القوات الإيرانية قد تواجه اتهامات بجرائم المرتزقة

وجودها في سوريا لا يتمتع بأي تغطية قانونية دولية

رجال من سكان داريا المحاصرة جنوب غربي العاصمة السورية يجلسون قرب أبنية دمرها قصف النظام (أ.ف.ب)
رجال من سكان داريا المحاصرة جنوب غربي العاصمة السورية يجلسون قرب أبنية دمرها قصف النظام (أ.ف.ب)
TT

القوات الإيرانية قد تواجه اتهامات بجرائم المرتزقة

رجال من سكان داريا المحاصرة جنوب غربي العاصمة السورية يجلسون قرب أبنية دمرها قصف النظام (أ.ف.ب)
رجال من سكان داريا المحاصرة جنوب غربي العاصمة السورية يجلسون قرب أبنية دمرها قصف النظام (أ.ف.ب)

قال الجنرال محسن كاظميني، قائد قوات الحرس الثوري الإيراني في طهران، مؤخرا :«علينا أن نلقي نظرة فاحصة على دورنا الذي نقوم به في الحرب السورية. لقد دخلنا هذه الحرب من أجل إبعاد الأعداء عن حدودنا». والمعنى الجوهري في تصريحات الجنرال كاظميني، التي أدلى بها الثلاثاء الماضي، هو اعترافه الصريح بالدور النشيط الذي تضطلع به الجمهورية الإسلامية في الحرب السورية من خلال المقاتلين بدلا من مجرد «المستشارين العسكريين» كما كانت طهران تزعم حتى وقت قريب.
يوم الخميس الماضي على سبيل المثال، صرح القائد السابق لقوات الحرس الثوري الإيراني، الجنرال محسن رضائي، خلال مقابلة تلفزيونية أجريت في طهران، أن سوريا طالبت مرارا وتكرارا من إيران إرسال القوات العسكرية للمشاركة في الحرب. وعلق الجنرال حول ذلك: «أخبرنا الجانب السوري بأنه ليس بإمكاننا إرسال الجنود. ولكن يمكننا إرسال المستشارين العسكريين». وعلى العكس من ذلك، زعم الجنرال رضائي، أن الزعيم الكردي العراقي مسعود برزاني قد طلب من إيران التدخل بقوات عسكرية للحيلولة دون استيلاء «داعش» على مدينة أربيل. وكان تعليق الجنرال رضائي: «لقد أرسلنا القوات وأرغمنا (داعش) على الانسحاب وعدم دخول أربيل». ووفقا لأحد المحللين، فإن نظرة عامة على التصريحات المتضاربة من قبل القادة العسكريين والسياسيين الإيرانيين، تؤيد من دون شك رؤية الجنرال كاظميني بدلا من رؤية الجنرال رضائي، ألا وهي أن إيران تقاتل بصورة مباشرة في الحرب السورية.
يقول بهمن درابي، المحلل العسكري: «إذا كانت إيران ضالعة في القتال الجاري في سوريا، فإن السؤال سيكون على النحو التالي: بأي صفة تقاتلون هناك؟ هل بموجب القانون الدولي واتفاقيات جنيف؟ إذ إن هناك قواعد صارمة تتعلق بالقوات المشاركة في العمليات القتالية في الحروب». ومن دون وضعية واضحة وذات أساس قانوني راسخ، فقد ينتهي الأمر بالقوات الإيرانية في سوريا إلى أن ينسحب عليها توصيف «المرتزقة»، وبالتالي تُحرم من الحماية الدولية المنصوص عليها بالنسبة إلى المقاتلين النظاميين بموجب اتفاقيات جنيف.
ويُعرف المرتزقة في البروتوكول الأول من القاعدة 108 من اتفاقية جنيف، بأنهم المقاتلون الذين لا ينتمون إلى جنسية أي من الدول المشاركة في الحرب، ولا يقاتلون تحت راية أي دولة من الدول الأعضاء في الأمم المتحدة. وما لم يتم إدراجهم رسميا ضمن الوحدات العسكرية النظامية التابعة لإحدى الدول المشاركة في القتال، فسوف يتم اعتبارهم مقاتلين مستقلين ليس لهم الحق في اتخاذ وضعية المقاتلين أو أسرى الحرب. ومع ذلك، قد لا يسهل إدانتهم أو الحكم عليهم من دون محاكمة قضائية مسبقة.
يعاقب على أعمال المرتزقة وفقا لقوانين أي دولة تتمكن من اعتقالهم. ومع ذلك، فلقد سنت أغلب الدول الأعضاء في الأمم المتحدة قوانين منفصلة تتعلق بشأن المرتزقة، التي على الرغم من استنادها إلى القانون الدولي واتفاقيات جنيف تسمح بدرجة كبيرة من التفاوت حيال مجموعة كبيرة من المعاملات. ولا تحرم القوانين الوطنية، برغم ذلك، الأمم المتحدة من حق رفع الدعاوى القضائية فيما يتعلق بجرائم الحرب والجرائم ضد الإنسانية في حالة المقاتلين المرتزقة.
وجرى توضيح التعريف الأساسي الخاص بالمرتزقة بموجب اتفاقية جنيف وبمزيد من التفصيل من خلال البروتوكولات الإضافية الملحقة، التي أقرتها أغلبية الدول الأعضاء في الأمم المتحدة.
يقول درابي: «يتخذ القادة الإيرانيون المزيد من الحرص والحذر حتى لا تواجههم إمكانية أن ينتهي الأمر بقواتهم العسكرية كمرتزقة متهمين بارتكاب جرائم الحرب».
