في محاولة جديدة لجذب الجمهور وضمان تفاعلهم من العروض الفنية، نظم عدد من الشباب العراقي مهرجانهم الفني الثاني الذي حمل اسم «تركيب» في الهواء الطلق، ويهتم، عبر الأعمال التي طرحها، بتقوية روح الإرادة وتشجيع لغة الحوار ومعالجة مشكلات اجتماعية كالتفرقة بين الجنسين واستغلال الأطفال وسوء استخدام السلطة والدعوة للسلام وحرية التعبير، وغيرها من مفاهيم وظفت بطريقة فنية معاصرة.
وعلى مدى أربعة أيام متتالية، قدم خلالها 18 شابًا وشابة عروضهم الفنية على قاعات وحدائق منتدى المسرح التجريبي في شارع الرشيد وسط العاصمة بغداد، سجل حضورًا جيدًا وإقبالا لافتا من مبدعين وفنانين وهواة ومختلف الشرائح، كما تقول منسقة الفريق ديما أحمد. وتضيف «الإعداد لمهرجان تركيب تم قبل شهرين، وعلى الرغم من اضطراب الأوضاع السياسية في البلاد، فإن الشباب أصروا على مواصلة العمل».
ولفتت إلى أن العروض الفنية حملت رسائل من الشباب العراقي لأجل منحهم فرصة التعبير عن أنفسهم وأفكارهم بعيدا عن مخاوف السلطات والقائمين على الحكم في البلاد، إضافة إلى تشجيعهم على نبذ أساليب التفكير النمطية.
الشاب ليث كريم (21 عامًا)، المختص بالفنون البصرية والتصوير، قدم فيلمًا قصيرًا بالأبيض والأسود، وهو إهداء لأمهات الجنود الدين سقطوا عبر الحقب المتعاقبة. وفي حديث قصير لـ«الشرق الأوسط» قال: «يعالج الفيلم انتظار الأمهات وفجيعتهن بإعلان أسماء (الشهداء) من خلال شاشة التلفزيون خلال الحرب، كان (الشهداء) محض أسماء في ملفات، كلما أغلق ملف حرب فتح آخر لاستقبال حرب جديدة، يدل العمل على حال الأمهات في بلد لا تعرف حروبه الانتهاء».
فيما عرض محمد خالد (23 سنة) مصمم الديكور الداخلي، «شباج» (شباك) تراثيا شناشيل تمثل شباكًا حديث التصميم، ويربط السلاسل في سلسلة ويثبت شباك الشناشيل بمرساة، يُبين العمل الأثر السلبي للتقاليد على الحياة الحالية التي تحول دون تحقيق التقدم المنشود في البلاد.
ولفت ممثل المسرح والأفلام أمير البصري (23 سنة)، عمل 549 كلم نوم في العراق، هي المسافة الفاصلة بين بغداد والبصرة. وصور في سلسلته ثلاثين شخصية تنام متخذة أوضاعا مختلفة إلى جانبه ينطلقون جميعهم في الطريق ويستمع لقصص بعضهم، وتتحول أفكارهم إلى صوت مشروع، ويسافرون مستغرقين في نوم عميق ليستيقظوا وقد تجدد نشاطهم، والهدف رسالة إيجابية بأن يتحاور الناس وتستمر بالحيوية.
أما المصورة مها التميمي (23 سنة)، عملها كامل التاريخ يتضمن رسالة مصورة تحكي عن المجند القديم الذي وقف بالقرب من الجنرال عبد الكريم قاسم في العهد الجمهوري الأول في العراق، تمثل الصور عيون هذا المجند لمرحلة ذلك التاريخ، ثم تركب السلسلة في جهاز تصوير قديم صمم لتضفي العمق السطحي، وتهدف إلى الإشارة للجسور مع الماضي، التي تصل مع الحاضر والمستقبل.
