«الأزمات الدولية» عن الجولاني: حلب ستحكمها هيئة انتقالية

زعيم «هيئة تحرير الشام» زار قلعة حلب في شمال سوريا

من صور متداولة لزيارة زعيم «هيئة تحرير الشام» لقلعة حلب
من صور متداولة لزيارة زعيم «هيئة تحرير الشام» لقلعة حلب
TT

«الأزمات الدولية» عن الجولاني: حلب ستحكمها هيئة انتقالية

من صور متداولة لزيارة زعيم «هيئة تحرير الشام» لقلعة حلب
من صور متداولة لزيارة زعيم «هيئة تحرير الشام» لقلعة حلب

نشرت الباحثة المكلفة بالملف السوري في «مجموعة حل الأزمات الدولية»، دارين خليفة، تصريحات قائد «هيئة تحرير الشام» الجولاني للمجموعة، قال فيها إن حلب «ستحكمها هيئة انتقالية».

وقالت دارين خليفة، على حسابها في «إكس»، إنه على الرغم من أنه من السابق لأوانه أن نقول كيف ستتعامل «هيئة تحرير الشام» والفصائل المعارضة مع تحديات الحكم في حلب، فإنه يبدو أن المناقشات الداخلية جارية بالفعل، داخل تلك التنظيمات.

ونقلت دارين خليفة عن الجولاني، قوله إنه سيتم توجيه المقاتلين، بمَن فيهم المنتمون إلى «هيئة تحرير الشام»، لمغادرة المناطق المدنية في الأسابيع المقبلة، وإنه ستجري دعوة البيروقراطيين لاستئناف وظائفهم. وسيكون هناك احترام للمعايير الاجتماعية والثقافية المتميزة للمدينة، المسلمين والمسيحيين بكل تنوعهم».

ونقلت دارين خليفة عنه قوله إن «هيئة تحرير الشام تفكر حتى في حل نفسها من أجل تمكين ترسيخ البنى المدنية والعسكرية بشكل كامل، في مؤسسات جديدة تعكس اتساع المجتمع السوري».

وأضافت أنه علينا الانتظار لنرى إن كانت «هيئة تحرير الشام»، ستنفذ هذه الأفكار أم ستضغط على فصائل أخرى لتطبيقها. «لا يزال يتعين علينا أن نرى ما إذا كان سيتم الامتثال له أم لا». الباحثة المكلفة بالملف السوري في «مجموعة حل الأزمات الدولية»، شددت على أنه نظراً لتاريخهم وجذورهم الجهادية، فسوف يواجهون تحدياً هائلاً في معالجة المخاوف المفهومة التي يشعر بها العديد من السوريين فيما يتصل بتوسع هيمنة «هيئة تحرير الشام»، وتداعياتها على حرياتهم الشخصية والدينية.

وكان زعيم «هيئة تحرير الشام» أبو محمد الجولاني فد زار قلعة مدينة حلب في شمال سوريا، وفق ما أظهرت لقطات على تطبيق للتنظيم نشرها على «تلغرام»، الأربعاء، حساب للفصائل المعارضة التي تشن هجوماً منذ أسبوع ضد القوات الحكومية في شمال سوريا.

وبثّ الحساب مجموعة لقطات يظهر فيها الجولاني، المقلّ في إطلالاته العامة، وهو يقف على درج أمام قلعة المدينة التاريخية، وأخرى يحيي فيها عدداً من مناصريه اجتمعوا حوله.

وأكد مصدر من الهيئة لوكالة الصحافة الفرنسية أن الزيارة جرت الأربعاء، بعد أيام من خروج المدينة بالكامل عن سيطرة القوات الحكومية للمرة الأولى منذ اندلاع النزاع عام 2011.


مقالات ذات صلة

بريطانيا تحذف «هيئة تحرير الشام» السورية من قائمة المنظمات الإرهابية

أوروبا وزير الخارجية السابق ديفيد لامي زار دمشق في يوليو الماضي والتقى الشرع وعدد من المسؤولين السوريين  (وزارة الخارجية البريطانية)

بريطانيا تحذف «هيئة تحرير الشام» السورية من قائمة المنظمات الإرهابية

قالت بريطانيا إنها قررت حذف «هيئة تحرير الشام» السورية من قائمة المنظمات الإرهابية، مشيرة إلى أن هذا القرار سيسمح بتعزيز التواصل مع الحكومة السورية الجديدة.

