«أهازيج الجبال».. مناسبة تونسية لاستعادة أغاني الرعاة وحياتهم

فعاليات تضمنت الرسم على الصخور والمشي على الحبال بين الأشجار

«أهازيج الجبال».. مناسبة تونسية لاستعادة أغاني الرعاة وحياتهم
TT

«أهازيج الجبال».. مناسبة تونسية لاستعادة أغاني الرعاة وحياتهم

«أهازيج الجبال».. مناسبة تونسية لاستعادة أغاني الرعاة وحياتهم

عاشت مدينة سبيطلة التونسية خلال اليومين الماضيين على أنغام الرعاة وأهازيج أغاني الجبال من خلال تظاهرة «أهازيج الجبال» المميزة للمنطقة. فبين سكان منطقة زاوية بن عامر الجبلية وعلى سفح جبل سمامة، انطلقت هذه التظاهرة لتحمل في طياتها أحاسيس الربيع وجمال طبيعة المناطق الريفية وذلك عبر باقة من العروض الفنية والورشات ذات المحامل المختلفة عن العادة مثل ورشة الرسم على الصخور وورشة البراعات اليدوية باستعمال أوراق الصنوبر والإكليل وورشة التعبير الدرامي وورشة أغاني الرعاة.
وعلى مدى يومين عبر أهالي تلك المنطقة الجبلية عن معاني الحياة الريفية البسيطة وبسطوا للزائرين منسوجاتهم اليدوية المميزة وأكلاتهم الريفية البسيطة واكتشفوا أنهم مميزون عن الآخرين من خلال المحافظة على ميزات أهل الريف وطباعه.
وقطع الرعاة الصمت الطويل في المناطق الجبلية بأغانيهم القوية وأصواتهم الصادحة. وشهدت التظاهرة مشاركات من عدة ولايات -محافظات - تونسية على غرار القيروان والمهدية ونابل وتونس وسوسة والكاف.
ولأن تظاهرة «أهازيج الجبال» تعتمد في المقام الأول على ما تجود به الطبيعة الجبلية، فقد اعتمد تنشيطا باعتماد الأدوات المتوفرة، ونظم المشرفون على هذا الحفل الجماعي أنشطة رياضية مختلفة من بينها التزحلق والمشي على الحبال بين أشجار جبل سمامة المعلقة.
وفي هذا الشأن، قال محمد الهادي المحمودي منسق التظاهرة إن الغاية من تنظيم تظاهرة «أهازيج الجبال» تكمن في تقريب الخدمات الثقافية من أهالي الريف وإخراجهم من العزلة المفروضة عليهم باعتبار أن جبل سمامة يقع في المنطقة العسكرية المغلقة المرتبطة بالحرب على الإرهاب. ويسعى منظمو هذه التظاهرة إلى تحويل هذه الاحتفالية إلى فقرة تنشيطية دورية تحط الرحال كل سنة بسفح أحد الجبال التونسية لتبعث رسائل الحب والتضامن ونبذ الكراهية والتطرف بين جميع التونسيين.
وخلال هذه التظاهرة، انتظم عرض لفنون الرعd والتخييم، وسهرة «السامور» (النيران المتقدة) وهي تضم عرضا للطبال (ضارب الطبل) ومسامرة مع حكواتي الهضاب، وباقات الورود المصنوعة من أشجار الإكليل المنتشر في جبل سمامة والخبز والزبدة العربي والعسل الطبيعي والأناشيد التي تتغنى بالأرض والعرض والوطن.
وحول بتوجه منطقة القصرين نحو تظاهرات ثقافية معتمدة على أهالي الريف، قال عدنان الهلالي أحد مثقفي منطقة سبيطلة، إن تظاهرة «أهازيج الجبال» تكمل مهرجان عيد الرعاة، وهي عبارة عن ملتقى لمجموعة من الفنانين والمبدعين احتضنه سفح جبل سمامة، وحضره عدد هام من الجمعيات المتطوعة وعدد من الضيوف، وهي تظاهرة تتم في الطبيعة، وعلى وقع مشاهد طبيعية، لذلك فإن معظم المشاركين يحملون انطباعات جد إيجابية عن المنطقة بأكملها ولا يمكنهم نسيانها بسهولة، على حد تعبيره.



ستيف بركات لـ«الشرق الأوسط»: أصولي اللبنانية تتردّد أبداً في صدى موسيقاي

عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية     -   ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)
عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية - ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)
TT

ستيف بركات لـ«الشرق الأوسط»: أصولي اللبنانية تتردّد أبداً في صدى موسيقاي

عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية     -   ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)
عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية - ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)

ستيف بركات عازف بيانو كندي من أصل لبناني، ينتج ويغنّي ويلحّن. لفحه حنين للجذور جرّه إلى إصدار مقطوعة «أرض الأجداد» (Motherland) أخيراً. فهو اكتشف لبنان في وقت لاحق من حياته، وينسب حبّه له إلى «خيارات مدروسة وواعية» متجذرة في رحلته. من اكتسابه فهماً متيناً لهويته وتعبيره عن الامتنان لما منحه إياه الإرث من عمق يتردّد صداه كل يوم، تحاوره «الشرق الأوسط» في أصله الإنساني المنساب على النوتة، وما أضفاه إحساسه الدفين بالصلة مع أسلافه من فرادة فنية.
غرست عائلته في داخله مجموعة قيم غنية استقتها من جذورها، رغم أنه مولود في كندا: «شكلت هذه القيم جزءاً من حياتي منذ الطفولة، ولو لم أدركها بوعي في سنّ مبكرة. خلال زيارتي الأولى إلى لبنان في عام 2008. شعرتُ بلهفة الانتماء وبمدى ارتباطي بجذوري. عندها أدركتُ تماماً أنّ جوانب عدة من شخصيتي تأثرت بأصولي اللبنانية».
بين كوبنهاغن وسيول وبلغراد، وصولاً إلى قاعة «كارنيغي» الشهيرة في نيويورك التي قدّم فيها حفلاً للمرة الأولى، يخوض ستيف بركات جولة عالمية طوال العام الحالي، تشمل أيضاً إسبانيا والصين والبرتغال وكوريا الجنوبية واليابان... يتحدث عن «طبيعة الأداء الفردي (Solo) التي تتيح حرية التكيّف مع كل حفل موسيقي وتشكيله بخصوصية. فالجولات تفسح المجال للتواصل مع أشخاص من ثقافات متنوعة والغوص في حضارة البلدان المضيفة وتعلّم إدراك جوهرها، مما يؤثر في المقاربة الموسيقية والفلسفية لكل أمسية».
يتوقف عند ما يمثله العزف على آلات البيانو المختلفة في قاعات العالم من تحدٍ مثير: «أكرّس اهتماماً كبيراً لأن تلائم طريقة عزفي ضمانَ أفضل تجربة فنية ممكنة للجمهور. للقدرة على التكيّف والاستجابة ضمن البيئات المتنوّعة دور حيوي في إنشاء تجربة موسيقية خاصة لا تُنسى. إنني ممتنّ لخيار الجمهور حضور حفلاتي، وهذا امتياز حقيقي لكل فنان. فهم يمنحونني بعضاً من وقتهم الثمين رغم تعدّد ملاهي الحياة».
كيف يستعد ستيف بركات لحفلاته؟ هل يقسو عليه القلق ويصيبه التوتر بإرباك؟ يجيب: «أولويتي هي أن يشعر الحاضر باحتضان دافئ ضمن العالم الموسيقي الذي أقدّمه. أسعى إلى خلق جو تفاعلي بحيث لا يكون مجرد متفرج بل ضيف عزيز. بالإضافة إلى الجانب الموسيقي، أعمل بحرص على تنمية الشعور بالصداقة الحميمة بين الفنان والمتلقي. يستحق الناس أن يلمسوا إحساساً حقيقياً بالضيافة والاستقبال». ويعلّق أهمية على إدارة مستويات التوتّر لديه وضمان الحصول على قسط كافٍ من الراحة: «أراعي ضرورة أن أكون مستعداً تماماً ولائقاً بدنياً من أجل المسرح. في النهاية، الحفلات الموسيقية هي تجارب تتطلب مجهوداً جسدياً وعاطفياً لا تكتمل من دونه».
عزف أناشيد نالت مكانة، منها نشيد «اليونيسف» الذي أُطلق من محطة الفضاء الدولية عام 2009 ونال جائزة. ولأنه ملحّن، يتمسّك بالقوة الهائلة للموسيقى لغة عالمية تنقل الرسائل والقيم. لذا حظيت مسيرته بفرص إنشاء مشروعات موسيقية لعلامات تجارية ومؤسسات ومدن؛ ومعاينة تأثير الموسيقى في محاكاة الجمهور على مستوى عاطفي عميق. يصف تأليف نشيد «اليونيسف» بـ«النقطة البارزة في رحلتي»، ويتابع: «التجربة عزّزت رغبتي في التفاني والاستفادة من الموسيقى وسيلة للتواصل ومتابعة الطريق».
تبلغ شراكته مع «يونيفرسال ميوزيك مينا» أوجها بنجاحات وأرقام مشاهدة عالية. هل يؤمن بركات بأن النجاح وليد تربة صالحة مكوّنة من جميع عناصرها، وأنّ الفنان لا يحلّق وحده؟ برأيه: «يمتد جوهر الموسيقى إلى ما وراء الألحان والتناغم، ليكمن في القدرة على تكوين روابط. فالنغمات تمتلك طاقة مذهلة تقرّب الثقافات وتوحّد البشر». ويدرك أيضاً أنّ تنفيذ المشاريع والمشاركة فيها قد يكونان بمثابة وسيلة قوية لتعزيز الروابط السلمية بين الأفراد والدول: «فالثقة والاهتمام الحقيقي بمصالح الآخرين يشكلان أسس العلاقات الدائمة، كما يوفر الانخراط في مشاريع تعاونية خطوات نحو عالم أفضل يسود فيه الانسجام والتفاهم».
بحماسة أطفال عشية الأعياد، يكشف عن حضوره إلى المنطقة العربية خلال نوفمبر (تشرين الثاني) المقبل: «يسعدني الوجود في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا كجزء من جولة (Néoréalité) العالمية. إنني في مرحلة وضع اللمسات الأخيرة على التفاصيل والتواريخ لنعلن عنها قريباً. تملؤني غبطة تقديم موسيقاي في هذا الحيّز النابض بالحياة والغني ثقافياً، وأتحرّق شوقاً لمشاركة شغفي وفني مع ناسه وإقامة روابط قوامها لغة الموسيقى العالمية».
منذ إطلاق ألبومه «أرض الأجداد»، وهو يراقب جمهوراً متنوعاً من الشرق الأوسط يتفاعل مع فنه. ومن ملاحظته تزايُد الاهتمام العربي بالبيانو وتعلّق المواهب به في رحلاتهم الموسيقية، يُراكم بركات إلهاماً يقوده نحو الامتنان لـ«إتاحة الفرصة لي للمساهمة في المشهد الموسيقي المزدهر في الشرق الأوسط وخارجه».
تشغله هالة الثقافات والتجارب، وهو يجلس أمام 88 مفتاحاً بالأبيض والأسود على المسارح: «إنها تولّد إحساساً بالعودة إلى الوطن، مما يوفر ألفة مريحة تسمح لي بتكثيف مشاعري والتواصل بعمق مع الموسيقى التي أهديها إلى العالم».