الجيش الليبي يبدأ عمليات واسعة لتحرير سرت

مالطا ترهن فتح سفارتها في طرابلس بعودة الأمن

فائز السراج رئيس حكومة الوفاق الوطني في مؤتمر صحافي مشترك مع رئيس وزراء مالطا جوزيف موسكات أمس في طرابلس (رويترز)
فائز السراج رئيس حكومة الوفاق الوطني في مؤتمر صحافي مشترك مع رئيس وزراء مالطا جوزيف موسكات أمس في طرابلس (رويترز)
TT

الجيش الليبي يبدأ عمليات واسعة لتحرير سرت

فائز السراج رئيس حكومة الوفاق الوطني في مؤتمر صحافي مشترك مع رئيس وزراء مالطا جوزيف موسكات أمس في طرابلس (رويترز)
فائز السراج رئيس حكومة الوفاق الوطني في مؤتمر صحافي مشترك مع رئيس وزراء مالطا جوزيف موسكات أمس في طرابلس (رويترز)

بدأ الجيش الليبي رسميا أمس معركة تحرير مدينة سرت الساحلية، بعدما أصدر القائد العام الفريق أول خليفة حفتر، أوامره بتحرك قوات الجيش نحو المدينة، التي يهيمن عليها تنظيم داعش منذ منتصف العام الماضي، فيما حل رئيس وزراء مالطا جوزيف موسكات أمس ضيفا على العاصمة طرابلس، وذلك في أحدث زيارة يقوم بها مسؤول أوروبي رفيع المستوى للمدينة.
ورهن موسكات، الذي التقى مع فائز السراج رئيس حكومة الوفاق الوطني المدعومة من بعثة الأمم المتحدة، عودة البعثة الدبلوماسية المالطية وحل مشكلة تأشيرات السفر، بعودة الاستقرار والأمن إلى العاصمة. وقال، وفقا لبيان وزعه المكتب الإعلامي للسراج، إن بلاده «تتطلع إلى تحقيق ذلك في وقت قريب.. والمسألة تعتمد على استعادة الأمن في المدينة وفي البلد، وعندها ستكون مالطا أول من تعيد نشاطها الدبلوماسي وشركاتها وخطوطها الجوية».
وعبر رئيس الحكومة المالطية خلال مؤتمر صحافي مشترك مع السراج، عن أمله في أن يعجل مجلس النواب، الذي يتخذ من مدينة طبرق مقرا له، بعقد جلسة منح الثقة لحكومة السراج التي تحظى بدعم المجتمع الدولي، وعدّ أن زيارته تعد رسالة سياسية مهمة تعكس عمق العلاقة بين مالطا وليبيا، وتؤكد على التأييد الأوروبي الكامل لحكومة السراج.
وكان رئيس وزراء مالطا قد وصل إلى طرابلس على رأس وفد ضم وزير الخارجية جورج فيلا، حيث التقى السراج بمقره في القاعدة البحرية الرئيسية بطرابلس، قبل أن تعقد جلسة مباحثات موسعة ضمت أربعة من أعضاء المجلس.
من جهته، أكد السراج أن ما تطلبه ليبيا من المجتمع الدولي هو «المساعدة وليس التدخل»، مشيرا إلى أن نوعية هذه المساعد سوف يحددها خبراء ليبيون. وبعدما لفت النظر إلى قضية الهجرة غير الشرعية التي «تؤرق ليبيا ومالطا والكثير من الدول»، قال إن «ليبيا بلد عبور وليس بلد استقرار للمهاجرين، والقضية لها جوانب سياسية وأمنية وإنسانية»، مضيفا أن «ليبيا تسعى لمعالجة الموضوع بشكل جذري».
إلى ذلك، بدأت قوات الجيش الليبي أمس عمليات عسكرية واسعة النطاق لتحرير مدينة سرت، التي تقع على بعد نحو 450 كيلومترا شرق طرابلس؛ إذ قالت مصادر ليبية لـ«الشرق الأوسط» إن قوات الجيش بدأت تحركها باتجاه سرت، انطلاقا من عدة مدن تتمركز فيها قوات الجيش الليبي منذ فترة. فيما قالت غرفة عمليات الجيش الليبي إن تعليمات حفتر صدرت لقوات الجيش بالتحرك، لكنها لم تفصح عن مزيد من التفاصيل، فيما نفى العقيد أحمد المسماري، الناطق الرسمي باسم القيادة العامة للجيش الليبي، إدلاءه بأي تصريحات صحافية أمس بخصوص أي تحركات عسكرية.