«الشرق الأوسط» (لندن)
المشرق العربي الشرع: إعادة إعمار سوريا تكلف 900 مليار دولار وتتطلب دعماً دولياً واسعاً

الشرع: إعادة إعمار سوريا تكلف 900 مليار دولار وتتطلب دعماً دولياً واسعاً

شدد الرئيس السوري أحمد الشرع على أن إعادة إعمار البلاد ضمن أولويات الدولة، مشيراً إلى أن تكلفة هذه العملية تتراوح بين 600 و900 مليار دولار.

«الشرق الأوسط» (لندن)
الولايات المتحدة​ مراسم عيد الصليب في معلولا قرب دمشق 13 سبتمبر بحضور بطريرك الروم في أنطاكية وسائر المشرق، يوسف العبسي (إ.ب.أ)

هل ينجح الشيباني في حث الكونغرس على إلغاء عقوبات قيصر؟

وصل وزير الخارجية السوري إلى واشنطن في توقيت يعدّ في غاية الأهمية حيث يعقد اجتماعات «عالية المخاطر» مع المشرّعين الأميركيين على مدى يومين لحثهم على رفع العقوبات

هبة القدسي (واشنطن)
المشرق العربي الرئيس أحمد الشرع وزوجته لطيفة الدروبي في حفل تخرج طالبات كلية الآداب بجامعة إدلب (الرئاسة السورية)

الرئيس السوري يحضر حفل تخرج عقيلته في كلية الآداب بجامعة إدلب

حضر الرئيس السوري، أحمد الشرع، حفل تخرج عقيلته، لطيفة الدروبي، ضمن دفعة عام 2025 في كلية الآداب والعلوم الإنسانية بجامعة إدلب شمال سوريا.

«الشرق الأوسط» (دمشق)
الولايات المتحدة​ الرئيس دونالد ترمب يصافح الرئيس السوري المؤقت أحمد الشرع في الرياض 14 مايو الماضي (أ.ب)

إدارة ترمب تحدد نهاية سبتمبر موعداً نهائياً لاتفاق أمنى بين دمشق وتل أبيب

كثفت إدارة ترمب جهودها الدبلوماسية للتوصل إلى اتفاقية أمنية بين الخصمين القديمين سوريا وإسرائيل، مع تحديد موعد نهائي في سبتمبر (أيلول) لإبرامها.

هبة القدسي (واشنطن)

العراق يعلق الدوام الرسمي غداً لاستكمال نقل صناديق الاقتراع

رئيس مجلس الوزراء العراقي محمد شياع السوداني بعد الإدلاء بصوته اليوم (رويترز)
رئيس مجلس الوزراء العراقي محمد شياع السوداني بعد الإدلاء بصوته اليوم (رويترز)
TT

العراق يعلق الدوام الرسمي غداً لاستكمال نقل صناديق الاقتراع

رئيس مجلس الوزراء العراقي محمد شياع السوداني بعد الإدلاء بصوته اليوم (رويترز)
رئيس مجلس الوزراء العراقي محمد شياع السوداني بعد الإدلاء بصوته اليوم (رويترز)

وجّه رئيس مجلس الوزراء العراقي، محمد شياع السوداني، الثلاثاء، بتعطيل الدوام الرسمي في مؤسسات الدولة يوم غد الأربعاء، لإتاحة المجال أمام المفوضية العليا المستقلة للانتخابات والأجهزة الأمنية لاستكمال نقل صناديق الاقتراع.

وذكر المكتب الإعلامي لرئيس الوزراء في بيان، أن القرار يشمل جميع الدوائر والمؤسسات الرسمية، باستثناء الجهات المكلفة بواجبات مستمرة، موضحاً أن الإجراء يهدف أيضاً إلى تسهيل عملية إخلاء المدارس التي استخدمت كمراكز انتخابية خلال عملية الاقتراع العام.

وفتحت مراكز الاقتراع أبوابها عند الساعة 07,00 (04,00 بتوقيت غرينيتش) اليوم أمام ما يزيد عن 21,4 مليون ناخب م على أن تُغلق في السادسة مساء (15,00 بتوقيت غرينيتش).ويتوقع أن تُعلن النتائج الأولية خلال 24 ساعة من إغلاق المراكز.


