في الهند.. «فتى الأدغال» ليس قصة خرافية

أطفال تربوا في الغابات وتبنتهم الذئاب

مشهد من فيلم «كتاب الأدغال» الذي يعرض حاليًا وهو معتمد على رواية خيالية للمؤلف روديارد كيبلنغ (أفلام «والت ديزني»)
مشهد من فيلم «كتاب الأدغال» الذي يعرض حاليًا وهو معتمد على رواية خيالية للمؤلف روديارد كيبلنغ (أفلام «والت ديزني»)
TT

في الهند.. «فتى الأدغال» ليس قصة خرافية

مشهد من فيلم «كتاب الأدغال» الذي يعرض حاليًا وهو معتمد على رواية خيالية للمؤلف روديارد كيبلنغ (أفلام «والت ديزني»)
مشهد من فيلم «كتاب الأدغال» الذي يعرض حاليًا وهو معتمد على رواية خيالية للمؤلف روديارد كيبلنغ (أفلام «والت ديزني»)

هل يمكن أن تكون شخصية «موغلي» ربيب الذئاب الخيالية التي ألفها روديارد كيبلنغ في «كتاب الأدغال»، شخصية حقيقية؟ ما مصدر إلهام هذه الشخصية؟ كيبلنغ نفسه لم يذكر قطّ إن كان للقصة مرجعية.
وعلى الرغم من ذلك، فقد شهدت الهند كثيرًا من الحالات المماثلة لـ«موغلي» في واقع الحياة ممن عاشوا في الحياة البرية بالأدغال.
راجا كاظمي، ناشط في مجال المحافظة على الحياة البرية، قام بتوثيق كثير من الحالات الواقعية غير المعروفة والمحيرة، التي لم يرد ذكرها في التقارير عن «أطفال بريين»، دوّنها موظفو الاستعمار.
وتظل الصدارة للهند من حيث أكبر عدد تم اكتشافه من الحالات المماثلة، وإن سجلت الكثير من الحالات عبر أنحاء المعمورة. ففي القرن الماضي، جرى العثور على ما يقارب 50 حالة لأطفال يزعم أنهم بريون في الهند. وبدت على جميع أولئك الأطفال آثار حياة الأدغال في سلوكهم. فقد نمت أصابع أقدامهم وأيديهم إلى الداخل بدلا من الخارج، كما نمت النتوءات الصلبة على أيديهم وأقدامهم وركبهم.
وفي حالة حديثة نسبيًا، عُثِر على طفل يُعتقد أنه رضع من دبة، وجرى وضعه في بيت منعزل بمدينة لكنهو بوسط الهند. وكان الطفل البري - الذي يدعى «بهالو» (بمعنى دب) - قد عثر عليه في غابات سلطان بور.
وفي البداية، كان بهالو عدوانيًا وكان ينقض أحيانًا على نزلاء البيت، كان يرفض الطعام ويعوى طيلة الليل ويصفق بيديه بعفوية برية كلما شعر بالحماسة، لكنه بعد ذلك استساغ طعم الأرز والعدس الهندي، وصار أكثر توددًا إلى النزلاء الآخرين، ويشاركهم اللعب في المساحة الشاسعة المحيطة بالمنزل وقام الكثير من جراحي الأعصاب بفحصه لمحاولة تطوير قدرته على الكلام.
وفي غابات مينامار المجاورة للهند، ظهرت امرأة برية عدة مرات، مما دفع البعض للاعتقاد بأنها شبح، فكانت أحيانا تظهر في القرية بهيئة شرسة وهي عارية تمامًا، ولها أظافر طويلة، وشعر أشعث لكنها ما سرعان ما تختفي قبل أن يتمكن أحد من الإمساك بها.
وثمة حالة أخرى لفتاة تدعى نيغ شاهيدي، اختفت من ولاية ميزورام (ولاية في أقصى شمال شرقي الهند) وهي في الرابعة من عمرها، ولم يعثر عليها العثور عليها إلا عام 2012 وهي في الـ42 من العمر. وأُرسلت إلى المنزل من أجل إعادة تأهيلها.
