رغم تفجيرات العاصمة: عراقيون يتسابقون لحضور مهرجان سينمائي في بغداد

{صادق العلي للأفلام} كرم الممثل أبو العباس وفنانين عربًا

جانب من الجمهور الذي حضر حفل افتتاح المهرجان في المسرح الوطني - من فيلم «هلأ لوين» من إخراج نادين لبكي - الممثلة آلاء نجم في فيلم «صمت الراعي»
جانب من الجمهور الذي حضر حفل افتتاح المهرجان في المسرح الوطني - من فيلم «هلأ لوين» من إخراج نادين لبكي - الممثلة آلاء نجم في فيلم «صمت الراعي»
TT

رغم تفجيرات العاصمة: عراقيون يتسابقون لحضور مهرجان سينمائي في بغداد

جانب من الجمهور الذي حضر حفل افتتاح المهرجان في المسرح الوطني - من فيلم «هلأ لوين» من إخراج نادين لبكي - الممثلة آلاء نجم في فيلم «صمت الراعي»
جانب من الجمهور الذي حضر حفل افتتاح المهرجان في المسرح الوطني - من فيلم «هلأ لوين» من إخراج نادين لبكي - الممثلة آلاء نجم في فيلم «صمت الراعي»

اختتم في بغداد أمس مهرجان (صادق العلي للأفلام السينمائية الطويلة)، الذي أقامته منظمة البصرة للثقافة بالتعاون مع دائرة السينما والمسرح في وزارة الثقافة والفنون، وشاركت فيه سبعة أفلام: «صمت الراعي» إخراج رعد مشتت، و«سر القوارير» إخراج علي حنون (العراق)، و«رسائل الكرز» إخراج سلاف فواخرجي، و«فانية وتتبدد» إخراج نجدة أنزور (سوريا)، و«هلا لوين» إخراج نادين لبكي (لبنان)، و«شكة دبوس» لأحمد حلمي، وإيهاب السرجاني (مصر)، و«فرزد جهانم» إخراج وحيد موسانيان (إيران).
في يوم افتتاح المهرجان، ضربت العاصمة العراقية ستة انفجارات في مناطق مختلفة من بغداد، وهذا لم يمنع زحف الجمهور الكبير من مختلف المناطق إلى قاعة المسرح الوطني، في الكرادة وسط العاصمة العراقية، إذ كان هناك ما يقرب من ألفين من الحاضرين الذين أرادوا تحدي الإرهاب، وأن يقولوا إن التفجيرات الإجرامية لن توقف الحياة ولن تمنعنا من حضور مثل هذه الفعاليات الثقافية المهمة، وهذا العدد من الجمهور لم يحضر مثله لنشاط فني منذ سنوات طويلة، خصوصا أن المهرجان يقام من قبل جهة فنية ثقافية غير حكومية وقادمة من مدينة الإبداع، «البصرة» على حد تصريح الفنان الموسيقي هندرين حكمت، أستاذ آلة السنطور، في معهد الدراسات الموسيقية، الذي أوضح لـ«الشرق الأوسط» قائلا: إن «بغداد هي النبض الثقافي والفني لكل العراق ويجب أن تبقى في واجهة الخريطة الثقافية عربيا، والإرهاب يريدنا أن نتوقف عن الإبداع وعن أن نعيش حياتنا كما نريد ولكن هذا لن يحصل».
وإمعانا في تحدي الإرهاب، افتتح مهرجان صالح العلي للأفلام الطويلة بلوحات موسيقية وراقصة من مدينة البصرة، إذ قدمت لوحات الخشابة والبحارة وصيد المحار وأغنية (حلوة البصرة).
رجل الأعمال العراقي صادق العلي، المؤسس والمسؤول عن منظمة البصرة للثقافة، الجهة التي أقامت المهرجان السينمائي، قال لـ«الشرق الأوسط»، إن «منظمتنا غير ربحية وغير سياسية أو حكومية ومستقلة، مهمتها نشر الثقافة بجميع تطلعاتها وتصنيفاتها من خلال إقامة البرامج ونشر الرؤى الإبداعية وعقد المؤتمرات والمهرجانات التي تحفز الحس الثقافي وتضطلع به»، مشيرا إلى أنه «انطلاقا من هذه المفاهيم قمنا بنشاطات مسرحية وموسيقية وشعرية وتشكيلية في محافظة البصرة التي ننحدر منها ونقيم فيها، فالبصرة التي هي أول مدينة بناها عمر بن الخطاب في العصر الإسلامي كانت منبر الثقافة والإبداع الفني على الرغم مما لحق بها من خراب بسبب الحروب والعقول المخربة، ونحن وغيرنا من المبدعين الخيرين نعمل لإعادة مدينتنا إلى واجهة الحدث الثقافي والإبداعي عراقيا وعربيا وعالميا».
