سكان صنعاء بين التشاؤم والتفاؤل إزاء مفاوضات الكويت

رسالة النشطاء الشبان للمتفاوضين: لا تعودوا إلى اليمن إلا بالسلام

وفاء منصور مدرسة الرياضيات في إحدى مدارس صنعاء وهي بين طلابها
وفاء منصور مدرسة الرياضيات في إحدى مدارس صنعاء وهي بين طلابها
TT

سكان صنعاء بين التشاؤم والتفاؤل إزاء مفاوضات الكويت

وفاء منصور مدرسة الرياضيات في إحدى مدارس صنعاء وهي بين طلابها
وفاء منصور مدرسة الرياضيات في إحدى مدارس صنعاء وهي بين طلابها

بات سماع الانفجارات وانقطاع الكهرباء والخوف الشديد من احتمال ألا يتمكن المجتمع من التعافي من ويلات الحرب جزءا من الحياة اليومية في اليمن. القلق ما زال سائدا في العاصمة اليمنية (صنعاء)، حيث يترقب عامة الناس نتيجة شهر من محادثات السلام التي يأملون في أن تضع نهاية للأوضاع المزرية التى سببتها الحرب.
ويقول بعض سكان العاصمة إن الحياة كانت صعبة بالفعل بالنسبة لكثير من سكان البلد، أحد أفقر دول العالم، لكن نشوب الصراع قبل أكثر من عام جعل مجرد البقاء على قيد الحياة أولوية، والمعاناة الشديدة هي الوضع السائد.
وكاد الأمل يتبدد، وبات ما تبقى منه معلقا بأيدي وفود السلام التي تمثل من جهة الميليشيات الانقلابية، الحوثيين وحلفائهم من قوات الرئيس المخلوع صالح التي تسيطر على صنعاء، ومن جهة أخرى قوات الشرعية المدعومة من المملكة العربية السعودية، في المفاوضات الحالية بالكويت.
وقال عبد السلام حمد الحارثي، 39 عاما، الذي يبيع التحف والهدايا التذكارية والفضيات: «متفائلون بأن مفاوضات الكويت ستوقف الحرب، خصوصا مع انخفاض عدد الضربات الجوية». لكن أحمد السعودي، 75 عاما، الذي يبيع الخناجر التقليدية اليمنية كان أقل تفاؤلا بعض الشيء، وقال في تصريحات لوكالة «رويترز» إنه يأمل أن تسود الحكمة بين الطرفين المتفاوضين في الكويت، مضيفا: «ندعو الله أن يرفع عنا هذه المحنة التي لم تكن في الحسبان»، متابعا: «إن شاء الله سيتوصلون لاتفاق لأننا تعبنا. وإذا كانوا يحبون البلد، فسوف تتوقف الحرب التي أتت بالخراب والدمار على شعب اليمن».
وارتفع سعر البنزين في صنعاء بنسبة مائة في المائة، بالتزامن مع الانهيار الكبير للعملة الوطنية اليمنية، وأصبح ضعف ما كان عليه في السابق، ووصل إلى 8 آلاف ريال يمني، أي ما يعادل (25 دولارا) لعشرين لتر من البنزين. وبدأ بيع البنزين بالتسعيرة الجديدة، بعد الإجراءات المفاجئة التي اتخذها ملاك جميع المحطات قبل أيام، وهي إغلاق أبواب المحطات أمام المواطنين، على الرغم من توفر المشتقات النفطية خلال الأشهر الماضية. وكانت محطات بيع المشتقات النفطية قد استأنفت الأشهر الماضية فتح أبوابها في صنعاء ومحافظات أخرى بتسعيرة جديدة أقرها الحوثيون بنحو 4500 ريال يمني (14 دولارا) للعشرين لتر من البنزين، وذلك بعد توقف دام أشهرا نتيجة الصراع المسلح الذي تشهده البلاد الذي أدى إلى ارتفاع أسعارها آنذاك بشكل مضاعف.
وتأتي هذه الخطوة بالتزامن مع الانهيار الكبير للعملة الوطنية، وارتفاع سعر صرف الريال اليمني إلى 320 ريالا للدولار الواحد، بزيادة أكثر من 100 ريال عن السعر السابق الذي ظل متوقفا لسنوات عند 215 ريالا للدولار الواحد. وأثارت هذه الأزمة موجة هلع كبيرة في أوساط المواطنين، خصوصًا مع بدء التجار برفع أسعار المواد الغذائية، وعودة اختفاء مادة الغاز المنزلي.
وحذر رئيس الوزراء اليمني أحمد عبيد بن دغر، الأربعاء الماضي، من أن بلاده على شفا انهيار اقتصادي، متهما الرئيس السابق علي عبد الله صالح بإهدار الاحتياطي النقدي للبلاد.
