ألماسة كوهينور محل خلاف بين 4 دول من بينها الهند

تتصدر التاج البريطاني.. ولا يسمح إلا للملكات باستخدامها

الملكة البريطانية اليزابيث الثانية في افتتاح الدورة البرلمانية في 2007 وهي تضع التاج الملكي، وفي الصورة الثانية تبدو ماسة كوهينور محل الخلاف تتصدر التاج البريطاني (رويترز)
الملكة البريطانية اليزابيث الثانية في افتتاح الدورة البرلمانية في 2007 وهي تضع التاج الملكي، وفي الصورة الثانية تبدو ماسة كوهينور محل الخلاف تتصدر التاج البريطاني (رويترز)
TT

ألماسة كوهينور محل خلاف بين 4 دول من بينها الهند

الملكة البريطانية اليزابيث الثانية في افتتاح الدورة البرلمانية في 2007 وهي تضع التاج الملكي، وفي الصورة الثانية تبدو ماسة كوهينور محل الخلاف تتصدر التاج البريطاني (رويترز)
الملكة البريطانية اليزابيث الثانية في افتتاح الدورة البرلمانية في 2007 وهي تضع التاج الملكي، وفي الصورة الثانية تبدو ماسة كوهينور محل الخلاف تتصدر التاج البريطاني (رويترز)

