شباب عراقيون يقلبون معادلة الفنون بابتكارات {الحياة}

قدموا عروضهم في أقدم شوارع بغداد

نماذج من معروضات الشباب  في المعرض الذي حمل اسم {تركيب}
نماذج من معروضات الشباب في المعرض الذي حمل اسم {تركيب}
TT

شباب عراقيون يقلبون معادلة الفنون بابتكارات {الحياة}

نماذج من معروضات الشباب  في المعرض الذي حمل اسم {تركيب}
نماذج من معروضات الشباب في المعرض الذي حمل اسم {تركيب}

في محاولة جديدة لجذب الجمهور وضمان تفاعلهم من العروض الفنية، نظم عدد من الشباب العراقي مهرجانهم الفني الثاني الذي حمل اسم «تركيب» في الهواء الطلق، ويهتم، عبر الأعمال التي طرحها، بتقوية روح الإرادة وتشجيع لغة الحوار ومعالجة مشكلات اجتماعية كالتفرقة بين الجنسين واستغلال الأطفال وسوء استخدام السلطة والدعوة للسلام وحرية التعبير، وغيرها من مفاهيم وظفت بطريقة فنية معاصرة.
وعلى مدى أربعة أيام متتالية، قدم خلالها 18 شابًا وشابة عروضهم الفنية على قاعات وحدائق منتدى المسرح التجريبي في شارع الرشيد وسط العاصمة بغداد، سجل حضورًا جيدًا وإقبالا لافتا من مبدعين وفنانين وهواة ومختلف الشرائح، كما تقول منسقة الفريق ديما أحمد. وتضيف «الإعداد لمهرجان تركيب تم قبل شهرين، وعلى الرغم من اضطراب الأوضاع السياسية في البلاد، فإن الشباب أصروا على مواصلة العمل».
ولفتت إلى أن العروض الفنية حملت رسائل من الشباب العراقي لأجل منحهم فرصة التعبير عن أنفسهم وأفكارهم بعيدا عن مخاوف السلطات والقائمين على الحكم في البلاد، إضافة إلى تشجيعهم على نبذ أساليب التفكير النمطية.
الشاب ليث كريم (21 عامًا)، المختص بالفنون البصرية والتصوير، قدم فيلمًا قصيرًا بالأبيض والأسود، وهو إهداء لأمهات الجنود الدين سقطوا عبر الحقب المتعاقبة. وفي حديث قصير لـ«الشرق الأوسط» قال: «يعالج الفيلم انتظار الأمهات وفجيعتهن بإعلان أسماء (الشهداء) من خلال شاشة التلفزيون خلال الحرب، كان (الشهداء) محض أسماء في ملفات، كلما أغلق ملف حرب فتح آخر لاستقبال حرب جديدة، يدل العمل على حال الأمهات في بلد لا تعرف حروبه الانتهاء».
فيما عرض محمد خالد (23 سنة) مصمم الديكور الداخلي، «شباج» (شباك) تراثيا شناشيل تمثل شباكًا حديث التصميم، ويربط السلاسل في سلسلة ويثبت شباك الشناشيل بمرساة، يُبين العمل الأثر السلبي للتقاليد على الحياة الحالية التي تحول دون تحقيق التقدم المنشود في البلاد.
ولفت ممثل المسرح والأفلام أمير البصري (23 سنة)، عمل 549 كلم نوم في العراق، هي المسافة الفاصلة بين بغداد والبصرة. وصور في سلسلته ثلاثين شخصية تنام متخذة أوضاعا مختلفة إلى جانبه ينطلقون جميعهم في الطريق ويستمع لقصص بعضهم، وتتحول أفكارهم إلى صوت مشروع، ويسافرون مستغرقين في نوم عميق ليستيقظوا وقد تجدد نشاطهم، والهدف رسالة إيجابية بأن يتحاور الناس وتستمر بالحيوية.