رئيس البرلمان لـ«الشرق الأوسط»: العراق لا يحتاج إلى حكومة ولاءات

رئيس البرلمان العراقي محمود المشهداني (رويترز)
رئيس البرلمان العراقي محمود المشهداني (رويترز)
TT

رئيس البرلمان لـ«الشرق الأوسط»: العراق لا يحتاج إلى حكومة ولاءات

رئيس البرلمان العراقي محمود المشهداني (رويترز)
رئيس البرلمان العراقي محمود المشهداني (رويترز)

أكد رئيس البرلمان العراقي، محمود المشهداني، الثلاثاء، أن العراق «تخطى العقبة الأولى بإجراء الانتخابات في موعدها المحدد دون تأخير».

وقال المشهداني في تصريح لـ«الشرق الأوسط» إن «التحدي الثاني الذي اجتزناه يتمثل في سير العملية الانتخابية بانسيابية عالية وروح ديمقراطية، مع تسجيل خروقات قليلة جداً لا تكاد تذكر».

وأضاف أن «تحديد نسبة المشاركة النهائية يتطلب انتظار انتهاء اليوم الانتخابي، ونأمل أن تكون أعلى من أي انتخابات سابقة».

ناخب عراقي يبتسم بعد الإدلاء بصوته في مركز اقتراع بمدينة المدحتية (أ.ف.ب)

وشدد المشهداني على أن المرحلة المقبلة تتطلب الانتقال من «الصراع على السلطة إلى بناء الدولة»، معتبراً أن هذا الهدف يحتاج إلى «حكومة كفاءات في ظل أمن مزدهر واقتصاد ناجح، لا حكومة قائمة على الولاءات السياسية».

ويدلي العراقيون بأصواتهم اليوم لاختيار برلمان جديد، في انتخابات من شأنها أن تحدد مستقبل البلاد إبّان مرحلة إقليمية حاسمة.

ناخبون عراقيون يصلون للإدلاء بأصواتهم في مركز اقتراع في الموصل (أ.ف.ب)

وفتحت مراكز الاقتراع أبوابها عند الساعة 07,00 (04,00 بتوقيت غرينيتش أمام ما يزيد عن 21,4 مليون ناخب مسجّلين لاختيار البرلمان لولاية تمتدّ أربع سنوات، على أن تُغلق في السادسة مساء (15,00 بتوقيت غرينيتش).

ويتنافس أكثر من 7740 مرشحا ثلثهم تقريبا من النساء ومعظمهم ضمن تحالفات وأحزاب سياسية كبيرة إذ يشارك 75 مستقلّا فقط هذا العام، على 329 مقعدا لتمثيل أكثر من 46 مليون نسمة.


«الرجل الأقوى» في العراق يزرع الألغام على طريق البرلمان

رئيس الحكومة العراقية يتوسط رئيس «الحشد الشعبي» فالح الفياض (يمين) ورئيس مجلس القضاء فائق زيدان (أ.ف.ب)
رئيس الحكومة العراقية يتوسط رئيس «الحشد الشعبي» فالح الفياض (يمين) ورئيس مجلس القضاء فائق زيدان (أ.ف.ب)
TT

«الرجل الأقوى» في العراق يزرع الألغام على طريق البرلمان

رئيس الحكومة العراقية يتوسط رئيس «الحشد الشعبي» فالح الفياض (يمين) ورئيس مجلس القضاء فائق زيدان (أ.ف.ب)
رئيس الحكومة العراقية يتوسط رئيس «الحشد الشعبي» فالح الفياض (يمين) ورئيس مجلس القضاء فائق زيدان (أ.ف.ب)

آخر شيء سمعه العراقيون من الفصائل المسلحة قبل «الصمت الانتخابي» مطلع الأسبوع، أن «للشيعة الوصاية الكاملة على العراق... بسلاحهم». كانت تلك كلمات مسؤول في «حزب الله» العراقي، خلال رعاية حملة مرشحيه وهم يشقون الطريق نحو مقاعد أول برلمان عراقي بعد أحداث 7 أكتوبر (تشرين الأول) 2023.

