جماعات العنف.. الخروج من رحم «الإخوان»

قسمهم على المصحف والمسدس ومدارسهم «السجون»

استعراض لمقاتلي «داعش» في شوارع الرقة شمال سوريا بعد دخولهم إليها في صورة تعود إلى يونيو 2014 (رويترز)
استعراض لمقاتلي «داعش» في شوارع الرقة شمال سوريا بعد دخولهم إليها في صورة تعود إلى يونيو 2014 (رويترز)
TT

جماعات العنف.. الخروج من رحم «الإخوان»

استعراض لمقاتلي «داعش» في شوارع الرقة شمال سوريا بعد دخولهم إليها في صورة تعود إلى يونيو 2014 (رويترز)
استعراض لمقاتلي «داعش» في شوارع الرقة شمال سوريا بعد دخولهم إليها في صورة تعود إلى يونيو 2014 (رويترز)

قال خبراء في شؤون الجماعات المتشددة في مصر إن جماعات العنف والإرهاب خرجت كلها من رحم جماعة الإخوان المسلمين. وذكر هؤلاء أن تنظيمات مثل «داعش» و«القاعدة» و«جبهة النصرة» و«أنصار الشريعة» و«التوحيد والجهاد» و«أنصار بيت المقدس» و«الجماعة الإسلامية» و«حركة التكفير والهجرة»، جميعها مُسميات لجماعة واحدة هي «الإخوان».. وأنهم يتفقون فيما بينهم على المصحف والمسدس كقسم واحد، وأعضاء هذه التنظيمات المسلحة كانوا أعضاء بجماعة الإخوان قبل أن يشكلوا تنظيمات مسلحة. وأوضح الخبراء الذين تحدثوا لـ«الشرق الأوسط» أن التنظيمات الإرهابية تربت على كتب سيد قطب مرشد الجماعة الأسبق ومنهجه.. وعودة «الخلافة الإسلامية» هي ورقة قديمة في الفكر الإخواني، لافتين إلى أن إخراج التنظيمات الإرهابية المتطرفة من رحم تلك الجماعة يشتمل على الاعتماد على الفكر، حيث يجري إقناع المخدوعين فيهم بأنهم على الصواب، والثاني الإنفاق ببذخ على أصحاب الضائقات المالية لينفذوا أي عمليات انتحارية تُطلب منهم.
كلام الخبراء أعلاه اتفق مع دراسة دولية صدرت أخيرًا عن «مركز الدين والجغرافيا السياسية في بريطانيا»، أكدت أن 50 في المائة من المتطرفين لديهم روابط بجماعة «الإخوان المسلمين» أو بتنظيمات مرتبطة بالإخوان. ومن جانبه، ذكر الشيخ رسمي عجلان، عضو الرابطة العالمية لخريجي الأزهر، أن التنظيمات الإرهابية «تربت على كتب سيد قطب ومنهجه، ولا تجد أحدًا من هذه الجماعات الإرهابية مع اختلاف مسمياتها؛ إلا وهو يعتقد بفكر سيد قطب ويعتبره مثلاً أعلى ونموذجًا يحتذي به، بل وله مكانته عند قيادتهم وعلى رأسهم أيمن الظواهري زعيم تنظيم القاعدة».
ومن جهة ثانية، أفاد باحثون أن تنظيم «القاعدة» يُعد من أبرز التنظيمات الإرهابية التي انبثقت من الرحم الأم لجماعة الإخوان، إذ نشأ هذا التنظيم في الأساس على يد عبد الله عزام أحد القيادات التاريخية للإخوان، حيث التحق بكتائب ما يعرف بـ«المجاهدين» التي شكلها الإخوان عام 1967، والتي كان مقرها عمّان حتى سافر لأفغانستان بداية الثمانيات، ليؤسس هناك مكتبًا لجلب المجاهدين من البلدان العربية، وتشكيل ما يعرف بتنظيم «القاعدة».
