30 عراقية يلتحقن بالشرطة رغم النقد ونظرات الاستغراب

إحداهن تركت المحاماة لتخوض تحدي نشر الأمن في شوارع بغداد

عراقيتان بالزي العسكري في أحد شوارع بغداد ({الشرق الأوسط})
عراقيتان بالزي العسكري في أحد شوارع بغداد ({الشرق الأوسط})
TT

30 عراقية يلتحقن بالشرطة رغم النقد ونظرات الاستغراب

عراقيتان بالزي العسكري في أحد شوارع بغداد ({الشرق الأوسط})
عراقيتان بالزي العسكري في أحد شوارع بغداد ({الشرق الأوسط})

مشاعر من الفخر والفرح ترافق شرطية المرور ملازم أول آلاء علي شلتاغ في عملها وهي تمسك بصفارة التنبيه، وتنظم السير في أحد تقاطعات العاصمة العراقية (بغداد) المزدحمة بحركة السيارات والمشاة معًا.
وعلى الرغم من نظرات الاستغراب التي تتلقاها آلاء (32 عاما) من الناس، فإنها تواصل عملها بحزم كأي شرطي مرور، وتصف تجربتها التي بدأت منذ عام ونصف تقريبا بأنها ناجحة 100 في المائة.
آلاء، أو كما تحب أن يناديها زملاؤها وزميلاتها «سيدي» أو «ملازم أول»، تعتز برتبة الضابط التي حصلت عليها. وعشقها لمهنتها جعلها تترك المحاماة التي عملت بها لمدة سنتين بعد تخرجها من كلية الحقوق، وتوجهت إلى الدراسة في المعهد العالي للتطوير الأمني لمدة تسعة أشهر، لتتخرج برتبة ضابطة بمرسوم جمهوري، إلى جانب نحو 30 شرطية عراقية.
والمعروف أن العراق من البلدان العربية الأولى التي منحت الفرصة للمرأة لتنظيم السير في شوارعها، وذلك في مطلع سبعينات القرن الماضي، وزج بالشرطيات للدراسة في كلية الشرطة، لكن التجربة لم تستمر، وانزوت الشرطيات لمزاولة مهام إدارية داخل مكاتب المرور فقط، لتعود مرة أخرى منذ نحو سنتين بتشجيع من مدير المرور العام.
تقول آلاء، في حديثها لـ«الشرق الأوسط»: «زوجي شجعني كثيرًا لتحقيق حلمي، وعلى الرغم من نظرات الناس واستغرابهم (وحتى ضحكاتهم) وهم يرون امرأة تعمل شرطية في الشارع، فإنها تحفزني للمواصلة، وقد لمست من الجميع تشجيعًا لعملنا الذي اعتبره تحديًا جديدًا لكل العادات والتقاليد التي تحد من عمل المرأة ومشاركتها للرجل في العمل».