لا تتذكر شاهيدي أي شيء عن الماضي وإن كانت ملمة بمعرفة جيدة عن الأدغال. وهي تستطيع التمييز بين الأعشاب الصالحة للأكل وغيرها السامة، وكذلك أفضل الأماكن التي يوجد بها فاكهة أو نبات معين. فمن الذي علمها كل هذا؟ تقول أختها خلال حديثي معها عبر الهاتف إنها «في البداية كانت تهرب كثيرًا إلى الغابة، وخصوصا عندما تكون معتلة المزاج»، لتقضي الليل بمفردها. وقلت حدة تلك النوبات الليلية، عندما تفهمت الأسرة مزاجها، ومن ثم كانوا يسهروا ليلا عندما تبدو شاردة لحراستها. ويبقى السبب في وضعها على تلك الحالة لغزًا.
وأخيرا، في عام 2007، تم العثور على «موغلي» حقيقي في غابات بنغال الغربية، شمال الهند، وهو طفل يبلغ من العمر الرابعة عشرة، وتم إنقاذه من قِبل بعض المسافرين عندما سقط من فوق شجرة عندما كانوا يعبرون الغابة. ولم يكن الصبي يتحدث بأي لغة ولا يفهم لغة الإشارات. وكان يقتات على أوراق الأشجار فحسب دون أن يأكل أي طعام آخر. وبعد عدة سنوات، تمكن من تعلم بعض لغة الإشارة، وعاش مع البشر، وإن كان ما زال يأكل أوراق الشجر. وتمت إخفاء هويته منذ أن بدأ يعود تدريجيًا إلى الحياة المتمدنة.
وثمة حالة أخري تذكر أن مزارع يدعى «نارسينغ باهدور سينغ» في أثناء طريق عودته إلى بيته من الغابات، ذات يوم، وجد طفلاً في نحو العاشرة من عمره يجري على أربع بين بعض الذئاب الصغيرة. وعندما أمسك المزارع بالطفل وأخذه إلى البيت وسماه «رامو»، تصارع الطفل البري معه بشراسة من خدش وعويل وعض لكي يطلق سراحه، إلا أن سينغ يزعم أنه قضى معه وقتًا طويلاً ليفطمه عن اللحم النيئ، وقد كان يتوارى في الأركان المظلمة ويتعطش للدماء.
أثار «رامو» ضجة عالمية ودرس العلماء من جميع أنحاء العالم حالته. وعندما زاره السير فيليب هنري مانسون بهر من كلية لندن للصحة والطب الاستوائي ليفحص حالته، وجد سمات ذئاب واضحة فيه، قائلا: «من المؤكد أنه قد تربى على يد الحيوانات بطريقة أو بأخرى. ولا أمل في أنسنة هذا المخلوق».
لم يتأقلم رامو مع التحضر، وقِيل إنه كان يطارد الدجاج ليلاً. ومع ذلك فقد عاش حياة هادئة ولم يتعلم الكلام البشري قط. كما أنه عندما تم العثور عليه كان يمتلك شعر كالحيوان، وأظافر أشبه بالمخالب. وقد توفى في عام 1985.
عام 1957 عثر بعض الجنود في أدغال ولاية أتر برديش الهندية على طفل ذئبي آخر. أمسكوا به بينما كان يزحف خارجًا من وكر الذئاب. وأدخلوه المستشفى، ولاحقًا تعرف عليه أبوه «بابولال جتاف» وقال إنه ابنه «باروشرام» الذي اختطفه ذئب في شهر مايو (أيار) 1950، عندما كان لا يتجاوز 18 شهرًا.
ويذكر أن جسده كان تنتشر به الندوب الكبيرة، وأنه كان مولعا بالكلاب الكبيرة. وقد قام البروفسور ويليام ف. أوجبورن من جامعة شيكاغو بفحصه وأوصى بالعلاج الفيزيائي الوظيفي لحالته، لكن والده رفض جميع عروض المساعدة الطبية. ولم يعش باروشرام طويلا، وتوفي عام 1960 إثر إصابته بالحصبة.