وتختلف التقديرات حول الوجود العسكري الإيراني في سوريا، ويزعم المعارضون للرئيس السوري بشار الأسد أن إيران لديها 80 ألف مقاتل في سوريا، ولكن وزير الخارجية الأميركي جون كيري يقدر العدد بـ3 آلاف فقط.
يمكن تقسيم القوات التي أرسلتها إيران للقتال في سوريا إلى فئتين كبيرتين، وتتألف الفئة الأول من القوات الإيرانية النظامية بما في ذلك قوات الحرس الثوري وفيلق القدس التابع لها، وقوات القبعات الخضراء الخاصة، وتعبئة المحرومين «الباسيج»، وكل من القوات البحرية النظامية والوحدات البحرية التابعة للحرس الثوري. وتقول أفضل التقديرات إن العدد الإجمالي لتلك الفئة يبلغ 15 ألف مقاتل عند بداية عام 2016. والمشكلة الكامنة لدى هذه القوات الإيرانية أن وجودهم في سوريا لا يتمتع بأي تغطية من أي اتفاقية لأوضاع القوات.
ولقد وقعت سوريا وجمهورية إيران الإسلامية بالفعل على اتفاقية للتعاون الدفاعي عام 2007 تلك التي تغطي مجموعة واسعة من القضايا من محادثات هيئات الأركان المشتركة إلى تبادل الاستخبارات وإمدادات الأسلحة والتدريبات. ومع ذلك، فإن تلك الاتفاقية لا تتضمن وجود القوات الإيرانية المسلحة على التراب السوري في سياق الحرب، فإن ذلك يستلزم إبرام اتفاقية وضعية القوات. ويزعم القادة في إيران أن قواتهم موجودة هناك بناء على دعوة وطلب من الحكومة السورية، وهذا مما يصعب تصوره.
والسبب هو أنه بموجب القانون الإيراني لا يُسمح لأي جندي من القوات المسلحة الإيرانية بالقتال تحت إمرة أي قائد عسكري أجنبي. وهو السبب وراء رفض إيران مشاركة الولايات المتحدة في الحروب التي شنتها الأخيرة في كوريا، ثم لاحقا في فيتنام. ولكن حتى تتمكن القوات الإيرانية في سوريا من تأمين هياكل القيادة والسيطرة الخاصة بها، لا بد من اعتبارها قوة احتلال للأراضي السورية، وهي الوضعية المقبولة بموجب القانون الدولي، أو أن تتم دعوتها من قبل الحكومة السورية في سياق اتفاقية وضعية القوات. ولكن حتى مع وجود اتفاقية وضعية القوات، فسوف تظل القوات الإيرانية خاضعة للقيادة الإيرانية فحسب.
وعلى الرغم من ذلك، إذا لم يتم تعريف وضعية القوات الإيرانية بوضوح فإنها تخاطر بأن ينتهي بها الأمر إلى أن توصف كقوات مرتزقة مع احتمال مواجهة الإجراءات بارتكاب جرائم الحرب؛ وحيث إنه لا وجود لوضح حد دائم للحالات التي تعد جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية، فإن أفراد القوات الإيرانية وقادتهم قد يواجهون تلك الإجراءات حتى نهاية حياتهم. والصورة الثانية من الوجود العسكري الإيراني في سوريا تتألف من المقاتلين الذين أرسلهم الفرع اللبناني من تنظيم «حزب الله» الشيعي، ويقدر عددهم بنحو 20 ألف مقاتل، بالإضافة إلى «المتطوعين للشهادة» من الأفغان، والباكستانيين، والعراقيين، وهم ينقسمون إلى ثلاثة أقسام. ويتألف القسم الأول من «الفاطميون»، وهم بالأساس من وحدات الهزارة الأفغانية التي بدأت في التكون كلواء عسكري يضم 6 آلاف مقاتل، ولكنه بلغ الآن مستوى الفرقة العسكرية؛ حيث يبلغ تعداده نحو 12 ألف مقاتل.
والقسم الثاني يتألف من «المدافعين عن الحريم»، وهم مزيج من الباكستانيين والإيرانيين والعرب وحتى من مقاتلي أميركا اللاتينية، ويبلغ تعداد المقاتلين ما يبلغه حجم الفرقة العسكرية.
وأخيرا، هناك الوحدة العراقية الجديدة، والمعروفة باسم «النجباء»، التي تشير إليها وسائل الإعلام الإيرانية بأنها إحدى كتائب المقاتلين البالغ عددهم ألفي مقاتل.
يزعم المقاتلون كافة من غير الإيرانيين ومن غير السوريين أنهم موجودون في سوريا لأسباب دينية وآيديولوجية، وقد يكون الأمر كذلك فعلا. ولكنهم جميعا يقتربون للغاية من التعريف الدولي للمرتزقة. فهم ليسوا من مواطني سوريا، وتم تجنيدهم بواسطة قوة أجنبية، ألا وهي إيران، ويتلقون رواتبهم وغيرها من المزايا المادية المختلفة في مقابل الخدمات العسكرية التي يقدمونها.
ويمكن لمقاتلي «حزب الله» اللبناني وغيرهم من المقاتلين الأفغان والباكستانيين والعراقيين التملص من التصنيف الدولي كقوات مرتزقة.