وأضافت آلاء: «وجود المرأة في الشارع يعطني انطباعا بالأمن أكثر، ونلمس ذلك من خلال تجاوب الجميع مع ملاحظاتنا لهم وتوجيههم بأهمية الالتزام بقوانين السير والمرور، والابتعاد عن استخدام الهاتف النقال أثناء القيادة، وهي أكثر مخالفة نواجهها اليوم في الشارع، ولها تأثير في زيادة عدد الحوادث المرورية».
وبشأن استقبال زملائها الرجال لعملها ورتبتها العسكرية، قالت: «لمست التشجيع من الجميع، عدا الرجال من الرتب العسكرية الأعلى، لأنهم يخشون منافسة المرأة لمراتبهم!».
أما زميلتها، ملازم أول رشا محمد، فقالت: «نزلت للشارع للعمل الحقيقي، تحديدًا في تقاطع شارع فلسطين وساحة الفارس العربي (أحد الشوارع المزدحمة وسط العاصمة بغداد)، لكننا وزميلاتي لم نواجه صعوبة تذكر، خاصة وقد رافقنا المدير العام وبعض الزملاء من رجال شرطة المرور»،مضيفة: «لمست فرحة الناس، خصوصا من النساء وهن يوجهن لنا التحية في الشارع، ويحرصن على الالتزام بقوانين المرور».
وبشأن التحرش، أو المضايقات التي تعرضت لها، وردود أفعال الأهل، قالت: «ذلك يحصل نادرًا، أقصد ظاهرة التحرش والمضايقة، وهذا ما شجع زميلاتي على الانخراط في سلك الشرطة». وبشأن تقبل الناس لمهنتها، تقول: «إن ذلك يبدو متباينًا بين المتحمس للفكرة والرافض لها تمامًا بحكم أننا نعيش في مجتمع محافظ وعشائري».
وحول الأكثر مخالفة لتعليمات المرور من الرجال والنساء، قالت رشا إن المشاهدات الميدانية أثبتت أن «الرجل يسجل مخالفات على نحو أكثر من المرأة في قيادة المركبة».
من جانبه، يقول المتحدث باسم مديرية المرور العامة، العميد عمار وليد: «أثبتت التجربة نجاحها، وتقبل الناس لمهنة شرطية المرور، على الرغم من قلة عدد الشرطيات وضابطات المرور، إذ بلغ عددهن حتى الآن (30) شرطية في جانبي الكرخ والرصافة، وما زلنا نتلقى الطلبات بشأن الانخراط في هذه التجربة التي أضافت للمرأة قوة على المواجهة، واطمئنانًا في الشارع، وذلك أفضل من انزوائهن في مكاتب المرور الإدارية».
ولفت يقول: «حالة الذهول ما زالت تعتري الناس عندما يشاهدون شرطية المرور أو ضابطة مرور في الشارع، بسبب قلة عددهن وحداثة التجربة، لكننا نسعى لمواكبة التطور الحاصل في البلدان الأخرى».
وبشأن شروط الاختيار، قال: «الشروط هي ذاتها الشروط التي تُحدد اختيار الذكور، منها أن لا يزيد عمرهن عن ست وعشرين عامًا».