أما المصورة مها التميمي (23 سنة)، عملها كامل التاريخ يتضمن رسالة مصورة تحكي عن المجند القديم الذي وقف بالقرب من الجنرال عبد الكريم قاسم في العهد الجمهوري الأول في العراق، تمثل الصور عيون هذا المجند لمرحلة ذلك التاريخ، ثم تركب السلسلة في جهاز تصوير قديم صمم لتضفي العمق السطحي، وتهدف إلى الإشارة للجسور مع الماضي، التي تصل مع الحاضر والمستقبل.
وركز المختص بالفنون البصرية زيد سعد (25 سنة)، في عمله مصنع الإرهاب، على معالجة التفسيرات الخاطئة والمعتقدات، التي أسيء استخدامها وتأثيرها على الأجيال المقبلة والحالية، والعمل طفل وليد يرتدي القناع المضاد للغازات ومعلق بسلاسل. السلال نقية على أربعة جدران تشير إلى أربع أقسام في نشأة وسلوك الجيل القادم، ومدى استغلال القاصدين والعنف في التلفزيون والتطرف الديني والتفرقة بين الجنسين، والهدف الرئيسي توعية الناس وعدم الميل للعنف والحاجة لمعالجة تربوية جوهرية.
وعرضت جمانة جابر 23 سنة، عمل خورة. المعنى الحرفي لكلمة خورة باللهجة العراقية هو الحركة المستمرة، كناية على تراتبية أيام المرأة العراقية. يدخل الزائر بيتًا لامرأة عراقية تقليدية ويمثل البيت عالمها ويستمع الزائر إلى يومها المكرر وعملها اليومي ويتابع أفكارها وحركتها دون أن يراها، والحالة تبدأ بيوم متفائل لتنتهي في المساء إلى العكس تماما، حيث يخور قوامها ويتبدد أملها، وهكذا تعود في اليوم التالي لحلقتها المكررة المفرغة.
ويرى مرتضى فيصل 25 سنة المصور والمنتج، في عمل بغداد السلام سلسلة مصورة، أراد أن يرى العالم بغداد ذات الوجه الحسن مع اجتياح الإرهابيين مدينة الموصل في 2014، ووثق الحياة اليومية الطبيعية صوريًا في بغداد، وأثبت أن الصور رمز السلام، وعرض رمز سلام كبير الحجم مصنوع من الخشب وبشكل مائل في باحة مهرجان تركيب.
ويروي الكرار عبد الستار البيضاني (26 سنة) مصمم، قصة أبيه من عمله التفاعلي الذي حمل اسم «عكاز»، وقال: «كان أبي جنديًا في الجيش العراقي أثناء حرب الكويت، لكنه تعرض للإصابة من أثر القنابل الأميركية، وتصور أنه لن يعود لوطنه، لكن الذي حصل أن أبي حصل على عكاز من أحد المشافي في المدينة ومكنه من العودة إلى بيته ببغداد».
وعن الهدف من الفكرة قال: «حاولت إبراز تأثير التاريخ على البنية الاجتماعية للناس وأهمية الثبات».
في حين قدم طالب المسرح مسلم حبيب (23 سنة)، رسائل حرب في عمل تضمن مجموعة من الصور التي التقطت من الحرب التي دارت ضد «داعش» في العراق، وشاهد كثيرًا من الأفعال والمواقف العسكرية خارج ساحة الحرب، والهدف من العمل إظهار تجربة شاب عراقي يصنع الأفلام وفي الوقت ذاته يقاتل من أجل تحرير بلده.
وأبرزت الرسامة نور عبد علي (30 سنة)، عمل مرآة أفعالك، الناتج للتفاعل والاحتكاك مع الناس في شوارع بغداد، وعمدت إلى جمع الأصوات واللقاءات والآراء والأفكار الخاصة بالصعوبات التي تواجهها النسوة العراقيات. وشملت اللقاءات حجر الأساس للعمل الفني المتكون من عدد من أعمال الرسم الواقعي وفن الكوالح التي تعكس الضغوط المسلطة على المرأة في المجتمع العراقي. ومن الجهة الثانية يشاهد الجمهور أعمالاً فنية بالرسم والكوالح لرجل وأسرته، بينما يستمع من يقف في وسط هذا القضاء الفني إلى حوارات بين رجل وامرأة تم اقتناصها من بين الحوارات الحية في شوارع بغداد.
