المجلس النرويجي للاجئين: أكثر من 50 ألف مدني عالقون في الفلوجة

114 أسرة فرت من حصار «داعش» وقصف الميليشيات الشيعية

عائلات عراقية استطاعت الخروج من الفلوجة أمس إلى مخيمات المجلس النرويجي للاجئين («الشرق الأوسط»)
عائلات عراقية استطاعت الخروج من الفلوجة أمس إلى مخيمات المجلس النرويجي للاجئين («الشرق الأوسط»)
TT

المجلس النرويجي للاجئين: أكثر من 50 ألف مدني عالقون في الفلوجة

عائلات عراقية استطاعت الخروج من الفلوجة أمس إلى مخيمات المجلس النرويجي للاجئين («الشرق الأوسط»)
عائلات عراقية استطاعت الخروج من الفلوجة أمس إلى مخيمات المجلس النرويجي للاجئين («الشرق الأوسط»)

بعد مطالبة رئيس ائتلاف دولة القانون نوري المالكي عناصر ميليشيات «الحشد الشعبي» المشاركة في عملية استعادة الفلوجة، بزيادة زخم العملية العسكرية وتكثيف القصف العشوائي العنيف عليها، ضاربًا بسلامة المدنيين عرض الحائط، تعالت أصوات المنظمات الدولية معبرة عن قلقها بشأن الأهالي. ومع تقدمهم نحو المدينة المحاصرة، أطلقت الأمم المتحدة واللجنة الدولية للصليب الأحمر نداءات عاجلة لإنقاذ المدنيين وفتح ممرات إنسانية آمنة لهم.
وفي تقرير جديد أصدره المجلس النرويجي للاجئين في العراق، عن الأوضاع في الفلوجة، قدّر أنّ أكثر من 114 أسرة تمكّنت من الفرار، فيما لا يزال أكثر من 50 ألف مدني عالقين داخلها. وحسب التقرير، فقد وصل أول من أمس من ضواحي الفلوجة، نحو 36 أسرة إلى أماكن آمنة، وهم في حالة خوف وصدمة بسبب القصف والاشتباكات العنيفة الدائرة هناك.
وتشير تقارير أولية من داخل الفلوجة، إلى أن نحو نصف السكان تقريبًا نزحوا باتجاه حي الأزركية، هربًا من قذائف المدفعية، وأنهم هم يعانون من ظروف سيئة جدًا ووضع مزر ويسعون جاهدين إلى الخروج بأمان.
وفي حديث هاتفي أجرته «الشرق الأوسط» مع إلياس أبو عطا، المنسّق الإقليمي للإعلام في المجلس النرويجي للاجئين في الشرق الأوسط، بالأردن، قال: «استطاعت عائلة واحدة فقط هذا الأسبوع الفرار من داخل الفلوجة. أمّا العائلة الثانية التي وصلت من ضواحي المدينة وفرّ أفرادها ليلاً، حفاة، فقد سلكت طرقات كثيرة». وأضاف أنه «من المستحيل حاليًا بسبب عمليات القصف المكثّفة، إرسال مساعدين لمحاولة إخراج المدنيين من الداخل، خصوصًا أن الطرقات المؤدية إلى الفلوجة خطيرة جدًا». وأوضح أنّه «من المتعذّر الآن إخراج المدنيين المحاصرين في المدينة؛ إذ ليس هناك من تواصل مع أطراف الاشتباكات»، وقال إنّهم أصدروا بيانًا ناشدوا فيه جميع الأطراف إفساح المجال لخروج المدنيين.
وعن وجود مخاوف من خروج متطرفين من داخل الفلوجة إلى المخيم، قال: «الأهالي على رأس أولوياتنا، ومن المعروف أن الجميع يخضعون للتفتيش، وقوات الأمن هي المسؤولة عن هذه العملية».
ويزداد الوضع الإنساني سوءًا جراء الاضطرابات، ونقص المواد الغذائية، وفقدان الأدوية، وانقطاع التيار الكهربائي. ومن الصعب حاليًا؛ بل من المستحيل، التحدث عن عملية تقييم للوضع في الداخل، بسبب عدم القدرة على الوصول إلى السكان، وسوء وسائل الاتصال التي تكاد تكون منعدمة. ولا تزال عمليات القتال تتصاعد، وما من طريق آمن ليسلكه المدنيون المحاصرون في الفلوجة التي تخضع الآن لهجمات من ثلاثة محاور مختلفة؛ الشرق والجنوب والغرب.
وتحدث بعض الأهالي الفارين عن مصرع أب وابنه، بعدما داس الأب على عبوة ناسفة أثناء فرارهما من ضواحي الفلوجة أمس. وقد أصيب أفراد من أسرتهما بجروح ويتلقون المساعدة الطبية في مستشفى عامرية الفلوجة. فيما تستمر فرق المجلس النرويجي للاجئين في العمل على مدار الساعة، على أرض الميدان في عامرية الفلوجة، لاستقبال النازحين الجدد وتوفير المساعدات لهم من أكل ومياه شرب نظيفة وأدوات التنظيف الصحية.
وفي هذا الصدد، يقول نصر مفلحي، المدير القطري للمجلس النرويجي للاجئين في العراق: «إن القصص التي نسمعها عن الفرار من الفلوجة مروعة جدا؛ إذ يحدثنا من تمكنوا من الهرب عن فقر مدقع وجوع شديد يضرب المكان، فيما لا نستطيع التأكد من هذه المسألة لأننا عاجزون عن الدخول إلى المدينة، وبالتالي لا نستطيع مساعدة سكان الفلوجة المحاصرين منذ أشهر، ولا نعلم إلى أي مدى وصلت الكارثة الإنسانية.. فلا طريق آمنًا لخروج الأهالي». وأكد ضرورة إنقاذ السكان من الداخل، «بعد أن تضمن الأطراف المتنازعة خروجهم إلى بر الأمان بسلام»، مشيرًا إلى أنّ الأمر لن يكون ممكنًا مع تواصل القتال.
وكانت بكي بكر عبد الله، منسقة الإعلام لدى المجلس النرويجي للاجئين في العراق، زارت مخيم عامرية الفلوجة للنازحين؛ حيث جاءت ببعض الأسر الفارة من الفلوجة في سعيها للبحث عن ملجأ آمن ولتلقي المساعدات. وتقول بكي: «أخبرتني امرأة بأنها فرت مع أعضاء أسرتها ليلاً، وقد خلعوا أحذيتهم حذرًا، ثمّ اختبأوا في أنابيب الصرف، قبل التوجه ركضًا إلى الحدود رافعين رايات بيضاء من قماش».
وكان «مركز جنيف الدولي للعدالة» أصدر بيانا أول من أمس حذر فيه من «عمليات تصفية وإبادة قد يتعرض لها المدنيون في الفلوجة، لا سيما بعد تضييق الخناق عليها، وإصرار الميليشيات الشيعية المتطرف على المشاركة إلى جانب القوات العراقية الرسمية».



