مسرح «أريسكو بالاس» يعود للجمهور اللبناني بعد سنين من إغلاقه

رانيا برغوت تنفخ الأكسجين فيه لتعيده إلى الحياة

المذيعة التلفزيونية رانيا برغوت  ({الشرق الأوسط})
المذيعة التلفزيونية رانيا برغوت ({الشرق الأوسط})
TT

مسرح «أريسكو بالاس» يعود للجمهور اللبناني بعد سنين من إغلاقه

المذيعة التلفزيونية رانيا برغوت  ({الشرق الأوسط})
المذيعة التلفزيونية رانيا برغوت ({الشرق الأوسط})

«من هنا أعلن اليوم افتتاح ذا بالاس».. هكذا لخّصت المذيعة التلفزيونية رانيا برغوت، نجاحها في تحقيق واحد من أحلامها من خلال إعادة افتتاح مسرح «أريسكو بالاس» في بيروت بعد سنوات طويلة على إغلاقه، عندما عقدت مؤتمرًا صحافيًا على خشبة المسرح المذكور حضره وزير السياحة ميشال فرعون وعدد من أهل الصحافة والفن. ووصفت برغوت عودة المسرح إلى الحياة، بأنه حلم تحقق كان طالما راودها وشغل أفكارها منذ أن كانت طالبة جامعية.
وتحدّثت برغوت عن تشبثّها بحلمها إلى حدّ جعلها تقوم بهذه المغامرة دون تردّد، رغم انتقادها من قبل كثيرين رأوا في مبادرتها هذه ضربا من الجنون، في خضمّ الأزمات التي يتخبّط فيها لبنان.
ويعدّ هذا المسرح الذي كانت الراحلة صباح آخر العنقود من الفنانين الذين قدّموا على خشبته مسرحية استعراضية «كنز الأسطورة» في عام 1994، واحدا من أكبر وأشهر المسارح الحديثة في لبنان. فموقعه وسط بيروت في شارع الصنائع «منطقة الحمرا»، وتميّزه في تقديم استعراضات فنيّة راقية منذ تأسيسه في أوائل التسعينات، جعله محور أحاديث الصالونات اللبنانية في تلك الحقبة. ويتّسع «أريسكو بالاس» لأكثر من 500 شخص وقد تمّ إعادة تجهيزه ليواكب تطورات العصر تقنيًا وتكنولوجيًا. كما حرصت رانيا برغوت على إكمال مشهديته الحديثة من خلال ديكورات جديدة أدخلتها عليه، والإضاءة المتطورة المستخدمة فيه، ومقاعده التي جعلتها تتّسم بطابع الجلسة الدافئة والمريحة معًا، والموزّعة على مستويات مختلفة من الصالة، والمستوحاة من جلسات أجواء الشرق الأقصى.
وتؤكد برغوت أن اختصاصيين وخبراء في علوم الفن يؤلّفون الفريق المشرف على الأعمال الفنيّة في هذا المسرح، وبينهم زياد أبو عبسي (ممثل وأستاذ مسرح) وعايدة صبرا (ممثلة وأستاذة تعبير جسماني) وزياد سحّاب (ملحّن وعازف عود) ومازن كيوان (أستاذ في فنّ الرقص).
ووصفت عايدة صبرا في حديث لـ«الشرق الأوسط» هذه الخطوة بالجريئة، معتبرة أن الموسم المسرحي في لبنان هذا العام كان مشجّعًا دون الحاجة إلى مساعدة أحد. وقالت: «(أريسكو بالاس) عرفته في الماضي كصالة سينما وهو من ذاكرة المدينة، ونحن اليوم بأمس الحاجة للمسارح شرط أن تحاط بخطط ذكيّة تعيد إحياء زمن المسرح الذهبي في لبنان».