رحيل إيلي شويري عاشق لبنان و«أبو الأناشيد الوطنية»

عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»
عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»
TT

رحيل إيلي شويري عاشق لبنان و«أبو الأناشيد الوطنية»

عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»
عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»

إنه «فضلو» في «بياع الخواتم»، و«أبو الأناشيد الوطنية» في مشواره الفني، وأحد عباقرة لبنان الموسيقيين، الذي رحل أول من أمس (الأربعاء) عن عمر ناهز 84 عاماً.
فبعد تعرضه لأزمة صحية نقل على إثرها إلى المستشفى، ودّع الموسيقي إيلي شويري الحياة. وفي حديث لـ«الشرق الأوسط» أكدت ابنته كارول أنها تفاجأت بانتشار الخبر عبر وسائل التواصل الاجتماعي قبل أن تعلم به عائلته. وتتابع: «كنت في المستشفى معه عندما وافاه الأجل. وتوجهت إلى منزلي في ساعة متأخرة لأبدأ بالتدابير اللازمة ومراسم وداعه. وكان الخبر قد ذاع قبل أن أصدر بياناً رسمياً أعلن فيه وفاته».
آخر تكريم رسمي حظي به شويري كان في عام 2017، حين قلده رئيس الجمهورية يومها ميشال عون وسام الأرز الوطني. وكانت له كلمة بالمناسبة أكد فيها أن حياته وعطاءاته ومواهبه الفنية بأجمعها هي كرمى لهذا الوطن.
ولد إيلي شويري عام 1939 في بيروت، وبالتحديد في أحد أحياء منطقة الأشرفية. والده نقولا كان يحضنه وهو يدندن أغنية لمحمد عبد الوهاب. ووالدته تلبسه ثياب المدرسة على صوت الفونوغراف الذي تنساب منه أغاني أم كلثوم مع بزوغ الفجر. أما أقرباؤه وأبناء الجيران والحي الذي يعيش فيه، فكانوا من متذوقي الفن الأصيل، ولذلك اكتمل المشوار، حتى قبل أن تطأ خطواته أول طريق الفن.
- عاشق لبنان
غرق إيلي شويري منذ نعومة أظافره في حبه لوطنه وترجم عشقه لأرضه بأناشيد وطنية نثرها على جبين لبنان، ونبتت في نفوس مواطنيه الذين رددوها في كل زمان ومكان، فصارت لسان حالهم في أيام الحرب والسلم. «بكتب اسمك يا بلادي»، و«صف العسكر» و«تعلا وتتعمر يا دار» و«يا أهل الأرض»... جميعها أغنيات شكلت علامة فارقة في مسيرة شويري الفنية، فميزته عن سواه من أبناء جيله، وذاع صيته في لبنان والعالم العربي وصار مرجعاً معتمداً في قاموس الأغاني الوطنية. اختاره ملك المغرب وأمير قطر ورئيس جمهورية تونس وغيرهم من مختلف أقطار العالم العربي ليضع لهم أجمل معاني الوطن في قالب ملحن لا مثيل له. فإيلي شويري الذي عُرف بـ«أبي الأناشيد الوطنية» كان الفن بالنسبة إليه منذ صغره هَوَساً يعيشه وإحساساً يتلمسه في شكل غير مباشر.
عمل شويري مع الرحابنة لفترة من الزمن حصد منها صداقة وطيدة مع الراحل منصور الرحباني. فكان يسميه «أستاذي» ويستشيره في أي عمل يرغب في القيام به كي يدله على الصح من الخطأ.
حبه للوطن استحوذ على مجمل كتاباته الشعرية حتى لو تناول فيها العشق، «حتى لو رغبت في الكتابة عن أعز الناس عندي، أنطلق من وطني لبنان»، هكذا كان يقول. وإلى هذا الحد كان إيلي شويري عاشقاً للبنان، وهو الذي اعتبر حسه الوطني «قدري وجبلة التراب التي امتزج بها دمي منذ ولادتي».
تعاون مع إيلي شويري أهم نجوم الفن في لبنان، بدءاً بفيروز وسميرة توفيق والراحلين وديع الصافي وصباح، وصولاً إلى ماجدة الرومي. فكان يعدّها من الفنانين اللبنانيين القلائل الملتزمين بالفن الحقيقي. فكتب ولحن لها 9 أغنيات، من بينها «مين إلنا غيرك» و«قوم تحدى» و«كل يغني على ليلاه» و«سقط القناع» و«أنت وأنا» وغيرها. كما غنى له كل من نجوى كرم وراغب علامة وداليدا رحمة.
مشواره مع الأخوين الرحباني بدأ في عام 1962 في مهرجانات بعلبك. وكانت أول أدواره معهم صامتة بحيث يجلس على الدرج ولا ينطق إلا بكلمة واحدة. بعدها انتسب إلى كورس «إذاعة الشرق الأدنى» و«الإذاعة اللبنانية» وتعرّف إلى إلياس الرحباني الذي كان يعمل في الإذاعة، فعرّفه على أخوَيه عاصي ومنصور.