«موسم أمطار غزيرة» و«انهيارات صخرية» يهددان حياة اليمنيين وأمنهم الغذائي

الأمطار الغزيرة منعت استكمال صيانة طريق هيجة العبد الحيوية بين مدينة تعز المحاصرة وباقي البلاد (إكس)
الأمطار الغزيرة منعت استكمال صيانة طريق هيجة العبد الحيوية بين مدينة تعز المحاصرة وباقي البلاد (إكس)
TT

«موسم أمطار غزيرة» و«انهيارات صخرية» يهددان حياة اليمنيين وأمنهم الغذائي

الأمطار الغزيرة منعت استكمال صيانة طريق هيجة العبد الحيوية بين مدينة تعز المحاصرة وباقي البلاد (إكس)
الأمطار الغزيرة منعت استكمال صيانة طريق هيجة العبد الحيوية بين مدينة تعز المحاصرة وباقي البلاد (إكس)

تشهد أجزاء واسعة من اليمن هطول أمطار غزيرة مع اقتراب فصل الشتاء وانخفاض درجة الحرارة، متسببة في انهيارات طينية وصخرية تهدد حياة السكان وتلحق الأضرار بالممتلكات والأراضي، في حين لم تتجاوز البلاد آثار فيضانات الصيف الماضي التي ترصد تقارير دولية آثارها الكارثية.