في أربيل، البعيدة عن بغداد بمسافة خلافات وأزمات، اختتم «الحزب الديمقراطي الكردستاني» رحلة البحث عن «مليون صوت» في السباق الانتخابي، بكلمات زعيمه مسعود بارزاني عن مستقبل التحالف الشيعي الحاكم: «الحكم لن يبقى لـ(الإطار التنسيقي) إن واصل سلوكه السياسي الحالي».

بين الرسالتين، عن الوصاية والحكم، تتحرك الحياة السياسية في البلاد خطوة نحو سادس برلمان بعد صدام حسين، مفككة أو جاهزة للتفكك بغياب قوى كلاسيكية وتراجع لاعبين محليين وإقليميين عن أدوار لطالما كانت حاسمة خلال العقدين الماضيين، بينما تظهر محاولات نادرة لخلق معادلة «قوة» تشغل المساحات المتروكة في بغداد.

يذهب آلاف المرشحين إلى الانتخابات العامة يوم 11 نوفمبر (تشرين الثاني) 2025، في لحظة «عطب» تصيب العملية السياسية، وتتغير المنطقة من حولهم بشكل متسارع، وتفشل أحزابهم في ابتكار صيغة سياسية قابلة للحياة، ويسأل كثيرون عما إذا كان ضرورياً العثور على تلك الصيغة، ويجيب دبلوماسي غربي يعمل في المنطقة منذ أشهر، أن «الفاعلين في بغداد يتأخرون عن إدراك أن الوضع يجب أن يتغير بعد 7 أكتوبر 2023».

ويردد سياسيون من أحزاب متنافسة عبارة واحدة: «هذه أخطر انتخابات في تاريخ البلاد». ورغم أنهم لا يقدمون أدلة على خطورتها، يغرق الرأي العام في سرديات عن «انهيار النظام وسقوطه»، وتصل ذروتها إلى تخيل لحظة مماثلة لأبريل (نيسان) 2003.

فراغ بغداد الكبير

منذ يونيو (تموز) 2025، تراجعت فاعلية تحالف «الإطار التنسيقي» إلى نحو غير مسبوق. وتفيد معلومات بأنه فشل مرات عدة في عقد اجتماعات دورية بكامل أعضائه، كما لم يكن حاسماً في ملفات استراتيجية خلال المرات التي اجتمع فيها، واضطر أحياناً إلى إصدار بيانات عن اجتماعات من دون مضمون.

وانقسم التحالف الحاكم بالطول والعرض؛ مرة حين شعر قادة فصائل مسلحة بأن «التنسيقي» لا يقوم بما يلزم لحماية سلاحهم أمام ضغوط دولية لنزعه أو حصره أو جمعه لدى الدولة، بينما تُطلب منهم حماية النظام الذي تقوده أحزاب شيعية.

وانعكس «غضب» الفصائل على خططها الانتخابية، إذ قررت التنافس بشكل مباشر دون التخفي، كما جرت العادة، تحت عباءة تحالفات سياسية كبرى، واختارت الاحتماء بشرعية برلمانية صريحة من الأميركيين الذين يصرون على تجريدها من السلاح، وتحييدها عن إيران.

وانقسم التحالف الشيعي أيضاً حين بدأت ملامح الانزعاج تطغى على سلوك قادة مخضرمين؛ مثل نوري المالكي زعيم ائتلاف «دولة القانون»، إذ يتساوى صوته الواحد داخل التحالف مع قادة آخرين لا يملكون نصف وزنه البرلماني. ويبدو أن فرز الأوزان الشيعية يحتاج إلى جراحة كبرى.

كما انشطر «الإطار التنسيقي» مع طموحات رئيس الحكومة الحالية محمد شياع السوداني، للفوز بولاية ثانية. ويشعر كثيرون في التحالف بأن تجاوز الخطوط الحمراء المتفق عليها منذ تكليف الرجل بالحكومة في أكتوبر 2022، يحمّله الكثير، رغم ما يراه هو في نفسه أنه يمتلك الآن حرية «تفعيل حالة الزعامة» لأسباب منها قيادة مرحلة مستقرة رغم «طوفان» وحروب في المنطقة. والآن، يضع مقربون منه على الطاولة، علاقة مفترضة مع الأميركيين ورقةً قوية للتفاوض حين تتشكل الكتلة الأكبر بعد إعلان نتائج الانتخابات.

وتتكدس ولاية السوداني الثانية «سحابة سوداء»، كما يصفها معارضوه. ويتجهز هو وخصومه لمعركة كسر عظام، وتتوقع كواليسُ حرباً علنية قد تصل إلى مجلس القضاء، ما لم تلجم مبكراً برسم نتائج الانتخابات. ولم يكن معتاداً أن يظهر المالكي عبر الشاشات ليقول إنه وعائلته ضحية «عملية تنصت»، وأنه «لن يترك حقه يضيع». شيء من هذا لم يكن يُسمع حتى في أشد كواليس بغداد سرية.

وخلال الأشهر الماضية، فاحت رائحة عمليات تنصت قيل إن مسؤولين في مكتب رئيس الحكومة تورطوا فيها. الحكومة نفت الشبهات، لكن القضاء قال إنه يحقق في الأمر، وبات الأمر جدياً.

رئيس وزراء العراق محمد شياع السوداني (يمين) يصل للإدلاء بصوته في الانتخابات البرلمانية بمركز اقتراع في بغداد (إ.ب.أ)

... حتى الصدر

سادت قناعة في بغداد بأن تفكك «الإطار التنسيقي» يمهد الطريق إلى عودة قوية لزعيم التيار الصدري، مقتدى الصدر. الحياة السياسية في بلد مثل العراق، يجب أن يحركها لاعب قوي أو شبكة أقوياء تربطهم مصالح استراتيجية، لكن الصدر لم يبادر لاستغلال فراغ التحالف الذي أجبره على المقاطعة بعد اشتباكات عنيفة في «المنطقة الخضراء» قبل 3 سنوات.

مع ذلك، يفضل صدريون هذه الأيام، الخوض في تكهنات عما ستؤول إليه نتائج الانتخابات، ومعارك تشكيل الحكومة، باعتبار ذلك «الوقت المناسب» للعودة.

إلى جانب غياب الصدر، تواصل المرجعية الدينية في النجف تحفظها دون مبادرة صريحة للشأن العام، ودون أن تكسر قواعد السلوك «النجفي»، إذ تحافظ على الحد الأدنى من التدخل؛ وخلال الأشهر الماضية أظهرت المرجعية موقفين فقط، أولهما الدعوة إلى حصر السلاح، وثانيهما حين تركت قرار المشاركة في الانتخابات إلى «قناعة» الناخبين.

لم تعد المرجعية، كما يقول مقربون من دوائرها، تتوقع استجابة من قادة الأحزاب النافذة لما تسميه «نصائحها» بشأن العملية السياسية، وهذا ما قد يفسر انكفاءها أيضاً.

مع كل هذه التحولات في الوظائف السياسية، تتراجع أدوار إيران داخل مصنع القرار السياسي في بغداد. ثمة انقسام حاد حول حقيقة هذا التراجع، إن كان بسبب المصنع أم الصانع. بعض قادة الأحزاب العراقية يرون أنهم باتوا أكثرَ قدرة على الارتجال بغياب قد يكون متعمداً لطهران التي خرجت تواً من حرب قاسية، وتدخل عصر العقوبات.

حسبما يترشح من كواليس أحزاب شيعية وفصائل، فإن وفوداً إيرانية فشلت خلال الأشهر الماضية في هندسة تحالفات شيعية - شيعية تضمن مساحة لتيارات تقليدية يُكتب لها الانقراض. ودفع هذا الفشل كثيرين إلى الاعتقاد بأن الوقت مناسب لفعل أشياء كانت من المحظورات في زمن قاسم سليماني، القائد السابق في «الحرس الثوري»، من بينها خصومات قد تمهد لاقتتال شيعي - شيعي.

الشك يراود كثيرين في أن ما نراه تراجعاً ليس إلا سراباً إيرانياً لـ«كسب الوقت«، إذ تعيش الجماعات الشيعية واحدة من فتراتها الذهبية، دون أن تفقد بندقية واحدة، وها هي تمضي نحو حضور جديد في البرلمان والحكومة.

