السينما اللبنانية الشبابية تعود إلى الحرب بعد هدنة

«مهرجان طرابلس للأفلام» يختتم أعماله ويوزع جوائزه

مشهد من الفيلم الإيراني الفائز بجائزة أفضل فيلم روائي «يحيى لا يلتزم الصمت» ({الشرق الأوسط})
مشهد من الفيلم الإيراني الفائز بجائزة أفضل فيلم روائي «يحيى لا يلتزم الصمت» ({الشرق الأوسط})
TT

السينما اللبنانية الشبابية تعود إلى الحرب بعد هدنة

مشهد من الفيلم الإيراني الفائز بجائزة أفضل فيلم روائي «يحيى لا يلتزم الصمت» ({الشرق الأوسط})
مشهد من الفيلم الإيراني الفائز بجائزة أفضل فيلم روائي «يحيى لا يلتزم الصمت» ({الشرق الأوسط})

فاز فيلم «يحيى لا يلتزم الصمت» للمخرج الإيراني كاوة إبراهيم كور، بجائزة أفضل فيلم طويل في «مهرجان طرابلس للأفلام»، كما فاز «انتماء: طرابلس»، للمخرج يحيى مراد، عن أفضل فيلم لبناني، فيما حاز «السلام عليك يا مريم» للمخرج باسل خليل على جائزة أفضل فيلم قصير، لتكون هذه هي الجائزة الـ20 التي يقتنصها الفيلم، خلال 11 شهرًا بعد مشاركته في أكثر من 100 مهرجان سينمائي دولي، وترشيحه لجائزة أوسكار أفضل فيلم روائي قصير. كما فاز «1982» الكولومبي - الأرجنتيني، للمخرجة كريستينا - موتا، بجائزة أفضل فيلم وثائقي. فيما حاز «السيد القمر الفرنسي» لجوليان سيز على جائزة أفضل فيلم تحريك.
وتشكلت لجنة التحكيم من الناقد الفرنسي فيليب جالادو، والروائية والسينمائية اللبنانية الفرنسية، ياسمين خلاط، والمخرج المصري أمير رمسيس، والمخرجة اللبنانية ميشيل تيان، والكاتب والناقد السينمائي اللبناني نديم جرجورة، والمنتج اللبناني محمود القرق.
وكان المهرجان الذي اكتسب نبضًا خاصًا هذه السنة، بعد ثلاث سنوات على انطلاقته، قد خصص عروضًا للشباب قبل يوم من الاختتام، في حرم جامعة بيروت العربية في طرابلس، حيث عرضت ثلاثة أفلام، على صلة وثيقة بالمشكلات التي يواجهها الجيل الجديد، أو لإلقاء الضوء على مشكلات شبان صاروا اليوم في ستيناتهم، ويستذكرون الماضي، كما هو حال فيلم «لبنان يربح بطولة كرة القدم» للمخرج طوني خوري. وهو فيلم بديع، يعيد المشاهد إلى الحرب اللبنانية، وذكريات الغزو الإسرائيلي على بيروت عام 1982 الذي تزامن حينها مع «المونديال». وقد عثر المخرج على مقاتلين اثنين، أحدهما حمل السلاح من أجل حماية المسيحيين وآخر يقول إنه شيعي، لكنه يومها كان شيوعيًا، وما أراد الدفاع عنه هو الوطنية والعروبة. ويجمع الرجلان تشجيعهما للبرازيل، في ذاك الوقت، وذكرياتهما الحاضرة، حول المباراة التي لا تنسى أثناء الاجتياح الإسرائيلي وخسرت فيها البرازيل خسارة ساحقة أمام إيطاليا، وحرص الاثنان على متابعتها يومها، رغم المعارك والقصف الشديد. ويبدو أن الجنود الإسرائيليين أنفسهم تابعوا «الماتش» أيضًا، لأنهم أوقفوا القصف أثناء المباراة ليعود شرسًا على نحو غريب بعدها. المقاتلان القديمان، يحبان البرازيل، وأصابتهما الحرب بإعاقات جسدية، ويعمل المخرج بعد تركهما يتحدثان ويسردان بشكل منفرد، على أن يجمعهما ليعودا بالذاكرة أكثر من ثلاثين سنة إلى الوراء، ويصفان الحرب بأنها كانت عبثية للغاية، ومكلفة جدًا، ولا معنى لها.
الأفلام كانت تتبعها حوارات مع صانعيها ومشاركين فيها، مما فتح الباب واسعًا أمام الشبان الحاضرين، لفهم أفضل، لصناعة الفيلم نفسه، وإدراك أبعاده الفنية، والخوض في المشكلات التي يطرحها.