وتابع الشيخ عجلان قائلاً: «التطابق ظاهر بين هذه الجماعات وفكر الإخوان وقياداتهم، ولم يعد هناك شك في أن تنظيم داعش الإرهابي امتداد طبيعي لفكر الإخوان، وقد نبت وترعرع على موائدهم وفي داخل السجون وفي مدارسهم.. ونحن لا نفتري عليهم، فهذا هو اعتراف الشيخ يوسف القرضاوي، الأب الروحي لجماعة الإخوان (المقيم في قطر) في فيديو على مواقع التواصل الاجتماعي في يناير (كانون الثاني) الماضي، أن زعيم تنظيم داعش الإرهابي أبو بكر البغدادي كان من المنتمين للإخوان. وقال في الفيديو نفسه، إن البغدادي كان له نزعة قيادية مما حثه على الانضمام لتنظيم داعش بعد خروجه من السجن مباشرة. ويوجد تسجيل صوتي لسيد قطب أكد فيه أن طريق الدعوة للجماعة ليس مفروشًا بالورود؛ لكنه مفروش بالأشلاء والجماجم مزين بالدماء».
وأوضح الشيخ عجلان أن «داعش» و«جبهة النصرة» و«أنصار بيت المقدس» و«حماس» جميعها أسماء لجماعة واحدة هي جماعة الإخوان، ومطلب تنظيم «داعش» عودة الخلافة الإسلامية هو ورقة قديمة في الفكر الإخواني، وأن قسَمَ كل من يدخل الجماعة أو التنظيم يكون على المصحف والمسدس».
من ناحية أخرى، يقول باحثون مطلعون إن «أنصار بيت المقدس سابقًا» التي أعلنت مبايعتها لـ«داعش» وأطلقت على عناصرها «داعش مصر» نشأت عام 2005 بزعم «إقامة دين الله في الأرض بالجهاد في سبيل الله» هي واحدة من أهم الجماعات الإرهابية التي انبثقت من رحم الإخوان، وهي الذراع العسكرية لجماعة الإخوان في تنفيذ مخططاتها الإجرامية في حق المصريين. وأكد هؤلاء أن تبني «بيت المقدس» سابقًا للأعمال الإرهابية في مصر لاستعادة شرعية الإخوان المزعومة، يؤكد مدى العلاقة اللصيقة التي تربطها بالجماعة الأم الإخوان.
حسب الدراسة الحديثة جاء المرتبطون بالإخوان بنسبة 50 في المائة، وبحماس 12 في المائة، وباتحاد المحاكم الإسلامية بالصومال 8 في المائة، ولجنة الشبيبة الإسلامية 7 في المائة، والجبهة الإسلامية للإنقاذ 5 في المائة، في حين بلغت نسبة المرتبطين بجماعات أخرى 30 في المائة. إلا أن الشيخ نبيل نعيم، القيادي السابق في «تنظيم الجهاد» المصري، يشدد على أن «الإخوان هم أصل العنف في العالم.. وجميع الجماعات الإرهابية خرجت من رحمها». ومعلوم أن الحكومة المصرية تصنف اليوم الإخوان جماعة إرهابية. وتشير معلومات في القاهرة إلى تحوّل قطاع عريض من شباب جماعة الإخوان والتيار الإسلامي الرافض لعزل الرئيس السابق محمد مرسي عن الحكم إلى تبني العنف، وهاجر العشرات من أعضاء جماعة الإخوان إلى سوريا أثناء حكم مرسي، وانضموا إلى تنظيم «جبهة النصرة»، ثم تحولوا إلى «داعش» لاحقًا، وشغلوا مواقع قيادية في التنظيم.
وكما يقول هؤلاء فإن تنظيم «التكفير والهجرة» أيضًا واحد من التنظيمات المهمة التي ارتبطت بجماعة الإخوان وتنفيذ مخططاتها الإرهابية، إذ نشأ في منتصف الستينات على يد الشيخ علي إسماعيل، الذي سُجن مع الإخوان في الستينات، ومن ثم انتهج نهج الخوارج في التكفير بالمعصية. وعلى الرغم من نشأة فكرة هذا التنظيم داخل السجون المصرية في بادئ الأمر، فهو بعد إطلاق سراح أفراد التنظيم تبلورت أفكاره، وكثر أتباعه.
