نتائج «كان» تعلن الليلة.. وغدًا تُقفل الأبواب

دورة من المتناقضات والتوقعات الصعبة

مشهد من الفيلم الكوري «الخادمة» - من فيلم «شيطان النيون»
مشهد من الفيلم الكوري «الخادمة» - من فيلم «شيطان النيون»
TT

نتائج «كان» تعلن الليلة.. وغدًا تُقفل الأبواب

مشهد من الفيلم الكوري «الخادمة» - من فيلم «شيطان النيون»
مشهد من الفيلم الكوري «الخادمة» - من فيلم «شيطان النيون»

بداية حفل توزيع الجوائز مساء هذا اليوم (الأحد) هي ذاتها ختام للدورة التاسعة والستين التي انطلقت في الحادي عشر من هذا الشهر حاوية الوعد بمفاجآت وتوقعات مختلفة، بعضها تحقق وبعضها الآخر مضى مع عرض آخر حفنة من الأفلام من دون تحقيق.
أن يبقى «كان» العيد الأول للسينما حول العالم، فإن ذلك أمر لا مفر منه. الفرنسيون يعرفون كيف يحافظون على مركزهم الأول بين المهرجانات الكبرى في أوروبا وحول العالم. يختارون الأفلام التي تبرق بنجومها ومخرجيها ويملأون الأيام بأفلام يتوق معظم الحضور لمشاهدتها ويفتحون سوقًا سينمائية زاخرة بالإنتاجات المختلفة خارج البرنامج الرسمي.
إنها ليست مجرد سوق يتم فيها فرش بضاعة كل مكتب رسمي أو مستقل بالأفلام المنجزة وبالمشاريع التي تحتاج إلى دعم مسبق، بل هو كناية عن مراكز عمل تلتقي تحت أسقفها إدارات تعمل بجهد على أن يعود الاشتراك عليها بفوائد إعلامية وعملية.
لكن «كان» ليس في المركز الأول بين مهرجانات العالم بسبب هذه الجهود، بل بسبب عناصر لا علاقة لها بالسينما ولا بأربابها. عناصر طبيعية التكوين يستفيد منها المهرجان عامًا بعد عام على نحو وثيق. نحو يلتحم فيه المهرجان بتلك العناصر بحيث، مع مرور الزمن، بات من الصعب التفريق بينهما إلا إذا ما توقف المرء وتمعن في المعطيات.
فقط، تصور - إذا شئت - لو أن مدينة كان كانت في بعض جبال المنطقة القريبة، أو في سهل إلى جنوب أو شمال باريس أو حتى في باريس ذاتها. إن فعلت سينبثق السؤال ملحًا: هل كنا سنحصل على مهرجان «كان» كما نعرفه اليوم؟
التقييم الإجمالي لنجاح مهرجان «كان» لا يستطيع إلغاء موقع إقامته ولا المحيط الطبيعي (جبال وبحر) أو المصطنع (المطاعم والملاهي ووسائل اللهو الأخرى) ولا أيضًا تاريخه العابق الذي نما باضطراد منذ أواخر الستينات وإلى اليوم.
* وحوش ضارية
هناك حسنات كثيرة في الاختيارات وأخرى سلبية. من ناحية يجمع «كان» في كل سنة بعض الأعمال التي لا يمكن تفويتها. لكن في الوقت ذاته يعرض مفاجآت مريبة.. أفلام يتساءل البعض عن كيف يمكن أن يكون هذا الفيلم قد تسلل لا إلى المهرجان فحسب، بل إلى مسابقته الرسمية الأولى.
