مصاعب الغوص ومآسيه تتجسد في مهرجان الساحل الشرقي بالدمام

تنظمه «هيئة السياحة» في متنزه الملك عبد الله بالواجهة البحرية

مصاعب الغوص ومآسيه تتجسد في مهرجان الساحل الشرقي بالدمام
TT

مصاعب الغوص ومآسيه تتجسد في مهرجان الساحل الشرقي بالدمام

مصاعب الغوص ومآسيه تتجسد في مهرجان الساحل الشرقي بالدمام

حضرت قصص الماضي والدراما الخيالية من خلال تجسيد أدوار تمثيلية في مهرجان الساحل الشرقي الثاني، حيث جرى استحضار «رحلة الغوص» والصعوبات التي كان يعانيها الآباء والأجداد في الخليج العربي تحديدا من أجل توفير لقمة العيش لمن يعولونهم من خلال ممارسة هذه المهنة المليئة بالمواقف السعيدة والحزينة.
وقدمت جمعية الثقافة والفنون - فرع الدمام، تجسيدا رائعا ومدهشا نال إعجاب آلاف الزائرين للمهرجان الذي تنظمه الهيئة العامة للسياحة والآثار بالتعاون مع لجنة التنمية السياحية والأمانة وإمارة المنطقة الشرقية في متنزه الملك عبد الله بالواجهة البحرية في الدمام.
وتجسدت على أرض الواقع تلك المشاهد الخطرة التي كان يتعرض لها البحارة والغواصون في بحثهم الدؤوب عن اللؤلؤ وما يصاحبها من فرص لصيد الأسماك والبحث عن الرزق في أعماق البحر.
وجاءت قصة العرض لطفل يحاول تعلم الغوص بينما يحاول جده الذي فقد ابنه في إحدى رحلات الغوص، أن يمنعه من تعلم هذه المهنة الخطرة.
ويستذكر الجد تلك المشاهد التي يحكيها لحفيده وكيف فقد ابنه بعد أن نزل إلى البحر للبحث عن اللؤلؤ وقضت عليه سمكة القرش (اليريور) بحسب ما يسميها أهل الخليج. ويتناول العرض كيف جرى إبلاغ الطفل بوفاة والده وتسليمه باقي (بقشته)، وهي ما كان يحمله على ظهر السفينة، في مشهد مؤثر للحضور الكثيف لهذه الفعالية.
وكان تأليف وإخراج هذا العرض للفنان راشد الورثان، وفي دور الراوي خالد العبودي، وبدور الطفل خالد السليطين، والنوخذة عبد الله الدوسري، وبدر عسيري في دور المجدمي (مساعد النوخذة)، وياسر عسيري بدور النهام.
وقدم الراوي خالد العبودي، وهو رجل ستيني من سكان مدينة الدمام قام بدور الراوي في قصة رحلة الغوص، تفاصيل بداية الدشة حتى خروجهم من الغوص، ويحكي للزوار عن الشيلات التي ينشدها الغواصون للتسلية أثناء إبحارهم.
وقال العبودي، إن الراوي مهمته أن «يروي للكبار والأطفال قصص الغوص ومخاطره، والراوي داخل الديرة يجمع الأطفال في المناسبات والأعياد وفي شهر رمضان ليقص عليهم قصصا حقيقية حدثت في الواقع زمن الغوص، ليتعلموا كيف كان يعاني أجدادهم من أجل رزقهم الذي كان يعتمد على البحر، بهدف إحياء التراث، ويعلم شباب الجيل الحديث حياة أجدادهم».
وأشار إلى أن الطواشين في غير موسم الغوص يذهبون لمجالس (الليوان) ليجتمعوا ويستمتعوا بقصص الراوي. وعدّد صفات الراوي الناجح التي ينبغي أن تتوافر فيه، منها أن يكون صاحب إلقاء جيد، وأن يعيش الشخصية ويحب الروايات ليستطيع أن يبدع.
وذكر العبودي أن هناك سنة مرت على الناس بعد سنة (الطبعة) سميت (سنة الهوية) بعد الحرب العالمية الثانية، وأصاب الناس القحط والفقر، وصار الأرز والسكر والقمح لا يشترى إلا بالبطاقة، ويقول: «إن أكثر الرحلات كانت للهند، والنواخذة كانوا يأتون محمّلين ببضائع من الهند، ومن ضمنها الكتب التي تساعد الرواة في قصصهم».
وعلى صعيد متصل، أوجد المهرجان فرصة لـ120 أسرة منتجة من أهالي المنطقة الشرقية في مواقع خاصة وفرتها اللجنة المنظمة لعرض المنتجات المتنوعة ذات الجودة العالية، بهدف توفير مصدر دخل لها من خلال إنتاجها المنزلي اليومي.
وفي أحد أركان المهرجان تقف أم تركي طوال ثماني ساعات، وهي فترة العرض في المهرجان، على قدميها لتقدم للزبائن الخبز البلدي المحشو بالجبن والزعتر واللبنة، وتساعدها في هذه المهمة ثلاث من بناتها.
وتقول أم تركي التي تجاوزت الخمسين من عمرها: «أعول أسرة مكونة من 23 فردا، وأسكن في شقة إيجار، وأمام الاحتياجات اليومية للصرف على هذه الأسرة الكبيرة التي لا عائل لها بعد تقاعد زوجي، لم أجد إلا الدخول في البيع والشراء وإيجاد دخل شريف نعتمد فيه بعد الله على الوفاء بمستحقاتنا اليومية»، مضيفة أنها وجدت فرصة في هذه المهرجانات وشاركت في مهرجان الساحل الشرقي الماضي، إضافة إلى ثلاثة مهرجانات أخرى، مبينة أن هناك إقبالا من الزبائن «ونبيع يوميا بما يقارب 500 ريال، وهو مبلغ مجزٍ جدا»، مطالبة بإيجاد مقرات دائمة للأسر المنتجة في مواقع المهرجانات خصوصا.