من جهته، شدد الخبير الأمني اللواء كمال مغربي لـ«الشرق الأوسط» على أن «الأسماء المتعددة للجماعات الإرهابية تعني أنهم جميعا يسيرون على نهج واحد»، مضيفًا أن «داعش» و«جبهة النصرة» و«أنصار الشريعة» و«التوحيد والجهاد» و«أنصار بيت المقدس»، مسميات لجماعة واحدة هي جماعة الإخوان. وهذه الجماعات خرجت من تحت عباءة ومن مدرسة الإخوان.. وكذلك هذه الجماعات تخدم في المقام الأول المصالح العليا لجماعة الإخوان وتنظيمها الدولي، لافتًا إلى أن هناك العشرات من الأدلة حول متانة العلاقة بينهم، والتي كان آخرها تزايد أعمال الإرهاب من قبل تلك الجماعة بعد عزل مرسي والإطاحة بحكم جماعة الإخوان في مصر. وما يستحق الإشارة هنا أن الولايات المتحدة تدرج تنظيمي «أنصار بيت المقدس سابقا» و«داعش» على لوائح الإرهاب، وهو ما يتسق مع الموقف الرسمي للسلطات المصرية، التي تضيف إلى القائمة جماعة «الإخوان» كأحد تنظيمات الإرهاب، وترى أن الأخيرة هي المحرك الرئيسي وهمزة الوصل بين كل التنظيمات الإرهابية الناشطة في منطقة الشرق الأوسط بأكملها.
ومن جهته، يقول الدكتور محمد خضر أبو زيد، الأستاذ بجامعة الأزهر، إن «الدين الإسلامي أمرنا بالمحافظة على الضروريات الخمسة، ومنها الحفاظ على العقل الذي يكون منه النتاج الفكري، وأخبرنا الله عز وجل في كتابه العزيز بعدم التفرقة إلى أحزاب وجماعات، فقال تعالى: (إن الذين فرقوا دينهم وكانوا شيعًا لست منهم في شيء إنما أمرهم إلى الله ثم يُنبئهم بما كانوا يفعلون)، فعندما ينقسم الناس إلى أحزاب وجماعات تظهر تلك العقول المختلفة، لتجد الفكر المتشدد والفكر المتطرف والفكر اليميني، والفكر اليساري، وكل فكر من هذه الأفكار يعطي البراهين والمعطيات والنظريات كي تكون في صفها وعلى منهجها وطريقتها التي رسمتها واختطتها لنفسها وأتباعها، لأنها تعتقد كل جماعة من هذه الجماعات أن الحق معها وأن منهجها هو الصواب، وما عداها باطل».
وتابع خضر: «على ذلك، فإن الإخوان المسلمين الذين يسعون إلى تقلد مقاليد الحكم في البلاد من اعتلائهم للموجة بالغش والتدليس والنصب للوصول إلى السلطة في مصر وغيرها من البلاد الأخرى، بعدما نكثوا كل الوعود والعهود مع القوى التي صدَّقتهم وهادنتهم. ولم يكن لمصر وغيرها من الدول العربية أن تنكب بهذا الوحش الضاري الذي لا يشبع من الدم، لولا جماعة الإخوان التي تحمل اسمًا لا يليق بها؛ بل هو براء منها. إنهم أساس كل بلاء تتعرض له الأمتان العربية والإسلامية، وبالتالي ظهرت الجماعات الإرهابية المتطرفة التي تقتل باسم الدين، وتسفك الدماء باسم الدين، والدين الإسلامي منهم براء».
أما «الجماعة الإسلامية»، وفق الباحثين، فإنها نشأت في مصر أوائل السبعينات من القرن العشرين، ومن أبرز قياداتها الشيخ عمر عبد الرحمن المسجون بالولايات المتحدة الأميركية، وهو بدوره يُعد من أشد المؤيدين لجماعة الإخوان المسلمين، وكان من المقربين من الجماعة حتى اعتقاله عام 1970، وهو مسجون حاليًا في الولايات المتحدة بتهمة الإرهاب. وهنا يضيف الدكتور خضر شارحًا «أن خروج التنظيمات الإرهابية المتطرفة من رحم تلك الجماعة يشتمل على محورين، المحور الأول، الاعتماد على الفكر؛ حيث يتم إقناع المخدوعين فيهم بأنهم على الصواب، وما دونهم ليس على الطريق الصحيح، وإعطاؤهم صكوكًا بأنهم في سبيل الدعوة التي هي في سبيل الله، وأنهم في جنة الله ويحظون برضوان الله عز وجل، وهذا لا يكون إلا من خلال جلب الشباب حديث السن الذي يصدق كل كلمة تقال، فيشبون على هذا الفكر المنحرف فلا يستطيعون تغييره. أما المحور الثاني، فهو الاعتماد على المال؛ حيث يتم الإنفاق ببذخ على أصحاب الضائقات المالية، ويوفرون لهم حياة كريمة آمنة بعد أن كانوا مهددين بالتشرد والضياع بسبب ديونهم، أو غير ذلك، وبالتالي لو طلب منه أن يقوم بعملية انتحارية لن يتأخر لحظة واحدة في أن يفكر ماذا يكون مصيره، ومصير أولاده من بعده».