مع احتفال ملكة بريطانيا بعيد ميلادها الـ90، برزت الألماسة كوهينور ذات الـ105 قراريط، التي تزين تيجان ملوك وملكات بريطانيا منذ عام 1850. مرة أخرى إلى سطح الأحداث، حيث كررت الهند مطالبتها باستعادة الألماسة من بريطانيا.
وتتصدر الألماسة التاج الملكي في برج لندن، حيث يتم الاحتفاظ بالمجوهرات الملكية البريطانية والتي يشاهدها ملايين الزائرين في كل عام. ولقد كانت الألماسة كوهينور محل خلاف قديم بين الهند والحكومات البريطانية المتعاقبة منذ عقود.
جاء ذكر الألماسة كوهينور أول الأمر في بعض النصوص السنسكريتية القديمة قبل 4 آلاف إلى 5 ألاف عام مضت. وفي تلك الفترة البعيدة، كانت تعرف باسم «سامانتيكا ماني» (أي ملكة الألماس). ووفقا لبعض الأساطير القديمة، كانت الألماسة الشهيرة في حوزة الإله الهندوسي كريشنا. وذكر أحد النصوص الهندوسية القديمة في ذلك الوقت: «لا يمكن لأحد، لإله أو امرأة، أن يتزين بتلك الألماسة من دون الخوف من العقاب».
وتعود أصول تلك الألماسة إلى غولكوندا في ولاية اندرابراديش الهندية الجنوبية. وانتقلت بين مختلف السلاطين القدماء في دلهي. وهناك سجلات قديمة تقول: «إن تلك الألماسة زينت تاج الملك المغولي القديم شاه جهان».
ولقد غزا الملك الفارسي نادر شاه الإمبراطورية المغولية في عام 1739، ومن ثم استولى على الألماسة الشهيرة. وتقول الأساطير: «إن الملك نادر شاه هو من أطلق على الألماسة اسمها الحالي (كوه - ي – نور)، وتعني في اللغة الفارسية (جبل النور)».
اغتيل الملك نادر شاه في عام 1747 وتفككت إمبراطوريته. وبعد وفاته، استولى أحد جنرالاته على الألماسة كوهينور، ويدعى الجنرال أحمد شاه دوراني، الذي منح الألماسة إلى الملك السيخي رانجيت سينغ، ملك البنجاب، الذي ساعد الجنرال بدوره على استعادة عرش أفغانستان.
وفي عام 1849، غزت القوات البريطانية البنجاب وأبرمت إثرا لذلك معاهدة لاهور، التي تنص في أحد بنودها على تسليم ألماسة كوهينور إلى ملكة إنجلترا. رتب اللورد دالهوزي في عام 1851 مراسم تقديم ألماسة كوهينور إلى الملكة فيكتوريا بواسطة دوليب سينغ خليفة الملك رانجيت سينغ. وكان تقديم الألماسة الكبيرة في احتفالية مهيبة نظمت في هايد بارك بالعاصمة لندن. ومن ذلك الحين، استقر الأمر بتلك الألماسة في بريطانيا.
بعد رحيل الملكة فيكتوريا، انتقلت ملكية الألماسة إلى الملكة الكسندرا في عام 1902، ثم إلى الملكة ماري في عام 1911 من أجل مراسم التتويج، ثم إلى الملكة الأم في عام 1937. ثم وضعت على الصليب المالطي. واستقرت الألماسة على نعش الملكة الأم أثناء مراسم الجنازة في ويستمنستر عام 2002. وأصبحت الألماسة جزءا من التاج البريطاني الخاص بالملكة إليزابيث الثانية أثناء مراسم تتويجها في عام 1953. منذ ذلك الحين، اتخذت ألماسة كوهينور طريقها عبر كثير من الأسر المالكة ومختلف الخزائن قبل أن يستقر بها المقام أخيرا في أيدي البريطانيين خلال الحقبة الاستعمارية، وأصبحت الألماسة محل خلاف تاريخي حول ملكيتها من قبل ما لا يقل عن 4 دول من بينها الهند.
حيث طالبت الحكومة الهندية، إثر اعتقادها بأن الألماسة حق من حقوقها، باستعادتها لأول مرة بمجرد استقلالها عن الاستعمار البريطاني في عام 1947. وجاء الطلب الثاني باسترجاع الألماسة في عام 1953. وهو عام تتويج الملكة إليزابيث الثانية. وفي كل مرة، كانت الحكومة البريطانية تدحض المطالب قائلة «إن ملكية الألماسة غير قابلة للتفاوض».
وفي عام 1976، أكدت باكستان ملكيتها للألماسة، حيث قالت: «إنه وفقا للاعتقاد بأن الألماسة قد سُلمت في عام 1849 من قبل الحاكم السيخي إلى الحكومة البريطانية في لاهور، التي هي الآن جزء من باكستان»، كما ادعت كل من إيران وأفغانستان، كذلك حقوق ملكية الألماسة، من واقع الاستشهاد بالوقائع التاريخية عندما كانت الألماسة على أراضيهما.
تقول الأساطير: «إن ألماسة كوهينور ذات الـ105 قراريط لا يجب أن ترتديها إلا امرأة أو إله. وإذا ما تجرأ رجل على ارتداء الألماسة، فستلحقه اللعنات، ويلقى مصيرا مرعبا. وتعود لعنة ألماسة كوهينور إلى النصوص الهندوسية القديمة من أول ظهور موثق للألماسة في عام 1306. وتقول اللعنة الملحقة بالألماسة: «من يملك هذه الألماسة يملك العالم، ولكنه يلقى كل ما في العالم من المصائب. والإله فقط، أو امرأة فحسب، من يمكنهما ارتداء الألماسة من دون عقاب».
كان تاريخ وحياة كل الحكام ممن امتلكوا ألماسة كوهينور مفعمة بالعنف، والقتل، والتشويه، والتعذيب، والغدر.
وسواء اعتقد الناس في لعنة تلك الألماسة، فإن تاريخها لا يمكن تجاوزه أو إنكاره، ولا تزال لعنة ألماسة كوهينور توحي للناس بكثير من الحيطة والحذر.
وكانت العائلة المالكة في بريطانيا على وعي تام بلعنة ألماسة كوهينور، ومنذ عهد الملكة فيكتوريا، عندما أصبحت الألماسة الشهيرة في حوزتها، لم يرتدها منذ ذلك الحين إلا الإناث من أفراد الأسرة المالكة.
وذكرت الملكة فيكتوريا في وصيتها أن ألماسة كوهينور لا ينبغي أن ترتديها إلا ملكة من النساء فقط.
وإذا ما قُدر لكيت ميدلتون، زوجة الأمير ويليام، وهو الثاني في الترتيب على ولاية العرش الإنجليزي، أصبحت في نهاية الأمر عقيلة الملك، فسيكون من حقها ارتداء التاج الذي يضم تلك الألماسة في الاحتفاليات الرسمية.



100 عامٍ من عاصي الرحباني

عاصي الرحباني وفيروز (تويتر)
عاصي الرحباني وفيروز (تويتر)
TT

100 عامٍ من عاصي الرحباني

عاصي الرحباني وفيروز (تويتر)
عاصي الرحباني وفيروز (تويتر)

في الرابع من شهر الخِصب وبراعم اللوز والورد، وُلد عاصي الرحباني. كانت البلادُ فكرةً فَتيّة لم تبلغ بعد عامها الثالث. وكانت أنطلياس، مسقط الرأس، قريةً لبنانيةً ساحليّة تتعطّر بزهر الليمون، وتَطربُ لارتطام الموج بصخور شاطئها.
لو قُدّر له أن يبلغ عامه المائة اليوم، لأَبصر عاصي التحوّلات التي أصابت البلاد وقُراها. تلاشت الأحلام، لكنّ «الرحباني الكبير» ثابتٌ كحقيقةٍ مُطلَقة وعَصي على الغياب؛ مقيمٌ في الأمس، متجذّر في الحاضر وممتدّةٌ جذوره إلى كل الآتي من الزمان.


عاصي الرحباني خلال جلسة تمرين ويبدو شقيقه الياس على البيانو (أرشيف Rahbani Productions)

«مهما قلنا عن عاصي قليل، ومهما فعلت الدولة لتكريمه قليل، وهذا يشمل كذلك منصور وفيروز»، يقول المؤلّف والمنتج الموسيقي أسامة الرحباني لـ«الشرق الأوسط» بمناسبة مئويّة عمّه. أما الصحافي والباحث محمود الزيباوي، الذي تعمّق كثيراً في إرث الرحابنة، فيرى أن التكريم الحقيقي يكون بتأليف لجنة تصنّف ما لم يُنشر من لوحاته الغنائية الموجودة في إذاعتَي دمشق ولبنان، وتعمل على نشره.
يقرّ أسامة الرحباني بتقصير العائلة تجاه «الريبرتوار الرحباني الضخم الذي يحتاج إلى تضافر جهود من أجل جَمعه»، متأسفاً على «الأعمال الكثيرة التي راحت في إذاعة الشرق الأدنى». غير أنّ ما انتشر من أغانٍ ومسرحيات وأفلام، على مدى أربعة عقود من عمل الثلاثي الرحباني عاصي ومنصور وفيروز، أصبح ذخيرةً للقرون المقبلة، وليس للقرن الرحباني الأول فحسب.

«فوتي احفظي، قومي سجّلي»
«كان بركاناً يغلي بالعمل... يكتب بسرعة ولا يتوقف عند هاجس صناعة ما هو أجمل، بل يترك السرد يمشي كي لا ينقطع الدفق»، هكذا يتذكّر أسامة عمّه عاصي. وفي بال الزيباوي كذلك، «عاصي هو تجسيدٌ للشغف وللإنسان المهووس بعمله». لم يكن مستغرباً أن يرنّ الهاتف عند أحد أصدقائه الساعة الثالثة فجراً، ليخرج صوت عاصي من السمّاعة قارئاً له ما كتب أو آخذاً رأيه في لحنٍ أنهاه للتوّ.
ووفق ما سمعه الزيباوي، فإن «بعض تمارين السيدة فيروز وتسجيلاتها كان من الممكن أن يمتدّ لـ40 ساعة متواصلة. يعيد التسجيل إذا لم يعجبه تفصيل، وهذا كان يرهقها»، رغم أنه الزوج وأب الأولاد الأربعة، إلا أن «عاصي بقي الأستاذ الذي تزوّج تلميذته»، على حدّ وصف الزيباوي. ومن أكثر الجمل التي تتذكّرها التلميذة عن أستاذها: «فوتي احفظي، قومي سَجّلي». أضنى الأمر فيروز وغالباً ما اعترفت به في الحوارات معها قبل أن تُطلقَ تنهيدةً صامتة: «كان ديكتاتوراً ومتطلّباً وقاسياً ومش سهل الرِضا أبداً... كان صعب كتير بالفن. لمّا يقرر شي يمشي فيه، ما يهمّه مواقفي».


عاصي وفيروز (تويتر)
نعم، كان عاصي الرحباني ديكتاتوراً في الفن وفق كل مَن عاصروه وعملوا معه. «كل العباقرة ديكتاتوريين، وهذا ضروري في الفن»، يقول أسامة الرحباني. ثم إن تلك القسوة لم تأتِ من عدم، فعاصي ومنصور ابنا الوَعر والحرمان.
أثقلت كتفَي عاصي منذ الصغر همومٌ أكبر من سنّه، فتحمّلَ وأخوه مسؤولية العائلة بعد وفاة الوالد. كان السند المعنوي والمادّي لأهل بيته. كمعطفٍ ردّ البردَ عنهم، كما في تلك الليلة العاصفة التي استقل فيها دراجة هوائية وقادها تحت حبال المطر من أنطلياس إلى الدورة، بحثاً عن منصور الذي تأخّر بالعودة من الوظيفة في بيروت. يروي أسامة الرحباني أنها «كانت لحظة مؤثرة جداً بين الأخوين، أبصرا خلالها وضعهما المادي المُذري... لم ينسيا ذلك المشهد أبداً، ومن مواقفَ كتلك استمدّا قوّتهما».
وكما في الصِبا كذلك في الطفولة، عندما كانت تمطر فتدخل المياه إلى المدرسة، كان يظنّ منصور أن الطوفان المذكور في الكتاب المقدّس قد بدأ. يُصاب بالهلَع ويصرخ مطالباً المدرّسين بالذهاب إلى أخيه، فيلاقيه عاصي ويحتضنه مهدّئاً من رَوعه.

«سهرة حبّ»... بالدَين
تعاقبت مواسم العزّ على سنوات عاصي الرحباني. فبعد بدايةٍ متعثّرة وحربٍ شرسة ضد أسلوبه الموسيقي الثائر على القديم، سلك دروب المجد. متسلّحاً بخياله المطرّز بحكايا جدّته غيتا و«عنتريّات» الوالد حنّا عاصي، اخترع قصصاً خفتت بفعلِ سحرِها الأصواتُ المُعترضة. أما لحناً، فابتدعَ نغمات غير مطابقة للنظريات السائدة، و«أوجد تركيبة جديدة لتوزيع الموسيقى العربية»، على ما يشرح أسامة الرحباني.


صورة تجمع عاصي ومنصور الرحباني وفيروز بالموسيقار محمد عبد الوهاب وفريد الأطرش، بحضور بديعة مصابني وفيلمون وهبي ونجيب حنكش (أرشيف Rahbani Productions)
كان عاصي مستعداً للخسارة المادية من أجل الربح الفني. يحكي محمود الزيباوي أنه، ولشدّة مثاليته، «سجّل مسرحية (سهرة حب) مرتَين ولم تعجبه النتيجة، فاقترض مبلغاً من المال ليسجّلها مرة ثالثة». ويضيف أن «أساطير كثيرة نُسجت حول الرحابنة، لكن الأسطورة الحقيقية الوحيدة هي جمال عملهم».
ما كانت لتكتمل أسطورة عاصي، لولا صوت تلك الصبية التي دخلت قفصَه الذهبي نهاد حدّاد، وطارت منه «فيروز».
«أدهشته»، يؤكّد الزيباوي؛ ويستطرد: «لكنّ أحداً منهما لم يعرف كيف يميّز بين نهاد حداد وفيروز»... «هي طبعاً المُلهِمة»، يقول أسامة الرحباني؛ «لمح فيها الشخصية التي لطالما أراد رسمَها، ورأى امرأةً تتجاوب مع تلك الشخصية»، ويضيف أن «عاصي دفع بصوت فيروز إلى الأعلى، فهو في الفن كان عنيفاً ويؤمن بالعصَب. كان يكره الارتخاء الموسيقي ويربط النجاح بالطبع الفني القوي، وهذا موجود عند فيروز».


زفاف عاصي الرحباني ونهاد حداد (فيروز) عام 1955 (تويتر)

دماغٌ بحجم وطن
من عزّ المجد، سرقت جلطة دماغيّة عاصي الرحباني عام 1972. «أكثر ما يثير الحزن أن عاصي مرض وهو في ذروة عطائه وإبداعه، وقد زادت الحرب اللبنانية من مرضه وصعّبت العمل كثيراً»، وفق الزيباوي. لم يكن القلق من الغد الغامض غريباً عليه. فهو ومنذ أودى انفجارٌ في إحدى الكسّارات بحياة زوج خالته يوسف الزيناتي، الذي كان يعتبره صياداً خارقاً واستوحى منه شخصيات لمسرحه، سكنته الأسئلة الحائرة حول الموت وما بعدَه.
الدماغ الذي وصفه الطبيب الفرنسي المعالج بأنه من أكبر ما رأى، عاد ليضيء كقمرٍ ليالي الحصّادين والعاشقين والوطن المشلّع. نهض عاصي ورجع إلى البزُق الذي ورثه عن والده، وإلى نُبله وكرمه الذي يسرد أسامة الرحباني عنهما الكثير.
بعد المرض، لانت قسوة عاصي في العمل وتَضاعفَ كرَمُه المعهود. يقول أسامة الرحباني إن «أقصى لحظات فرحه كانت لحظة العطاء». أعطى من ماله ومن فِكرِه، وعُرف بيدِه الموضوعة دائماً في جيبِه استعداداً لتوزيع النقود على المحتاجين في الشارع. أما داخل البيت، فتجسّد الكرَم عاداتٍ لطيفة وطريفة، كأن يشتري 20 كنزة متشابهة ويوزّعها على رجال العائلة وشبّانها.
خلال سنواته الأخيرة ومع احتدام الحرب، زاد قلق عاصي الرحباني على أفراد العائلة. ما كان يوفّر مزحة أو حكاية ليهدّئ بها خوف الأطفال، كما في ذلك اليوم من صيف 1975 الذي استُهدفت فيه بلدة بكفيا، مصيَف العائلة. يذكر أسامة الرحباني كيف دخل عاصي إلى الغرفة التي تجمّع فيها أولاد العائلة مرتعدين، فبدأ يقلّد الممثلين الأميركيين وهم يُطلقون النار في الأفلام الإيطالية، ليُنسيَهم ما في الخارج من أزيز رصاص حقيقي. وسط الدمار، بنى لهم وطناً من خيالٍ جميل، تماماً كما فعل وما زال يفعل في عامِه المائة، مع اللبنانيين.


عاصي الرحباني (غيتي)