لعل الفيلم السابق هو الأكثر احترافية، بين الثلاثة التي عرضت، في ذلك اليوم المخصص للشباب، لكن فيلم «حب وحرب عالسطح»، يمس متفرجه بعمق، لأنه يعالج جرحًا لا يزال طريًا وهشًا.
عندما قرر المخرج والناشط لوسيان بورجيلي أن يقدم مسرحية يجمع فيها شبانًا من المنطقتين المتقاتلتين بضراوة في طرابلس لمدة ست سنوات، بعد هدوء أصوات الرصاص، سجلت الكاميرا تفاصيل التحضيرات المثيرة والمفاجئة أحيانًا.
من البدء في جمع شمل شبان باب التبانة وجبل محسن، إلى الحوار وارتجال النص والتدريب، وما رافقها من تعارف بين أناس، كان الرصاص اللغة الوحيدة التي تجمعها، والعداوة التي لا قرار لها. نرى تدريجيًا حكايات إعادة اللحمة بين عائلات، لم تكن تعرف بعضها بعضًا. وجود طه أحد الشبان المشاركين في تمثيل الفيلم وخالد مرعب من جمعية «مارش» التي كانت وراء المشروع برمته، والحوار الذي دار في الصالة، يجعلك تدرك أن العمل بدأ لكنه لم ينته عند هذا الحد. الفيلم يجول في المناطق اللبنانية خصوصًا التي لها حساسيات خاصة، ويمكن أن تترعرع فيها مواطن الفتنة، والشبان الذين شاركوا في الفيلم بات لهم نشاط على الأرض بعد أن افتتحت لهم كافيتريا على خط التماس، باسم «قهوتنا» يديرونها معًا، ويبثون من خلالها لروادهم الأفكار التي أصبحت جزءًا من قناعاتهم، بعد أن أدركوا خطورة الأفكار المسبقة التي عاشوا في ظلها طوال السنوات الماضية، ودفعت عددًا منهم إلى حمل السلاح وتوجيهه إلى الطرف الآخر.
الفيلم الثالث، ليس بديعًا فنيًا، فهو مجرد فيلم تخرج لطالبة طموحة وناشطة اجتماعية ضربت أكثر من عصفور بحجر، وهذه سمة للأفلام الشبابية اليوم، التي يجمع عدد منها، بين نشاط الشاب المدني، وفيلمه الذي يحاول أن ينقل صورة حية تنفع العباد وتلفت نظرهم إلى ما خفي عليهم. فيلم سارة رحولي يصور جوانب من يوميات مجموعة من الشبان من المجتمع المدني، قرروا تغيير حياة من يسكنون على خطوط تماس خطرة، في منطقتين شعبيتين متعاديتين في طرابلس. 25 درجًا قديمًا كانت تربط أحياء المدينة، وغالبًا ما يمر بها العابرون خلال تنقلاتهم اليومية. تغير مكان وسط المدينة، ووجود الأحياء الجديدة، غير مركز الثقل، وترك العائلات التي تقطن على هذه الأدراج مهمشة ومنسية.
كل فيلم كان يستدعي نقاشات، وأسئلة كثيرة، يحاول، مدير المهرجان إلياس خلاط أن يطلب من المتحاورين الاختصار والبقاء في المجال الفني السينمائي، وعدم تشريع الأبواب حول مسائل خلافية حياتية.
ملاحظ أن الأفلام اللبنانية التي لم يكن لها من تيمة طوال عشر سنوات بعد الحرب، كانت قد أدارت ظهرها للعنف، وذهبت تبحث عن موضوعاتها في التفاصيل اليومية الأكثر جاذبية، بعيدًا عن نكد القتل والدمار، وهو ما أطلق الفيلم اللبناني في الصالات التجارية بشكل غير مسبوق، حتى لو كانت هذه الأفلام خفيفة، فكاهية، تنزع إلى الترفيه. عودة المخرجين الشباب إلى ظاهرة الحرب والنزاعات الأهلية، سواء كان ذلك بسبب الأوضاع المستجدة في المنطقة العربية بعد الثورات وما استتبعها من نزاعات دموية، أو بفعل الخوف من عودة الاقتتال الداخلي بفعل العدوى، فإن الفتنة الأهلية ومخاطرها المرعبة، يبدو أنها تعود لتفرض نفسها على صناع السينما والمسرح، والفن التشكيلي أيضًا.