على صعيد آخر، توصلت الدراسة الحديثة ذاتها إلى أن النخبة المتشددة لها برنامج عالمي، والتجنيد يتم عن طريق المعارف، وبؤر النزاع تجذب المتطرفين، وشبكات التطرف في الشرق الأوسط ومنطقة الساحل تعمل بشكل مستقل عن بعضها بعضا، ومعظم المتطرفين يتنقلون من مجموعة إلى أخرى. وأوضح الدكتور خضر أنه «يتم التجنيد من خلال التنظيمات الإرهابية يكون من خلال ثلاث نقاط: الجهل والفقر والبطالة. وهذه النقاط الثلاث ما تدفع الكثير من الشباب إلى التفكير في الهجرة، وقد تدفعهم الأقدار إلى الارتماء في أحضان الجماعات المتطرفة التي تستغل الوازع الديني لديهم لترسم في مستقبلهم صورًا مظلمة، وتاريخًا قد لا يستطيع أكثرهم أن يواجه به أحفاده في المستقبل». ولفت إلى أن «وجه الشبه بين الإخوان و(داعش) هو أن التنظيمين يعيشان على مبدأ الأفضلية، وأنهم مبجلان لدى الله، ويحملان راية الإسلام ضد الملحدين، كما أن (داعش) يرفع العلم الذي كان الرسول محمد (صلى الله عليه وسلم) يرفعه في معاركه الحربية، والإخوان شعارهم (سيف وتحته القرآن) يتضمن دعوة للحرب وليس السلام».
وتابع قائلاً: «الإخوان يرددون في مظاهراتهم واحتفالاتهم (الله غايتنا، والرسول قدوتنا، والقرآن دستورنا، والجهاد سبيلنا، والموت في سبيل الله أسمى أمانينا)، وهي نفسها الشعارات التي يرفعها (داعش)...».
ويؤيد الدكتور شوقي علام، مفتي مصر، فكرة أن كل التنظيمات الإرهابية خرجت من معين جماعة الإخوان، مصيفًا أن «جماعة الإخوان ترى في منهجها ضرورة التصادم، رغم أن دور الداعي أن يدعو الناس بالحكمة والموعظة الحسنة دون أن يحتاج إلى قوة تحميه»، مستشهدًا بصحابة رسول الله الذين سافروا للتجارة في مناطق كثيرة بالدعوة الحسنة دون أي قوة. وأشار مفتي مصر إلى «أن ما يدعونه من محاولة تصحيح مسار الأمة، لا تحتاج إلى تنظيم سري أو التصادم مع المجتمع أو الاستعانة بقوة عسكرية كما دعا سيد قطب، مرشد الجماعة الأسبق».
ويعزز التوجه ذاته وزير الثقافة المصري حلمي النمنم، الذي قال في تصريحات له، إن كل التنظيمات الإرهابية تخرجت من رحم جماعة الإخوان، لافتًا إلى «وجود علاقة بين مؤسسي الجماعات الإرهابية بجماعة الإخوان مرورًا بتنظيمات القاعدة وأنصار بيت المقدس وداعش»، مؤكدًا أن «كل مؤسسيها ارتبطوا بشكل قريب مع أعضاء جماعة الإخوان». وأضاف النمنم أن «الجماعات الإرهابية، وعلى رأسها جماعة الإخوان، لا تؤمن بالحدود والأوطان، ولا تراعي مصالح الشعوب.. وجماعة الإخوان نموذجًا لذلك خططت لتفجير القناطر الخيرية لتغرق دلتا مصر، وخططت لتفجير مفاعل أنشاص لتحرج الرئيس جمال عبد الناصر فيترك الحكم». واستطرد موضحًا أن قادة الإخوان في أعقاب ثورة 30 يونيو (حزيران) عام 2013 في مصر هددوا الشعب بحرق مصر ما لم يعودوا للحكم، وهو ما ظهر في العمليات الإرهابية التي نفذتها الجماعات الإرهابية. فيما بعد تحت مسميات مختلفة».