وأضاف العلي قائلا: «بالتأكيد نحن نعد بغداد عاصمتنا وعاصمة الثقافة والإبداع. هي الأساس. لهذا أقمنا مهرجاننا هذا للأفلام الطويلة في قلب العاصمة لأسباب عدة، في مقدمتها أننا أردنا تحدي الإرهاب الذي يضرب هذه المدينة العريقة، مما تسبب في انحسار الأنشطة الثقافية للأسف، كما أننا تطلعنا إلى أن نتيح لأكبر عدد من الجمهور العراقي متابعة أول مهرجان سينمائي من نوعه، يشارك به العراق، بالإضافة إلى عدة دول عربية معروفة بنتاجها السينمائي الملتزم، بالإضافة كذلك إلى إيران التي تحصد أفلامها الجوائز في المهرجانات العالمية، ولم نتفاجأ بالحضور الكبير للجمهور الذي افترش مدرجات قاعة المسرح الوطني بعد أن ازدحمت مقاعده، لكوننا نعرف العراقيين وحرصهم على متابعة الأنشطة الثقافية، وهنا لا أعني فقط جمهور النخبة، بل الجمهور العادي الذي حاصرنا بمحبته وبحرصه على حضور برامج العروض، رغم العمليات الإجرامية الإرهابية وقطع الطرق». موجها شكره لدائرة السينما والمسرح في وزارة الثقافة العراقية، وخصوصا مدير المسارح الفنان المسرحي غانم حميد، الذي حرص على نجاح فعاليات هذا المهرجان «لأن تطلعاتنا وأهدافنا في دفع مسيرة الإبداع إلى الأمام مشتركة ومخلصة».
يذكر أن منظمة البصرة للثقافة كانت قد كرمت الروائي العراقي الكبير محمد خضير في احتفالية نادرة من نوعها بمدينته البصرة، وحظي هذا التكريم باهتمام عراقي «وعربي واسع لكون أن هذه المنظمة مستقلة وليست حكومية لكنها كرمت هذا الروائي المبدع بما يستحقه»، حسبما أوضح العلي.
استهلت نشاطات مهرجان صادق العلي للأفلام الطويلة الأول بعرض الفيلم الروائي (صمت الراعي) سيناريو وإخراج العراقي رعد مشتت، وبطولة محمود أبو العباس وآلاء نجم وسمر قحطان ونهار سدايو، حيث كان هذا الفيلم قد فاز بجائزة مهرجان الإسكندرية السينمائي الدولي، وكان ضمن الاختيار الخاص لمهرجان ميونيخ السينمائي الدولي، وعرض في مهرجان أبوظبي السينمائي الدولي، بينما فاز بطله محمود أبو العباس بوصفه أفضل ممثل في آسيا في مهرجان دكا السينمائي الدولي، وكذلك في مهرجان مسقط السينمائي الدولي. كما تم تكريم الممثل أبو العباس بالإضافة إلى تكريم مخرجي الأفلام المشاركة.
المخرج السينمائي رعد مشتت عد مهرجان صادق العلي للأفلام الطويلة الأول، واحدا من أنجح المهرجانات السينمائية التي أقيمت في العراق من حيث التنظيم واختيار الأفلام والحضور. وقال لـ«الشرق الأوسط»: «فوجئت بهذا الحضور الضخم للجمهور رغم أن الإرهاب يعصف بالعاصمة العراقية، وجاء المهرجان بمثابة صرخة تحد ضد هذه الجرائم». وأضاف: «من اللافت أن ينجح هذا المهرجان وقد أقامته منظمة البصرة للثقافة بعيدا عن أي دعم حكومي، وأن يكون بهذا المستوى الرفيع من الرقي». وقال: «من الطبيعي أن يحمل المهرجان اسم الشخص الذي أقامه ودعمه من ماله الخاص، وهناك في العالم الغربي والعربي كثير من النشاطات والمهرجانات التي تقيمها شخصيات عامة أو رجال أعمال يهتمون بالإبداع، وتحمل هذه المهرجانات أسماءهم، وبالتالي فنحن نشكر السيد العلي على هذا الاهتمام، وهو تقليد جديد في العراق في زمن الفساد وهدر الأموال بعيدا عن المنجزات الثقافية».
وأضاف مشتت قائلا: «هذا المهرجان أخرج فيلمي (صمت الراعي) من الأدراج المغبرة بعد أن مضى ما يقرب من عامين على إنتاجه، حيث كان قد عرض في مهرجانات سينمائية عالمية ولم يعرض للجمهور العراقي وكنت سعيدا بهذا الحدث خصوصا أن ما يربو على ألفي شخص شاهده في ليلة الافتتاح».



