المعارك تحتدم في سوريا بعد انهيار الهدنة.. والنظام يصعّد في حلب

مقتل 16 من «النصرة» في إدلب بينهم القيادي «أبو هاجر الأردني»

سوريون يتفقدون موقع تعرض غارة جوية في المدينة التي تسيطر عليها المعارضة في إدلب (رويتز)
سوريون يتفقدون موقع تعرض غارة جوية في المدينة التي تسيطر عليها المعارضة في إدلب (رويتز)
TT

المعارك تحتدم في سوريا بعد انهيار الهدنة.. والنظام يصعّد في حلب

سوريون يتفقدون موقع تعرض غارة جوية في المدينة التي تسيطر عليها المعارضة في إدلب (رويتز)
سوريون يتفقدون موقع تعرض غارة جوية في المدينة التي تسيطر عليها المعارضة في إدلب (رويتز)

احتدم المشهد الميداني في سوريا في الساعات الـ48 الماضية بما يوحي بسقوط الهدنة نهائيا مع توسع رقعة المعارك لتطال حلب والغوطة وريف حماه ودرعا. وفيما ركّز النظام السوري يوم أمس عملياته شمال البلاد كما على محاولة استعادة قرية الزارة حيث الأكثرية العلوية في ريف حماه، قُتل 16 عنصرا من «جبهة النصرة» في ريف إدلب بغارات نفذتها طائرات حربية لم يتم التأكد من هويتها.
وأفادت مصادر متقاطعة عن مقتل أكثر من 16 عنصرا من «جبهة النصرة» بينهم القيادي «أبو هاجر الأردني» بغارة على ريف إدلب. وقال المرصد السوري لحقوق الإنسان إن طائرات حربية لم تعرف هويتها نفذت أكثر من ستين غارة على مطار أبو الضهور العسكري الذي تسيطر عليه «النصرة» بمحافظة إدلب، ما تسبب بمقتل «16 جهاديا بينهم قيادي رفيع بالجبهة».
إلا أن الأنظار ظلّت متجهة إلى الشمال السوري حيث كثّفت الطائرات الحربية السورية النظامية كما الروسية غاراتها مستهدفة مناطق بريف حلب الجنوبي ومناطق أخرى غربي حلب، وقال المرصد السوري لحقوق الإنسان أن فصائل المعارضة أطلقت قذيفتين على مناطق سيطرة قوات النظام في حي الحمدانية بمدينة حلب دون ورود أنباء عن إصابات، لافتا إلى أن اشتباكات دارت بين قوات النظام والمسلحين الموالين لها من جهة، وفصائل المعارضة من جهة أخرى في محيط الراشدين الخامسة جنوب غربي حلب.
أما المعارضة السورية المسلحة فتحدثت عن «قتل أكثر من خمسين جنديا من قوات النظام والميليشيات خلال تصديها لهجوم بري واسع على حي الراشدين في حلب»، مؤكدة استعادة السيطرة على مخيم حندرات وحي الراشدين. وبثت المعارضة صورا لما قالت: إنه «هروب مجموعات من قوات النظام من مخيم حندرات»، موضحة أنّها قصفت معاقل قوات النظام في تلة حيلان ومنطقة الراموسة جنوب حلب، كما تصدت لهجوم على بلدة خان طومان رغم الغارات الجوية.