هذا، وسبق أن أكدت دار الإفتاء المصرية، أن «دعم التنظيمات الإرهابية المسلحة وفي مقدمتها الإخوان حرام شرعًا، لأنها تسعى لدمار البلاد والعباد، وتشوه صورة الإسلام بأفعالهم الوحشية». وتابعت الدار بقولها إن «الحرمة التي يقع فيها أولئك المتطرفون بسبب جرمهم وإيذائهم وسفكهم للدماء، تنسحب هذه الحرمة وذلك الجرم أيضًا على كل من يدعم هذه الجماعات بالمال أو الإيواء أو بالكلمة؛ بل يطردون من رحمة الله»، مشيرة إلى أن الجهاد لا بد أن يكون تحت راية الدولة ويعود أمر تنظيمه إلى ولاة الأمور ومؤسسات الدولة المختصة الذين ولاهم الله تعالى أمر البلاد والعباد.
وقالت دار الإفتاء في فتواها، إنه «لا يجوز لأحد أن يبادر بالجهاد بنفسه عبر جماعات أو تنظيمات مسلحة دون مراعاة تلك الضوابط والشروط؛ وإلا عد ذلك افتئاتا على ولاة الأمور، وقد يكون ضرر خروجه أكثر من نفعه، فيبوء بإثم ما يجره فعله من المفاسد».
وفي السياق نفسه، قال الدكتور عباس شومان، الأمين العام لهيئة كبار العلماء في مصر، عن تنظيم «داعش» وسائر التنظيمات الإرهابية: «هؤلاء خارجون عن صحيح الدين وتعاليم الإسلام.. ووصفه بـ(الدولة) كما يفعل الإعلام الغربي؛ إساءة بالغة للإسلام والمسلمين، لأن سلوكياتهم شاذة خارجة على أحكام الشريعة وأخلاقها».
وأضاف شومان أن «المتابع لما نحن عليه اليوم يجد أن كل ذلك يأتي ونحن أمام هجمة شرسة من التتار الجدد وهم ليسوا عنا ببعيد، فما يفعله مجرمو (داعش) في العراق حاليا لم يفعله أسلافهم، ويعلنون أن خطتهم متدرجة، وليست مصرنا خارج حدودها». ولفت وكيل الأزهر إلى أن «قطع ألسنة قادة الفتن وردهم إلى جحورهم يجب أن يكون من أولويات متخذي القرار، لوأد الفتن ورد الناس إلى لحمتهم الوطنية».
أما الدكتور إبراهيم نجم، مستشار مفتي مصر، فيرى أن «الإرهابيين على شاكلة الإخوان يخدعون أتباعهم بوهم الخلافة ويتحدثون مع بعضهم بعضًا عن توزيع السبايا من النساء»، موضحًا أن تنظيمات الظلام التي تعشق سفك الدماء وتستبيح الأعراض تأخذ آيات القتال، وتؤولها بحسب فهمها السقيم وتفسيرها العقيم لتلبس على المسلمين دينهم في محاولة بائسة من هذه التنظيمات لتبرير وشرعنة الجرائم التي يرتكبها والدماء التي يسفكها، وبذلك تثير ضغائن غير المسلمين على الإسلام والمسلمين بل تؤجج حروبًا ضد العالم الإسلامي من كل حدب وصوب، حتى إن الإسلام ليؤتى من قِبَلهم، قبل أن يؤتى من قِبَل أعدائه».
وأوضح نجم أن «الجماعات الإرهابية تحاول أن تبين أنها تدعو إلى الجهاد وتقوم به لتطبق شرع الله في الأرض، حسب زعمهم، رغم أن ما تقوم به هو إرجاف وإرهاب وهم في ذلك يحرفون الكلم عن مواضعه».



