معرض «حريم السلطان» ينقل أجواء المسلسل إلى قلب دبي

3600 متر من القماش للديكورات والملابس و500 قطعة جواهر وإكسسوارات

يتوقع استقبال أكثر من 100 ألف زائر حتى نهاية العام الحالي («الشرق الأوسط»)
يتوقع استقبال أكثر من 100 ألف زائر حتى نهاية العام الحالي («الشرق الأوسط»)
TT

معرض «حريم السلطان» ينقل أجواء المسلسل إلى قلب دبي

يتوقع استقبال أكثر من 100 ألف زائر حتى نهاية العام الحالي («الشرق الأوسط»)
يتوقع استقبال أكثر من 100 ألف زائر حتى نهاية العام الحالي («الشرق الأوسط»)

يتطلع مسلسل حريم السلطان التركي للاستفادة من الشعبية التي حصدها المسلسل، عندما عرض في أكثر من 60 دولة حول العالم، وشاهده أكثر من 400 مليون شخص يوميًا، وذلك من خلال معرض ضخم حط رحاله الآن في مدينة دبي الإماراتية.
معرض «حريم السلطان»، وبحسب سيلين تامر لاكاي نائب رئيس مجموعة إسطنبول للترفية، والمتحدثة باسم المعرض ارتقى بتجربة المشاهدة إلى مستوى جديد، والذي يعد انعكاسًا حيًا وواقعيًا للمسلسل بمختلف مكوّناته التاريخية، والتصاميم الفريدة وعناصر القصر العثماني، مما أتاح لمحبي المسلسل عيش عالم القصور العثمانية والتعرف على خفاياه كافة بأنفسهم.
وأشارت لاكاي إلى أن المعرض يوفر فرصًا منوعة ومثالية لزواره، بدءًا من زيارة المنازل التي صُوّر فيها المسلسل والمطاعم التي ظهرت فيه، ومرورًا بمشاهدة كل أصناف المنتجات للرجال والنساء على حد سواء، من الجواهر والملابس وغيرها.
وقالت في حديث لـ«الشرق الأوسط» إن المعرض انطلق في مدينة إسطنبول التركية في نهاية عام 2014، وبعدها تم افتتاح نسخة خاصة منه في الدوحة لمدة خمسة أشهر، فيما تعتبر دبي أول موقع دولي يضم كافة مكونات المعرض وتجربته الكاملة، ويستمر المعرض لغاية نهاية عام 2016.
وبينت نائب رئيس مجموعة إسطنبول للترفية والمتحدثة باسم المعرض أن مرتادي المعرض يأخذون جولة حول مرافق القصر وسيطلعون على الأعمال الفنية والمهارات الفائقة للحرف اليدوية التي تم استغلالها في صناعة الملابس، كما تستعرض الفعالية كذلك تماثيل من السيليكون بالحجم الكبير لبعض من شخصيات المسلسل لتثري تجربة زوار المعرض بشكل كامل. وتُعرض هذه الأعمال جميعها ضمن بيئة واسعة ومريحة مستوحاة من مواقع القصر الأصلية.
ويمكن المعرض مرتاديه أيضًا برؤية الديكورات والإكسسوارات والملابس الجميلة والجواهر المنوعة التي تم استعمالها في المسلسل، في حين ينتشر في المكان عبق الروائح العطرة التي تعود بالزائرين إلى ذكريات أيام السلطنة العثمانية، وعلاوة على الحلويات التركية الشهية التي ستقدم لزوار المعرض، ويتم الاستماع إلى الأبيات الشعرية الجميلة المسجلة بصوت السلطان سليمان وإلى أنغام الكمان من إبراهيم باشا الفرنجي، كما يتيح المعرض شراء جواهر وديكورات المنازل والملابس ومنتجات العطورات الخاصة بالمسلسل الشهير.
ووفقًا للمعلومات التي حصلت عليها «الشرق الأوسط»، تم نقل جميع محتويات المعرض عبر 16 شاحنة جاءت من تركيا خصيصًا لهذا الغرض، فيما عمل فريق مكون من 35 شخصًا لتركيب وتنظيم محتويات المعرض، والذي تم تنفيذه خلال 36 ألف ساعة عمل ضمن مساحة تبلغ 1200 متر مربع، ويضم المعرض أكثر من 100 نوع مختلف من الألبسة.
وجرى استخدام أكثر من 3600 متر من القماش لتصميم الديكورات والملابس، ويحتوي على أكثر من 500 قطعة جواهر وإكسسوارات خاصة، ومنحوتات سيليكون واقعية ومصنوعة يدويًا لأكثر شخصيات المسلسل، ويضم المعرض القارب الذي نقل روكسلانا إلى إسطنبول.
وأكدت المتحدثة على أن دبي هي المدينة الوحيدة التي تستضيف المعرض الكامل في دول مجلس التعاون الخليجي، وزادت: «نأمل أن يقام المعرض في مختلف دول المنطقة»، مشيرة إلى أن ردة فعل الجمهور إيجابية للغاية حتى الآن، وكرر الكثير من الأشخاص زيارتهم للمعرض.
وأشارت إلى أن المعرض في دبي يعتبر الوحيد من نوعه في المنطقة، وقالت: «لدينا خطط بزيارة الولايات المتحدة والصين حالما يبدأ بث المسلسل التلفزيوني في هذين البلدين، لدينا أيضًا نسخة محدودة من المعرض، كما نخطط لتنظيم المعرض حتى نهاية عام 2017 في دول أوروبا الشرقية».
ولفتت إلى أنه عند القيام بتنظيم المعرض في إسطنبول، كان معظم الزوار من منطقة الشرق الأوسط والخليج. وعندما قام كادر إدارة شركة مراس القابضة - شركة إماراتية مقرها دبي - بزيارة تركيا، أعجبوا كثيرًا بفكرة المعرض وقرروا تقديم تجربته في دبي.
وأوضحت أن معظم زوار المعرض من الإناث بين أعمار 20 إلى ما فوق الخمسين عامًا، كما أن نصف الزوار حتى الآن من دبي، إضافة إلى 30 في المائة من السعودية والباقي من دول مجلس التعاون الخليجي الأخرى.
بلغ الاستثمار الإجمالي في المعرض 7 ملايين دولار، وجميع المنحوتات مصنوعة من السيليكون، ويتطلب إكمال كل واحد منها ثلاثة أشهر من العمل بتكلفة تصل إلى 190 ألف درهم (51.1 ألف دولار) لكل تمثال، في حين تم شراء بعض المعروضات الأخرى مثل مرايا اللؤلؤ والإكسسوارات المصنوعة يدويًا من المزادات وتتراوح أسعارها بين 100 إلى 150 ألف دولار لكل قطعة، وبعض السجاجيد مصنوعة يدويًا أيضًا بتكلفة تتراوح بين 75 إلى 100 ألف دولار للقطعة.
ويتوقع استقبال أكثر من 100 ألف زائر حتى نهاية العام الحالي، وينتظر أن يضيف المعرض تماثيل جديدة كل فترة لتعزيز تجربة الزوار.



100 عامٍ من عاصي الرحباني

عاصي الرحباني وفيروز (تويتر)
عاصي الرحباني وفيروز (تويتر)
TT

100 عامٍ من عاصي الرحباني

عاصي الرحباني وفيروز (تويتر)
عاصي الرحباني وفيروز (تويتر)

في الرابع من شهر الخِصب وبراعم اللوز والورد، وُلد عاصي الرحباني. كانت البلادُ فكرةً فَتيّة لم تبلغ بعد عامها الثالث. وكانت أنطلياس، مسقط الرأس، قريةً لبنانيةً ساحليّة تتعطّر بزهر الليمون، وتَطربُ لارتطام الموج بصخور شاطئها.
لو قُدّر له أن يبلغ عامه المائة اليوم، لأَبصر عاصي التحوّلات التي أصابت البلاد وقُراها. تلاشت الأحلام، لكنّ «الرحباني الكبير» ثابتٌ كحقيقةٍ مُطلَقة وعَصي على الغياب؛ مقيمٌ في الأمس، متجذّر في الحاضر وممتدّةٌ جذوره إلى كل الآتي من الزمان.


عاصي الرحباني خلال جلسة تمرين ويبدو شقيقه الياس على البيانو (أرشيف Rahbani Productions)

«مهما قلنا عن عاصي قليل، ومهما فعلت الدولة لتكريمه قليل، وهذا يشمل كذلك منصور وفيروز»، يقول المؤلّف والمنتج الموسيقي أسامة الرحباني لـ«الشرق الأوسط» بمناسبة مئويّة عمّه. أما الصحافي والباحث محمود الزيباوي، الذي تعمّق كثيراً في إرث الرحابنة، فيرى أن التكريم الحقيقي يكون بتأليف لجنة تصنّف ما لم يُنشر من لوحاته الغنائية الموجودة في إذاعتَي دمشق ولبنان، وتعمل على نشره.
يقرّ أسامة الرحباني بتقصير العائلة تجاه «الريبرتوار الرحباني الضخم الذي يحتاج إلى تضافر جهود من أجل جَمعه»، متأسفاً على «الأعمال الكثيرة التي راحت في إذاعة الشرق الأدنى». غير أنّ ما انتشر من أغانٍ ومسرحيات وأفلام، على مدى أربعة عقود من عمل الثلاثي الرحباني عاصي ومنصور وفيروز، أصبح ذخيرةً للقرون المقبلة، وليس للقرن الرحباني الأول فحسب.

«فوتي احفظي، قومي سجّلي»
«كان بركاناً يغلي بالعمل... يكتب بسرعة ولا يتوقف عند هاجس صناعة ما هو أجمل، بل يترك السرد يمشي كي لا ينقطع الدفق»، هكذا يتذكّر أسامة عمّه عاصي. وفي بال الزيباوي كذلك، «عاصي هو تجسيدٌ للشغف وللإنسان المهووس بعمله». لم يكن مستغرباً أن يرنّ الهاتف عند أحد أصدقائه الساعة الثالثة فجراً، ليخرج صوت عاصي من السمّاعة قارئاً له ما كتب أو آخذاً رأيه في لحنٍ أنهاه للتوّ.
ووفق ما سمعه الزيباوي، فإن «بعض تمارين السيدة فيروز وتسجيلاتها كان من الممكن أن يمتدّ لـ40 ساعة متواصلة. يعيد التسجيل إذا لم يعجبه تفصيل، وهذا كان يرهقها»، رغم أنه الزوج وأب الأولاد الأربعة، إلا أن «عاصي بقي الأستاذ الذي تزوّج تلميذته»، على حدّ وصف الزيباوي. ومن أكثر الجمل التي تتذكّرها التلميذة عن أستاذها: «فوتي احفظي، قومي سَجّلي». أضنى الأمر فيروز وغالباً ما اعترفت به في الحوارات معها قبل أن تُطلقَ تنهيدةً صامتة: «كان ديكتاتوراً ومتطلّباً وقاسياً ومش سهل الرِضا أبداً... كان صعب كتير بالفن. لمّا يقرر شي يمشي فيه، ما يهمّه مواقفي».


عاصي وفيروز (تويتر)
نعم، كان عاصي الرحباني ديكتاتوراً في الفن وفق كل مَن عاصروه وعملوا معه. «كل العباقرة ديكتاتوريين، وهذا ضروري في الفن»، يقول أسامة الرحباني. ثم إن تلك القسوة لم تأتِ من عدم، فعاصي ومنصور ابنا الوَعر والحرمان.
أثقلت كتفَي عاصي منذ الصغر همومٌ أكبر من سنّه، فتحمّلَ وأخوه مسؤولية العائلة بعد وفاة الوالد. كان السند المعنوي والمادّي لأهل بيته. كمعطفٍ ردّ البردَ عنهم، كما في تلك الليلة العاصفة التي استقل فيها دراجة هوائية وقادها تحت حبال المطر من أنطلياس إلى الدورة، بحثاً عن منصور الذي تأخّر بالعودة من الوظيفة في بيروت. يروي أسامة الرحباني أنها «كانت لحظة مؤثرة جداً بين الأخوين، أبصرا خلالها وضعهما المادي المُذري... لم ينسيا ذلك المشهد أبداً، ومن مواقفَ كتلك استمدّا قوّتهما».
وكما في الصِبا كذلك في الطفولة، عندما كانت تمطر فتدخل المياه إلى المدرسة، كان يظنّ منصور أن الطوفان المذكور في الكتاب المقدّس قد بدأ. يُصاب بالهلَع ويصرخ مطالباً المدرّسين بالذهاب إلى أخيه، فيلاقيه عاصي ويحتضنه مهدّئاً من رَوعه.

«سهرة حبّ»... بالدَين
تعاقبت مواسم العزّ على سنوات عاصي الرحباني. فبعد بدايةٍ متعثّرة وحربٍ شرسة ضد أسلوبه الموسيقي الثائر على القديم، سلك دروب المجد. متسلّحاً بخياله المطرّز بحكايا جدّته غيتا و«عنتريّات» الوالد حنّا عاصي، اخترع قصصاً خفتت بفعلِ سحرِها الأصواتُ المُعترضة. أما لحناً، فابتدعَ نغمات غير مطابقة للنظريات السائدة، و«أوجد تركيبة جديدة لتوزيع الموسيقى العربية»، على ما يشرح أسامة الرحباني.


صورة تجمع عاصي ومنصور الرحباني وفيروز بالموسيقار محمد عبد الوهاب وفريد الأطرش، بحضور بديعة مصابني وفيلمون وهبي ونجيب حنكش (أرشيف Rahbani Productions)
كان عاصي مستعداً للخسارة المادية من أجل الربح الفني. يحكي محمود الزيباوي أنه، ولشدّة مثاليته، «سجّل مسرحية (سهرة حب) مرتَين ولم تعجبه النتيجة، فاقترض مبلغاً من المال ليسجّلها مرة ثالثة». ويضيف أن «أساطير كثيرة نُسجت حول الرحابنة، لكن الأسطورة الحقيقية الوحيدة هي جمال عملهم».
ما كانت لتكتمل أسطورة عاصي، لولا صوت تلك الصبية التي دخلت قفصَه الذهبي نهاد حدّاد، وطارت منه «فيروز».
«أدهشته»، يؤكّد الزيباوي؛ ويستطرد: «لكنّ أحداً منهما لم يعرف كيف يميّز بين نهاد حداد وفيروز»... «هي طبعاً المُلهِمة»، يقول أسامة الرحباني؛ «لمح فيها الشخصية التي لطالما أراد رسمَها، ورأى امرأةً تتجاوب مع تلك الشخصية»، ويضيف أن «عاصي دفع بصوت فيروز إلى الأعلى، فهو في الفن كان عنيفاً ويؤمن بالعصَب. كان يكره الارتخاء الموسيقي ويربط النجاح بالطبع الفني القوي، وهذا موجود عند فيروز».


زفاف عاصي الرحباني ونهاد حداد (فيروز) عام 1955 (تويتر)

دماغٌ بحجم وطن
من عزّ المجد، سرقت جلطة دماغيّة عاصي الرحباني عام 1972. «أكثر ما يثير الحزن أن عاصي مرض وهو في ذروة عطائه وإبداعه، وقد زادت الحرب اللبنانية من مرضه وصعّبت العمل كثيراً»، وفق الزيباوي. لم يكن القلق من الغد الغامض غريباً عليه. فهو ومنذ أودى انفجارٌ في إحدى الكسّارات بحياة زوج خالته يوسف الزيناتي، الذي كان يعتبره صياداً خارقاً واستوحى منه شخصيات لمسرحه، سكنته الأسئلة الحائرة حول الموت وما بعدَه.
الدماغ الذي وصفه الطبيب الفرنسي المعالج بأنه من أكبر ما رأى، عاد ليضيء كقمرٍ ليالي الحصّادين والعاشقين والوطن المشلّع. نهض عاصي ورجع إلى البزُق الذي ورثه عن والده، وإلى نُبله وكرمه الذي يسرد أسامة الرحباني عنهما الكثير.
بعد المرض، لانت قسوة عاصي في العمل وتَضاعفَ كرَمُه المعهود. يقول أسامة الرحباني إن «أقصى لحظات فرحه كانت لحظة العطاء». أعطى من ماله ومن فِكرِه، وعُرف بيدِه الموضوعة دائماً في جيبِه استعداداً لتوزيع النقود على المحتاجين في الشارع. أما داخل البيت، فتجسّد الكرَم عاداتٍ لطيفة وطريفة، كأن يشتري 20 كنزة متشابهة ويوزّعها على رجال العائلة وشبّانها.
خلال سنواته الأخيرة ومع احتدام الحرب، زاد قلق عاصي الرحباني على أفراد العائلة. ما كان يوفّر مزحة أو حكاية ليهدّئ بها خوف الأطفال، كما في ذلك اليوم من صيف 1975 الذي استُهدفت فيه بلدة بكفيا، مصيَف العائلة. يذكر أسامة الرحباني كيف دخل عاصي إلى الغرفة التي تجمّع فيها أولاد العائلة مرتعدين، فبدأ يقلّد الممثلين الأميركيين وهم يُطلقون النار في الأفلام الإيطالية، ليُنسيَهم ما في الخارج من أزيز رصاص حقيقي. وسط الدمار، بنى لهم وطناً من خيالٍ جميل، تماماً كما فعل وما زال يفعل في عامِه المائة، مع اللبنانيين.


عاصي الرحباني (غيتي)