وقال بن دغر، في مؤتمر صحافي بالعاصمة السعودية الرياض: «تعيش البلاد حالة انهيار اقتصادي ونقدي مريع. لقد تصرف الحوثيون وصالح بثلاثة مليارات دولار تقريبًا كانت تمثل معظم الاحتياطي النقدي في البلاد. واستخدم هذا الاحتياطي في المجهود الحربي للاستيلاء على الدولة والسلطة والانقلاب على الجمهورية والوحدة وإدارة الحرب».
وأوقفت الميليشيات الحوثية صرف مرتبات الجنود، وطالبتهم بالتوجه إلى العاصمة صنعاء لاستلامها مباشرة، وليس من أماكن وجودهم في المحافظات الأخرى. لكن مصادر عسكرية وأمنية قالت إن نقاط تفتيش تابعة للميليشيات الانقلابية أوقفت مئات الضباط والجنود الجنوبيين الذين كانوا في طريقهم إلى العاصمة اليمنية صنعاء لاستلام مرتباتهم الشهرية الموقوفة منذ أشهر من قبل الميليشيات المسيطرة على الوزارات والمؤسسات الحكومية.
وأضافت المصادر لـ«الشرق الأوسط» أن الميليشيات اعتقلت أكثر من 300 ضابط وجندي في نقاط التفتيش المنتشرة على طول الطريق الممتد من المحافظات الجنوبية المحررة إلى صنعاء، مشيرة إلى أن نقطة نقيل يسلح جنوب صنعاء اعتقلت العدد الأكبر من هؤلاء الباحثين عن مرتباتهم الموقوفة منذ أشهر.
وأكدت تلك المصادر أن النقاط الأمنية في «نقيل يسلح»، الواقعة عند مشارف العاصمة صنعاء جنوبا، اعتقلت الجنود، وصادرت كل محتوياتهم، وعاملتهم بإهانة، بعد أن أبرزوا أرقامهم العسكرية الصادرة عن وزارة الدفاع اليمنية، وأثبتوا أنهم ذاهبون لاستلام معاشاتهم، لكن النقاط وصفتهم بالانفصاليين والعملاء للتحالف العربي. ودعا هؤلاء السلطات الشرعية للقيام بواجبها إزاء استمرار سيطرة الميليشيات على البنك المركزي ووزارة المالية، وهو الأمر الذي يحمل غموضا، وبحاجة إلى توضيح سريع.
وكانت الميليشيات قد حصرت عملية الصرف للمرتبات الشهرية للجيش والأمن بمكاتب البريد الواقعة في العاصمة صنعاء، وفي المحافظات التي هي تحت سيطرتها، بينما أوقفت عملية الصرف في كافة مكاتب البريد في المحافظات الخارجة عن سيطرتها، ومنها عدن والضالع ولحج وأبين وشبوة وحضرموت وسقطرى.
لكن ما زالت الأطراف اليمنية المتنازعة موجودة في الكويت، والأمل ما زال قائما في أن يتوصل الفرقاء إلى اتفاق يعيد صنعاء إلى وضعها السابق.
وتنتشر بصنعاء التاريخية الأبراج العريقة المبنية بالطوب اللبن، ويبدو الماضي أكثر إشراقا من المستقبل. ورغم ذلك، فإن بصيصا من الأمل ما زال يسري بين أهالي المدينة.
لكن طفح الكيل بالنشطاء الشبان بسبب العداء الدموي بين النخبة السياسية والعسكرية اليمنية الذي أرهقت عواقبه 25 مليون مواطن، فحذروا المتفاوضين على وسائل التواصل الاجتماعي، قائلين: «لا تعودوا إلى اليمن إلا بالسلام».
وتحدثت وفاء منصور، مدرسة الرياضيات، وهي بين طلابها الذين هم مستقبل اليمن لتعبر عن وجهة نظر يؤمن بها الكثيرون، قائلة إن الصراع تدخلت فيه قوى أجنبية كثيرة، وإنه لا سبيل لتسويته إلا بتدخل دبلوماسي خارجي، مضيفة: «إذا لم تقدم كل الأطراف تنازلات، فلا أعتقد أنه سيتم التوصل لحل مناسب دون تدخل من إحدى الدول الكبرى التي ترعى الحوار».
وفي جناح الولادة بمستشفى في صنعاء، تعتني الممرضة هندية عبد ربه، 28 عاما، ببعض من أصغر أبناء البلد، وأكثر فئاته ضعفا، ويحدوها الأمل أيضًا في أن يدرك كبار الساسة حجم المهمة الملقاة على عاتقهم، مؤكدة أنها «متفائلة بأن المحادثات الحالية في الكويت ستوحدنا من جديد، وتضع نهاية لعام من الحرب والصراع.. ورسالتي لهم هي: اليمن أمانة في أعناقكم».



