غنية استقتها من جذورها، رغم أنه مولود في كندا: «شكلت هذه القيم جزءاً من حياتي منذ الطفولة، ولو لم أدركها بوعي في سنّ مبكرة. خلال زيارتي الأولى إلى لبنان في عام 2008. شعرتُ بلهفة الانتماء وبمدى ارتباطي بجذوري. عندها أدركتُ تماماً أنّ جوانب عدة من شخصيتي تأثرت بأصولي اللبنانية».
بين كوبنهاغن وسيول وبلغراد، وصولاً إلى قاعة «كارنيغي» الشهيرة في نيويورك التي قدّم فيها حفلاً للمرة الأولى، يخوض ستيف بركات جولة عالمية طوال العام الحالي، تشمل أيضاً إسبانيا والصين والبرتغال وكوريا الجنوبية واليابان... يتحدث عن «طبيعة الأداء الفردي (Solo) التي تتيح حرية التكيّف مع كل حفل موسيقي وتشكيله بخصوصية. فالجولات تفسح المجال للتواصل مع أشخاص من ثقافات متنوعة والغوص في حضارة البلدان المضيفة وتعلّم إدراك جوهرها، مما يؤثر في المقاربة الموسيقية والفلسفية لكل أمسية».
يتوقف عند ما يمثله العزف على آلات البيانو المختلفة في قاعات العالم من تحدٍ مثير: «أكرّس اهتماماً كبيراً لأن تلائم طريقة عزفي ضمانَ أفضل تجربة فنية ممكنة للجمهور. للقدرة على التكيّف والاستجابة ضمن البيئات المتنوّعة دور حيوي في إنشاء تجربة موسيقية خاصة لا تُنسى. إنني ممتنّ لخيار الجمهور حضور حفلاتي، وهذا امتياز حقيقي لكل فنان. فهم يمنحونني بعضاً من وقتهم الثمين رغم تعدّد ملاهي الحياة».
كيف يستعد ستيف بركات لحفلاته؟ هل يقسو عليه القلق ويصيبه التوتر بإرباك؟ يجيب: «أولويتي هي أن يشعر الحاضر باحتضان دافئ ضمن العالم الموسيقي الذي أقدّمه. أسعى إلى خلق جو تفاعلي بحيث لا يكون مجرد متفرج بل ضيف عزيز. بالإضافة إلى الجانب الموسيقي، أعمل بحرص على تنمية الشعور بالصداقة الحميمة بين الفنان والمتلقي. يستحق الناس أن يلمسوا إحساساً حقيقياً بالضيافة والاستقبال». ويعلّق أهمية على إدارة مستويات التوتّر لديه وضمان الحصول على قسط كافٍ من الراحة: «أراعي ضرورة أن أكون مستعداً تماماً ولائقاً بدنياً من أجل المسرح. في النهاية، الحفلات الموسيقية هي تجارب تتطلب مجهوداً جسدياً وعاطفياً لا تكتمل من دونه».
عزف أناشيد نالت مكانة، منها نشيد «اليونيسف» الذي أُطلق من محطة الفضاء الدولية عام 2009 ونال جائزة. ولأنه ملحّن، يتمسّك بالقوة الهائلة للموسيقى لغة عالمية تنقل الرسائل والقيم. لذا حظيت مسيرته بفرص إنشاء مشروعات موسيقية لعلامات تجارية ومؤسسات ومدن؛ ومعاينة تأثير الموسيقى في محاكاة الجمهور على مستوى عاطفي عميق. يصف تأليف نشيد «اليونيسف» بـ«النقطة البارزة في رحلتي»، ويتابع: «التجربة عزّزت رغبتي في التفاني والاستفادة من الموسيقى وسيلة للتواصل ومتابعة الطريق».
تبلغ شراكته مع «يونيفرسال ميوزيك مينا» أوجها بنجاحات وأرقام مشاهدة عالية. هل يؤمن بركات بأن النجاح وليد تربة صالحة مكوّنة من جميع عناصرها، وأنّ الفنان لا يحلّق وحده؟ برأيه: «يمتد جوهر الموسيقى إلى ما وراء الألحان والتناغم، ليكمن في القدرة على تكوين روابط. فالنغمات تمتلك طاقة مذهلة تقرّب الثقافات وتوحّد البشر». ويدرك أيضاً أنّ تنفيذ المشاريع والمشاركة فيها قد يكونان بمثابة وسيلة قوية لتعزيز الروابط السلمية بين الأفراد والدول: «فالثقة والاهتمام الحقيقي بمصالح الآخرين يشكلان أسس العلاقات الدائمة، كما يوفر الانخراط في مشاريع تعاونية خطوات نحو عالم أفضل يسود فيه الانسجام والتفاهم».
بحماسة أطفال عشية الأعياد، يكشف عن حضوره إلى المنطقة العربية خلال نوفمبر (تشرين الثاني) المقبل: «يسعدني الوجود في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا كجزء من جولة (Néoréalité) العالمية. إنني في مرحلة وضع اللمسات الأخيرة على التفاصيل والتواريخ لنعلن عنها قريباً. تملؤني غبطة تقديم موسيقاي في هذا الحيّز النابض بالحياة والغني ثقافياً، وأتحرّق شوقاً لمشاركة شغفي وفني مع ناسه وإقامة روابط قوامها لغة الموسيقى العالمية».
منذ إطلاق ألبومه «أرض الأجداد»، وهو يراقب جمهوراً متنوعاً من الشرق الأوسط يتفاعل مع فنه. ومن ملاحظته تزايُد الاهتمام العربي بالبيانو وتعلّق المواهب به في رحلاتهم الموسيقية، يُراكم بركات إلهاماً يقوده نحو الامتنان لـ«إتاحة الفرصة لي للمساهمة في المشهد الموسيقي المزدهر في الشرق الأوسط وخارجه».
تشغله هالة الثقافات والتجارب، وهو يجلس أمام 88 مفتاحاً بالأبيض والأسود على المسارح: «إنها تولّد إحساساً بالعودة إلى الوطن، مما يوفر ألفة مريحة تسمح لي بتكثيف مشاعري والتواصل بعمق مع الموسيقى التي أهديها إلى العالم».