100 عامٍ من عاصي الرحباني

عاصي الرحباني وفيروز (تويتر)
عاصي الرحباني وفيروز (تويتر)
TT

100 عامٍ من عاصي الرحباني

عاصي الرحباني وفيروز (تويتر)
عاصي الرحباني وفيروز (تويتر)

في الرابع من شهر الخِصب وبراعم اللوز والورد، وُلد عاصي الرحباني. كانت البلادُ فكرةً فَتيّة لم تبلغ بعد عامها الثالث. وكانت أنطلياس، مسقط الرأس، قريةً لبنانيةً ساحليّة تتعطّر بزهر الليمون، وتَطربُ لارتطام الموج بصخور شاطئها.
لو قُدّر له أن يبلغ عامه المائة اليوم، لأَبصر عاصي التحوّلات التي أصابت البلاد وقُراها. تلاشت الأحلام، لكنّ «الرحباني الكبير» ثابتٌ كحقيقةٍ مُطلَقة وعَصي على الغياب؛ مقيمٌ في الأمس، متجذّر في الحاضر وممتدّةٌ جذوره إلى كل الآتي من الزمان.


عاصي الرحباني خلال جلسة تمرين ويبدو شقيقه الياس على البيانو (أرشيف Rahbani Productions)

«مهما قلنا عن عاصي قليل، ومهما فعلت الدولة لتكريمه قليل، وهذا يشمل كذلك منصور وفيروز»، يقول المؤلّف والمنتج الموسيقي أسامة الرحباني لـ«الشرق الأوسط» بمناسبة مئويّة عمّه. أما الصحافي والباحث محمود الزيباوي، الذي تعمّق كثيراً في إرث الرحابنة، فيرى أن التكريم الحقيقي يكون بتأليف لجنة تصنّف ما لم يُنشر من لوحاته الغنائية الموجودة في إذاعتَي دمشق ولبنان، وتعمل على نشره.
يقرّ أسامة الرحباني بتقصير العائلة تجاه «الريبرتوار الرحباني الضخم الذي يحتاج إلى تضافر جهود من أجل جَمعه»، متأسفاً على «الأعمال الكثيرة التي راحت في إذاعة الشرق الأدنى». غير أنّ ما انتشر من أغانٍ ومسرحيات وأفلام، على مدى أربعة عقود من عمل الثلاثي الرحباني عاصي ومنصور وفيروز، أصبح ذخيرةً للقرون المقبلة، وليس للقرن الرحباني الأول فحسب.