واحد من أفلام هذه المجموعة عرض يوم أول من أمس بعنوان «شيطان النيون» The Neon Demon للدنماركي نيكولاس وندينغ رف الذي يجوب شريحة خاصة وضئيلة الحجم في عالم عرض الأزياء غير قادر على منحها صدى طبيعيًا واحدًا.
في تاريخ السينما كان هناك مخرج أميركي اسمه آل أدامسون صنع، في الستينات والسبعينات لحين وفاته بحادثة تماثل أحداث أفلامه، أعمال رعب بأجواء غريبة ورخيصة، لكن ميزته، بالمقارنة مع رف (تُلفظ Ref وتكتب Refn) هي أنها لم تكن تدعي غير المسرّة الحسية التي يحاول هذا المخرج الدنماركي إنجازها بحشد من المبادرات المفتعلة.
جيسي (إيل فانينغ) فتاة في السادسة عشرة من عمرها تعيش في مدينة باسادينا في كاليفورنيا في غرفة في «موتيل». اللقطة الأولى لها، وللفيلم أيضًا، هي تلك التي نراها فيها ملطّخة بالدم وقد جز عنقها وسال دمها على طول يدها اليمنى ليشكل بركة صغيرة تحت الكنبة التي استلقت عليها. يتبين أن صديقها طلب منها ذلك. ها هي تغسل التلوين الأحمر من يدها لكن ليس يدها اليمنى بل اليسرى! وستساعدها فتاة أكبر منها سنًا التي ستأخذها معها للتعرّف على فتاتين تشقان طريقهما في عالم عارضات الأزياء. لكن جيسي تفوز عليهما سريعًا. تملك شيئًا خاصّا ولو أنه غير مقنع في هذا النطاق وهو: البراءة!.
والدم الذي انتقل من يد إلى أخرى لأن المخرج وفنييه لم يقوموا بواجبهم على نحو صحيح، ليس الخطأ الوحيد في الفيلم، ولو أن باقي الأخطاء ليست من صنف ضعف المتابعة نفسه. ففي أحد المشاهد تعود جيسي إلى غرفتها (رقم 212) وحال فتحها الباب تجد أن الكهرباء مقطوعة. تلمح شيئًا فتهرع إلى مدير الفندق (كيانو ريفز، الممثل الوحيد في شكل طبيعي) هذا يأخذ أحد العمال المزوّد بعصا غليظة ويحاول فتح الباب بالمفتاح لكنه مغلق من الداخل فيكسره.. هناك يكتشفان وجود قطّة بريّة أو قطّة جبال، (وكلاهما من النوع المفترس غير الأليف). لا ندري كيف دخلت وكيف أطفأت الأنوار ولا كيف تسنى لها قفل الباب. الأهم لا ندري لماذا المشهد إن لم يكن خيالاً، وهو ليس كذلك.
الوحوش الضارية تحيط بجيسي كيفما اتجهت وبأشكال آدمية. الجميع، باستثناء ذلك الصديق الذي صوّرها في مطلع الفيلم (خصّه المخرج بلقطة فوقية قليلاً تجعلانه يبدو قريبًا من جاك نيكولسون في أحد لقطات «اللمعان»)، يريدونها ويكرهونها معًا. وفي النهاية تشترك المنافسات الثلاث بقتلها. هذا من بعد أن حاولت إحداهن معاشرتها لكن جيسي الأبية توقفها عند حدّها.
لا يكفي أن ما سبق هو شكل قصصي رديء الإيصال (كقطعة خشب إذا ما أوصلتها بالكهرباء) بل أن كل لقطة من الفيلم تقريبًا مصممة لأن تكون معالجة مركّزة لتفعيلات وتكوينات متكلّفة. الموسيقى المؤلفة من نشازات تؤدي غرضًا لحظويًا. السير بالسلوموشن. الكلام بلا أداء صوتي يصاحبه. والتمثيل الذي لا يكشف اختلاف أي من الشخصيات عن الأخرى ولا عن تصرّفات طبيعية من أي نوع.