وركز المختص بالفنون البصرية زيد سعد (25 سنة)، في عمله مصنع الإرهاب، على معالجة التفسيرات الخاطئة والمعتقدات، التي أسيء استخدامها وتأثيرها على الأجيال المقبلة والحالية، والعمل طفل وليد يرتدي القناع المضاد للغازات ومعلق بسلاسل. السلال نقية على أربعة جدران تشير إلى أربع أقسام في نشأة وسلوك الجيل القادم، ومدى استغلال القاصدين والعنف في التلفزيون والتطرف الديني والتفرقة بين الجنسين، والهدف الرئيسي توعية الناس وعدم الميل للعنف والحاجة لمعالجة تربوية جوهرية.
وعرضت جمانة جابر 23 سنة، عمل خورة. المعنى الحرفي لكلمة خورة باللهجة العراقية هو الحركة المستمرة، كناية على تراتبية أيام المرأة العراقية. يدخل الزائر بيتًا لامرأة عراقية تقليدية ويمثل البيت عالمها ويستمع الزائر إلى يومها المكرر وعملها اليومي ويتابع أفكارها وحركتها دون أن يراها، والحالة تبدأ بيوم متفائل لتنتهي في المساء إلى العكس تماما، حيث يخور قوامها ويتبدد أملها، وهكذا تعود في اليوم التالي لحلقتها المكررة المفرغة.
ويرى مرتضى فيصل 25 سنة المصور والمنتج، في عمل بغداد السلام سلسلة مصورة، أراد أن يرى العالم بغداد ذات الوجه الحسن مع اجتياح الإرهابيين مدينة الموصل في 2014، ووثق الحياة اليومية الطبيعية صوريًا في بغداد، وأثبت أن الصور رمز السلام، وعرض رمز سلام كبير الحجم مصنوع من الخشب وبشكل مائل في باحة مهرجان تركيب.
ويروي الكرار عبد الستار البيضاني (26 سنة) مصمم، قصة أبيه من عمله التفاعلي الذي حمل اسم «عكاز»، وقال: «كان أبي جنديًا في الجيش العراقي أثناء حرب الكويت، لكنه تعرض للإصابة من أثر القنابل الأميركية، وتصور أنه لن يعود لوطنه، لكن الذي حصل أن أبي حصل على عكاز من أحد المشافي في المدينة ومكنه من العودة إلى بيته ببغداد».
وعن الهدف من الفكرة قال: «حاولت إبراز تأثير التاريخ على البنية الاجتماعية للناس وأهمية الثبات».
في حين قدم طالب المسرح مسلم حبيب (23 سنة)، رسائل حرب في عمل تضمن مجموعة من الصور التي التقطت من الحرب التي دارت ضد «داعش» في العراق، وشاهد كثيرًا من الأفعال والمواقف العسكرية خارج ساحة الحرب، والهدف من العمل إظهار تجربة شاب عراقي يصنع الأفلام وفي الوقت ذاته يقاتل من أجل تحرير بلده.
وأبرزت الرسامة نور عبد علي (30 سنة)، عمل مرآة أفعالك، الناتج للتفاعل والاحتكاك مع الناس في شوارع بغداد، وعمدت إلى جمع الأصوات واللقاءات والآراء والأفكار الخاصة بالصعوبات التي تواجهها النسوة العراقيات. وشملت اللقاءات حجر الأساس للعمل الفني المتكون من عدد من أعمال الرسم الواقعي وفن الكوالح التي تعكس الضغوط المسلطة على المرأة في المجتمع العراقي. ومن الجهة الثانية يشاهد الجمهور أعمالاً فنية بالرسم والكوالح لرجل وأسرته، بينما يستمع من يقف في وسط هذا القضاء الفني إلى حوارات بين رجل وامرأة تم اقتناصها من بين الحوارات الحية في شوارع بغداد.