«هدنة غزة» تقترب وسط جولات مكوكية وحديث عن «تنازلات»

دخان القصف الإسرائيلي فوق بيت ياحون بقطاع غزة الخميس (رويترز)
دخان القصف الإسرائيلي فوق بيت ياحون بقطاع غزة الخميس (رويترز)
TT

«هدنة غزة» تقترب وسط جولات مكوكية وحديث عن «تنازلات»

دخان القصف الإسرائيلي فوق بيت ياحون بقطاع غزة الخميس (رويترز)
دخان القصف الإسرائيلي فوق بيت ياحون بقطاع غزة الخميس (رويترز)

وسط حديث عن «تنازلات» وجولات مكوكية للمسؤولين، يبدو أن إسرائيل وحركة «حماس» قد اقتربتا من إنجاز «هدنة مؤقتة» في قطاع غزة، يتم بموجبها إطلاق سراح عدد من المحتجزين في الجانبين، لا سيما مع تداول إعلام أميركي أنباء عن مواقفة حركة «حماس» على بقاء إسرائيل في غزة «بصورة مؤقتة»، في المراحل الأولى من تنفيذ الاتفاق.

وتباينت آراء خبراء تحدثت إليهم «الشرق الأوسط»، بين من أبدى «تفاؤلاً بإمكانية إنجاز الاتفاق في وقت قريب»، ومن رأى أن هناك عقبات قد تعيد المفاوضات إلى المربع صفر.

ونقلت صحيفة «وول ستريت جورنال» الأميركية، عن وسطاء عرب، قولهم إن «حركة (حماس) رضخت لشرط رئيسي لإسرائيل، وأبلغت الوسطاء لأول مرة أنها ستوافق على اتفاق يسمح للقوات الإسرائيلية بالبقاء في غزة مؤقتاً عندما يتوقف القتال».

وسلمت «حماس» أخيراً قائمة بأسماء المحتجزين، ومن بينهم مواطنون أميركيون، الذين ستفرج عنهم بموجب الصفقة.

وتأتي هذه الأنباء في وقت يجري فيه جيك سوليفان، مستشار الأمن القومي للرئيس الأميركي، محادثات في تل أبيب مع رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، الخميس، قبل أن يتوجه إلى مصر وقطر.

ونقلت «رويترز» عن دبلوماسي غربي قوله إن «الاتفاق يتشكل، لكنه على الأرجح سيكون محدود النطاق، ويشمل إطلاق سراح عدد قليل من الرهائن ووقف قصير للأعمال القتالية».