* توقعات ملغومة
هناك أفلام أخرى لم تنجز المأمول منها لكن لا أحد يخفق في كل شيء في كل وقت كما هذا الفيلم. بالتالي، فإن التوقعات التي تنتشر هذه الأيام تميل إلى استثناء الفيلم من الجوائز، علما بأن «كان» أو سواه سبق له وأن منح اللحم لمن لا أسنان له. بكلمات أخرى، هناك سوابق تم فيها منح السعفة الذهبية لمن لم يستحق آخرها في العام الماضي عندما توجهت إلى «ديبان» لجاك أوديار الذي على حسنات محدودة لم يكن أفضل المعروض. كذلك الحال عندما تم منح «الأزرق هو اللون الأكثر دفئًا» لعبد اللطيف قشيش تلك السعفة في عام سابق.
كلا المثلين هو فرنسي وإذا بحثنا بين الأفلام الفرنسية عن فيلم جدير، وإلى حد، بنيل السعفة، فإن فيلم «الخليج المهجور» (أو «لا موت» كما عنوانه الآخر) هو الاختيار من وجهة نظر بعض النقاد. لكن من الممكن جدًّا أن ترى فيه لجنة التحكيم، التي يقودها الأسترالي جورج ميلر، إنجازًا غير كاف والتوجه بجائزتها الأولى إلى فيلم آخر.
«الخليج المهجور» أفضل الأفلام الفرنسية المعروضة هنا و«لفينغ» لجف دانيالز، أفضل الأفلام الأميركية لجانب «باترسون» لجيم جارموش. البريطاني «أنا دانيال بلايك» لكن لوتش أفضل الفيلمين البريطانيين اللذين عرضا (وهو عندي أفضل فيلم بين كل ما مر على الشاشة هنا). وهو إن لم يفز فقد يكون السبب ميل لجنة التحكيم لتكريم «توني إردمان»، الفيلم الألماني الكوميدي الذي حققته مارن أدي وخطف إعجاب الجمهور والنقاد أكثر من سواه.
التوقعات صعبة هذا العام لأن معظم ما تبقى من أفلام تتساوى في نجاحاتها وإخفاقاتها الفنية على نحو أو آخر. ليس هناك من تحفة لا يمكن إهمالها ولا إنجاز فني لا يمكن تجاوزه، بل الكثير من تلك المتوسطة بما فيها أفلام جمعها المهرجان من زبائنه الدائمين أمثال بدرو ألمودوفار («جولييتا») وأندريا أرنولد («عسل أميركي»).
هناك أيضًا الفيلمان الرومانيان «سييرانيفادا» لكريستي بييو و«بكالوريا» لكرستيان مانجو. كلاهما يطرحان طنًا من الاهتمامات اللفظية (أي تلك المعبّر عنها بالحوار) وأقل من ذلك من إنجاز فني ولو أن مستويهما يبقى جيدًا بالإجمال.
* قضايا كبيرة
القضايا الكبرى في هذه الدورة كان لها الرصيد الأعلى من الاهتمام.
قضايا مثل دخول المهرجان زمن مؤسسة «أمازون» التي احتل الحديث عنها كمضارب فوري وكبير في السوق السينمائية عناوين المجلات والمنتديات الفنية عمومًا. ومثل الهم الأمني الذي شغل بال الناس قبل وخلال أيام المهرجان ومثل تلك النكتة السخيفة التي أطلقها وودي ألن قائلاً بأنه يعمل بحرية في أوروبا ولو أنه لم يغتصب أحدًا في الولايات المتحدة، في إشارة مبطّنة لرومان بولانسكي.