الافتتاح الرسمي لـ«ذا بالاس» (التسمية الجديدة له)، هي مع انطلاقة «مهرجان بيروت الدولي للتانغو» في الثالث من شهر مايو (أيار) الحالي، والذي يستمرّ حتى الثامن منه تحت عنوان «تانغو الهوى». وتنطلق الحفلتان الأولى والثانية منه تحييهما ديبورا روس مجسّدة روح التانغو الأرجنتيني، ويرافقها عزفا ليساندرو دونوسو على الأكورديون ومارتين لوياتو على البوق.
أما العمل المسرحي الثاني المنتظر أن تشهده خشبة (ذا بالاس) في أكتوبر (تشرين الأول) المقبل، فهو «كوكتيل مولوتوف» لكاتبته مايا سعيد. وهو من إخراج فؤاد يمّين ومن بطولة عمّار شلق وأندريه ناكوزي وإيلي متري وغيرهم.
كما سيشهد أيضًا في المستقبل تقديم أعمال ترفيهية في يومي الجمعة والسبت من كلّ أسبوع، من إنتاج شركة «ر.ستارز» (لصاحبتها رانيا برغوت) وهي عبارة عن عروض في الغناء والرقص والتمثيل تقدّمها مواهب لبنانية وعربية.
وتقول رانيا برغوت: «كل اهتمامي ومحور حلمي كان يدور في أفق واحد ألا وهو عدم وصول أولادنا إلى التفكير في الهجرة، فنكبر بعيدًا عنهم ولا نعود نراهم إلا في الأعياد والمناسبات». وتابعت: «حلمي كبر مع الوقت وهو بالتأكيد يراود غالبية الأمهات في لبنان. وهذا المسرح سيكون مساحة متاحة أمام الشباب اللبناني والعربي المستقرّ في بلدنا، فيفتح أبوابه أمام أي موهبة أو طاقة إبداعية ترغب في إظهارها إلى العلن، ونحن سنكون في انتظارها لمساعدتها وبلورة قدراتها في أي مجال فنّي كان».
أما لماذا اختارت هذا المسرح بالذات؟ فتقول: «زرع هذا الحلم في داخلي أستاذي في الجامعة زياد أبو عيسى، وكنت يومها طالبة خجولة أخاف التعبير عما يخالجني. وبعد تجربتي في مجال الإعلام وأثر التحوّلات التي طالت شخصيتي، قررت أن أركض وراء حلمي هذا في بيروت كوني ابنة هذه المدينة، فوجدت مرادي في هذا المسرح ومنه انطلقت في مشروعي».
والمعروف أن المذيعة رانيا برغوت لديها تجربة كبيرة في عالم التلفزيون، اشتهرت بتقديم برنامج المنوعات «ما يطلبه المشاهدون» على قناة (إم بي سي)، كما نالت عام 2009 لقب الإعلامية الأكثر تأثيرًا في العالم العربي، وقدّمت برنامج «هذا أنا» عام 2011 على (إم بي سي) أيضًا، فحاورت فنانين حديثين ومخضرمين ومن بينهم الراحلة وردة الجزائرية، وحاليًا تشارك في تقديم برنامج «كلام نواعم» على القناة نفسها.