«فوتي احفظي، قومي سجّلي»
«كان بركاناً يغلي بالعمل... يكتب بسرعة ولا يتوقف عند هاجس صناعة ما هو أجمل، بل يترك السرد يمشي كي لا ينقطع الدفق»، هكذا يتذكّر أسامة عمّه عاصي. وفي بال الزيباوي كذلك، «عاصي هو تجسيدٌ للشغف وللإنسان المهووس بعمله». لم يكن مستغرباً أن يرنّ الهاتف عند أحد أصدقائه الساعة الثالثة فجراً، ليخرج صوت عاصي من السمّاعة قارئاً له ما كتب أو آخذاً رأيه في لحنٍ أنهاه للتوّ.
ووفق ما سمعه الزيباوي، فإن «بعض تمارين السيدة فيروز وتسجيلاتها كان من الممكن أن يمتدّ لـ40 ساعة متواصلة. يعيد التسجيل إذا لم يعجبه تفصيل، وهذا كان يرهقها»، رغم أنه الزوج وأب الأولاد الأربعة، إلا أن «عاصي بقي الأستاذ الذي تزوّج تلميذته»، على حدّ وصف الزيباوي. ومن أكثر الجمل التي تتذكّرها التلميذة عن أستاذها: «فوتي احفظي، قومي سَجّلي». أضنى الأمر فيروز وغالباً ما اعترفت به في الحوارات معها قبل أن تُطلقَ تنهيدةً صامتة: «كان ديكتاتوراً ومتطلّباً وقاسياً ومش سهل الرِضا أبداً... كان صعب كتير بالفن. لمّا يقرر شي يمشي فيه، ما يهمّه مواقفي».


عاصي وفيروز (تويتر)
نعم، كان عاصي الرحباني ديكتاتوراً في الفن وفق كل مَن عاصروه وعملوا معه. «كل العباقرة ديكتاتوريين، وهذا ضروري في الفن»، يقول أسامة الرحباني. ثم إن تلك القسوة لم تأتِ من عدم، فعاصي ومنصور ابنا الوَعر والحرمان.
أثقلت كتفَي عاصي منذ الصغر همومٌ أكبر من سنّه، فتحمّلَ وأخوه مسؤولية العائلة بعد وفاة الوالد. كان السند المعنوي والمادّي لأهل بيته. كمعطفٍ ردّ البردَ عنهم، كما في تلك الليلة العاصفة التي استقل فيها دراجة هوائية وقادها تحت حبال المطر من أنطلياس إلى الدورة، بحثاً عن منصور الذي تأخّر بالعودة من الوظيفة في بيروت. يروي أسامة الرحباني أنها «كانت لحظة مؤثرة جداً بين الأخوين، أبصرا خلالها وضعهما المادي المُذري... لم ينسيا ذلك المشهد أبداً، ومن مواقفَ كتلك استمدّا قوّتهما».
وكما في الصِبا كذلك في الطفولة، عندما كانت تمطر فتدخل المياه إلى المدرسة، كان يظنّ منصور أن الطوفان المذكور في الكتاب المقدّس قد بدأ. يُصاب بالهلَع ويصرخ مطالباً المدرّسين بالذهاب إلى أخيه، فيلاقيه عاصي ويحتضنه مهدّئاً من رَوعه.

«سهرة حبّ»... بالدَين
تعاقبت مواسم العزّ على سنوات عاصي الرحباني. فبعد بدايةٍ متعثّرة وحربٍ شرسة ضد أسلوبه الموسيقي الثائر على القديم، سلك دروب المجد. متسلّحاً بخياله المطرّز بحكايا جدّته غيتا و«عنتريّات» الوالد حنّا عاصي، اخترع قصصاً خفتت بفعلِ سحرِها الأصواتُ المُعترضة. أما لحناً، فابتدعَ نغمات غير مطابقة للنظريات السائدة، و«أوجد تركيبة جديدة لتوزيع الموسيقى العربية»، على ما يشرح أسامة الرحباني.