النكتة لم تستقبل على هذا النحو وعلّقت سوزان ساراندون عليها عندما وطأت أرض المهرجان فقالت: «وودي ألن مغتصب»، في إشارة لما كانت زوجة ألن السابقة ميا فارو أدعته قبل بضع سنوات.
هذا القول والقول المضاد كان يكفي للإطاحة بفيلم ألن «كافيه سوسيتي» لو كان داخل المسابقة.
بالنسبة لشركة «أمازون ستديو» لم تشأ أن تبدأ علاقتها بالمهرجان بفيلم تقدّمه على استحياء أو كإظهار حسن نيّة، بل هي هجمت عليه بأربعة أفلام هي الفيلم المعوج «الشيطان النيون» وفيلم جيم جارموش «باترسون» وفيلم وودي ألن «كافيه سوسيتي» والفيلم الكوري (الذي حُذف سريعًا من الحسابات) «الخادمة» لتشان ووك بارك.
حفلتها التي حضرها هذا الناقد بصفته عضوًا في «جمعية مراسلي هوليوود الأجانب» تكلفت نحو مليون دولار، حسب المجلات الصناعية.
السوق، وقد دخلنا هذا الجانب من الأخبار، لم يثمر عن أخبار صفقات كثيرة، لكن بعضها كان كبيرًا في أرقامه. «أمازون» ذاتها دفعت ثلاثة ملايين ونصف دولار لاستحواذ فيلم من بطولة يواكين فينكس عنوانه «لم تكن فعلاً هنا» للين رامزي. شركة STX Entertainment، وهي بدورها شركة جديدة تحضر للمرّة الأولى، اشترت فيلم مارتن سكورسيزي المقبل «الآيرلندي» بخمسين مليون دولار لكل الأسواق الخارجية (هذا ما يضعه هذا العام على قمّة المخرجين الناجحين) ودفعت 9 ملايين دولار لحقوق «لعبة مولي» (من إخراج آرون سوركين وبطولة إدريس إلبا وجسيكا شستين) الولايات المتحدة والصين.
وعلى ذكر الصين، التي لم يختر المهرجان أيًا من أفلامها لا في المسابقة الرئيسة ولا في مسابقة «نظرة ما»، ذكر أنها كانت تنوي إطلاق ألعاب نارية لكنها عزفت عن ذلك لأسباب أمنية. بدوره عزف المهرجان عن هذا الفعل السنوي المعتاد للسبب ذاته.
على أن الحضور الصيني استدعى بعض علامات التعجب.
كما سبق القول، غابت أفلامها عن المسابقتين الرسميّتين، الرئيسة ومسابقة «نظرة ما» لكن 428 صينيًا تم تسجيلهم في قائمة «سوق الفيلم». بضع عشرات من الأفلام الصينية كانت متاحة للتداول في السوق لكن القليل بيع منها وأبطال أحدها (عنوانه «غزاة الزمن») منعوا من حضور فيلم وودي ألن في حفل الافتتاح وذلك بسبب خطأ إداري.
- أفضل خمسة أفلام مرشحة للفوز في مهرجان «كان»
* I‪‬ Daniel Blake (4*)
«أنا، دانيال بلايك» - كن لوتش (بريطانيا)
* Paterson (4*)
«باترسون» - جيم جارموش (الولايات المتحدة)
* Sieranevada (3*)
«سييرانيفادا» - كريستي بييو (رومانيا)
* Toni Erdmann (3*)
«توني إردمان» - مارن أدي (ألمانيا)
* Unknown Girl (3*)
«فتاة مجهولة» - جان - بيير ولوك داردين (بلجيكا).‪ ‬