من جانبها، تعهدت غرفة عمليات اجدابيا بتأمين مرور قوات الجيش الليبي إلى سرت، وهددت بالقضاء على أي مجموعة تريد عرقلتها، وأضافت موضحة أن «هدف الجيش تحرير سرت من الإرهاب والإرهابيين، ومن يعرقل تقدم هذه القوة فهو إرهابي مساند وداعم للخوارج»، لافتة النظر إلى أن القوات المسلحة المرابطة في مدينة اجدابيا ستشارك في عملية سرت الكبرى، وحذرت من أن «هناك من يريد عرقلة عمل الغرفة في تأمين المدينة، وخلال الأيام القليلة المقبلة ستتم السيطرة الكاملة على مداخل ومخارج المدينة».
والتزم السراج والمؤتمر الوطني العام (البرلمان) السابق والمنتهية ولايته، وما تسمى «حكومة الإنقاذ الوطني» الموالية له بطرابلس، الصمت حيال هذه التطورات التي ستعمق من حجم الخلافات بين حفتر والحكومة الجديدة في طرابلس وسلطاتها غير الشرعية.
وكان السراج قد أعلن رسميا معارضته لتحرك حفتر المنفرد، وطلب في المقابل من مختلف القوى العسكرية في البلاد انتظار تعليمات القائد الأعلى للجيش بتعيين «قيادة مشتركة للعمليات» لتحرير سرت، محذرا من أن «كل مخالف لهذه التعليمات يعتبر منتهكا للقوانين العسكرية ومعرقلا للجهود المبذولة في توحيد الصف لمحاربة الإرهاب».
ويسيطر «داعش» على سرت، مسقط رأس العقيد الراحل معمر القذافي، منذ العام الماضي، حيث أعلن إقامة إمارة متطرفة فيها واستقبل آلاف المقاتلين الأجانب بعيدا عن سلطة أي جهة رسمية.
من جهة أخرى، غادرت أمس ناقلة منعتها من التحميل مؤسسة نفطية موازية أسستها الحكومة التي يوجد مقرها بشرق ليبيا، ميناء مرسى الحريقة، بعد أن حذر مسؤول نفطي في طرابلس من أن منع التحميل من الميناء قد يخفض الإنتاج إلى 120 ألف برميل يوميا. وقال مسؤول بقطاع الموانئ إن الناقلة «سي تشانس»، التي كان من المقرر أن تقوم بتحميل 600 ألف برميل من النفط لصالح المؤسسة الوطنية للنفط في طرابلس، غادرت الميناء باختيارها.
وينذر الخلاف في الحريقة، الذي يأتي في إطار صراع سياسي أوسع بين الفصائل في شرق ليبيا وغربها، بتقليص إنتاج البلاد على نحو أكبر بعد انخفاضه إلى أقل من ربع ذروته المسجلة في 2011 والبالغة 1.6 مليون برميل يوميا. ويتركز جزء كبير من إنتاج النفط الليبي في الشرق. ولدى المؤسسة الوطنية للنفط في طرابلس خطط طموحة لإنعاش الإنتاج، لكنها مهددة مع استمرار الصراع السياسي والهجمات المتكررة لمسلحي «داعش» على مرافق نفطية في الشرق.
وكانت مؤسسة النفط الموازية، التي تتخذ من بنغازي مقرا، قد أمرت عمال الميناء بعدم تحميل «سي تشانس» بعد أن أدرجت الأمم المتحدة أولى شحنات النفط التي حاولت مؤسسة الشرق تصديرها على القائمة السوداء، وأعادت الناقلة التي كانت تحمل الشحنة لتفريغ حمولتها في غرب ليبيا.
وتحذر المؤسسة الوطنية للنفط في طرابلس ومؤيدوها في الغرب من أن الجهود التي تتبناها المؤسسة الموازية لبيع النفط بشكل مستقل تهدد بإدخال البلاد في أزمة أعمق. لكن السياسيين في شرق البلاد، الذين لم يوافقوا بعد على حكومة الوفاق الوطني التي تحظى بدعم الأمم المتحدة وتحاول ترسيخ حضورها في العاصمة، يصرون على أن المؤسسة الوطنية للنفط في بنغازي هي التي تتمتع بالشرعية.
وقال ناجي المغربي، رئيس المؤسسة الموجودة في بنغازي، إنه لا توجد خطط لإغلاق ميناء الحريقة، ورجح أن يكون قرار رفض تحميل «سي تشانس» لأسباب إجرائية. وأضاف المغربي لوكالة «رويترز»: «لا خطة لإغلاق الميناء. فالإيرادات لليبيين جميعا، ونحن نطلب فقط الحصول على وثائق أي شحنة مقدما.. وإلا فلن يسمح لها بالتحميل. ما زلنا نحترم كل العقود».