وعالج الممثل والمخرج المسرحي أكرم عصام (31 سنة)، من خلال مشروعه قطرة مسالة الهجرة، فمنذ عقود والناس تهاجر من العراق ودول العالم الثالث للحصول على فرصة أفضل للعيش ومستقبل واعد، وذلك عبر عرض صندوق خشبي كبير يضم بداخله صندوقًا أصغر فيه جنين مغمور بالماء، بينما يتقاطر على صندوق بداخله خريطة أوروبا كإشارة إلى قطرة في البحر، والعمل جاء استجابة لتأثير الهجرة من البلاد ودعوة قوية للتشبث بالوطن ولعب دور فعال للنهوض بمستقبله.
وتؤمن مارينا جابر (25 سنة) في عملها التفاعلي، بأن التكرار والإكثار من الحالة يمكن أن يخلق حالة من التفرد، وحيث تكون الحالة طبيعية بعدما كانت تعتز حالة شاذة في المجتمع، وركبت دراجة هوائية، على الرغم من الرفض لركوبها من النساء والبنات خصوصًا بالبلدان الإسلامية، ومن أجل الحد من النظرة الاجتماعية ضد حرية المرأة، عبرت بركوب الدراجة والسير في عدد من شوارع بغداد، ووثقت التجربة، وتهدف إلى إرشاد الجمهور إلى الإصرار في تحقيق هدف الحرية.
أما طالب الفنون البصرية حسين عادل (22 سنة)، فقدم «البدالة المضادة للانفجار»، محور العمل التهديد المستمر للحياة اليومية في العراق وتحدي الإرهاب، وصممت «البدالة» المضادة الانفجار من أجل غايات محددة، وهي تفكيك الألغام، وحماية المختصين بتنظيف الساحات المختلفة من المتفجرات غير المنغلقة، وما له من تأثير على الحياة العامة. ودفع التساؤل عن شكل الناس في المستقبل في ظل الأوضاع المستمرة، وهل هذا شكل المستقبل، وعالج الموقف بطريقتين إما أن يتكيف ويتعايش مع المعضلة أو يجد حلاً، والوصول للجمهور من خلال التكيف مع الأوضاع دون إيجاد الحل المناسب.
وقدم الرسام التشكيلي رائد مطر، عملا تحول من هدف إصلاح المجتمع والناس إلى إصلاحه شخصيا، وإبراز أن الفن له دور مؤثر، وهدف العمل أن في هذا العالم لا يوجد مكان آمن وآخر خطر، بل إن المكان الآمن يمكن أن يبقى أو يأتي شخص يجلب الخطر والدمار إليه، كذلك يمكن أن يأتي شخص لمكان خطر ويعمل على إعادة الاستقرار والحياة إليه، ويبقى الأمل بنشر السلام في كافة بلدان العالم.
وذهب قادر فاضل الذي تميز خلال السنوات الأخيرة بالأعمال التركيبة للفن الحديث، في عملين؛ الأول عبارة عن غرفه بيضاء اللون إضاءتها قوية جدا مثلت فيها حركة حياة الإنسان، وكان فيها صوت تنبيه كما في المطارات إشارة إلى أن الجميع مغادرون يتضمن صوت الرسالة ضرورة ترك أثر طيب على الأرض، أيضًا كان في داخل الغرفة «فيديو أرت» يطرح إدمان المجتمع على استخدام أجهزة الهواتف بشكل سلبي، أما العمل الآخر كان نحتًا تجميعيًا تتلخص فكرته حول الشباب الذي يحلم بالهجرة فقط، ولا يهتم لبغداد، حيث يرى المتلقي من خلال هذا النحت صورة حية من بغداد وبواسطة التلسكوب يشاهد ماذا سيحل ببغداد إن هاجر شبابها.