مع أفراد عائلته عند تقلده وسام الأرز الوطني عام 2017

ويروي عن هذه المرحلة: «الدخول على عاصي ومنصور الرحباني يختلف عن كلّ الاختبارات التي يمكن أن تعيشها في حياتك. أذكر أن منصور جلس خلف البيانو وسألني ماذا تحفظ. فغنيت موالاً بيزنطياً. قال لي عاصي حينها؛ من اليوم ممنوع عليك الخروج من هنا. وهكذا كان».
أسندا إليه دور «فضلو» في مسرحية «بياع الخواتم» عام 1964. وفي الشريط السينمائي الذي وقّعه يوسف شاهين في العام التالي. وكرّت السبحة، فعمل في كلّ المسرحيات التي وقعها الرحابنة، من «دواليب الهوا» إلى «أيام فخر الدين»، و«هالة والملك»، و«الشخص»، وصولاً إلى «ميس الريم».
أغنية «بكتب اسمك يا بلادي» التي ألفها ولحنها تعد أنشودة الأناشيد الوطنية. ويقول شويري إنه كتب هذه الأغنية عندما كان في رحلة سفر مع الراحل نصري شمس الدين. «كانت الساعة تقارب الخامسة والنصف بعد الظهر فلفتني منظر الشمس التي بقيت ساطعة في عز وقت الغروب. وعرفت أن الشمس لا تغيب في السماء ولكننا نعتقد ذلك نحن الذين نراها على الأرض. فولدت كلمات الأغنية (بكتب اسمك يا بلادي عالشمس الما بتغيب)».
- مع جوزيف عازار
غنى «بكتب اسمك يا بلادي» المطرب المخضرم جوزيف عازار. ويخبر «الشرق الأوسط» عنها: «ولدت هذه الأغنية في عام 1974 وعند انتهائنا من تسجيلها توجهت وإيلي إلى وزارة الدفاع، وسلمناها كأمانة لمكتب التوجيه والتعاون»، وتابع: «وفوراً اتصلوا بنا من قناة 11 في تلفزيون لبنان، وتولى هذا الاتصال الراحل رياض شرارة، وسلمناه شريط الأغنية فحضروا لها كليباً مصوراً عن الجيش ومعداته، وعرضت في مناسبة عيد الاستقلال من العام نفسه».
يؤكد عازار أنه لا يستطيع اختصار سيرة حياة إيلي شويري ومشواره الفني معه بكلمات قليلة. ويتابع لـ«الشرق الأوسط»: «لقد خسر لبنان برحيله مبدعاً من بلادي كان رفيق درب وعمر بالنسبة لي. أتذكره بشوشاً وطريفاً ومحباً للناس وشفافاً، صادقاً إلى أبعد حدود. آخر مرة التقيته كان في حفل تكريم عبد الحليم كركلا في الجامعة العربية، بعدها انقطعنا عن الاتصال، إذ تدهورت صحته، وأجرى عملية قلب مفتوح. كما فقد نعمة البصر في إحدى عينيه من جراء ضربة تلقاها بالغلط من أحد أحفاده. فضعف نظره وتراجعت صحته، وما عاد يمارس عمله بالشكل الديناميكي المعروف به».
ويتذكر عازار الشهرة الواسعة التي حققتها أغنية «بكتب اسمك يا بلادي»: «كنت أقفل معها أي حفل أنظّمه في لبنان وخارجه. ذاع صيت هذه الأغنية، في بقاع الأرض، وترجمها البرازيليون إلى البرتغالية تحت عنوان (أومينا تيرا)، وأحتفظ بنصّها هذا عندي في المنزل».
- مع غسان صليبا
مع الفنان غسان صليبا أبدع شويري مرة جديدة على الساحة الفنية العربية. وكانت «يا أهل الأرض» واحدة من الأغاني الوطنية التي لا تزال تردد حتى الساعة. ويروي صليبا لـ«الشرق الأوسط»: «كان يعد هذه الأغنية لتصبح شارة لمسلسل فأصررت عليه أن آخذها. وهكذا صار، وحققت نجاحاً منقطع النظير. تعاونت معه في أكثر من عمل. من بينها (كل شيء تغير) و(من يوم ما حبيتك)». ويختم صليبا: «العمالقة كإيلي شويري يغادرونا فقط بالجسد. ولكن بصمتهم الفنية تبقى أبداً ودائماً. لقد كانت تجتمع عنده مواهب مختلفة كملحن وكاتب ومغنٍ وممثل. نادراً ما نشاهدها تحضر عند شخص واحد. مع رحيله خسر لبنان واحداً من عمالقة الفن ومبدعيه. إننا نخسرهم على التوالي، ولكننا واثقون من وجودهم بيننا بأعمالهم الفذة».
لكل أغنية كتبها ولحنها إيلي شويري قصة، إذ كان يستمد موضوعاتها من مواقف ومشاهد حقيقية يعيشها كما كان يردد. لاقت أعماله الانتقادية التي برزت في مسرحية «قاووش الأفراح» و«سهرة شرعية» وغيرهما نجاحاً كبيراً. وفي المقابل، كان يعدها من الأعمال التي ينفذها بقلق. «كنت أخاف أن تخدش الذوق العام بشكل أو بآخر. فكنت ألجأ إلى أستاذي ومعلمي منصور الرحباني كي يرشدني إلى الصح والخطأ فيها».
أما حلم شويري فكان تمنيه أن تحمل له السنوات الباقية من عمره الفرح. فهو كما كان يقول أمضى القسم الأول منها مليئة بالأحزان والدموع. «وبالقليل الذي تبقى لي من سنوات عمري أتمنى أن تحمل لي الابتسامة».