«حزب الله»... خلايا قائمة وقادمة

متظاهرون موالون لـ«حزب الله» يشعلون النيران أمام مجمع السفارة الأميركية، في العاصمة بغداد نهاية الشهر الماضي  (أ.ب)
متظاهرون موالون لـ«حزب الله» يشعلون النيران أمام مجمع السفارة الأميركية، في العاصمة بغداد نهاية الشهر الماضي (أ.ب)
TT

«حزب الله»... خلايا قائمة وقادمة

متظاهرون موالون لـ«حزب الله» يشعلون النيران أمام مجمع السفارة الأميركية، في العاصمة بغداد نهاية الشهر الماضي  (أ.ب)
متظاهرون موالون لـ«حزب الله» يشعلون النيران أمام مجمع السفارة الأميركية، في العاصمة بغداد نهاية الشهر الماضي (أ.ب)

قبل نحو شهر تقريباً أدرجت السلطات البريطانية جماعة «حزب الله» بمؤسساتها المختلفة السياسية والعسكرية كمنظمة إرهابية، ومن قبلها مضت ألمانيا في الطريق عينه، الأمر الذي دفع المراقبين لشأن الميليشيات اللبنانية الجنسية الإيرانية الولاء والانتماء للتساؤل: «ما الجديد الذي جعل الأوروبيين يتصرفون على هذا النحو؟»

الشاهد أن الأمر لا يقتصر فقط على الجانب الأوروبي، بل أيضاً تبدو الولايات المتحدة الأميركية في حالة تأهب غير مسبوقة، وسباق مع الزمن في طريق مواجهة الخلايا النائمة «لحزب الله» على أراضيها، ناهيك عن تلك المنتشرة في الفناء اللوجيستي الخلفي، لها أي في أميركا اللاتينية.
غير أن الجديد والذي دفع جانبي الأطلسي لإعلان مواجهة شاملة لميليشيات «حزب الله» هو ما توفر لأجهزة الاستخبارات الغربية، والشرقية الآسيوية أيضاً، لا سيما تلك التي ترتبط بعلاقات تبادل أمني مع بروكسل وواشنطن، من معلومات تفيد بأن «حزب الله» ينسج خيوطاً إرهابية جديدة في دول أوروبية وأميركية وآسيوية، من أجل الاستعداد للمواجهة القادمة حكماً في تقديره بين طهران والغرب.
ليس من الجديد القول إن ميليشيات «حزب الله» هي أحد أذرع الإيرانيين الإرهابية حول العالم، وقد أعدت منذ زمان وزمانين من أجل اللحظة المرتقبة، أي لتكون المقدمة الضاربة في إحداث القلاقل والاضطرابات، ومحاولة ممارسة أقصى وأقسى درجات الضغط النفسي والمعنوي على الأوروبيين والأميركيين، مع الاستعداد التام للقيام بعمليات عسكرية سواء ضد المدنيين أو العسكريين في الحواضن الغربية حين تصدر التعليمات من نظام الملالي.
مؤخراً أشارت عدة مصادر استخباراتية غربية لعدد من وسائل الإعلام الغربية إلى الخطة الجديدة لـ«حزب الله» لإنشاء شبكات موالية له في العديد من مدن العالم شرقاً وغرباً، الأمر الذي أماطت عنه اللثام صحيفة «لوفيغارو» الفرنسية بنوع خاص والتي ذكرت في تقرير مطول لـ«نيكولا باروت»، أن فكر التقية الإيراني الشهير يمارس الآن على الأرض، بمعنى أن البحث يجري على قدم وساق من أجل تجنيد المزيد من العناصر لصالح ميليشيات «حزب الله»، لكن المختلف هو انتقاء عناصر نظيفة السجلات الأمنية كما يقال، أي من غير المعروفين للأجهزة الأمنية والاستخباراتية سواء الأوروبية أو الآسيوية أو الأميركية.
هل الحديث عن عناصر «حزب الله» في الغرب قضية حديثة أم محدثة؟
الواقع أنهما الأمران معا، بمعنى أن ميليشيات «حزب الله» كثفت حضورها الخارجي في الأعوام الأخيرة، لا سيما في أميركا اللاتينية، وهناك جرى إنشاء «كارتلات» تعمل على تهريب البشر والسلاح والمخدرات من جهة، وتتهيأ لمجابهة أميركا الشمالية من ناحية أخرى.