ستيف بركات لـ«الشرق الأوسط»: أصولي اللبنانية تتردّد أبداً في صدى موسيقاي

عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية     -   ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)
عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية - ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)
TT

ستيف بركات لـ«الشرق الأوسط»: أصولي اللبنانية تتردّد أبداً في صدى موسيقاي

عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية     -   ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)
عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية - ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)

ستيف بركات عازف بيانو كندي من أصل لبناني، ينتج ويغنّي ويلحّن. لفحه حنين للجذور جرّه إلى إصدار مقطوعة «أرض الأجداد» (Motherland) أخيراً. فهو اكتشف لبنان في وقت لاحق من حياته، وينسب حبّه له إلى «خيارات مدروسة وواعية» متجذرة في رحلته. من اكتسابه فهماً متيناً لهويته وتعبيره عن الامتنان لما منحه إياه الإرث من عمق يتردّد صداه كل يوم، تحاوره «الشرق الأوسط» في أصله الإنساني المنساب على النوتة، وما أضفاه إحساسه الدفين بالصلة مع أسلافه من فرادة فنية.
غرست عائلته في داخله مجموعة قيم غنية استقتها من جذورها، رغم أنه مولود في كندا: «شكلت هذه القيم جزءاً من حياتي منذ الطفولة، ولو لم أدركها بوعي في سنّ مبكرة. خلال زيارتي الأولى إلى لبنان في عام 2008. شعرتُ بلهفة الانتماء وبمدى ارتباطي بجذوري. عندها أدركتُ تماماً أنّ جوانب عدة من شخصيتي تأثرت بأصولي اللبنانية».
بين كوبنهاغن وسيول وبلغراد، وصولاً إلى قاعة «كارنيغي» الشهيرة في نيويورك التي قدّم فيها حفلاً للمرة الأولى، يخوض ستيف بركات جولة عالمية طوال العام الحالي، تشمل أيضاً إسبانيا والصين والبرتغال وكوريا الجنوبية واليابان... يتحدث عن «طبيعة الأداء الفردي (Solo) التي تتيح حرية التكيّف مع كل حفل موسيقي وتشكيله بخصوصية. فالجولات تفسح المجال للتواصل مع أشخاص من ثقافات متنوعة والغوص في حضارة البلدان المضيفة وتعلّم إدراك جوهرها، مما يؤثر في المقاربة الموسيقية والفلسفية لكل أمسية».
يتوقف عند ما يمثله العزف على آلات البيانو المختلفة في قاعات العالم من تحدٍ مثير: «أكرّس اهتماماً كبيراً لأن تلائم طريقة عزفي ضمانَ أفضل تجربة فنية ممكنة للجمهور. للقدرة على التكيّف والاستجابة ضمن البيئات المتنوّعة دور حيوي في إنشاء تجربة موسيقية خاصة لا تُنسى. إنني ممتنّ لخيار الجمهور حضور حفلاتي، وهذا امتياز حقيقي لكل فنان. فهم يمنحونني بعضاً من وقتهم الثمين رغم تعدّد ملاهي الحياة».