«البحر الأحمر السينمائي» يشارك في إطلاق «صنّاع كان»

يتطلّع برنامج «صنّاع كان» إلى تشكيل جيل جديد من قادة صناعة السينما
يتطلّع برنامج «صنّاع كان» إلى تشكيل جيل جديد من قادة صناعة السينما
TT

«البحر الأحمر السينمائي» يشارك في إطلاق «صنّاع كان»

يتطلّع برنامج «صنّاع كان» إلى تشكيل جيل جديد من قادة صناعة السينما
يتطلّع برنامج «صنّاع كان» إلى تشكيل جيل جديد من قادة صناعة السينما

في مسعى لتمكين جيل جديد من المحترفين، وإتاحة الفرصة لرسم مسارهم المهني ببراعة واحترافية؛ وعبر إحدى أكبر وأبرز أسواق ومنصات السينما في العالم، عقدت «معامل البحر الأحمر» التابعة لـ«مؤسسة مهرجان البحر الأحمر السينمائي» شراكة مع سوق الأفلام بـ«مهرجان كان»، للمشاركة في إطلاق الدورة الافتتاحية لبرنامج «صنّاع كان»، وتمكين عدد من المواهب السعودية في قطاع السينما، للاستفادة من فرصة ذهبية تتيحها المدينة الفرنسية ضمن مهرجانها الممتد من 16 إلى 27 مايو (أيار) الحالي.
في هذا السياق، اعتبر الرئيس التنفيذي لـ«مؤسسة مهرجان البحر الأحمر السينمائي» محمد التركي، أنّ الشراكة الثنائية تدخل في إطار «مواصلة دعم جيل من رواة القصص وتدريب المواهب السعودية في قطاع الفن السابع، ومدّ جسور للعلاقة المتينة بينهم وبين مجتمع الخبراء والكفاءات النوعية حول العالم»، معبّراً عن بهجته بتدشين هذه الشراكة مع سوق الأفلام بـ«مهرجان كان»؛ التي تعد من أكبر وأبرز أسواق السينما العالمية.
وأكّد التركي أنّ برنامج «صنّاع كان» يساهم في تحقيق أهداف «مهرجان البحر الأحمر السينمائي الدولي» ودعم جيل جديد من المواهب السعودية والاحتفاء بقدراتها وتسويقها خارجياً، وتعزيز وجود القطاع السينمائي السعودي ومساعيه في تسريع وإنضاج عملية التطوّر التي يضطلع بها صنّاع الأفلام في المملكة، مضيفاً: «فخور بحضور ثلاثة من صنّاع الأفلام السعوديين ضمن قائمة الاختيار في هذا البرنامج الذي يمثّل فرصة مثالية لهم للنمو والتعاون مع صانعي الأفلام وخبراء الصناعة من أنحاء العالم».
وفي البرنامج الذي يقام طوال ثلاثة أيام ضمن «سوق الأفلام»، وقع اختيار «صنّاع كان» على ثمانية مشاركين من العالم من بين أكثر من 250 طلباً من 65 دولة، فيما حصل ثلاثة مشاركين من صنّاع الأفلام في السعودية على فرصة الانخراط بهذا التجمّع الدولي، وجرى اختيارهم من بين محترفين شباب في صناعة السينما؛ بالإضافة إلى طلاب أو متدرّبين تقلّ أعمارهم عن 30 عاماً.
ووقع اختيار «معامل البحر الأحمر»، بوصفها منصة تستهدف دعم صانعي الأفلام في تحقيق رؤاهم وإتمام مشروعاتهم من المراحل الأولية وصولاً للإنتاج.
علي رغد باجبع وشهد أبو نامي ومروان الشافعي، من المواهب السعودية والعربية المقيمة في المملكة، لتحقيق الهدف من الشراكة وتمكين جيل جديد من المحترفين الباحثين عن تدريب شخصي يساعد في تنظيم مسارهم المهني، بدءاً من مرحلة مبكرة، مع تعزيز فرصهم في التواصل وتطوير مهاراتهم المهنية والتركيز خصوصاً على مرحلة البيع الدولي.
ويتطلّع برنامج «صنّاع كان» إلى تشكيل جيل جديد من قادة صناعة السينما عبر تعزيز التعاون الدولي وربط المشاركين بخبراء الصناعة المخضرمين ودفعهم إلى تحقيق الازدهار في عالم الصناعة السينمائية. وسيُتاح للمشاركين التفاعل الحي مع أصحاب التخصصّات المختلفة، من بيع الأفلام وإطلاقها وتوزيعها، علما بأن ذلك يشمل كل مراحل صناعة الفيلم، من الكتابة والتطوير إلى الإنتاج فالعرض النهائي للجمهور. كما يتناول البرنامج مختلف القضايا المؤثرة في الصناعة، بينها التنوع وصناعة الرأي العام والدعاية والاستدامة.
وبالتزامن مع «مهرجان كان»، يلتئم جميع المشاركين ضمن جلسة ثانية من «صنّاع كان» كجزء من برنامج «معامل البحر الأحمر» عبر الدورة الثالثة من «مهرجان البحر الأحمر السينمائي الدولي» في جدة، ضمن الفترة من 30 نوفمبر (تشرين الثاني) حتى 9 ديسمبر (كانون الأول) المقبلين في المدينة المذكورة، وستركز الدورة المنتظرة على مرحلة البيع الدولي، مع الاهتمام بشكل خاص بمنطقة الشرق الأوسط.