إرغام تربويين في صنعاء على تلقي برامج تعبئة طائفية

مسؤولون تربويون في صنعاء يخضعون لتعبئة حوثية (إعلام حوثي)
مسؤولون تربويون في صنعاء يخضعون لتعبئة حوثية (إعلام حوثي)
TT

إرغام تربويين في صنعاء على تلقي برامج تعبئة طائفية

مسؤولون تربويون في صنعاء يخضعون لتعبئة حوثية (إعلام حوثي)
مسؤولون تربويون في صنعاء يخضعون لتعبئة حوثية (إعلام حوثي)

أوقفت الجماعة الحوثية عشرات القادة والمسؤولين التربويين في العاصمة المختطفة صنعاء عن العمل، وأحالتهم إلى المحاسبة تمهيداً لفصلهم من وظائفهم، بعد أن وجّهت إليهم تهماً برفض حضور ما تُسمى «برامج تدريبية» تُقيمها حالياً في صنعاء وتركّز على الاستماع إلى سلسلة محاضرات لزعيمها عبد الملك الحوثي.

وفي سياق سعي الجماعة لتعطيل ما تبقى من مؤسسات الدولة تحت سيطرتها، تحدّثت مصادر تربوية في صنعاء لـ«الشرق الأوسط»، عن إرغام الجماعة أكثر من 50 مسؤولاً وقيادياً تربوياً يشملون وكلاء قطاعات ومديري عموم في وزارة التعليم الحوثية على الخضوع لبرامج تعبوية تستمر 12 يوماً.