لقد سُمع وزير التعليم العالي نعيم العبودي في تصريح متلفز، يقول إن «بنادق في المقاومة يمكنها أن تكون عاقلة وتساعد في الاستقرار». كان زعيمه قيس الخزعلي يتوج حملته الانتخابية قبل ذلك بالحديث عن سر «الاقتصاد والاستثمار» في تجاوز الماضي، بدلالة تجارب حديثة في المنطقة.

الدبلوماسي الغربي الذي زار بغداد ودمشق مرتين الصيف الماضي، يعلق على المشهد المفكك في بغداد، بالقول إنه من الواضح أن «الساسة العراقيين لم يقتنعوا بعدُ بأن عليهم التكيف مع الانقلاب الجوي في قواعد الاشتباك، وأن محاولات واشنطن لحماية الاستقرار في بغداد لن تستمر طويلاً»، حتى لو كان ما تقوم به في المرحلة الماضية هو «الإيهام بالحرب» دون حرب.

رئيس الوزراء محمد شياع السوداني يحضر اجتماعاً ضم رؤساء الجمهورية عبد اللطيف جمال رشيد والبرلمان محمود المشهداني ومجلس القضاء الأعلى القاضي فائق زيدان (إكس)

«الرجل الأقوى»

في يوم الصمت الانتخابي، عرّض رئيس مجلس القضاء الأعلى فائق زيدان نفسه للخطر؛ تقدم خطوة أمام الرأي العام بوصفه «الرجل الأقوى» في البلاد. كان تحركاً على خيط توازنات رفيع، في لحظة تراجع مراكز قوى وفقدان لاعبين مهارات المبادرة والتحكم.

قبل الاقتراع، زرع القاضي زيدان لغماً على طريق الفائزين المحتملين. وضع موعد انتخابهم في حالة شك «دستوري»، وتحدث عن مهل لتشكيل السلطتين التشريعية والتنفيذية. شيء من التنبيه إلى أن الطرق المؤدية إلى البرلمان الجديد معبدة بالطعون والوصايات القضائية.

وعن السوداني، قال زيدان إن «الشكاوى حوله لا تزال منظورة من المحاكم المختصة، ويجري التحقيق بها لجمع الأدلة». ذكّره بمصير الكاظمي الذي «حقق معه القضاء معمقاً في أكثر من قضية وتوصل إلى نتيجة بأن الاتهامات غير جدية ولم تثبت». إن تلميحات نادرة مثل هذه ليست عادية في مطبخ القادة العراقيين.

وكان زيدان قد أبلغ الممثل الخاص للأمم المتحدة في العراق محمد الحسان، بأنه «يلعب الدور المحوري والضامن... للعدالة الانتخابية». وكتب موقعه الإلكتروني خبراً عن لقائهما بعنوان «القضاء في قلب الدبلوماسية الدولية». ليس معتاداً أيضاً أن تتدفق كل هذه الوظائف السياسية من مؤسسة شديدة التحفظ من أدوار علنية في السياسة.

ويتطلب زرع ألغام بهذا الحجم من رجل قضاء ضبط حسابات دقيقة للغاية. أي خطأ قد يرتد عليه ويكلفه الكثير، حتى مع قوله إنه «رفض ترشيحه لمنصب رئيس الحكومة مرات عديدة،»، وتأكيده أنه «سوف يرفضه مجدداً لأسباب شخصية».

لقد صمم النظام السياسي منصب رئيس القضاء في العراق بطبقات من الحساسية والحصانة، حتى يتمكن دائماً من ضبط التوازنات من بعيد. بات زيدان اليوم قريباً جداً من المسرح السياسي المكشوف، أمام مشهد إقليمي ينتظر من بغداد إشارات محددة عن طبيعة الشركاء الجدد في البرلمان السادس.

لكن تموضع قاضٍ مثل فائق زيدان بهذه الجرعة الزائدة من السياسة، قد يعني أن النظام اختار إنهاء فصل من العملية السياسية، بعد فقدانه مصادر القوة وعجزه عن الاستجابة والتكيف لوظائف جديدة في المنطقة. يقول سياسيون يشتركون هذه الأيام في نقاشات عن خريطة الطريق الجديدة ببغداد، إن ملامح الكتلة الأكبر الجديدة في بغداد «لن تخرج عن المساحة التي يستحوذ عليها القضاء».