رحيل إيلي شويري عاشق لبنان و«أبو الأناشيد الوطنية»

عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»
عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»
TT

رحيل إيلي شويري عاشق لبنان و«أبو الأناشيد الوطنية»

عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»
عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»

إنه «فضلو» في «بياع الخواتم»، و«أبو الأناشيد الوطنية» في مشواره الفني، وأحد عباقرة لبنان الموسيقيين، الذي رحل أول من أمس (الأربعاء) عن عمر ناهز 84 عاماً.
فبعد تعرضه لأزمة صحية نقل على إثرها إلى المستشفى، ودّع الموسيقي إيلي شويري الحياة. وفي حديث لـ«الشرق الأوسط» أكدت ابنته كارول أنها تفاجأت بانتشار الخبر عبر وسائل التواصل الاجتماعي قبل أن تعلم به عائلته. وتتابع: «كنت في المستشفى معه عندما وافاه الأجل. وتوجهت إلى منزلي في ساعة متأخرة لأبدأ بالتدابير اللازمة ومراسم وداعه. وكان الخبر قد ذاع قبل أن أصدر بياناً رسمياً أعلن فيه وفاته».
آخر تكريم رسمي حظي به شويري كان في عام 2017، حين قلده رئيس الجمهورية يومها ميشال عون وسام الأرز الوطني. وكانت له كلمة بالمناسبة أكد فيها أن حياته وعطاءاته ومواهبه الفنية بأجمعها هي كرمى لهذا الوطن.
ولد إيلي شويري عام 1939 في بيروت، وبالتحديد في أحد أحياء منطقة الأشرفية. والده نقولا كان يحضنه وهو يدندن أغنية لمحمد عبد الوهاب. ووالدته تلبسه ثياب المدرسة على صوت الفونوغراف الذي تنساب منه أغاني أم كلثوم مع بزوغ الفجر. أما أقرباؤه وأبناء الجيران والحي الذي يعيش فيه، فكانوا من متذوقي الفن الأصيل، ولذلك اكتمل المشوار، حتى قبل أن تطأ خطواته أول طريق الفن.
- عاشق لبنان
غرق إيلي شويري منذ نعومة أظافره في حبه لوطنه وترجم عشقه لأرضه بأناشيد وطنية نثرها على جبين لبنان، ونبتت في نفوس مواطنيه الذين رددوها في كل زمان ومكان، فصارت لسان حالهم في أيام الحرب والسلم. «بكتب اسمك يا بلادي»، و«صف العسكر» و«تعلا وتتعمر يا دار» و«يا أهل الأرض»... جميعها أغنيات شكلت علامة فارقة في مسيرة شويري الفنية، فميزته عن سواه من أبناء جيله، وذاع صيته في لبنان والعالم العربي وصار مرجعاً معتمداً في قاموس الأغاني الوطنية. اختاره ملك المغرب وأمير قطر ورئيس جمهورية تونس وغيرهم من مختلف أقطار العالم العربي ليضع لهم أجمل معاني الوطن في قالب ملحن لا مثيل له. فإيلي شويري الذي عُرف بـ«أبي الأناشيد الوطنية» كان الفن بالنسبة إليه منذ صغره هَوَساً يعيشه وإحساساً يتلمسه في شكل غير مباشر.
عمل شويري مع الرحابنة لفترة من الزمن حصد منها صداقة وطيدة مع الراحل منصور الرحباني. فكان يسميه «أستاذي» ويستشيره في أي عمل يرغب في القيام به كي يدله على الصح من الخطأ.
حبه للوطن استحوذ على مجمل كتاباته الشعرية حتى لو تناول فيها العشق، «حتى لو رغبت في الكتابة عن أعز الناس عندي، أنطلق من وطني لبنان»، هكذا كان يقول. وإلى هذا الحد كان إيلي شويري عاشقاً للبنان، وهو الذي اعتبر حسه الوطني «قدري وجبلة التراب التي امتزج بها دمي منذ ولادتي».
تعاون مع إيلي شويري أهم نجوم الفن في لبنان، بدءاً بفيروز وسميرة توفيق والراحلين وديع الصافي وصباح، وصولاً إلى ماجدة الرومي. فكان يعدّها من الفنانين اللبنانيين القلائل الملتزمين بالفن الحقيقي. فكتب ولحن لها 9 أغنيات، من بينها «مين إلنا غيرك» و«قوم تحدى» و«كل يغني على ليلاه» و«سقط القناع» و«أنت وأنا» وغيرها. كما غنى له كل من نجوى كرم وراغب علامة وداليدا رحمة.
مشواره مع الأخوين الرحباني بدأ في عام 1962 في مهرجانات بعلبك. وكانت أول أدواره معهم صامتة بحيث يجلس على الدرج ولا ينطق إلا بكلمة واحدة. بعدها انتسب إلى كورس «إذاعة الشرق الأدنى» و«الإذاعة اللبنانية» وتعرّف إلى إلياس الرحباني الذي كان يعمل في الإذاعة، فعرّفه على أخوَيه عاصي ومنصور.