بارود «النار بالنار» موهبة صاعدة لفتت المشاهد

عابد فهد وتيم عزيز في مشهد من «النار بالنار» (خاص تيم)
عابد فهد وتيم عزيز في مشهد من «النار بالنار» (خاص تيم)
TT

بارود «النار بالنار» موهبة صاعدة لفتت المشاهد

عابد فهد وتيم عزيز في مشهد من «النار بالنار» (خاص تيم)
عابد فهد وتيم عزيز في مشهد من «النار بالنار» (خاص تيم)

منذ الحلقة الأولى لمسلسل «النار بالنار» لفت تيم عزيز المشاهد في دور (بارود). فهو عرف كيف يتقمص شخصية بائع اليانصيب (اللوتو) بكل أبعادها. فألّف لها قالباً خاصاً، بدأ مع قَصة شعره ولغة جسده وصولاً إلى أدائه المرفق بمصطلحات حفظها متابع العمل تلقائياً.
البعض قال إن دخول تيم عزيز معترك التمثيل هو نتيجة واسطة قوية تلقاها من مخرج العمل والده محمد عبد العزيز، إلا أن هذا الأخير رفض بداية مشاركة ابنه في العمل وحتى دخوله هذا المجال. ولكن المخرج المساعد له حسام النصر سلامة هو من يقف وراء ذلك بالفعل. ويقول تيم عزيز لـ«الشرق الأوسط»: «حتى أنا لم أحبذ الفكرة بداية. لم يخطر ببالي يوماً أن أصبح ممثلاً. توترت كثيراً في البداية وكان همي أن أثبت موهبتي. وفي اليوم الخامس من التصوير بدأت ألمس تطوري».
يحدثك باختصار ابن الـ15 سنة ويرد على السؤال بجواب أقصر منه. فهو يشعر أن الإبحار في الكلام قد يربكه ويدخله في مواقف هو بغنى عنها. على بروفايل حسابه الإلكتروني «واتساب» دوّن عبارة «اخسر الجميع واربح نفسك»، ويؤكد أن على كل شخص الاهتمام بما عنده، فلا يضيع وقته بما قد لا يعود ربحاً عليه معنوياً وفي علاقاته بالناس. لا ينكر أنه بداية، شعر بضعف في أدائه ولكن «مو مهم، لأني عرفت كيف أطور نفسي».
مما دفعه للقيام بهذه التجربة كما يذكر لـ«الشرق الأوسط» هو مشاركة نجوم في الدراما أمثال عابد فهد وكاريس بشار وجورج خباز. «كنت أعرفهم فقط عبر أعمالهم المعروضة على الشاشات. فغرّني الالتقاء بهم والتعاون معهم، وبقيت أفكر في الموضوع نحو أسبوع، وبعدها قلت نعم لأن الدور لم يكن سهلاً».
بنى تيم عزيز خطوط شخصيته (بارود) التي لعبها في «النار بالنار» بدقة، فتعرف إلى باعة اليناصيب بالشارع وراقب تصرفاتهم وطريقة لبسهم وأسلوب كلامهم الشوارعي. «بنيت الشخصية طبعاً وفق النص المكتوب ولونتها بمصطلحات كـ(خالو) و(حظي لوتو). حتى اخترت قصة الشعر، التي تناسب شخصيتي، ورسمتها على الورق وقلت للحلاق هكذا أريدها».
واثق من نفسه يقول تيم عزيز إنه يتمنى يوماً ما أن يصبح ممثلاً ونجماً بمستوى تيم حسن. ولكنه في الوقت نفسه لا يخفي إعجابه الكبير بالممثل المصري محمد رمضان. «لا أفوت مشاهدة أي عمل له فعنده أسلوبه الخاص بالتمثيل وبدأ في عمر صغير مثلي. لم أتابع عمله الرمضاني (جعفر العمدة)، ولكني من دون شك سأشاهد فيلمه السينمائي (هارلي)».
لم يتوقع تيم عزيز أن يحقق كل هذه الشهرة منذ إطلالته التمثيلية الأولى. «توقعت أن أطبع عين المشاهد في مكان ما، ولكن ليس إلى هذا الحد. فالناس باتت تناديني باسم بارود وتردد المصطلحات التي اخترعتها للمسلسل».
بالنسبة له التجربة كانت رائعة، ودفعته لاختيار تخصصه الجامعي المستقبلي في التمثيل والإخراج. «لقد غيرت حياتي وطبيعة تفكيري، صرت أعرف ماذا أريد وأركّز على هدف أضعه نصب عيني. هذه التجربة أغنتني ونظمت حياتي، كنت محتاراً وضائعاً أي اختصاص سأدرسه مستقبلاً».
يرى تيم في مشهد الولادة، الذي قام به مع شريكته في العمل فيكتوريا عون (رؤى) وكأنه يحصل في الواقع. «لقد نسيت كل ما يدور من حولي وعشت اللحظة كأنها حقيقية. تأثرت وبكيت فكانت من أصعب المشاهد التي أديتها. وقد قمنا به على مدى يومين فبعد نحو 14 مشهداً سابقاً مثلناه في الرابعة صباحاً صورنا المشهد هذا، في التاسعة من صباح اليوم التالي».
أما في المشهد الذي يقتل فيه عمران (عابد فهد) فترك أيضاً أثره عنده، ولكن هذه المرة من ناحية الملاحظات التي زوده بها فهد نفسه. «لقد ساعدني كثيراً في كيفية تلقف المشهد وتقديمه على أفضل ما يرام. وكذلك الأمر بالنسبة لكاريس بشار فهي طبعتني بحرفيتها. كانت تسهّل علي الموضوع وتقول لي (انظر إلى عيني). وفي المشهد الذي يلي مقتلها عندما أرمي الأوراق النقدية في الشارع كي يأخذها المارة تأثرت كثيراً، وكنت أشعر كأنها في مقام والدتي لاهتمامها بي لآخر حد»
ورغم الشهرة التي حصدها، فإن تيم يؤكد أن شيئاً لم يتبدل في حياته «ما زلت كما أنا وكما يعرفني الجميع، بعض أصدقائي اعتقد أني سأتغير في علاقتي بهم، لا أعرف لماذا؟ فالإنسان ومهما بلغ من نجاحات لن يتغير، إذا كان معدنه صلباً، ويملك الثبات الداخلي. فحالات الغرور قد تصيب الممثل هذا صحيح، ولكنها لن تحصل إلا في حال رغب فيها».
يشكر تيم والده المخرج محمد عبد العزيز لأنه وضع كل ثقته به، رغم أنه لم يكن راغباً في دخوله هذه التجربة. ويعلق: «استفدت كثيراً من ملاحظاته حتى أني لم ألجأ إلا نادراً لإعادة مشهد ما. لقد أحببت هذه المهنة ولم أجدها صعبة في حال عرفنا كيف نعيش الدور. والمطلوب أن نعطيها الجهد الكبير والبحث الجدّي، كي نحوّل ما كتب على الورق إلى حقيقة».
ويشير صاحب شخصية بارود إلى أنه لم ينتقد نفسه إلا في مشاهد قليلة شعر أنه بالغ في إبراز مشاعره. «كان ذلك في بداية المسلسل، ولكن الناس أثنت عليها وأعجبت بها. وبعدما عشت الدور حقيقة في سيارة (فولسفاكن) قديمة أبيع اليانصيب في الشارع، استمتعت بالدور أكثر فأكثر، وصار جزءاً مني».
تيم عزيز، الذي يمثل نبض الشباب في الدراما اليوم، يقول إن ما ينقصها هو تناول موضوعات تحاكي المراهقين بعمره. «قد نجدها في أفلام أجنبية، ولكنها تغيب تماماً عن أعمالنا الدرامية العربية».