وتسببت الأمطار الأخيرة المستمرة لمدد طويلة، والمصحوبة بضباب كثيف وغيوم منخفضة، في انهيارات صخرية أغلقت عدداً من الطرق، في حين أوقع انهيار صخري، ناجم عن تأثيرات أمطار الصيف الماضي، ضحايا وتسبب في تدمير منازل بمنطقة ريفية شمال غربي البلاد.

وعطلت الانهيارات الصخرية في مديرية المقاطرة التابعة لمحافظة لحج (جنوبي غرب) استمرار العمل في تحسين وصيانة طريق هيجة العبد التي تربط محافظة تعز المجاورة بباقي محافظات البلاد، بعد أن أغلقت الجماعة الحوثية بقية الطرق المؤدية إليها منذ نحو 10 أعوام، وتسببت تلك الأمطار والانهيارات في إيقاف حركة المرور على الطريق الفرعية.

أمطار غزيرة بمحافظة لحج تلحق أضراراً بالطريق الوحيدة التي تخفف الحصار عن مدينة تعز (إكس)

ويواجه السائقون والمسافرون مخاطر شديدة بسبب هذه الأمطار، تضاف إلى مخاطر أخرى، مما أدى إلى صعوبة التنقل.

ودعت السلطات المحلية في المحافظة السائقين والمسافرين إلى توخي الحذر الشديد في الطرق الجبلية والمنحدرات المعرضة للانهيارات الطينية والصخرية والانجرافات، وتجنب المجازفة بعبور الوديان ومسارات السيول المغمورة بالمياه.

وكان انهيار صخري في مديرية الطويلة، التابعة لمحافظة المحويت (شمالي غرب)، أدى إلى مقتل 8 أشخاص، وإصابة 3 آخرين، بعد سقوط كتلة صخرية هائلة كانت مائلة بشدة فوق منزل بُني أسفلها.

وتزداد الانهيارات الصخرية في المناطق التي تتكون من الصخور الرسوبية الطبقية عندما يصل وضع الكتل الصخرية المائلة إلى درجة حرجة، وفق الباحث اليمني في الجيمورفولوجيا الحضرية (علم شكل الأرض)، أنس مانع، الذي يشير إلى أن جفاف التربة في الطبقات الطينية الغروية أسفل الكتل المنحدرة يؤدي إلى اختلال توازن الكتل الصخرية، وزيادة ميلانها.

ويوضح مانع لـ«الشرق الأوسط» أن الأمطار الغزيرة بعد مواسم الجفاف تؤدي إلى تشبع التربة الجافة، حيث تتضخم حبيباتها وتبدأ في زحزحة الكتل الصخرية، أو يغير الجفاف من تموضع الصخور، وتأتي الأمطار لتكمل ذلك التغيير.

انهيار صخري بمحافظة المحويت بسبب أمطار الصيف الماضي يودي بحياة 8 يمنيين (إكس)

وينبه الباحث اليمني إلى خطر يحدق بغالبية القرى اليمنية، ويقول إنها عرضة لخطر الانهيارات الصخرية بسبب الأمطار أو الزلازل، خصوصاً منها تلك الواقعة على خط الصدع العام الممتد من حمام علي في محافظة ذمار (100 كيلومتر جنوب صنعاء)، وحتى ساحل البحر الأحمر غرباً.

استمرار تأثير الفيضانات

تواصل الأمطار هطولها على أجزاء واسعة من البلاد رغم انتهاء فصل الصيف الذي يعدّ موسم الأمطار الرئيسي، وشهد هذا العام أمطاراً غير مسبوقة تسببت في فيضانات شديدة أدت إلى دمار المنازل والبنية التحتية ونزوح السكان.

وطبقاً لـ«الاتحاد الدولي لجمعيات الصليب الأحمر والهلال الأحمر»، فإن اليمن شهد خلال هذا العام موسمين رئيسيين للأمطار، الأول في أبريل (نيسان) ومايو (أيار)، والثاني بدأ في يوليو (تموز) إلى نهاية سبتمبر (أيلول)، و«كانا مدمرَين، بسبب أنماط الطقس غير العادية والأمطار الغزيرة المستمرة في جميع أنحاء البلاد».