مع أفراد عائلته عند تقلده وسام الأرز الوطني عام 2017

ويروي عن هذه المرحلة: «الدخول على عاصي ومنصور الرحباني يختلف عن كلّ الاختبارات التي يمكن أن تعيشها في حياتك. أذكر أن منصور جلس خلف البيانو وسألني ماذا تحفظ. فغنيت موالاً بيزنطياً. قال لي عاصي حينها؛ من اليوم ممنوع عليك الخروج من هنا. وهكذا كان».
أسندا إليه دور «فضلو» في مسرحية «بياع الخواتم» عام 1964. وفي الشريط السينمائي الذي وقّعه يوسف شاهين في العام التالي. وكرّت السبحة، فعمل في كلّ المسرحيات التي وقعها الرحابنة، من «دواليب الهوا» إلى «أيام فخر الدين»، و«هالة والملك»، و«الشخص»، وصولاً إلى «ميس الريم».
أغنية «بكتب اسمك يا بلادي» التي ألفها ولحنها تعد أنشودة الأناشيد الوطنية. ويقول شويري إنه كتب هذه الأغنية عندما كان في رحلة سفر مع الراحل نصري شمس الدين. «كانت الساعة تقارب الخامسة والنصف بعد الظهر فلفتني منظر الشمس التي بقيت ساطعة في عز وقت الغروب. وعرفت أن الشمس لا تغيب في السماء ولكننا نعتقد ذلك نحن الذين نراها على الأرض. فولدت كلمات الأغنية (بكتب اسمك يا بلادي عالشمس الما بتغيب)».
- مع جوزيف عازار
غنى «بكتب اسمك يا بلادي» المطرب المخضرم جوزيف عازار. ويخبر «الشرق الأوسط» عنها: «ولدت هذه الأغنية في عام 1974 وعند انتهائنا من تسجيلها توجهت وإيلي إلى وزارة الدفاع، وسلمناها كأمانة لمكتب التوجيه والتعاون»، وتابع: «وفوراً اتصلوا بنا من قناة 11 في تلفزيون لبنان، وتولى هذا الاتصال الراحل رياض شرارة، وسلمناه شريط الأغنية فحضروا لها كليباً مصوراً عن الجيش ومعداته، وعرضت في مناسبة عيد الاستقلال من العام نفسه».
يؤكد عازار أنه لا يستطيع اختصار سيرة حياة إيلي شويري ومشواره الفني معه بكلمات قليلة. ويتابع لـ«الشرق الأوسط»: «لقد خسر لبنان برحيله مبدعاً من بلادي كان رفيق درب وعمر بالنسبة لي. أتذكره بشوشاً وطريفاً ومحباً للناس وشفافاً، صادقاً إلى أبعد حدود. آخر مرة التقيته كان في حفل تكريم عبد الحليم كركلا في الجامعة العربية، بعدها انقطعنا عن الاتصال، إذ تدهورت صحته، وأجرى عملية قلب مفتوح. كما فقد نعمة البصر في إحدى عينيه من جراء ضربة تلقاها بالغلط من أحد أحفاده. فضعف نظره وتراجعت صحته، وما عاد يمارس عمله بالشكل الديناميكي المعروف به».
ويتذكر عازار الشهرة الواسعة التي حققتها أغنية «بكتب اسمك يا بلادي»: «كنت أقفل معها أي حفل أنظّمه في لبنان وخارجه. ذاع صيت هذه الأغنية، في بقاع الأرض، وترجمها البرازيليون إلى البرتغالية تحت عنوان (أومينا تيرا)، وأحتفظ بنصّها هذا عندي في المنزل».
- مع غسان صليبا
مع الفنان غسان صليبا أبدع شويري مرة جديدة على الساحة الفنية العربية. وكانت «يا أهل الأرض» واحدة من الأغاني الوطنية التي لا تزال تردد حتى الساعة. ويروي صليبا لـ«الشرق الأوسط»: «كان يعد هذه الأغنية لتصبح شارة لمسلسل فأصررت عليه أن آخذها. وهكذا صار، وحققت نجاحاً منقطع النظير. تعاونت معه في أكثر من عمل. من بينها (كل شيء تغير) و(من يوم ما حبيتك)». ويختم صليبا: «العمالقة كإيلي شويري يغادرونا فقط بالجسد. ولكن بصمتهم الفنية تبقى أبداً ودائماً. لقد كانت تجتمع عنده مواهب مختلفة كملحن وكاتب ومغنٍ وممثل. نادراً ما نشاهدها تحضر عند شخص واحد. مع رحيله خسر لبنان واحداً من عمالقة الفن ومبدعيه. إننا نخسرهم على التوالي، ولكننا واثقون من وجودهم بيننا بأعمالهم الفذة».
لكل أغنية كتبها ولحنها إيلي شويري قصة، إذ كان يستمد موضوعاتها من مواقف ومشاهد حقيقية يعيشها كما كان يردد. لاقت أعماله الانتقادية التي برزت في مسرحية «قاووش الأفراح» و«سهرة شرعية» وغيرهما نجاحاً كبيراً. وفي المقابل، كان يعدها من الأعمال التي ينفذها بقلق. «كنت أخاف أن تخدش الذوق العام بشكل أو بآخر. فكنت ألجأ إلى أستاذي ومعلمي منصور الرحباني كي يرشدني إلى الصح والخطأ فيها».
أما حلم شويري فكان تمنيه أن تحمل له السنوات الباقية من عمره الفرح. فهو كما كان يقول أمضى القسم الأول منها مليئة بالأحزان والدموع. «وبالقليل الذي تبقى لي من سنوات عمري أتمنى أن تحمل لي الابتسامة».