ولعل المثال الواضح على قصة هذا الاختراق لدول القارة اللاتينية يتمثل في قضية الإرهابي سلمان رؤوف سلمان، الذي شوهد مؤخراً في بوغوتا بكولومبيا، والذي ترصد الولايات المتحدة الأميركية عدة ملايين من الدولارات لاقتناصه، بوصفه صيداً ثميناً يحمل أسرار ميليشيات «حزب الله» في القارة الأميركية الجنوبية برمتها.
أما المثال الآخر على الخلايا النائمة في الولايات المتحدة الأميركية فيتمثل في شخص علي كوراني الذي تم القبض عليه في نيويورك بعد أن تم تجنيده لصالح «حزب الله» لتنفيذ هجمات إرهابية، حال تعرض إيران أو «حزب الله» في لبنان لهجمات من جانب الولايات المتحدة الأميركية، ولاحقاً أكدت التحقيقات التي جرت معه من قبل المباحث الاتحادية الأميركية أنه أحد أعضاء وحدة التخطيط للهجمات الخارجية في الحزب والمعروفة بـ«الوحدة 910».
كارثة كوراني تبين التخطيط الدقيق لإيران وأذرعها لإصابة الدول الغربية في مقتل، ذلك أنه كان دائم التنقل بين كندا والولايات المتحدة، حيث حاول تهريب متفجرات من كندا إلى الداخل الأميركي.
كان كوراني مثالاً على الخلايا النائمة التابعة «لحزب الله» في دول العالم، لا سيما أنه ينتمي لعائلة معروفة بصلاتها الوثيقة مع الحزب، وقد التحق بمعسكر تدريب تابع للحزب عندما كان في السادسة عشرة من عمره، وتعلم إطلاق النار، والقذائف الصاروخية قبل أن يجند كجزء من خطة للانتقام لمقتل عماد مغنية أحد قادة «حزب الله» رفيعي المستوى الذي قضى بسيارة مفخخة في دمشق عام 2008.
هل كان القبض على كوراني المدخل للخطط الجديدة لميليشيات «حزب الله» لنسج خيوط شبكات إرهابية جديدة غير معروفة لقوى الأمن والاستخبارات الدولية؟
يمكن أن يكون ذلك كذلك بالفعل، ولهذا تقضي الآلية الجديد تجنيد عناصر غير عربية، وغالباً ما يكون المعين المفضل من دول شرق وجنوب آسيا، والتي تكثر فيها الحواضن المشبعة بالإرهاب الأصولي، وقد كان آخر شخص تم الاشتباه فيه مهندس باكستاني لا يتجاوز الثلاثة عقود من عمره، وبدا أنه على اتصال «بحزب الله».
ويعزف القائمون على الميليشيات الخاصة «بحزب الله» على الأوتار الدوغمائية الشيعية تحديداً، ويستغلون الكراهية التقليدية تجاه الولايات المتحدة الأميركية والقارة الأوروبية، ويلعبون على أوتار القضايا الدينية، مظهرين الصراع بين إيران والغرب على أنه صراع ديني وليس آيديولوجياً، وفي الوسط من هذا يقومون بتجنيد من يقدرون على تعبئتهم، وفي هذا تكون الكارثة لا الحادثة، أي من خلال استخدام جوازات سفرهم الأجنبية أو تزويد بعضهم الآخر بجوازات سفر قد تكون حقيقية مسروقة، أو مزورة، ليمثلوا حصان طروادة في الجسد الأوروبي أو الأميركي.
لا تكتفي خطط ميليشيات «حزب الله» الخاصة بإعداد شبكات إرهابية جديدة في الغرب بالطرق التقليدية في تجنيد عناصر جديدة من الصعب متابعتها، بل يبدو أنها تمضي في طريق محاكاة تنظيم «داعش» في سعيه لضم عناصر إرهابية إضافية لصفوفه عبر استخدام وسائط التواصل الاجتماعي الحديثة من مخرجات الشبكة العنكبوتية الإنترنت، مثل «فيسبوك» و«تويتر» و«إنستغرام».
في هذا السياق تبدو الخطط الجديدة لـ«حزب الله» كمن ينسج شبكات إرهابية في العالم الرقمي، بمعنى أنها خطط لتجنيد المزيد من «الذئاب المنفردة»، تلك التي يمكن أن يتفتق ذهنها عن وسائل انتقام غير مدرجة من قبل على خارطة الأعمال الإرهابية، فكما كان استخدام الشاحنات للدهس في أوروبا أداة غير معروفة، فمن الجائز جداً أن نرى آليات جديدة تمارس بها الجماعة الإيرانية الخطى طريقها في إقلاق الحواضن الغربية.