اللاجئون الفلسطينيون يعودون إلى مخيم «اليرموك» في سوريا

اللاجئ الفلسطيني خالد خليفة يدعو لابنه المدفون في مقبرة مخيم اليرموك المدمرة (أ.ف.ب)
اللاجئ الفلسطيني خالد خليفة يدعو لابنه المدفون في مقبرة مخيم اليرموك المدمرة (أ.ف.ب)
TT

اللاجئون الفلسطينيون يعودون إلى مخيم «اليرموك» في سوريا

اللاجئ الفلسطيني خالد خليفة يدعو لابنه المدفون في مقبرة مخيم اليرموك المدمرة (أ.ف.ب)
اللاجئ الفلسطيني خالد خليفة يدعو لابنه المدفون في مقبرة مخيم اليرموك المدمرة (أ.ف.ب)

كان مخيم اليرموك للاجئين في سوريا، الذي يقع خارج دمشق، يُعدّ عاصمة الشتات الفلسطيني قبل أن تؤدي الحرب إلى تقليصه لمجموعة من المباني المدمرة.

سيطر على المخيم، وفقاً لوكالة «أسوشييتد برس»، مجموعة من الجماعات المسلحة ثم تعرض للقصف من الجو، وأصبح خالياً تقريباً منذ عام 2018، والمباني التي لم تدمرها القنابل هدمت أو نهبها اللصوص.

رويداً رويداً، بدأ سكان المخيم في العودة إليه، وبعد سقوط الرئيس السوري السابق بشار الأسد في 8 ديسمبر (كانون الأول)، يأمل الكثيرون في أن يتمكنوا من العودة.

في الوقت نفسه، لا يزال اللاجئون الفلسطينيون في سوريا، الذين يبلغ عددهم نحو 450 ألف شخص، غير متأكدين من وضعهم في النظام الجديد.

أطفال يلعبون أمام منازل مدمرة بمخيم اليرموك للاجئين في سوريا (أ.ف.ب)

وتساءل السفير الفلسطيني لدى سوريا، سمير الرفاعي: «كيف ستتعامل القيادة السورية الجديدة مع القضية الفلسطينية؟»، وتابع: «ليس لدينا أي فكرة لأننا لم نتواصل مع بعضنا بعضاً حتى الآن».

بعد أيام من انهيار حكومة الأسد، مشت النساء في مجموعات عبر شوارع اليرموك، بينما كان الأطفال يلعبون بين الأنقاض. مرت الدراجات النارية والدراجات الهوائية والسيارات أحياناً بين المباني المدمرة. في إحدى المناطق الأقل تضرراً، كان سوق الفواكه والخضراوات يعمل بكثافة.

عاد بعض الأشخاص لأول مرة منذ سنوات للتحقق من منازلهم. آخرون كانوا قد عادوا سابقاً ولكنهم يفكرون الآن فقط في إعادة البناء والعودة بشكل دائم.

غادر أحمد الحسين المخيم في عام 2011، بعد فترة وجيزة من بداية الانتفاضة ضد الحكومة التي تحولت إلى حرب أهلية، وقبل بضعة أشهر، عاد للإقامة مع أقاربه في جزء غير مدمر من المخيم بسبب ارتفاع الإيجارات في أماكن أخرى، والآن يأمل في إعادة بناء منزله.

هيكل إحدى ألعاب الملاهي في مخيم اليرموك بسوريا (أ.ف.ب)

قال الحسين: «تحت حكم الأسد، لم يكن من السهل الحصول على إذن من الأجهزة الأمنية لدخول المخيم. كان عليك الجلوس على طاولة والإجابة عن أسئلة مثل: مَن هي والدتك؟ مَن هو والدك؟ مَن في عائلتك تم اعتقاله؟ عشرون ألف سؤال للحصول على الموافقة».

وأشار إلى إن الناس الذين كانوا مترددين يرغبون في العودة الآن، ومن بينهم ابنه الذي هرب إلى ألمانيا.