ستيف بركات لـ«الشرق الأوسط»: أصولي اللبنانية تتردّد أبداً في صدى موسيقاي

عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية     -   ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)
عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية - ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)
TT

ستيف بركات لـ«الشرق الأوسط»: أصولي اللبنانية تتردّد أبداً في صدى موسيقاي

عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية     -   ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)
عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية - ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)

ستيف بركات عازف بيانو كندي من أصل لبناني، ينتج ويغنّي ويلحّن. لفحه حنين للجذور جرّه إلى إصدار مقطوعة «أرض الأجداد» (Motherland) أخيراً. فهو اكتشف لبنان في وقت لاحق من حياته، وينسب حبّه له إلى «خيارات مدروسة وواعية» متجذرة في رحلته. من اكتسابه فهماً متيناً لهويته وتعبيره عن الامتنان لما منحه إياه الإرث من عمق يتردّد صداه كل يوم، تحاوره «الشرق الأوسط» في أصله الإنساني المنساب على النوتة، وما أضفاه إحساسه الدفين بالصلة مع أسلافه من فرادة فنية.
غرست عائلته في داخله مجموعة قيم غنية استقتها من جذورها، رغم أنه مولود في كندا: «شكلت هذه القيم جزءاً من حياتي منذ الطفولة، ولو لم أدركها بوعي في سنّ مبكرة. خلال زيارتي الأولى إلى لبنان في عام 2008. شعرتُ بلهفة الانتماء وبمدى ارتباطي بجذوري. عندها أدركتُ تماماً أنّ جوانب عدة من شخصيتي تأثرت بأصولي اللبنانية».
بين كوبنهاغن وسيول وبلغراد، وصولاً إلى قاعة «كارنيغي» الشهيرة في نيويورك التي قدّم فيها حفلاً للمرة الأولى، يخوض ستيف بركات جولة عالمية طوال العام الحالي، تشمل أيضاً إسبانيا والصين والبرتغال وكوريا الجنوبية واليابان... يتحدث عن «طبيعة الأداء الفردي (Solo) التي تتيح حرية التكيّف مع كل حفل موسيقي وتشكيله بخصوصية. فالجولات تفسح المجال للتواصل مع أشخاص من ثقافات متنوعة والغوص في حضارة البلدان المضيفة وتعلّم إدراك جوهرها، مما يؤثر في المقاربة الموسيقية والفلسفية لكل أمسية».
يتوقف عند ما يمثله العزف على آلات البيانو المختلفة في قاعات العالم من تحدٍ مثير: «أكرّس اهتماماً كبيراً لأن تلائم طريقة عزفي ضمانَ أفضل تجربة فنية ممكنة للجمهور. للقدرة على التكيّف والاستجابة ضمن البيئات المتنوّعة دور حيوي في إنشاء تجربة موسيقية خاصة لا تُنسى. إنني ممتنّ لخيار الجمهور حضور حفلاتي، وهذا امتياز حقيقي لكل فنان. فهم يمنحونني بعضاً من وقتهم الثمين رغم تعدّد ملاهي الحياة».