السؤال هنا هو لماذا يقوم الذئب بتربية طفل؟ يظن الكثيرون أن هذا شذوذ غريب عن سلوك الذئاب. إلا أن كاظمي – الناشط في مجال المحافظة على الحياة البرية - يقول إن قبائل وسط الهند يطرحون حلاً مثيرًا للريبة لهذا اللغز يفضى إلى أن «السكان الأصليين أعلنوا أنه عندما تفقد الذئبة طفلها.. تختبر آلامًا في الحلمة جراء تراكم اللبن، وبالتالي تقوم بسرقة طفل لترضعه إذ يخفف عملية المص من آلامها، ومنذ ذلك الحين يتم اعتبار الطفل فردًا من الأسرة».
وهنالك أيضًا حالتان نادرتان من فتاتي ذئب، واحدة تدعى «كامالا» والأخرى تدعى «أمالا». وتم إنقاذهما من ثلاث ذئاب عام 1920 في أدغال ميدنابور ببنغال الغربية بواسطة القس جوزيف أرميتو لال سينغ. وعاشتا على أكل اللحم النيئ، وبدتا من دون مشاعر، وكانتا تعويان في الليل مثل الذئاب. توفت أمالا صغيرة، في حين أصبحت كامالا أكثر ودودية في نهاية المطاف، كما تعلمت بعض الكلمات.
وفي البداية كانتا تتذمران وتمزقان ملابسهما، ولم تأكلا شيء سوى اللحم النيئ. وكانتا مشوهتان جسديًا بحيث كانتا تمتلكان أذرعًا وأرجلاً قصيرة الأوتار والمفاصل وأيديًا وركبًا خشنة متصلبة وأسنانًا حادة الحواف.
وعلى الرغم من امتلاكهما لحاسة نظر وسمع وشم استثنائية، لم تهتما بالتفاعل مع البشر. وقد حال سلوكهما الحيواني دون نجاح محاولات القس سينغ في إدماجهما مع الأطفال. تعلمت كامالا الوقوف على قدميها، كما تعلمت بعض الكلام، إلا أنها توفيت عام 1929 إثر إصابتها بالفشل الكلوي وهي في السابعة عشرة.
وقد ذكر بهانو كابيل قصة كامالا وأمالا في كتابه «البشر - الحيوانيون: مشروع من أجل أطفال المستقبل»، على عهدة رواية القس سينغ.
وكان دينا سانيشار في السادسة من عمرها عندما عثر عليها مجموعة من القناصة، عام 1867، في وكر ذئاب في منطقة بولاندشاهر (المعروفة حاليًا في الهند باسم أتر برديش). وقد أثار دهشتهم رؤية فتى يتبع ذئبه إلى جحرها وهو يمشي على أربع. فأخرجوه من الحجر وقتلوا الذئب. في البداية، كانت تصدر عن سانيشار جميع تصرفات الحيوان البري، كان يمزق الثياب ويأكل الطعام من الأرض. وباءت محاولات الجميع بالفشل في تعليمه التحدث، على الرغم من أنه أمضى أكثر من 20 عامًا في الملجأ. غير أنهم تمكنوا من تدريبه على كيفيه ارتداء الملابس وأكل الطعام المطهي. وسانيشار هو الطفل الذئبي الوحيد الذي تمكن من العيش حتى مرحلة الرشد. وتوفي عام 1895 بمرض السل.
وأفضل ما كُتب عن حالة سانيشار، هو الجيولوجي الرائد «فالنتين» بـ«المنظمة الهند للبحث الجيولوجي»، وهو أيضًا أنثروبولوجي وعالِم طيور بارع ومدير للمتحف القومي في آيرلندا. وقد سجل تفاصيل دقيقة عن حالة سانيشار في كتابه «حياة الأدغال في الهند» (1880).
وعلى الرغم من ذلك، فإن أول حالة حقيقة لفتى الأدغال جرى توثيقها عام 1845، ثم سُجلت بعد ذلك حالات أخرى في 1850 و1858 و1860 بالتعاقب.



رحيل إيلي شويري عاشق لبنان و«أبو الأناشيد الوطنية»

عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»
عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»
TT

رحيل إيلي شويري عاشق لبنان و«أبو الأناشيد الوطنية»

عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»
عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»

إنه «فضلو» في «بياع الخواتم»، و«أبو الأناشيد الوطنية» في مشواره الفني، وأحد عباقرة لبنان الموسيقيين، الذي رحل أول من أمس (الأربعاء) عن عمر ناهز 84 عاماً.
فبعد تعرضه لأزمة صحية نقل على إثرها إلى المستشفى، ودّع الموسيقي إيلي شويري الحياة. وفي حديث لـ«الشرق الأوسط» أكدت ابنته كارول أنها تفاجأت بانتشار الخبر عبر وسائل التواصل الاجتماعي قبل أن تعلم به عائلته. وتتابع: «كنت في المستشفى معه عندما وافاه الأجل. وتوجهت إلى منزلي في ساعة متأخرة لأبدأ بالتدابير اللازمة ومراسم وداعه. وكان الخبر قد ذاع قبل أن أصدر بياناً رسمياً أعلن فيه وفاته».
آخر تكريم رسمي حظي به شويري كان في عام 2017، حين قلده رئيس الجمهورية يومها ميشال عون وسام الأرز الوطني. وكانت له كلمة بالمناسبة أكد فيها أن حياته وعطاءاته ومواهبه الفنية بأجمعها هي كرمى لهذا الوطن.
ولد إيلي شويري عام 1939 في بيروت، وبالتحديد في أحد أحياء منطقة الأشرفية. والده نقولا كان يحضنه وهو يدندن أغنية لمحمد عبد الوهاب. ووالدته تلبسه ثياب المدرسة على صوت الفونوغراف الذي تنساب منه أغاني أم كلثوم مع بزوغ الفجر. أما أقرباؤه وأبناء الجيران والحي الذي يعيش فيه، فكانوا من متذوقي الفن الأصيل، ولذلك اكتمل المشوار، حتى قبل أن تطأ خطواته أول طريق الفن.
- عاشق لبنان
غرق إيلي شويري منذ نعومة أظافره في حبه لوطنه وترجم عشقه لأرضه بأناشيد وطنية نثرها على جبين لبنان، ونبتت في نفوس مواطنيه الذين رددوها في كل زمان ومكان، فصارت لسان حالهم في أيام الحرب والسلم. «بكتب اسمك يا بلادي»، و«صف العسكر» و«تعلا وتتعمر يا دار» و«يا أهل الأرض»... جميعها أغنيات شكلت علامة فارقة في مسيرة شويري الفنية، فميزته عن سواه من أبناء جيله، وذاع صيته في لبنان والعالم العربي وصار مرجعاً معتمداً في قاموس الأغاني الوطنية. اختاره ملك المغرب وأمير قطر ورئيس جمهورية تونس وغيرهم من مختلف أقطار العالم العربي ليضع لهم أجمل معاني الوطن في قالب ملحن لا مثيل له. فإيلي شويري الذي عُرف بـ«أبي الأناشيد الوطنية» كان الفن بالنسبة إليه منذ صغره هَوَساً يعيشه وإحساساً يتلمسه في شكل غير مباشر.
عمل شويري مع الرحابنة لفترة من الزمن حصد منها صداقة وطيدة مع الراحل منصور الرحباني. فكان يسميه «أستاذي» ويستشيره في أي عمل يرغب في القيام به كي يدله على الصح من الخطأ.
حبه للوطن استحوذ على مجمل كتاباته الشعرية حتى لو تناول فيها العشق، «حتى لو رغبت في الكتابة عن أعز الناس عندي، أنطلق من وطني لبنان»، هكذا كان يقول. وإلى هذا الحد كان إيلي شويري عاشقاً للبنان، وهو الذي اعتبر حسه الوطني «قدري وجبلة التراب التي امتزج بها دمي منذ ولادتي».
تعاون مع إيلي شويري أهم نجوم الفن في لبنان، بدءاً بفيروز وسميرة توفيق والراحلين وديع الصافي وصباح، وصولاً إلى ماجدة الرومي. فكان يعدّها من الفنانين اللبنانيين القلائل الملتزمين بالفن الحقيقي. فكتب ولحن لها 9 أغنيات، من بينها «مين إلنا غيرك» و«قوم تحدى» و«كل يغني على ليلاه» و«سقط القناع» و«أنت وأنا» وغيرها. كما غنى له كل من نجوى كرم وراغب علامة وداليدا رحمة.
مشواره مع الأخوين الرحباني بدأ في عام 1962 في مهرجانات بعلبك. وكانت أول أدواره معهم صامتة بحيث يجلس على الدرج ولا ينطق إلا بكلمة واحدة. بعدها انتسب إلى كورس «إذاعة الشرق الأدنى» و«الإذاعة اللبنانية» وتعرّف إلى إلياس الرحباني الذي كان يعمل في الإذاعة، فعرّفه على أخوَيه عاصي ومنصور.

مع أفراد عائلته عند تقلده وسام الأرز الوطني عام 2017

ويروي عن هذه المرحلة: «الدخول على عاصي ومنصور الرحباني يختلف عن كلّ الاختبارات التي يمكن أن تعيشها في حياتك. أذكر أن منصور جلس خلف البيانو وسألني ماذا تحفظ. فغنيت موالاً بيزنطياً. قال لي عاصي حينها؛ من اليوم ممنوع عليك الخروج من هنا. وهكذا كان».
أسندا إليه دور «فضلو» في مسرحية «بياع الخواتم» عام 1964. وفي الشريط السينمائي الذي وقّعه يوسف شاهين في العام التالي. وكرّت السبحة، فعمل في كلّ المسرحيات التي وقعها الرحابنة، من «دواليب الهوا» إلى «أيام فخر الدين»، و«هالة والملك»، و«الشخص»، وصولاً إلى «ميس الريم».
أغنية «بكتب اسمك يا بلادي» التي ألفها ولحنها تعد أنشودة الأناشيد الوطنية. ويقول شويري إنه كتب هذه الأغنية عندما كان في رحلة سفر مع الراحل نصري شمس الدين. «كانت الساعة تقارب الخامسة والنصف بعد الظهر فلفتني منظر الشمس التي بقيت ساطعة في عز وقت الغروب. وعرفت أن الشمس لا تغيب في السماء ولكننا نعتقد ذلك نحن الذين نراها على الأرض. فولدت كلمات الأغنية (بكتب اسمك يا بلادي عالشمس الما بتغيب)».
- مع جوزيف عازار
غنى «بكتب اسمك يا بلادي» المطرب المخضرم جوزيف عازار. ويخبر «الشرق الأوسط» عنها: «ولدت هذه الأغنية في عام 1974 وعند انتهائنا من تسجيلها توجهت وإيلي إلى وزارة الدفاع، وسلمناها كأمانة لمكتب التوجيه والتعاون»، وتابع: «وفوراً اتصلوا بنا من قناة 11 في تلفزيون لبنان، وتولى هذا الاتصال الراحل رياض شرارة، وسلمناه شريط الأغنية فحضروا لها كليباً مصوراً عن الجيش ومعداته، وعرضت في مناسبة عيد الاستقلال من العام نفسه».
يؤكد عازار أنه لا يستطيع اختصار سيرة حياة إيلي شويري ومشواره الفني معه بكلمات قليلة. ويتابع لـ«الشرق الأوسط»: «لقد خسر لبنان برحيله مبدعاً من بلادي كان رفيق درب وعمر بالنسبة لي. أتذكره بشوشاً وطريفاً ومحباً للناس وشفافاً، صادقاً إلى أبعد حدود. آخر مرة التقيته كان في حفل تكريم عبد الحليم كركلا في الجامعة العربية، بعدها انقطعنا عن الاتصال، إذ تدهورت صحته، وأجرى عملية قلب مفتوح. كما فقد نعمة البصر في إحدى عينيه من جراء ضربة تلقاها بالغلط من أحد أحفاده. فضعف نظره وتراجعت صحته، وما عاد يمارس عمله بالشكل الديناميكي المعروف به».
ويتذكر عازار الشهرة الواسعة التي حققتها أغنية «بكتب اسمك يا بلادي»: «كنت أقفل معها أي حفل أنظّمه في لبنان وخارجه. ذاع صيت هذه الأغنية، في بقاع الأرض، وترجمها البرازيليون إلى البرتغالية تحت عنوان (أومينا تيرا)، وأحتفظ بنصّها هذا عندي في المنزل».
- مع غسان صليبا
مع الفنان غسان صليبا أبدع شويري مرة جديدة على الساحة الفنية العربية. وكانت «يا أهل الأرض» واحدة من الأغاني الوطنية التي لا تزال تردد حتى الساعة. ويروي صليبا لـ«الشرق الأوسط»: «كان يعد هذه الأغنية لتصبح شارة لمسلسل فأصررت عليه أن آخذها. وهكذا صار، وحققت نجاحاً منقطع النظير. تعاونت معه في أكثر من عمل. من بينها (كل شيء تغير) و(من يوم ما حبيتك)». ويختم صليبا: «العمالقة كإيلي شويري يغادرونا فقط بالجسد. ولكن بصمتهم الفنية تبقى أبداً ودائماً. لقد كانت تجتمع عنده مواهب مختلفة كملحن وكاتب ومغنٍ وممثل. نادراً ما نشاهدها تحضر عند شخص واحد. مع رحيله خسر لبنان واحداً من عمالقة الفن ومبدعيه. إننا نخسرهم على التوالي، ولكننا واثقون من وجودهم بيننا بأعمالهم الفذة».
لكل أغنية كتبها ولحنها إيلي شويري قصة، إذ كان يستمد موضوعاتها من مواقف ومشاهد حقيقية يعيشها كما كان يردد. لاقت أعماله الانتقادية التي برزت في مسرحية «قاووش الأفراح» و«سهرة شرعية» وغيرهما نجاحاً كبيراً. وفي المقابل، كان يعدها من الأعمال التي ينفذها بقلق. «كنت أخاف أن تخدش الذوق العام بشكل أو بآخر. فكنت ألجأ إلى أستاذي ومعلمي منصور الرحباني كي يرشدني إلى الصح والخطأ فيها».
أما حلم شويري فكان تمنيه أن تحمل له السنوات الباقية من عمره الفرح. فهو كما كان يقول أمضى القسم الأول منها مليئة بالأحزان والدموع. «وبالقليل الذي تبقى لي من سنوات عمري أتمنى أن تحمل لي الابتسامة».