رحيل إيلي شويري عاشق لبنان و«أبو الأناشيد الوطنية»

عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»
عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»
TT

رحيل إيلي شويري عاشق لبنان و«أبو الأناشيد الوطنية»

عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»
عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»

إنه «فضلو» في «بياع الخواتم»، و«أبو الأناشيد الوطنية» في مشواره الفني، وأحد عباقرة لبنان الموسيقيين، الذي رحل أول من أمس (الأربعاء) عن عمر ناهز 84 عاماً.
فبعد تعرضه لأزمة صحية نقل على إثرها إلى المستشفى، ودّع الموسيقي إيلي شويري الحياة. وفي حديث لـ«الشرق الأوسط» أكدت ابنته كارول أنها تفاجأت بانتشار الخبر عبر وسائل التواصل الاجتماعي قبل أن تعلم به عائلته. وتتابع: «كنت في المستشفى معه عندما وافاه الأجل. وتوجهت إلى منزلي في ساعة متأخرة لأبدأ بالتدابير اللازمة ومراسم وداعه. وكان الخبر قد ذاع قبل أن أصدر بياناً رسمياً أعلن فيه وفاته».
آخر تكريم رسمي حظي به شويري كان في عام 2017، حين قلده رئيس الجمهورية يومها ميشال عون وسام الأرز الوطني. وكانت له كلمة بالمناسبة أكد فيها أن حياته وعطاءاته ومواهبه الفنية بأجمعها هي كرمى لهذا الوطن.
ولد إيلي شويري عام 1939 في بيروت، وبالتحديد في أحد أحياء منطقة الأشرفية. والده نقولا كان يحضنه وهو يدندن أغنية لمحمد عبد الوهاب. ووالدته تلبسه ثياب المدرسة على صوت الفونوغراف الذي تنساب منه أغاني أم كلثوم مع بزوغ الفجر. أما أقرباؤه وأبناء الجيران والحي الذي يعيش فيه، فكانوا من متذوقي الفن الأصيل، ولذلك اكتمل المشوار، حتى قبل أن تطأ خطواته أول طريق الفن.
- عاشق لبنان
غرق إيلي شويري منذ نعومة أظافره في حبه لوطنه وترجم عشقه لأرضه بأناشيد وطنية نثرها على جبين لبنان، ونبتت في نفوس مواطنيه الذين رددوها في كل زمان ومكان، فصارت لسان حالهم في أيام الحرب والسلم. «بكتب اسمك يا بلادي»، و«صف العسكر» و«تعلا وتتعمر يا دار» و«يا أهل الأرض»... جميعها أغنيات شكلت علامة فارقة في مسيرة شويري الفنية، فميزته عن سواه من أبناء جيله، وذاع صيته في لبنان والعالم العربي وصار مرجعاً معتمداً في قاموس الأغاني الوطنية. اختاره ملك المغرب وأمير قطر ورئيس جمهورية تونس وغيرهم من مختلف أقطار العالم العربي ليضع لهم أجمل معاني الوطن في قالب ملحن لا مثيل له. فإيلي شويري الذي عُرف بـ«أبي الأناشيد الوطنية» كان الفن بالنسبة إليه منذ صغره هَوَساً يعيشه وإحساساً يتلمسه في شكل غير مباشر.
عمل شويري مع الرحابنة لفترة من الزمن حصد منها صداقة وطيدة مع الراحل منصور الرحباني. فكان يسميه «أستاذي» ويستشيره في أي عمل يرغب في القيام به كي يدله على الصح من الخطأ.
حبه للوطن استحوذ على مجمل كتاباته الشعرية حتى لو تناول فيها العشق، «حتى لو رغبت في الكتابة عن أعز الناس عندي، أنطلق من وطني لبنان»، هكذا كان يقول. وإلى هذا الحد كان إيلي شويري عاشقاً للبنان، وهو الذي اعتبر حسه الوطني «قدري وجبلة التراب التي امتزج بها دمي منذ ولادتي».
تعاون مع إيلي شويري أهم نجوم الفن في لبنان، بدءاً بفيروز وسميرة توفيق والراحلين وديع الصافي وصباح، وصولاً إلى ماجدة الرومي. فكان يعدّها من الفنانين اللبنانيين القلائل الملتزمين بالفن الحقيقي. فكتب ولحن لها 9 أغنيات، من بينها «مين إلنا غيرك» و«قوم تحدى» و«كل يغني على ليلاه» و«سقط القناع» و«أنت وأنا» وغيرها. كما غنى له كل من نجوى كرم وراغب علامة وداليدا رحمة.
مشواره مع الأخوين الرحباني بدأ في عام 1962 في مهرجانات بعلبك. وكانت أول أدواره معهم صامتة بحيث يجلس على الدرج ولا ينطق إلا بكلمة واحدة. بعدها انتسب إلى كورس «إذاعة الشرق الأدنى» و«الإذاعة اللبنانية» وتعرّف إلى إلياس الرحباني الذي كان يعمل في الإذاعة، فعرّفه على أخوَيه عاصي ومنصور.