وعالج الممثل والمخرج المسرحي أكرم عصام (31 سنة)، من خلال مشروعه قطرة مسالة الهجرة، فمنذ عقود والناس تهاجر من العراق ودول العالم الثالث للحصول على فرصة أفضل للعيش ومستقبل واعد، وذلك عبر عرض صندوق خشبي كبير يضم بداخله صندوقًا أصغر فيه جنين مغمور بالماء، بينما يتقاطر على صندوق بداخله خريطة أوروبا كإشارة إلى قطرة في البحر، والعمل جاء استجابة لتأثير الهجرة من البلاد ودعوة قوية للتشبث بالوطن ولعب دور فعال للنهوض بمستقبله.
وتؤمن مارينا جابر (25 سنة) في عملها التفاعلي، بأن التكرار والإكثار من الحالة يمكن أن يخلق حالة من التفرد، وحيث تكون الحالة طبيعية بعدما كانت تعتز حالة شاذة في المجتمع، وركبت دراجة هوائية، على الرغم من الرفض لركوبها من النساء والبنات خصوصًا بالبلدان الإسلامية، ومن أجل الحد من النظرة الاجتماعية ضد حرية المرأة، عبرت بركوب الدراجة والسير في عدد من شوارع بغداد، ووثقت التجربة، وتهدف إلى إرشاد الجمهور إلى الإصرار في تحقيق هدف الحرية.
أما طالب الفنون البصرية حسين عادل (22 سنة)، فقدم «البدالة المضادة للانفجار»، محور العمل التهديد المستمر للحياة اليومية في العراق وتحدي الإرهاب، وصممت «البدالة» المضادة الانفجار من أجل غايات محددة، وهي تفكيك الألغام، وحماية المختصين بتنظيف الساحات المختلفة من المتفجرات غير المنغلقة، وما له من تأثير على الحياة العامة. ودفع التساؤل عن شكل الناس في المستقبل في ظل الأوضاع المستمرة، وهل هذا شكل المستقبل، وعالج الموقف بطريقتين إما أن يتكيف ويتعايش مع المعضلة أو يجد حلاً، والوصول للجمهور من خلال التكيف مع الأوضاع دون إيجاد الحل المناسب.
وقدم الرسام التشكيلي رائد مطر، عملا تحول من هدف إصلاح المجتمع والناس إلى إصلاحه شخصيا، وإبراز أن الفن له دور مؤثر، وهدف العمل أن في هذا العالم لا يوجد مكان آمن وآخر خطر، بل إن المكان الآمن يمكن أن يبقى أو يأتي شخص يجلب الخطر والدمار إليه، كذلك يمكن أن يأتي شخص لمكان خطر ويعمل على إعادة الاستقرار والحياة إليه، ويبقى الأمل بنشر السلام في كافة بلدان العالم.
وذهب قادر فاضل الذي تميز خلال السنوات الأخيرة بالأعمال التركيبة للفن الحديث، في عملين؛ الأول عبارة عن غرفه بيضاء اللون إضاءتها قوية جدا مثلت فيها حركة حياة الإنسان، وكان فيها صوت تنبيه كما في المطارات إشارة إلى أن الجميع مغادرون يتضمن صوت الرسالة ضرورة ترك أثر طيب على الأرض، أيضًا كان في داخل الغرفة «فيديو أرت» يطرح إدمان المجتمع على استخدام أجهزة الهواتف بشكل سلبي، أما العمل الآخر كان نحتًا تجميعيًا تتلخص فكرته حول الشباب الذي يحلم بالهجرة فقط، ولا يهتم لبغداد، حيث يرى المتلقي من خلال هذا النحت صورة حية من بغداد وبواسطة التلسكوب يشاهد ماذا سيحل ببغداد إن هاجر شبابها.
شباب عراقيون يقلبون معادلة الفنون بابتكارات {الحياة}
قدموا عروضهم في أقدم شوارع بغداد
شباب عراقيون يقلبون معادلة الفنون بابتكارات {الحياة}
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة