انقسام بين الدول حول إعادة بناء تمثالي بوذا في باميان الأفغانية

بعد 13 عاما من تفجير طالبان.. النقاشات تمتد إلى اليونيسكو

تمثالا بوذا وتحويلهما إلى كومة من الركام
تمثالا بوذا وتحويلهما إلى كومة من الركام
TT

انقسام بين الدول حول إعادة بناء تمثالي بوذا في باميان الأفغانية

تمثالا بوذا وتحويلهما إلى كومة من الركام
تمثالا بوذا وتحويلهما إلى كومة من الركام

بعد 13 عاما من تفجير طالبان تمثالي بوذا في مقاطعة باميان الأفغانية وتحويلها إلى كومة من الركام، يواجه العالم حاليا مأزقا جديدا؛ هل يترك الفجوات الفارغة في الجبل حيث كان التمثالان العملاقان يقفان في السابق، أم يعيد بناء التمثالين من الركام الذي تبقى، أم يصنع نسخا مماثلة منهما. وكما يجري هذه الأيام في الأغلب بين أفغانستان وحلفائها الغربيين، تغلب الانقسامات في الرأي على النقاشات.
ترى الدول المانحة الرئيسة التي ستضطر إلى تمويل عملية إعادة بناء التمثالين، ضرورة الإبقاء على الموقع الأثري على وضعه الحالي، في الوقت الراهن على الأقل، في حين تبدي الحكومة الأفغانية رغبة في إعادة بناء تمثال واحد على الأقل.
تدور نقاشات عنيفة بين علماء الآثار حول إمكانية بناء التمثالين، فيما تتوق الحكومة الأفغانية إلى تحقيق انتصار رمزي على طالبان زاعمة بأن إعادة بناء التمثالين هي التي ستحقق هذا الانتصار. وتخشى الأطراف التي ستمول عملية البناء تلك من أن القطع القليلة المتبقية من القطع الأصلية لن تنجح في عملية إعادة بناء التمثالين على الإطلاق، وأنها لن تكون سوى محاولة لإعادة الاستنساخ عنها كرواية حقيقية للتاريخ، بحسب تقرر لـ«نيويورك تايمز».
امتدت المناقشات الحادة إلى اليونيسكو وكثير من الجهات المانحة الأخرى، التي عينت قبل عدة سنوات مجموعة عمل خبيرة تعقد اجتماعات سنوية منذ عشر سنوات بشأن مصير الموقع، ولا تزال هذه المجموعة تتمسك برأيها في ضرورة الحفاظ على الموقع الذي كان يقف فيه التمثالان خشية وقوع مزيد من الأضرار. وهو ما يجعل من عملية الحفاظ على الموقع متمتعة بالرأي الأغلب، حيث أعلنت اليونيسكو منطقة باميان بوذا والمناطق القديمة الأخرى في المنطقة، مناطق تابعة لمواقع التراث العالمي التي تشرف عليها اليونيسكو، ولذا، فإن أي تعديل في وجه جبل باميان ينبغي أن تجري الموافقة عليه من جانب مجموعة العمل هذه.
لكن قرار هذه اللجنة واجه معارضة كبيرة، فقد بدأت جماعة ألمانية للحفاظ على التراث العام الماضي، التي تقوم بالحفاظ على استقرار المحراب الشرقي، ببناء ركائز لدعم العمل الحجري وحماية الزائرين من الانهيار المحتمل.
لكن الركائز بدت أشبه بأقدام عملاقة على نحو صارخ، مشابهة في الحقيقة لتلك التي بناها علماء الآثار الهنود لتحل محل الأصلية المفقودة في السبعينات. ولم يخف مايكل بيتزيت، عالم الآثار الذي يرأس الفرع الألماني للمجلس الدولي للآثار والمواقع الذي يقوم بكثير من أعمال الحفاظ لصالح اليونيسكو، نواياه بإعادة بناء التمثالين.
وقال البروفسور بيتزيت: «هذه الأقدام، كانت الفكرة الوحيدة عن أمن البناء ككل. وربما في المستقبل إذا أرادت الحكومة الأفغانية القيام بمزيد من ذلك، فسيكون بمقدورها استكماله».
وعندما اكتشفت اليونيسكو ما يجري، طلبت في الحال من الحكومة الأفغانية إصدار أمر بوقف عملية البناء، وجاء القرار خلال النقاشات الحامية التي شهدها اجتماع مجموعة عمل الخبراء في ديسمبر (كانون الأول) الماضي.
ويقول براندن كازار، من اليونيسكو: «أولويتنا هي استقرار العناصر الأيقونية لمواقع التراث العالمي غير المستقرة. والقيام بأعمال البناء في الوقت الذي لم تتمكن فيه من معالجة الخطوات من 1 إلى 9، أمر غير ملائم».
وأشار إلى أن المحراب الغربي لا يزال يواجه خطر الانهيار، حيث تسقط الحجارة والركام بانتظام، نتيجة المتفجرات الكبيرة التي استخدمتها طالبان لتدمير الآثار. والتعهدات من المانحين لتمويل حتى العمل الأساسي، لا تزال بحاجة إلى 700.000 دولار.
وقال: «موقف اليونيسكو هو أن عملية الترميم تعد بمثابة وضع العربة أمام الحصان. نحن بحاجة إلى إنقاذ كل الخيارات لأجيال المستقبل».
وأكد البروفسور بيتزيت أن إعادة بناء تمثالي بوذا، لا تختلف عن الجهود السابقة لإعادة تجميع الأجزاء من المنتدى الروماني (مشروع انتقده علماء الآثار) أو إعادة بناء لوحات الفسيفساء التي دمرها زلزال أسيسي في إيطاليا. وقال: «ربما يكون من قبيل الإنسانية القيام بذلك، ففي فرنسا أعيد بناء الكاتدرائيات على الطراز القوطي بعد تفجيرها على يد البروتستانت في القرن السابع عشر». وقال: «لقد تحدثت مع كثير من الأفغان، وهم لا يرغبون في أن يجبر أبناؤهم وأحفادهم من قبل طالبان على رؤية الأطلال فقط».
من لا يعرفون الكثير عن أفغانستان يعلمون أن هذه البلاد كانت تحتوي على أثر رائع في جبل عال، حيث كان يمر طريق الحرير بمقاطعة هندو كوش، وحيث تنتشر معابد بوذا التي ازدهرت في القرن السادس الميلادي.
كان الرهبان قد نحتوا الجبل بارتفاع مئات الأقدام، لبناء غرف للمراسم والعزلة فيها، حيث يوجد أكثر من ألف منها في منطقة تماثيل بوذا المدمرة. ويبلغ أطول التمثالين اللذين دمرا 174 قدما؛ وهو الأطول في العالم وأطول من تمثال الحرية، بينما كان طول الأصغر 115 قدما.
ويربط بين الكهوف والمحاريب، حيث كان يقف تمثالا بوذا، عبر شبكة من الأنفاق والسلالم والممرات المحفورة في الصخور الصلبة، التي لا يزال كثير منها قائما لم يمس بعد.