مع أفراد عائلته عند تقلده وسام الأرز الوطني عام 2017

ويروي عن هذه المرحلة: «الدخول على عاصي ومنصور الرحباني يختلف عن كلّ الاختبارات التي يمكن أن تعيشها في حياتك. أذكر أن منصور جلس خلف البيانو وسألني ماذا تحفظ. فغنيت موالاً بيزنطياً. قال لي عاصي حينها؛ من اليوم ممنوع عليك الخروج من هنا. وهكذا كان».
أسندا إليه دور «فضلو» في مسرحية «بياع الخواتم» عام 1964. وفي الشريط السينمائي الذي وقّعه يوسف شاهين في العام التالي. وكرّت السبحة، فعمل في كلّ المسرحيات التي وقعها الرحابنة، من «دواليب الهوا» إلى «أيام فخر الدين»، و«هالة والملك»، و«الشخص»، وصولاً إلى «ميس الريم».
أغنية «بكتب اسمك يا بلادي» التي ألفها ولحنها تعد أنشودة الأناشيد الوطنية. ويقول شويري إنه كتب هذه الأغنية عندما كان في رحلة سفر مع الراحل نصري شمس الدين. «كانت الساعة تقارب الخامسة والنصف بعد الظهر فلفتني منظر الشمس التي بقيت ساطعة في عز وقت الغروب. وعرفت أن الشمس لا تغيب في السماء ولكننا نعتقد ذلك نحن الذين نراها على الأرض. فولدت كلمات الأغنية (بكتب اسمك يا بلادي عالشمس الما بتغيب)».
- مع جوزيف عازار
غنى «بكتب اسمك يا بلادي» المطرب المخضرم جوزيف عازار. ويخبر «الشرق الأوسط» عنها: «ولدت هذه الأغنية في عام 1974 وعند انتهائنا من تسجيلها توجهت وإيلي إلى وزارة الدفاع، وسلمناها كأمانة لمكتب التوجيه والتعاون»، وتابع: «وفوراً اتصلوا بنا من قناة 11 في تلفزيون لبنان، وتولى هذا الاتصال الراحل رياض شرارة، وسلمناه شريط الأغنية فحضروا لها كليباً مصوراً عن الجيش ومعداته، وعرضت في مناسبة عيد الاستقلال من العام نفسه».
يؤكد عازار أنه لا يستطيع اختصار سيرة حياة إيلي شويري ومشواره الفني معه بكلمات قليلة. ويتابع لـ«الشرق الأوسط»: «لقد خسر لبنان برحيله مبدعاً من بلادي كان رفيق درب وعمر بالنسبة لي. أتذكره بشوشاً وطريفاً ومحباً للناس وشفافاً، صادقاً إلى أبعد حدود. آخر مرة التقيته كان في حفل تكريم عبد الحليم كركلا في الجامعة العربية، بعدها انقطعنا عن الاتصال، إذ تدهورت صحته، وأجرى عملية قلب مفتوح. كما فقد نعمة البصر في إحدى عينيه من جراء ضربة تلقاها بالغلط من أحد أحفاده. فضعف نظره وتراجعت صحته، وما عاد يمارس عمله بالشكل الديناميكي المعروف به».
ويتذكر عازار الشهرة الواسعة التي حققتها أغنية «بكتب اسمك يا بلادي»: «كنت أقفل معها أي حفل أنظّمه في لبنان وخارجه. ذاع صيت هذه الأغنية، في بقاع الأرض، وترجمها البرازيليون إلى البرتغالية تحت عنوان (أومينا تيرا)، وأحتفظ بنصّها هذا عندي في المنزل».
- مع غسان صليبا
مع الفنان غسان صليبا أبدع شويري مرة جديدة على الساحة الفنية العربية. وكانت «يا أهل الأرض» واحدة من الأغاني الوطنية التي لا تزال تردد حتى الساعة. ويروي صليبا لـ«الشرق الأوسط»: «كان يعد هذه الأغنية لتصبح شارة لمسلسل فأصررت عليه أن آخذها. وهكذا صار، وحققت نجاحاً منقطع النظير. تعاونت معه في أكثر من عمل. من بينها (كل شيء تغير) و(من يوم ما حبيتك)». ويختم صليبا: «العمالقة كإيلي شويري يغادرونا فقط بالجسد. ولكن بصمتهم الفنية تبقى أبداً ودائماً. لقد كانت تجتمع عنده مواهب مختلفة كملحن وكاتب ومغنٍ وممثل. نادراً ما نشاهدها تحضر عند شخص واحد. مع رحيله خسر لبنان واحداً من عمالقة الفن ومبدعيه. إننا نخسرهم على التوالي، ولكننا واثقون من وجودهم بيننا بأعمالهم الفذة».
لكل أغنية كتبها ولحنها إيلي شويري قصة، إذ كان يستمد موضوعاتها من مواقف ومشاهد حقيقية يعيشها كما كان يردد. لاقت أعماله الانتقادية التي برزت في مسرحية «قاووش الأفراح» و«سهرة شرعية» وغيرهما نجاحاً كبيراً. وفي المقابل، كان يعدها من الأعمال التي ينفذها بقلق. «كنت أخاف أن تخدش الذوق العام بشكل أو بآخر. فكنت ألجأ إلى أستاذي ومعلمي منصور الرحباني كي يرشدني إلى الصح والخطأ فيها».
أما حلم شويري فكان تمنيه أن تحمل له السنوات الباقية من عمره الفرح. فهو كما كان يقول أمضى القسم الأول منها مليئة بالأحزان والدموع. «وبالقليل الذي تبقى لي من سنوات عمري أتمنى أن تحمل لي الابتسامة».