جاءت تغريد حلاوي مع امرأتين أخريين، يوم الخميس، للتحقق من منازلهن. وتحدثن بحسرة عن الأيام التي كانت فيها شوارع المخيم تعج بالحياة حتى الساعة الثالثة أو الرابعة صباحاً.

قالت تغريد: «أشعر بأن فلسطين هنا، حتى لو كنت بعيدة عنها»، مضيفة: «حتى مع كل هذا الدمار، أشعر وكأنها الجنة. آمل أن يعود الجميع، جميع الذين غادروا البلاد أو يعيشون في مناطق أخرى».

بني مخيم اليرموك في عام 1957 للاجئين الفلسطينيين، لكنه تطور ليصبح ضاحية نابضة بالحياة حيث استقر العديد من السوريين من الطبقة العاملة به. قبل الحرب، كان يعيش فيه نحو 1.2 مليون شخص، بما في ذلك 160 ألف فلسطيني، وفقاً لوكالة الأمم المتحدة للاجئين الفلسطينيين (الأونروا). اليوم، يضم المخيم نحو 8 آلاف لاجئ فلسطيني ممن بقوا أو عادوا.

لا يحصل اللاجئون الفلسطينيون في سوريا على الجنسية، للحفاظ على حقهم في العودة إلى مدنهم وقراهم التي أُجبروا على مغادرتها في فلسطين عام 1948.

لكن، على عكس لبنان المجاورة، حيث يُمنع الفلسطينيون من التملك أو العمل في العديد من المهن، كان للفلسطينيين في سوريا تاريخياً جميع حقوق المواطنين باستثناء حق التصويت والترشح للمناصب.

في الوقت نفسه، كانت للفصائل الفلسطينية علاقة معقدة مع السلطات السورية. كان الرئيس السوري الأسبق حافظ الأسد وزعيم «منظمة التحرير الفلسطينية»، ياسر عرفات، خصمين. وسُجن العديد من الفلسطينيين بسبب انتمائهم لحركة «فتح» التابعة لعرفات.

قال محمود دخنوس، معلم متقاعد عاد إلى «اليرموك» للتحقق من منزله، إنه كان يُستدعى كثيراً للاستجواب من قبل أجهزة الاستخبارات السورية.

وأضاف متحدثاً عن عائلة الأسد: «على الرغم من ادعاءاتهم بأنهم مع (المقاومة) الفلسطينية، في الإعلام كانوا كذلك، لكن على الأرض كانت الحقيقة شيئاً آخر».

وبالنسبة لحكام البلاد الجدد، قال: «نحتاج إلى مزيد من الوقت للحكم على موقفهم تجاه الفلسطينيين في سوريا. لكن العلامات حتى الآن خلال هذا الأسبوع، المواقف والمقترحات التي يتم طرحها من قبل الحكومة الجديدة جيدة للشعب والمواطنين».

حاولت الفصائل الفلسطينية في اليرموك البقاء محايدة عندما اندلع الصراع في سوريا، ولكن بحلول أواخر 2012، انجر المخيم إلى الصراع ووقفت فصائل مختلفة على جوانب متعارضة.

عرفات في حديث مع حافظ الأسد خلال احتفالات ذكرى الثورة الليبية في طرابلس عام 1989 (أ.ف.ب)

منذ سقوط الأسد، كانت الفصائل تسعى لتوطيد علاقتها مع الحكومة الجديدة. قالت مجموعة من الفصائل الفلسطينية، في بيان يوم الأربعاء، إنها شكلت هيئة برئاسة السفير الفلسطيني لإدارة العلاقات مع السلطات الجديدة في سوريا.

ولم تعلق القيادة الجديدة، التي ترأسها «هيئة تحرير الشام»، رسمياً على وضع اللاجئين الفلسطينيين.

قدمت الحكومة السورية المؤقتة، الجمعة، شكوى إلى مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة تدين دخول القوات الإسرائيلية للأراضي السورية في مرتفعات الجولان وقصفها لعدة مناطق في سوريا.

لكن زعيم «هيئة تحرير الشام»، أحمد الشرع، المعروف سابقاً باسم «أبو محمد الجولاني»، قال إن الإدارة الجديدة لا تسعى إلى صراع مع إسرائيل.

وقال الرفاعي إن قوات الأمن الحكومية الجديدة دخلت مكاتب ثلاث فصائل فلسطينية وأزالت الأسلحة الموجودة هناك، لكن لم يتضح ما إذا كان هناك قرار رسمي لنزع سلاح الجماعات الفلسطينية.