صورة تجمع عاصي ومنصور الرحباني وفيروز بالموسيقار محمد عبد الوهاب وفريد الأطرش، بحضور بديعة مصابني وفيلمون وهبي ونجيب حنكش (أرشيف Rahbani Productions)
كان عاصي مستعداً للخسارة المادية من أجل الربح الفني. يحكي محمود الزيباوي أنه، ولشدّة مثاليته، «سجّل مسرحية (سهرة حب) مرتَين ولم تعجبه النتيجة، فاقترض مبلغاً من المال ليسجّلها مرة ثالثة». ويضيف أن «أساطير كثيرة نُسجت حول الرحابنة، لكن الأسطورة الحقيقية الوحيدة هي جمال عملهم».
ما كانت لتكتمل أسطورة عاصي، لولا صوت تلك الصبية التي دخلت قفصَه الذهبي نهاد حدّاد، وطارت منه «فيروز».
«أدهشته»، يؤكّد الزيباوي؛ ويستطرد: «لكنّ أحداً منهما لم يعرف كيف يميّز بين نهاد حداد وفيروز»... «هي طبعاً المُلهِمة»، يقول أسامة الرحباني؛ «لمح فيها الشخصية التي لطالما أراد رسمَها، ورأى امرأةً تتجاوب مع تلك الشخصية»، ويضيف أن «عاصي دفع بصوت فيروز إلى الأعلى، فهو في الفن كان عنيفاً ويؤمن بالعصَب. كان يكره الارتخاء الموسيقي ويربط النجاح بالطبع الفني القوي، وهذا موجود عند فيروز».


زفاف عاصي الرحباني ونهاد حداد (فيروز) عام 1955 (تويتر)

دماغٌ بحجم وطن
من عزّ المجد، سرقت جلطة دماغيّة عاصي الرحباني عام 1972. «أكثر ما يثير الحزن أن عاصي مرض وهو في ذروة عطائه وإبداعه، وقد زادت الحرب اللبنانية من مرضه وصعّبت العمل كثيراً»، وفق الزيباوي. لم يكن القلق من الغد الغامض غريباً عليه. فهو ومنذ أودى انفجارٌ في إحدى الكسّارات بحياة زوج خالته يوسف الزيناتي، الذي كان يعتبره صياداً خارقاً واستوحى منه شخصيات لمسرحه، سكنته الأسئلة الحائرة حول الموت وما بعدَه.
الدماغ الذي وصفه الطبيب الفرنسي المعالج بأنه من أكبر ما رأى، عاد ليضيء كقمرٍ ليالي الحصّادين والعاشقين والوطن المشلّع. نهض عاصي ورجع إلى البزُق الذي ورثه عن والده، وإلى نُبله وكرمه الذي يسرد أسامة الرحباني عنهما الكثير.
بعد المرض، لانت قسوة عاصي في العمل وتَضاعفَ كرَمُه المعهود. يقول أسامة الرحباني إن «أقصى لحظات فرحه كانت لحظة العطاء». أعطى من ماله ومن فِكرِه، وعُرف بيدِه الموضوعة دائماً في جيبِه استعداداً لتوزيع النقود على المحتاجين في الشارع. أما داخل البيت، فتجسّد الكرَم عاداتٍ لطيفة وطريفة، كأن يشتري 20 كنزة متشابهة ويوزّعها على رجال العائلة وشبّانها.
خلال سنواته الأخيرة ومع احتدام الحرب، زاد قلق عاصي الرحباني على أفراد العائلة. ما كان يوفّر مزحة أو حكاية ليهدّئ بها خوف الأطفال، كما في ذلك اليوم من صيف 1975 الذي استُهدفت فيه بلدة بكفيا، مصيَف العائلة. يذكر أسامة الرحباني كيف دخل عاصي إلى الغرفة التي تجمّع فيها أولاد العائلة مرتعدين، فبدأ يقلّد الممثلين الأميركيين وهم يُطلقون النار في الأفلام الإيطالية، ليُنسيَهم ما في الخارج من أزيز رصاص حقيقي. وسط الدمار، بنى لهم وطناً من خيالٍ جميل، تماماً كما فعل وما زال يفعل في عامِه المائة، مع اللبنانيين.


عاصي الرحباني (غيتي)