يتساءل المراقبون أيضاً هل من دافع جديد يقودها في طريق شهوة الانتقام غير المسبوقة هذه؟
من الواضح جداً أن قيام الولايات المتحدة الأميركية باغتيال قاسم سليماني، والتهديدات التي أطلقها «إسماعيل قاآني»، قائد فيلق القدس الجديد، ضمن صفوف الحرس الثوري الإيراني، بأن تملأ جثث الأميركيين الشوارع، هي وراء تسريع إيران في طريق دفع ميليشيات «حزب الله» في تغيير طرق تجنيد واكتساب عملاء جدد يكونون بمثابة رؤوس حراب في المواجهة القادمة.
خلال صيف العام الماضي كشفت مصادر استخباراتية لصحيفة «ديلي تليغراف» البريطانية عن أن الأزمة مع إيران قد تتسبب في إيقاظ خلايا إرهابية نائمة، وتدفعها إلى شن هجمات إرهابية على بريطانيا، ولفتت المصادر عينها إلى الخلايا يديرها متشددون مرتبطون بـ«حزب الله» اللبناني.
ولم تكن هذه تصريحات جوفاء أو عشوائية، وإنما جاءت بعد أن كشفت شرطة محاربة الإرهاب في عام 2015 في بريطانيا عن خلية جمعت أطناناً من المتفجرات في متاجر بضواحي لندن، موضحة أن إيران وضعت عملاءها في «حزب الله» على استعداد لشن هجمات في حالة اندلاع نزاع مسلح، وهذا هو الخطر الذي تشكله إيران على الأمن الداخلي في بريطانيا.
والثابت أنه لا يمكن فصل مخططات ميليشيات «حزب الله» الخاصة بتجنيد عناصر ونسج شبكات جديدة عن الموقف الواضح لـ«حزب الله» من الصراع الدائر بين أميركا وإيران، فهي ترغب في القتال، وهو ما أشار إليه حسن نصر الله أمين عام الحزب في مقابلة تلفزيونية مع قناة المنار التابعة لجماعته عندما أجاب على سؤال حول ما ستفعله الجماعة في حال نشوب حرب بين إيران والولايات المتحدة، إذ أجاب بسؤال استفهامي أو استنكاري على الأصح في مواجهة المحاور: «هل تظن أننا سنقف مكتوفي الأيدي؟ إيران لن تحارب وحدها، هذا أمر واضح وضوح الشمس، هكذا أكد نصر الله».
هل قررت إيران إذن شكل المواجهة القادمة مع الولايات المتحدة الأميركية، طالما ظلت العقوبات الاقتصادية الأميركية قائمة وموجعة لهيكل إيران التكتوني البنيوي الرئيسي؟
فوفقا لرؤية «ماثيو ليفيت» مدير برنامج ستاين لمكافحة الإرهاب والاستخبارات في معهد واشنطن لسياسات الشرق الأدنى، يبدو أن إيران و«حزب الله» لن يعتمدا المواجهة المباشرة مع الولايات المتحدة في حال نشوب حرب بين واشنطن طهران، إذ سيتم إيقاظ «الخلايا النائمة» من سباتها في الداخل الأميركي الشمالي والجنوبي أولاً، عطفاً على ذلك إعطاء الضوء الأخضر للعناصر والشبكات الجديدة بإحداث أكبر خسائر في صفوف الأوروبيين، وتجاه كل ما يشكل أهدافاً ومصالح أميركية من شمال الأرض إلى جنوبها، ومن شرقها إلى غربها دفعة واحدة.
الخلاصة... العالم أمام فصل جديد مقلق من تنامي مؤامرات «حزب الله» والتي ظهرت خلال السنوات القليلة الماضية خارج الشرق الأوسط، ربما بشكل لا يقل إقلاقاً عن الدور الذي يلعبه على التراب الوطني اللبناني في حاضرات أيامنا، ما يجعل التفكير في حصار هذا الشر أمراً واجب الوجود كما تقول جماعة الفلاسفة، من غير فصل مشهده عن حجر الزاوية الذي يستند إليه، أي إيران وملاليها في الحال والمستقبل.