من جهته، أشار أسامة أبو زيد، المستشار القانوني للجيش الحر إلى أن النظام السوري يصعّد حاليا على محورين في حلب، محور حندرات كما محور خان طومان، لافتا إلى أن «ميليشيات مرتبطة مباشرة به تستلم المحور الأول بغطاء جوي روسي، فيما يتولى الإيرانيون مباشرة المحور الثاني ميدانيا وإداريا». وقال أبو زيد لـ«الشرق الأوسط»: «نجح الجيش الحر بصد محاولة النظام التقدم باتجاه حندرات رغم الدعم الجوي الروسي، وأوقع عشرات القتلى في صفوفه وفي صفوف الميليشيات الأجنبية، حتى أنّه أسر عدد من عناصر ما يسمى لواء القدس»، لافتا إلى أن «تركيز النظام لا يزال منصبا على حندرات، إلا أنه يحشد أيضا في محيط خان طومان».
وارتأت فصائل المعارضة الرد في ريف حماه على تصعيد النظام في حلب، ففي الوقت الذي أعلنت فيه يوم الخميس السيطرة على قرية الزارة حيث الأكثرية العلوية، قال المرصد السوري يوم أمس أن 19 مدنيا على الأقل قتلوا بينهم ست نساء لدى اقتحام «جبهة النصرة» وفصائل متحالفة معها القرية المذكورة، فيما لا يزال عشرات آخرون مفقودين. وجاء في بيان المرصد أن «المدنيين هم من عوائل المسلحين الموالين للنظام»، موضحا أن عمليات القتل تمت «خلال اقتحام منازل القرية».
وأوضح «مكتب أخبار سوريا» أنّه وبعد سيطرة فصائل المعارضة على الزارة، شنّ الطيران الحربي الروسي والنظامي أكثر من 70 غارة على القرية تزامنًا مع استهدافها بنحو 500 قذيفة مدفعية وصاروخية. ورأت مصادر عسكرية معارضة أن القصف بـ«عنف شديد» على الزارة هدفه الضغط على فصائل المعارضة وإجبارها على الانسحاب منها، متهمة الطيران النظامي بالتسبب بمقتل عشرة مدنيين لم يستطيعوا النزوح من القرية، إثر استهداف منزلين في القرية بغارتين، بينما نزح أكثر من 50 مدنيا باتجاه ريف حمص الشمالي.
وقال مدير المرصد رامي عبد الرحمن لوكالة «الصحافة الفرنسية» إن 16 مقاتلا سقطوا خلال المعارك التي أدت إلى السيطرة على القرية، ثمانية منهم من فصائل موالية للنظام وثمانية من فصائل معارضة له. كما أشار إلى خطف الكثير من المدنيين، من دون أن يورد المزيد من التوضيحات. بدورها نقلت وكالة أنباء «سانا» الرسمية، عن مصدر في قيادة شرطة محافظة حماه، فوله أن «مجموعات إرهابية مسلحة تسللت إلى بلدة الزارة في ريف حماه الجنوبي وقام أفرادها بارتكاب مجزرة بحق الأهالي واختطاف عدد من الأطفال والنساء».
في هذا الوقت، قالت منظمة العفو الدولية يوم أمس الجمعة أن جماعات مسلحة من المعارضة السورية «ربما ارتكبت جرائم حرب» في قصفها المكثف لمنطقة خاضعة لسيطرة كردية في مدينة حلب بشمال البلاد. وأشارت العفو الدولية في بيان إلى تنفيذ ائتلاف لجماعات مسلحة في المنطقة يدعى «فتح حلب»، بصورة متكررة هجمات عشوائية قصفت منازل مدنية وشوارع وأسواقا ومساجد مما أدى إلى مقتل وإصابة مدنيين وأظهر استهانة سافرة بالحياة الإنسانية. وقالت ماجدالينا مغربي، نائبة مدير منطقة الشرق الأوسط بالمنظمة إن الهجمات «قد ترقى إلى جرائم حرب».



القطن المصري... محاولة حكومية لاستعادة «عصره الذهبي» تواجه تحديات

مصطفى مدبولي بصحبة عدد من الوزراء خلال تفقده مصنع الغزل والنسيج في المحلة (مجلس الوزراء المصري)
مصطفى مدبولي بصحبة عدد من الوزراء خلال تفقده مصنع الغزل والنسيج في المحلة (مجلس الوزراء المصري)
TT

القطن المصري... محاولة حكومية لاستعادة «عصره الذهبي» تواجه تحديات

مصطفى مدبولي بصحبة عدد من الوزراء خلال تفقده مصنع الغزل والنسيج في المحلة (مجلس الوزراء المصري)
مصطفى مدبولي بصحبة عدد من الوزراء خلال تفقده مصنع الغزل والنسيج في المحلة (مجلس الوزراء المصري)

تراهن الحكومة المصرية على القطن المشهور بجودته، لاستنهاض صناعة الغزل والنسيج وتصدير منتجاتها إلى الخارج، لكن رهانها يواجه تحديات عدة في ظل تراجع المساحات المزروعة من «الذهب الأبيض»، وانخفاض مؤشرات زيادتها قريباً.

ويمتاز القطن المصري بأنه طويل التيلة، وتزرعه دول محدودة حول العالم، حيث يُستخدم في صناعة الأقمشة الفاخرة. وقد ذاع صيته عالمياً منذ القرن التاسع عشر، حتى أن بعض دور الأزياء السويسرية كانت تعتمد عليه بشكل أساسي، حسب كتاب «سبع خواجات - سير رواد الصناعة الأجانب في مصر»، للكاتب مصطفى عبيد.

ولم يكن القطن بالنسبة لمصر مجرد محصول، بل «وقود» لصناعة الغزل والنسيج، «التي مثلت 40 في المائة من قوة الاقتصاد المصري في مرحلة ما، قبل أن تتهاوى وتصل إلى ما بين 2.5 و3 في المائة حالياً»، حسب رئيس الوزراء المصري مصطفى مدبولي، الذي أكد عناية الدولة باستنهاض هذه الصناعة مجدداً، خلال مؤتمر صحافي من داخل مصنع غزل «1» في مدينة المحلة 28 ديسمبر (كانون الأول) الماضي.

أشار مدبولي، حسب ما نقله بيان مجلس الوزراء، إلى أن مشروع «إحياء الأصول» في الغزل والنسيج يتكلف 56 مليار جنيه (الدولار يعادل 50.7 جنيها مصري)، ويبدأ من حلج القطن، ثم تحويله غزلاً فنسيجاً أو قماشاً، ثم صبغه وتطويره حتى يصل إلى مُنتج سواء ملابس أو منسوجات، متطلعاً إلى أن ينتهي المشروع نهاية 2025 أو بداية 2026 على الأكثر.

وتكمن أهمية المشروع لمصر باعتباره مصدراً للدولار الذي تعاني الدولة من نقصه منذ سنوات؛ ما تسبب في أزمة اقتصادية دفعت الحكومة إلى الاقتراض من صندوق النقد الدولي؛ مرتين أولاهما عام 2016 ثم في 2023.

وبينما دعا مدبولي المزارعين إلى زيادة المساحة المزروعة من القطن، أراد أن يطمئن الذين خسروا من زراعته، أو هجروه لزراعة الذرة والموالح، قائلاً: «مع انتهاء تطوير هذه القلعة الصناعية العام المقبل، فسوف نحتاج إلى كل ما تتم زراعته في مصر لتشغيل تلك المصانع».

وتراجعت زراعة القطن في مصر خلال الفترة من 2000 إلى عام 2021 بنسبة 54 في المائة، من 518 ألفاً و33 فداناً، إلى 237 ألفاً و72 فداناً، حسب دراسة صادرة عن مركز البحوث الزراعية في أبريل (نيسان) الماضي.

وأرجعت الدراسة انكماش مساحته إلى مشكلات خاصة بمدخلات الإنتاج من بذور وتقاوٍ وأسمدة، بالإضافة إلى أزمات مرتبطة بالتسويق.

أزمات الفلاحين

سمع المزارع الستيني محمد سعد، وعود رئيس الوزراء من شاشة تليفزيون منزله في محافظة الغربية (دلتا النيل)، لكنه ما زال قلقاً من زراعة القطن الموسم المقبل، الذي يبدأ في غضون 3 أشهر، تحديداً مارس (آذار) كل عام.

يقول لـ«الشرق الأوسط»: «زرعت قطناً الموسم الماضي، لكن التقاوي لم تثمر كما ينبغي... لو كنت أجَّرت الأرض لكسبت أكثر دون عناء». وأشار إلى أنه قرر الموسم المقبل زراعة ذرة أو موالح بدلاً منه.

نقيب الفلاحين المصري حسين أبو صدام (صفحته بفيسبوك)

على بعد مئات الكيلومترات، في محافظة المنيا (جنوب مصر)، زرع نقيب الفلاحين حسين أبو صدام، القطن وكان أفضل حظاً من سعد، فأزهر محصوله، وحصده مع غيره من المزارعين بقريته في أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، لكن أزمة أخرى خيَّبت أملهم، متوقعاً أن تتراجع زراعة القطن الموسم المقبل مقارنة بالماضي (2024)، الذي بلغت المساحة المزروعة فيه 311 ألف فدان.

تتلخص الأزمة التي شرحها أبو صدام لـ«الشرق الأوسط» في التسويق، قائلاً إن «المحصول تراكم لدى الفلاحين شهوراً عدة؛ لرفض التجار شراءه وفق سعر الضمان الذي سبق وحدَّدته الحكومة لتشجيع الفلاح على زراعة القطن وزيادة المحصول».

ويوضح أن سعر الضمان هو سعر متغير تحدده الحكومة للفلاح قبل أو خلال الموسم الزراعي، وتضمن به ألا يبيع القنطار (وحدة قياس تساوي 100 كيلوغرام) بأقل منه، ويمكن أن يزيد السعر حسب المزايدات التي تقيمها الحكومة لعرض القطن على التجار.

وكان سعر الضمان الموسم الماضي 10 آلاف جنيه، لمحصول القطن من الوجه القبلي، و12 ألف جنيه للمحصول من الوجه البحري «الأعلى جودة». لكن رياح القطن لم تجرِ كما تشتهي سفن الحكومة، حيث انخفضت قيمة القطن المصري عالمياً في السوق، وأرجع نقيب الفلاحين ذلك إلى «الأزمات الإقليمية وتراجع الطلب عليه».

ويحدّد رئيس قسم بحوث المعاملات الزراعية في معهد بحوث القطن التابع لوزارة الزراعة، الدكتور مصطفى عمارة، فارق سعر الضمان عن سعر السوق بنحو ألفي جنيه؛ ما نتج منه عزوف من التجار عن الشراء.

وأكد عمارة أن الدولة تدخلت واشترت جزءاً من المحصول، وحاولت التيسير على التجار لشراء الجزء المتبقي، مقابل أن تعوض هي الفلاح عن الفارق، لكن التجار تراجعوا؛ ما عمق الأزمة في السوق.

يتفق معه نقيب الفلاحين، مؤكداً أن مزارعي القطن يتعرضون لخسارة مستمرة «سواء في المحصول نفسه أو في عدم حصول الفلاح على أمواله؛ ما جعل كثيرين يسخطون وينون عدم تكرار التجربة».

د. مصطفى عمارة رئيس قسم بحوث المعاملات الزراعية (مركز المعلومات ودعم اتخاذ القرار المصري)

فرصة ثانية

يتفق المزارع ونقيب الفلاحين والمسؤول في مركز أبحاث القطن، على أن الحكومة أمامها تحدٍ صعب، لكنه ليس مستحيلاً كي تحافظ على مساحة القطن المزروعة وزيادتها.

أول مفاتيح الحل سرعة استيعاب أزمة الموسم الماضي وشراء المحصول من الفلاحين، ثم إعلان سعر ضمان مجزٍ قبل موسم الزراعة بفترة كافية، وتوفير التقاوي والأسمدة، والأهم الذي أكد عليه المزارع من الغربية محمد سعد، هو عودة نظام الإشراف والمراقبة والعناية بمنظومة زراعة القطن.

ويحذر رئيس قسم بحوث المعاملات الزراعية في معهد بحوث القطن من هجران الفلاحين لزراعة القطن، قائلاً: «لو فلاح القطن هجره فـلن نعوضه».

أنواع جديدة

يشير رئيس غرفة الصناعات النسيجية في اتحاد الصناعات محمد المرشدي، إلى حاجة مصر ليس فقط إلى إقناع الفلاحين بزراعة القطن، لكن أيضاً إلى تعدد أنواعه، موضحاً لـ«الشرق الأوسط» أن القطن طويل التيلة رغم تميزه الشديد، لكن نسبة دخوله في المنسوجات عالمياً قليلة ولا تقارن بالقطن قصير التيلة.

ويؤكد المسؤول في معهد بحوث القطن أنهم استنبطوا بالفعل الكثير من الأنواع الجديدة، وأن خطة الدولة للنهوض بصناعة القطن تبدأ من الزراعة، متمنياً أن يقتنع الفلاح ويساعدهم فيها.