ووفقاً للتقييمات الأولية التي أجرتها «جمعية الهلال الأحمر اليمني»؛ فقد تأثر 655 ألفاً و11 شخصاً، ينتمون إلى 93 ألفاً و573 عائلة بالأمطار الغزيرة والفيضانات التي ضربت البلاد أخيراً، ما أسفر عن مقتل 240 شخصاً، وإصابة 635 آخرين، في 20 محافظة من أصل 22.

فيضانات الصيف الماضي ألحقت دماراً هائلاً بالبنية التحتية في عدد من محافظات اليمن (أ.ب)

وألحقت الأمطار أضراراً جسيمة بمواقع السكان والنازحين داخلياً ومنازلهم وملاجئهم المؤقتة والبنية التحتية، مما أثر على آلاف الأسر، وكثير منهم كانوا نازحين لسنوات، حيث أبلغت «المجموعة الوطنية للمأوى والمواد غير الغذائية» في اليمن، عن تضرر 34 ألفاً و709 من المآوي، بينها 12 ألفاً و837 تضررت جزئياً، و21 ألفاً و872 تضررت بالكامل.

ونقل التقرير عن «المنظمة الدولية للهجرة» أن الفيضانات ألحقت أضراراً بالبنية التحتية الحيوية، بما في ذلك تدمير الأنظمة الكهربائية، مما أدى إلى انقطاع التيار الكهربائي وتعطيل تقديم الرعاية الصحية، وتسبب في تدمير الملاجئ، وتلوث مصادر المياه، وخلق حالة طوارئ صحية، وفاقم التحديات التي يواجهها النازحون.

تهديد الأمن الغذائي

وتعدّ الأراضي الزراعية في محافظة الحديدة الأعلى تضرراً بـ77 ألفاً و362 هكتاراً، ثم محافظة حجة بـ20 ألفاً و717 هكتاراً، وهو ما يعادل نحو 12 و9 في المائة على التوالي من إجمالي الأراضي الزراعية، بينما تأثر نحو 279 ألف رأس من الأغنام والماعز، وفقاً لتقييم «منظمة الأغذية والزراعة (فاو)».

شتاء قاسٍ ينتظر النازحين اليمنيين مع نقص الموارد والمعونات وتأثيرات المناخ القاسية (غيتي)

وكانت الحديدة وحجة والجوف الأعلى تضرراً، وهي من المحافظات الأكبر إنتاجاً للماشية، خصوصاً في الجوف، التي يعتمد نحو 20 في المائة من عائلاتها على الماشية بوصفها مصدر دخل أساسياً.

وتوقع «الاتحاد» أن العائلات الأعلى تضرراً من الفيضانات في كل من المناطق الرعوية والزراعية الرعوية غير قادرة على تلبية احتياجاتها الغذائية الدنيا في غياب المساعدة، مما يؤدي إلى ازدياد مخاطر انعدام الأمن الغذائي خلال الأشهر المقبلة.

وتشمل الاحتياجات الحرجة والعاجلة في المناطق المتضررة من الفيضانات؛ المأوى الطارئ، والغذاء، والمواد غير الغذائية، والمياه، والصرف الصحي، والملابس، والحماية، والمساعدات النقدية متعددة الأغراض، والإمدادات الطبية لضمان استمرارية وظائف مرافق الرعاية الصحية.

ودعت «مفوضية الأمم المتحدة السامية لشؤون اللاجئين» إلى التحرك العالمي، والعمل على تخفيف آثار تغير المناخ بالتزامن مع انعقاد «مؤتمر المناخ»، مقدرة أعداد المتضررين من الفيضانات في اليمن خلال العام الحالي بنحو 700 ألف.

وسبق للحكومة اليمنية الإعلان عن أن الفيضانات والسيول، التي شهدتها البلاد هذا العام، أثرت على 30 في المائة من الأراضي الزراعية.