رحيل إيلي شويري عاشق لبنان و«أبو الأناشيد الوطنية»

عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»
عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»
TT

رحيل إيلي شويري عاشق لبنان و«أبو الأناشيد الوطنية»

عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»
عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»

إنه «فضلو» في «بياع الخواتم»، و«أبو الأناشيد الوطنية» في مشواره الفني، وأحد عباقرة لبنان الموسيقيين، الذي رحل أول من أمس (الأربعاء) عن عمر ناهز 84 عاماً.
فبعد تعرضه لأزمة صحية نقل على إثرها إلى المستشفى، ودّع الموسيقي إيلي شويري الحياة. وفي حديث لـ«الشرق الأوسط» أكدت ابنته كارول أنها تفاجأت بانتشار الخبر عبر وسائل التواصل الاجتماعي قبل أن تعلم به عائلته. وتتابع: «كنت في المستشفى معه عندما وافاه الأجل. وتوجهت إلى منزلي في ساعة متأخرة لأبدأ بالتدابير اللازمة ومراسم وداعه. وكان الخبر قد ذاع قبل أن أصدر بياناً رسمياً أعلن فيه وفاته».
آخر تكريم رسمي حظي به شويري كان في عام 2017، حين قلده رئيس الجمهورية يومها ميشال عون وسام الأرز الوطني. وكانت له كلمة بالمناسبة أكد فيها أن حياته وعطاءاته ومواهبه الفنية بأجمعها هي كرمى لهذا الوطن.
ولد إيلي شويري عام 1939 في بيروت، وبالتحديد في أحد أحياء منطقة الأشرفية. والده نقولا كان يحضنه وهو يدندن أغنية لمحمد عبد الوهاب. ووالدته تلبسه ثياب المدرسة على صوت الفونوغراف الذي تنساب منه أغاني أم كلثوم مع بزوغ الفجر. أما أقرباؤه وأبناء الجيران والحي الذي يعيش فيه، فكانوا من متذوقي الفن الأصيل، ولذلك اكتمل المشوار، حتى قبل أن تطأ خطواته أول طريق الفن.
- عاشق لبنان
غرق إيلي شويري منذ نعومة أظافره في حبه لوطنه وترجم عشقه لأرضه بأناشيد وطنية نثرها على جبين لبنان، ونبتت في نفوس مواطنيه الذين رددوها في كل زمان ومكان، فصارت لسان حالهم في أيام الحرب والسلم. «بكتب اسمك يا بلادي»، و«صف العسكر» و«تعلا وتتعمر يا دار» و«يا أهل الأرض»... جميعها أغنيات شكلت علامة فارقة في مسيرة شويري الفنية، فميزته عن سواه من أبناء جيله، وذاع صيته في لبنان والعالم العربي وصار مرجعاً معتمداً في قاموس الأغاني الوطنية. اختاره ملك المغرب وأمير قطر ورئيس جمهورية تونس وغيرهم من مختلف أقطار العالم العربي ليضع لهم أجمل معاني الوطن في قالب ملحن لا مثيل له. فإيلي شويري الذي عُرف بـ«أبي الأناشيد الوطنية» كان الفن بالنسبة إليه منذ صغره هَوَساً يعيشه وإحساساً يتلمسه في شكل غير مباشر.
عمل شويري مع الرحابنة لفترة من الزمن حصد منها صداقة وطيدة مع الراحل منصور الرحباني. فكان يسميه «أستاذي» ويستشيره في أي عمل يرغب في القيام به كي يدله على الصح من الخطأ.
حبه للوطن استحوذ على مجمل كتاباته الشعرية حتى لو تناول فيها العشق، «حتى لو رغبت في الكتابة عن أعز الناس عندي، أنطلق من وطني لبنان»، هكذا كان يقول. وإلى هذا الحد كان إيلي شويري عاشقاً للبنان، وهو الذي اعتبر حسه الوطني «قدري وجبلة التراب التي امتزج بها دمي منذ ولادتي».
تعاون مع إيلي شويري أهم نجوم الفن في لبنان، بدءاً بفيروز وسميرة توفيق والراحلين وديع الصافي وصباح، وصولاً إلى ماجدة الرومي. فكان يعدّها من الفنانين اللبنانيين القلائل الملتزمين بالفن الحقيقي. فكتب ولحن لها 9 أغنيات، من بينها «مين إلنا غيرك» و«قوم تحدى» و«كل يغني على ليلاه» و«سقط القناع» و«أنت وأنا» وغيرها. كما غنى له كل من نجوى كرم وراغب علامة وداليدا رحمة.
مشواره مع الأخوين الرحباني بدأ في عام 1962 في مهرجانات بعلبك. وكانت أول أدواره معهم صامتة بحيث يجلس على الدرج ولا ينطق إلا بكلمة واحدة. بعدها انتسب إلى كورس «إذاعة الشرق الأدنى» و«الإذاعة اللبنانية» وتعرّف إلى إلياس الرحباني الذي كان يعمل في الإذاعة، فعرّفه على أخوَيه عاصي ومنصور.