رحيل إيلي شويري عاشق لبنان و«أبو الأناشيد الوطنية»

عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»
عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»
TT

رحيل إيلي شويري عاشق لبنان و«أبو الأناشيد الوطنية»

عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»
عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»

إنه «فضلو» في «بياع الخواتم»، و«أبو الأناشيد الوطنية» في مشواره الفني، وأحد عباقرة لبنان الموسيقيين، الذي رحل أول من أمس (الأربعاء) عن عمر ناهز 84 عاماً.
فبعد تعرضه لأزمة صحية نقل على إثرها إلى المستشفى، ودّع الموسيقي إيلي شويري الحياة. وفي حديث لـ«الشرق الأوسط» أكدت ابنته كارول أنها تفاجأت بانتشار الخبر عبر وسائل التواصل الاجتماعي قبل أن تعلم به عائلته. وتتابع: «كنت في المستشفى معه عندما وافاه الأجل. وتوجهت إلى منزلي في ساعة متأخرة لأبدأ بالتدابير اللازمة ومراسم وداعه. وكان الخبر قد ذاع قبل أن أصدر بياناً رسمياً أعلن فيه وفاته».
آخر تكريم رسمي حظي به شويري كان في عام 2017، حين قلده رئيس الجمهورية يومها ميشال عون وسام الأرز الوطني. وكانت له كلمة بالمناسبة أكد فيها أن حياته وعطاءاته ومواهبه الفنية بأجمعها هي كرمى لهذا الوطن.
ولد إيلي شويري عام 1939 في بيروت، وبالتحديد في أحد أحياء منطقة الأشرفية. والده نقولا كان يحضنه وهو يدندن أغنية لمحمد عبد الوهاب. ووالدته تلبسه ثياب المدرسة على صوت الفونوغراف الذي تنساب منه أغاني أم كلثوم مع بزوغ الفجر. أما أقرباؤه وأبناء الجيران والحي الذي يعيش فيه، فكانوا من متذوقي الفن الأصيل، ولذلك اكتمل المشوار، حتى قبل أن تطأ خطواته أول طريق الفن.
- عاشق لبنان
غرق إيلي شويري منذ نعومة أظافره في حبه لوطنه وترجم عشقه لأرضه بأناشيد وطنية نثرها على جبين لبنان، ونبتت في نفوس مواطنيه الذين رددوها في كل زمان ومكان، فصارت لسان حالهم في أيام الحرب والسلم. «بكتب اسمك يا بلادي»، و«صف العسكر» و«تعلا وتتعمر يا دار» و«يا أهل الأرض»... جميعها أغنيات شكلت علامة فارقة في مسيرة شويري الفنية، فميزته عن سواه من أبناء جيله، وذاع صيته في لبنان والعالم العربي وصار مرجعاً معتمداً في قاموس الأغاني الوطنية. اختاره ملك المغرب وأمير قطر ورئيس جمهورية تونس وغيرهم من مختلف أقطار العالم العربي ليضع لهم أجمل معاني الوطن في قالب ملحن لا مثيل له. فإيلي شويري الذي عُرف بـ«أبي الأناشيد الوطنية» كان الفن بالنسبة إليه منذ صغره هَوَساً يعيشه وإحساساً يتلمسه في شكل غير مباشر.
عمل شويري مع الرحابنة لفترة من الزمن حصد منها صداقة وطيدة مع الراحل منصور الرحباني. فكان يسميه «أستاذي» ويستشيره في أي عمل يرغب في القيام به كي يدله على الصح من الخطأ.
حبه للوطن استحوذ على مجمل كتاباته الشعرية حتى لو تناول فيها العشق، «حتى لو رغبت في الكتابة عن أعز الناس عندي، أنطلق من وطني لبنان»، هكذا كان يقول. وإلى هذا الحد كان إيلي شويري عاشقاً للبنان، وهو الذي اعتبر حسه الوطني «قدري وجبلة التراب التي امتزج بها دمي منذ ولادتي».
تعاون مع إيلي شويري أهم نجوم الفن في لبنان، بدءاً بفيروز وسميرة توفيق والراحلين وديع الصافي وصباح، وصولاً إلى ماجدة الرومي. فكان يعدّها من الفنانين اللبنانيين القلائل الملتزمين بالفن الحقيقي. فكتب ولحن لها 9 أغنيات، من بينها «مين إلنا غيرك» و«قوم تحدى» و«كل يغني على ليلاه» و«سقط القناع» و«أنت وأنا» وغيرها. كما غنى له كل من نجوى كرم وراغب علامة وداليدا رحمة.
مشواره مع الأخوين الرحباني بدأ في عام 1962 في مهرجانات بعلبك. وكانت أول أدواره معهم صامتة بحيث يجلس على الدرج ولا ينطق إلا بكلمة واحدة. بعدها انتسب إلى كورس «إذاعة الشرق الأدنى» و«الإذاعة اللبنانية» وتعرّف إلى إلياس الرحباني الذي كان يعمل في الإذاعة، فعرّفه على أخوَيه عاصي ومنصور.