فلسطينيون بين أنقاض المباني المنهارة في مدينة غزة (أ.ف.ب)

في حين أشار القيادي في «حماس» باسم نعيم إلى أن «أي حراك لأي مسؤول أميركي يجب أن يكون هدفه وقف العدوان والوصول إلى صفقة لوقف دائم لإطلاق النار، وهذا يفترض ممارسة ضغط حقيقي على نتنياهو وحكومته للموافقة على ما تم الاتفاق عليه برعاية الوسطاء وبوساطة أميركية».

ومساء الأربعاء، التقى رئيس جهاز المخابرات الإسرائيلي، ديفيد برنياع، مع رئيس الوزراء القطري، الشيخ محمد بن عبد الرحمن آل ثاني، في الدوحة؛ لبحث الاتفاق. بينما قال مكتب وزير الدفاع الإسرائيلي، يسرائيل كاتس، في بيان، إنه «أبلغ وزير الدفاع الأميركي لويد أوستن في اتصال هاتفي، الأربعاء، بأن هناك فرصة للتوصل إلى اتفاق جديد يسمح بعودة جميع الرهائن، بمن فيهم المواطنون الأميركيون».

وحال تم إنجاز الاتفاق ستكون هذه هي المرة الثانية التي تتم فيها هدنة في قطاع غزة منذ بداية الحرب في 7 أكتوبر (تشرين الأول) 2023. وتلعب مصر وقطر والولايات المتحدة دور الوساطة في مفاوضات ماراثونية مستمرة منذ نحو العام، لم تسفر عن اتفاق حتى الآن.

وأبدى خبير الشؤون الإسرائيلية بـ«مركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية» الدكتور سعيد عكاشة «تفاؤلاً حذراً» بشأن الأنباء المتداولة عن قرب عقد الاتفاق. وقال لـ«الشرق الأوسط» إن «التقارير تشير إلى تنازلات قدمتها حركة (حماس) بشأن الاتفاق، لكنها لا توضح نطاق وجود إسرائيل في غزة خلال المراحل الأولى من تنفيذه، حال إقراره».

وأضاف: «هناك الكثير من العقبات التي قد تعترض أي اتفاق، وتعيد المفاوضات إلى المربع صفر».

على الجانب الآخر، بدا أستاذ العلوم السياسية بجامعة القدس السياسي الفلسطيني، الدكتور أيمن الرقب، «متفائلاً بقرب إنجاز الاتفاق». وقال لـ«الشرق الأوسط» إن «هناك حراكاً أميركياً لإتمام الصفقة، كما أن التقارير الإسرائيلية تتحدث عن أن الاتفاق ينتظر الضوء الأخضر من جانب تل أبيب و(حماس) لتنفيذه».

وأضاف: «تم إنضاج الاتفاق، ومن المتوقع إقرار هدنة لمدة 60 يوماً يتم خلالها الإفراج عن 30 محتجزاً لدى (حماس)»، مشيراً إلى أنه «رغم ذلك لا تزال هناك نقطة خلاف رئيسية بشأن إصرار إسرائيل على البقاء في محور فيلادلفيا، الأمر الذي ترفضه مصر».

وأشار الرقب إلى أن «النسخة التي يجري التفاوض بشأنها حالياً تعتمد على المقترح المصري، حيث لعبت القاهرة دوراً كبيراً في صياغة مقترح يبدو أنه لاقى قبولاً لدى (حماس) وإسرائيل»، وقال: «عملت مصر على مدار شهور لصياغة رؤية بشأن وقف إطلاق النار مؤقتاً في غزة، والمصالحة الفلسطينية وسيناريوهات اليوم التالي».

ويدفع الرئيس الأميركي جو بايدن والرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب، من أجل «هدنة في غزة»، وكان ترمب طالب حركة «حماس»، في وقت سابق، بإطلاق سراح المحتجزين في غزة قبل توليه منصبه خلفاً لبايدن في 20 يناير (كانون الثاني) المقبل، وإلا فـ«الثمن سيكون باهظاً».