كيف يستعد ستيف بركات لحفلاته؟ هل يقسو عليه القلق ويصيبه التوتر بإرباك؟ يجيب: «أولويتي هي أن يشعر الحاضر باحتضان دافئ ضمن العالم الموسيقي الذي أقدّمه. أسعى إلى خلق جو تفاعلي بحيث لا يكون مجرد متفرج بل ضيف عزيز. بالإضافة إلى الجانب الموسيقي، أعمل بحرص على تنمية الشعور بالصداقة الحميمة بين الفنان والمتلقي. يستحق الناس أن يلمسوا إحساساً حقيقياً بالضيافة والاستقبال». ويعلّق أهمية على إدارة مستويات التوتّر لديه وضمان الحصول على قسط كافٍ من الراحة: «أراعي ضرورة أن أكون مستعداً تماماً ولائقاً بدنياً من أجل المسرح. في النهاية، الحفلات الموسيقية هي تجارب تتطلب مجهوداً جسدياً وعاطفياً لا تكتمل من دونه».
عزف أناشيد نالت مكانة، منها نشيد «اليونيسف» الذي أُطلق من محطة الفضاء الدولية عام 2009 ونال جائزة. ولأنه ملحّن، يتمسّك بالقوة الهائلة للموسيقى لغة عالمية تنقل الرسائل والقيم. لذا حظيت مسيرته بفرص إنشاء مشروعات موسيقية لعلامات تجارية ومؤسسات ومدن؛ ومعاينة تأثير الموسيقى في محاكاة الجمهور على مستوى عاطفي عميق. يصف تأليف نشيد «اليونيسف» بـ«النقطة البارزة في رحلتي»، ويتابع: «التجربة عزّزت رغبتي في التفاني والاستفادة من الموسيقى وسيلة للتواصل ومتابعة الطريق».
تبلغ شراكته مع «يونيفرسال ميوزيك مينا» أوجها بنجاحات وأرقام مشاهدة عالية. هل يؤمن بركات بأن النجاح وليد تربة صالحة مكوّنة من جميع عناصرها، وأنّ الفنان لا يحلّق وحده؟ برأيه: «يمتد جوهر الموسيقى إلى ما وراء الألحان والتناغم، ليكمن في القدرة على تكوين روابط. فالنغمات تمتلك طاقة مذهلة تقرّب الثقافات وتوحّد البشر». ويدرك أيضاً أنّ تنفيذ المشاريع والمشاركة فيها قد يكونان بمثابة وسيلة قوية لتعزيز الروابط السلمية بين الأفراد والدول: «فالثقة والاهتمام الحقيقي بمصالح الآخرين يشكلان أسس العلاقات الدائمة، كما يوفر الانخراط في مشاريع تعاونية خطوات نحو عالم أفضل يسود فيه الانسجام والتفاهم».
بحماسة أطفال عشية الأعياد، يكشف عن حضوره إلى المنطقة العربية خلال نوفمبر (تشرين الثاني) المقبل: «يسعدني الوجود في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا كجزء من جولة (Néoréalité) العالمية. إنني في مرحلة وضع اللمسات الأخيرة على التفاصيل والتواريخ لنعلن عنها قريباً. تملؤني غبطة تقديم موسيقاي في هذا الحيّز النابض بالحياة والغني ثقافياً، وأتحرّق شوقاً لمشاركة شغفي وفني مع ناسه وإقامة روابط قوامها لغة الموسيقى العالمية».
منذ إطلاق ألبومه «أرض الأجداد»، وهو يراقب جمهوراً متنوعاً من الشرق الأوسط يتفاعل مع فنه. ومن ملاحظته تزايُد الاهتمام العربي بالبيانو وتعلّق المواهب به في رحلاتهم الموسيقية، يُراكم بركات إلهاماً يقوده نحو الامتنان لـ«إتاحة الفرصة لي للمساهمة في المشهد الموسيقي المزدهر في الشرق الأوسط وخارجه».
تشغله هالة الثقافات والتجارب، وهو يجلس أمام 88 مفتاحاً بالأبيض والأسود على المسارح: «إنها تولّد إحساساً بالعودة إلى الوطن، مما يوفر ألفة مريحة تسمح لي بتكثيف مشاعري والتواصل بعمق مع الموسيقى التي أهديها إلى العالم».