مع أفراد عائلته عند تقلده وسام الأرز الوطني عام 2017

ويروي عن هذه المرحلة: «الدخول على عاصي ومنصور الرحباني يختلف عن كلّ الاختبارات التي يمكن أن تعيشها في حياتك. أذكر أن منصور جلس خلف البيانو وسألني ماذا تحفظ. فغنيت موالاً بيزنطياً. قال لي عاصي حينها؛ من اليوم ممنوع عليك الخروج من هنا. وهكذا كان».
أسندا إليه دور «فضلو» في مسرحية «بياع الخواتم» عام 1964. وفي الشريط السينمائي الذي وقّعه يوسف شاهين في العام التالي. وكرّت السبحة، فعمل في كلّ المسرحيات التي وقعها الرحابنة، من «دواليب الهوا» إلى «أيام فخر الدين»، و«هالة والملك»، و«الشخص»، وصولاً إلى «ميس الريم».
أغنية «بكتب اسمك يا بلادي» التي ألفها ولحنها تعد أنشودة الأناشيد الوطنية. ويقول شويري إنه كتب هذه الأغنية عندما كان في رحلة سفر مع الراحل نصري شمس الدين. «كانت الساعة تقارب الخامسة والنصف بعد الظهر فلفتني منظر الشمس التي بقيت ساطعة في عز وقت الغروب. وعرفت أن الشمس لا تغيب في السماء ولكننا نعتقد ذلك نحن الذين نراها على الأرض. فولدت كلمات الأغنية (بكتب اسمك يا بلادي عالشمس الما بتغيب)».
- مع جوزيف عازار
غنى «بكتب اسمك يا بلادي» المطرب المخضرم جوزيف عازار. ويخبر «الشرق الأوسط» عنها: «ولدت هذه الأغنية في عام 1974 وعند انتهائنا من تسجيلها توجهت وإيلي إلى وزارة الدفاع، وسلمناها كأمانة لمكتب التوجيه والتعاون»، وتابع: «وفوراً اتصلوا بنا من قناة 11 في تلفزيون لبنان، وتولى هذا الاتصال الراحل رياض شرارة، وسلمناه شريط الأغنية فحضروا لها كليباً مصوراً عن الجيش ومعداته، وعرضت في مناسبة عيد الاستقلال من العام نفسه».
يؤكد عازار أنه لا يستطيع اختصار سيرة حياة إيلي شويري ومشواره الفني معه بكلمات قليلة. ويتابع لـ«الشرق الأوسط»: «لقد خسر لبنان برحيله مبدعاً من بلادي كان رفيق درب وعمر بالنسبة لي. أتذكره بشوشاً وطريفاً ومحباً للناس وشفافاً، صادقاً إلى أبعد حدود. آخر مرة التقيته كان في حفل تكريم عبد الحليم كركلا في الجامعة العربية، بعدها انقطعنا عن الاتصال، إذ تدهورت صحته، وأجرى عملية قلب مفتوح. كما فقد نعمة البصر في إحدى عينيه من جراء ضربة تلقاها بالغلط من أحد أحفاده. فضعف نظره وتراجعت صحته، وما عاد يمارس عمله بالشكل الديناميكي المعروف به».
ويتذكر عازار الشهرة الواسعة التي حققتها أغنية «بكتب اسمك يا بلادي»: «كنت أقفل معها أي حفل أنظّمه في لبنان وخارجه. ذاع صيت هذه الأغنية، في بقاع الأرض، وترجمها البرازيليون إلى البرتغالية تحت عنوان (أومينا تيرا)، وأحتفظ بنصّها هذا عندي في المنزل».
- مع غسان صليبا
مع الفنان غسان صليبا أبدع شويري مرة جديدة على الساحة الفنية العربية. وكانت «يا أهل الأرض» واحدة من الأغاني الوطنية التي لا تزال تردد حتى الساعة. ويروي صليبا لـ«الشرق الأوسط»: «كان يعد هذه الأغنية لتصبح شارة لمسلسل فأصررت عليه أن آخذها. وهكذا صار، وحققت نجاحاً منقطع النظير. تعاونت معه في أكثر من عمل. من بينها (كل شيء تغير) و(من يوم ما حبيتك)». ويختم صليبا: «العمالقة كإيلي شويري يغادرونا فقط بالجسد. ولكن بصمتهم الفنية تبقى أبداً ودائماً. لقد كانت تجتمع عنده مواهب مختلفة كملحن وكاتب ومغنٍ وممثل. نادراً ما نشاهدها تحضر عند شخص واحد. مع رحيله خسر لبنان واحداً من عمالقة الفن ومبدعيه. إننا نخسرهم على التوالي، ولكننا واثقون من وجودهم بيننا بأعمالهم الفذة».
لكل أغنية كتبها ولحنها إيلي شويري قصة، إذ كان يستمد موضوعاتها من مواقف ومشاهد حقيقية يعيشها كما كان يردد. لاقت أعماله الانتقادية التي برزت في مسرحية «قاووش الأفراح» و«سهرة شرعية» وغيرهما نجاحاً كبيراً. وفي المقابل، كان يعدها من الأعمال التي ينفذها بقلق. «كنت أخاف أن تخدش الذوق العام بشكل أو بآخر. فكنت ألجأ إلى أستاذي ومعلمي منصور الرحباني كي يرشدني إلى الصح والخطأ فيها».
أما حلم شويري فكان تمنيه أن تحمل له السنوات الباقية من عمره الفرح. فهو كما كان يقول أمضى القسم الأول منها مليئة بالأحزان والدموع. «وبالقليل الذي تبقى لي من سنوات عمري أتمنى أن تحمل لي الابتسامة».