مع أفراد عائلته عند تقلده وسام الأرز الوطني عام 2017

ويروي عن هذه المرحلة: «الدخول على عاصي ومنصور الرحباني يختلف عن كلّ الاختبارات التي يمكن أن تعيشها في حياتك. أذكر أن منصور جلس خلف البيانو وسألني ماذا تحفظ. فغنيت موالاً بيزنطياً. قال لي عاصي حينها؛ من اليوم ممنوع عليك الخروج من هنا. وهكذا كان».
أسندا إليه دور «فضلو» في مسرحية «بياع الخواتم» عام 1964. وفي الشريط السينمائي الذي وقّعه يوسف شاهين في العام التالي. وكرّت السبحة، فعمل في كلّ المسرحيات التي وقعها الرحابنة، من «دواليب الهوا» إلى «أيام فخر الدين»، و«هالة والملك»، و«الشخص»، وصولاً إلى «ميس الريم».
أغنية «بكتب اسمك يا بلادي» التي ألفها ولحنها تعد أنشودة الأناشيد الوطنية. ويقول شويري إنه كتب هذه الأغنية عندما كان في رحلة سفر مع الراحل نصري شمس الدين. «كانت الساعة تقارب الخامسة والنصف بعد الظهر فلفتني منظر الشمس التي بقيت ساطعة في عز وقت الغروب. وعرفت أن الشمس لا تغيب في السماء ولكننا نعتقد ذلك نحن الذين نراها على الأرض. فولدت كلمات الأغنية (بكتب اسمك يا بلادي عالشمس الما بتغيب)».
- مع جوزيف عازار
غنى «بكتب اسمك يا بلادي» المطرب المخضرم جوزيف عازار. ويخبر «الشرق الأوسط» عنها: «ولدت هذه الأغنية في عام 1974 وعند انتهائنا من تسجيلها توجهت وإيلي إلى وزارة الدفاع، وسلمناها كأمانة لمكتب التوجيه والتعاون»، وتابع: «وفوراً اتصلوا بنا من قناة 11 في تلفزيون لبنان، وتولى هذا الاتصال الراحل رياض شرارة، وسلمناه شريط الأغنية فحضروا لها كليباً مصوراً عن الجيش ومعداته، وعرضت في مناسبة عيد الاستقلال من العام نفسه».
يؤكد عازار أنه لا يستطيع اختصار سيرة حياة إيلي شويري ومشواره الفني معه بكلمات قليلة. ويتابع لـ«الشرق الأوسط»: «لقد خسر لبنان برحيله مبدعاً من بلادي كان رفيق درب وعمر بالنسبة لي. أتذكره بشوشاً وطريفاً ومحباً للناس وشفافاً، صادقاً إلى أبعد حدود. آخر مرة التقيته كان في حفل تكريم عبد الحليم كركلا في الجامعة العربية، بعدها انقطعنا عن الاتصال، إذ تدهورت صحته، وأجرى عملية قلب مفتوح. كما فقد نعمة البصر في إحدى عينيه من جراء ضربة تلقاها بالغلط من أحد أحفاده. فضعف نظره وتراجعت صحته، وما عاد يمارس عمله بالشكل الديناميكي المعروف به».
ويتذكر عازار الشهرة الواسعة التي حققتها أغنية «بكتب اسمك يا بلادي»: «كنت أقفل معها أي حفل أنظّمه في لبنان وخارجه. ذاع صيت هذه الأغنية، في بقاع الأرض، وترجمها البرازيليون إلى البرتغالية تحت عنوان (أومينا تيرا)، وأحتفظ بنصّها هذا عندي في المنزل».
- مع غسان صليبا
مع الفنان غسان صليبا أبدع شويري مرة جديدة على الساحة الفنية العربية. وكانت «يا أهل الأرض» واحدة من الأغاني الوطنية التي لا تزال تردد حتى الساعة. ويروي صليبا لـ«الشرق الأوسط»: «كان يعد هذه الأغنية لتصبح شارة لمسلسل فأصررت عليه أن آخذها. وهكذا صار، وحققت نجاحاً منقطع النظير. تعاونت معه في أكثر من عمل. من بينها (كل شيء تغير) و(من يوم ما حبيتك)». ويختم صليبا: «العمالقة كإيلي شويري يغادرونا فقط بالجسد. ولكن بصمتهم الفنية تبقى أبداً ودائماً. لقد كانت تجتمع عنده مواهب مختلفة كملحن وكاتب ومغنٍ وممثل. نادراً ما نشاهدها تحضر عند شخص واحد. مع رحيله خسر لبنان واحداً من عمالقة الفن ومبدعيه. إننا نخسرهم على التوالي، ولكننا واثقون من وجودهم بيننا بأعمالهم الفذة».
لكل أغنية كتبها ولحنها إيلي شويري قصة، إذ كان يستمد موضوعاتها من مواقف ومشاهد حقيقية يعيشها كما كان يردد. لاقت أعماله الانتقادية التي برزت في مسرحية «قاووش الأفراح» و«سهرة شرعية» وغيرهما نجاحاً كبيراً. وفي المقابل، كان يعدها من الأعمال التي ينفذها بقلق. «كنت أخاف أن تخدش الذوق العام بشكل أو بآخر. فكنت ألجأ إلى أستاذي ومعلمي منصور الرحباني كي يرشدني إلى الصح والخطأ فيها».
أما حلم شويري فكان تمنيه أن تحمل له السنوات الباقية من عمره الفرح. فهو كما كان يقول أمضى القسم الأول منها مليئة بالأحزان والدموع. «وبالقليل الذي تبقى لي من سنوات عمري أتمنى أن تحمل لي الابتسامة».