كيف يستعد ستيف بركات لحفلاته؟ هل يقسو عليه القلق ويصيبه التوتر بإرباك؟ يجيب: «أولويتي هي أن يشعر الحاضر باحتضان دافئ ضمن العالم الموسيقي الذي أقدّمه. أسعى إلى خلق جو تفاعلي بحيث لا يكون مجرد متفرج بل ضيف عزيز. بالإضافة إلى الجانب الموسيقي، أعمل بحرص على تنمية الشعور بالصداقة الحميمة بين الفنان والمتلقي. يستحق الناس أن يلمسوا إحساساً حقيقياً بالضيافة والاستقبال». ويعلّق أهمية على إدارة مستويات التوتّر لديه وضمان الحصول على قسط كافٍ من الراحة: «أراعي ضرورة أن أكون مستعداً تماماً ولائقاً بدنياً من أجل المسرح. في النهاية، الحفلات الموسيقية هي تجارب تتطلب مجهوداً جسدياً وعاطفياً لا تكتمل من دونه».
عزف أناشيد نالت مكانة، منها نشيد «اليونيسف» الذي أُطلق من محطة الفضاء الدولية عام 2009 ونال جائزة. ولأنه ملحّن، يتمسّك بالقوة الهائلة للموسيقى لغة عالمية تنقل الرسائل والقيم. لذا حظيت مسيرته بفرص إنشاء مشروعات موسيقية لعلامات تجارية ومؤسسات ومدن؛ ومعاينة تأثير الموسيقى في محاكاة الجمهور على مستوى عاطفي عميق. يصف تأليف نشيد «اليونيسف» بـ«النقطة البارزة في رحلتي»، ويتابع: «التجربة عزّزت رغبتي في التفاني والاستفادة من الموسيقى وسيلة للتواصل ومتابعة الطريق».
تبلغ شراكته مع «يونيفرسال ميوزيك مينا» أوجها بنجاحات وأرقام مشاهدة عالية. هل يؤمن بركات بأن النجاح وليد تربة صالحة مكوّنة من جميع عناصرها، وأنّ الفنان لا يحلّق وحده؟ برأيه: «يمتد جوهر الموسيقى إلى ما وراء الألحان والتناغم، ليكمن في القدرة على تكوين روابط. فالنغمات تمتلك طاقة مذهلة تقرّب الثقافات وتوحّد البشر». ويدرك أيضاً أنّ تنفيذ المشاريع والمشاركة فيها قد يكونان بمثابة وسيلة قوية لتعزيز الروابط السلمية بين الأفراد والدول: «فالثقة والاهتمام الحقيقي بمصالح الآخرين يشكلان أسس العلاقات الدائمة، كما يوفر الانخراط في مشاريع تعاونية خطوات نحو عالم أفضل يسود فيه الانسجام والتفاهم».
بحماسة أطفال عشية الأعياد، يكشف عن حضوره إلى المنطقة العربية خلال نوفمبر (تشرين الثاني) المقبل: «يسعدني الوجود في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا كجزء من جولة (Néoréalité) العالمية. إنني في مرحلة وضع اللمسات الأخيرة على التفاصيل والتواريخ لنعلن عنها قريباً. تملؤني غبطة تقديم موسيقاي في هذا الحيّز النابض بالحياة والغني ثقافياً، وأتحرّق شوقاً لمشاركة شغفي وفني مع ناسه وإقامة روابط قوامها لغة الموسيقى العالمية».
منذ إطلاق ألبومه «أرض الأجداد»، وهو يراقب جمهوراً متنوعاً من الشرق الأوسط يتفاعل مع فنه. ومن ملاحظته تزايُد الاهتمام العربي بالبيانو وتعلّق المواهب به في رحلاتهم الموسيقية، يُراكم بركات إلهاماً يقوده نحو الامتنان لـ«إتاحة الفرصة لي للمساهمة في المشهد الموسيقي المزدهر في الشرق الأوسط وخارجه».
تشغله هالة الثقافات والتجارب، وهو يجلس أمام 88 مفتاحاً بالأبيض والأسود على المسارح: «إنها تولّد إحساساً بالعودة إلى الوطن، مما يوفر ألفة مريحة تسمح لي بتكثيف مشاعري والتواصل بعمق مع الموسيقى التي أهديها إلى العالم».