ملايين الأطفال في مناطق سيطرة الحوثيين عُرضة لغسل الأدمغة (رويترز)

وبموجب التعليمات، ألزمت الجماعة القادة التربويين بحضور البرنامج، في حين اتخذت إجراءات عقابية ضد المتغيبين، وكذا المنسحبون من البرنامج بعد انتهاء يومه الأول، لعدم قناعتهم بما يتمّ بثّه من برامج وأفكار طائفية.

وكشفت المصادر عن إحالة الجماعة 12 مديراً عاماً ووكيل قطاع تربوي في صنعاء ومدن أخرى إلى التحقيق، قبل أن تتخذ قراراً بإيقافهم عن العمل، بحجة تخلفهم عن المشاركة في برنامجها التعبوي.

وجاء هذا الاستهداف تنفيذاً لتعليمات صادرة من زعيم الجماعة وبناء على مخرجات اجتماع ترأسه حسن الصعدي المعيّن وزيراً للتربية والتعليم والبحث العلمي بحكومة الانقلاب، وخرج بتوصيات تحض على إخضاع التربويين لبرامج تحت اسم «تدريبية» على ثلاث مراحل، تبدأ بالتعبئة الفكرية وتنتهي بالالتحاق بدورات عسكرية.

توسيع التطييف

تبرّر الجماعة الحوثية إجراءاتها بأنها رد على عدم استجابة التربويين للتعليمات، ومخالفتهم الصريحة لما تُسمّى مدونة «السلوك الوظيفي» التي فرضتها سابقاً على جميع المؤسسات تحت سيطرتها، وأرغمت الموظفين تحت الضغط والتهديد على التوقيع عليها.

وأثار السلوك الحوثي موجة غضب في أوساط القادة والعاملين التربويين في صنعاء، ووصف عدد منهم في حديثهم لـ«الشرق الأوسط»، ذلك التوجه بأنه «يندرج في إطار توسيع الجماعة من نشاطاتها الطائفية بصورة غير مسبوقة، ضمن مساعيها الرامية إلى تطييف ما تبقى من فئات المجتمع بمن فيهم العاملون في قطاع التعليم».

عناصر حوثيون يرددون هتافات الجماعة خلال تجمع في صنعاء (إ.ب.أ)

واشتكى تربويون في صنعاء، شاركوا مكرهين في البرامج الحوثية، من إلزامهم يومياً منذ انطلاق البرنامج بمرحلته الأولى، بالحضور للاستماع إلى محاضرات مسجلة لزعيم الجماعة، وتلقي دروس طائفية تحت إشراف معممين جرى استقدام بعضهم من صعدة حيث المعقل الرئيس للجماعة.

ويأتي تحرك الجماعة الحوثية لتعبئة ما تبقى من منتسبي قطاع التعليم فكرياً وعسكرياً، في وقت يتواصل فيه منذ سنوات حرمان عشرات الآلاف من المعلمين من الحصول على مرتباتهم، بحجة عدم توفر الإيرادات.

ويتحدث ماجد -وهو اسم مستعار لمسؤول تعليمي في صنعاء- لـ«الشرق الأوسط»، عن تعرضه وزملائه لضغوط كبيرة من قبل مشرفين حوثيين لإجبارهم بالقوة على المشاركة ضمن ما يسمونه «برنامجاً تدريبياً لمحاضرات زعيم الجماعة من دروس عهد الإمام علي عليه السلام لمالك الأشتر».

وأوضح المسؤول أن مصير الرافضين الانخراط في ذلك البرنامج هو التوقيف عن العمل والإحالة إلى التحقيق وربما الفصل الوظيفي والإيداع في السجون.

يُشار إلى أن الجماعة الانقلابية تركز جُل اهتمامها على الجانب التعبوي، عوضاً الجانب التعليمي وسط ما يعانيه قطاع التعليم العمومي من حالة انهيار وتدهور غير مسبوقة.