بيروت تحيي «اليوم العالمي للجاز» مع 8 فرق وعازفين لبنانيين

يمتد برنامجه على مدى يومين متتاليين تزامنا مع الاحتفال به في عواصم عالمية

من الفرق المشاركة في مهرجان بيروت للجاز
من الفرق المشاركة في مهرجان بيروت للجاز
TT

بيروت تحيي «اليوم العالمي للجاز» مع 8 فرق وعازفين لبنانيين

من الفرق المشاركة في مهرجان بيروت للجاز
من الفرق المشاركة في مهرجان بيروت للجاز

تنضم بيروت إلى 195 عاصمة عالمية لإحياء «اليوم العالمي للجاز» المصادف اليوم 30 أبريل (نيسان) من كل عام.
ففيما يفتح البيت الأبيض أبوابه، اليوم السبت، بدعوة من الرئيس الأميركي باراك أوباما وزوجته ميشيل لإحياء المناسبة نفسها، فإن 1000 حفلة أخرى ستتوزع على أستراليا ورومانيا والجزائر والأرجنتين وإيطاليا والأورغواي وبريطانيا وغيرها احتفاء به.
للسنة الثالثة على التوالي يستضيف وسط بيروت «اليوم العالمي للجاز» مشرعا ساحة شارع اللنبي أمام محبي هذا النوع من الموسيقى، فيمضون وعلى مدى ليلتين متتاليتين في 30 أبريل (نيسان) و1 مايو (أيار)، أوقاتا فنية مشبعة بموسيقى الجاز تشارك فيها ثماني فرق مع عدد من أهم العازفين اللبنانيين المحترفين. أنماط مختلفة من موسيقى الجاز («البيبوب» و«السوينغ» و«بوسا نوف»)، مع عازف الساكسوفون آفو توتنجيان، وتتلون السهرات بأخرى من «البلوز» التي اشتهر بها كل من العالميين أريك كلابتون والمور جايمس وبي بي كينغ، مع فريق «Monday blues band»، التي تأسست منذ أكثر من 22 عاما، وتجمع عددا من الموسيقيين الهواة والمحترفين في هذا المجال. كما يشارك في إحياء هذه الحفلات عازفون آخرون ناقلين إلى محبي موسيقى الجاز، كل ما يرغبون في سماعه غناء وعزفا من خلال الغيتار، و«الروك بلوز فانك» والجاز الشرقي وغيرها. ويقام هذا الحدث المفتوح أمام الجميع وبشكل مجاني وتنظمه شركة «سوليدير»، برعاية منظمة اليونيسكو في لبنان، وبالتعاون مع حملة «متحدون مع التراث» و«مهرجان بيروت للجاز».
أما مواعيد حفلاته فتبدأ في السابعة مساء لتنتهي نحو منتصف الليل، يرافقها أيضا على مدى يومين متتاليين مهرجان «سوق الأكل»، فيقدّم أشهى الأطباق اللبنانية والعالمية، التي اشتهر في تحضيرها مطاعم وطهاة لبنانيين.
يبدأ برنامج «اليوم العالمي للجاز» في السابعة من مساء اليوم، مع حفلة عازف الساكسوفون آفو توتنجيان، الذي سيعزف على مدى ساعة كاملة أشهر المقاطع الموسيقية المعروف فيها وبينها «آفو». وفي الثامنة مساء عرض لخمسة موسيقيين محترفين في عالم الجاز بقيادة رافي مندليان. أما ما بين التاسعة والحادية عشرة ليلا فسيكون اللبنانيون على موعد مع كل من فريق (Monday blues band) وإياد صفير الذي يرافقه على المسرح غناء فريق «ذا براود ميوزك سوسايتي»، والمعروفين بتقديمهما معا أجمل السهرات في مجالي موسيقى الجاز الحديث والقديم معا. أما الأحد فيستهل البرنامج في السابعة مساء مع الاستعراض الموسيقي لفريق «آرالوسيا»، الذي يتألف من عازفين شغوفين بالموسيقى الإسبانية اللاتينية والجاز مع الحفاظ على هويتهم الشرقية. أما هواة موسيقى الجاز من نوع «إلكترو روك»، فهم على موعد مع فريق «غوروميران» ونجمه ميران غورنيان، الذي يقدم مقاطع مغناة وأخرى معزوفة تتميز بنفحات شرقية وأخرى أرمينية، وذلك في الساعة الثامنة مساء ودائما في شارع اللنبي مكان الحدث.
أما ختام هذا اليوم العالمي للجاز فسيكون مع حفلتين متتاليتين، واحدة منها تبدأ في التاسعة مساء مع عازف الغيتار رائد الخازن الذي درس في جامعة (بيركلي للموسيقى) في مدينة بوسطن الأميركية، يليه في العاشرة مساء استعراض فريق «روبي رود»، الذي يعتمد أعضاؤها على موسيقى الستينات والسبعينات في مؤلفاتهم وحفلاتهم الحية. وبذلك تنضوي بيروت تحت لواء موسيقى الجاز أسوة بغيرها من العواصم في العالم، لتؤكد مرة أخرى أنها عاصمة السلام والثقافة، وفاصلة بالنوتة الموسيقية وبالزمان والمكان، على الرغم مما تعيشه من أزمات.



رحيل إيلي شويري عاشق لبنان و«أبو الأناشيد الوطنية»

عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»
عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»
TT

رحيل إيلي شويري عاشق لبنان و«أبو الأناشيد الوطنية»

عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»
عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»

إنه «فضلو» في «بياع الخواتم»، و«أبو الأناشيد الوطنية» في مشواره الفني، وأحد عباقرة لبنان الموسيقيين، الذي رحل أول من أمس (الأربعاء) عن عمر ناهز 84 عاماً.
فبعد تعرضه لأزمة صحية نقل على إثرها إلى المستشفى، ودّع الموسيقي إيلي شويري الحياة. وفي حديث لـ«الشرق الأوسط» أكدت ابنته كارول أنها تفاجأت بانتشار الخبر عبر وسائل التواصل الاجتماعي قبل أن تعلم به عائلته. وتتابع: «كنت في المستشفى معه عندما وافاه الأجل. وتوجهت إلى منزلي في ساعة متأخرة لأبدأ بالتدابير اللازمة ومراسم وداعه. وكان الخبر قد ذاع قبل أن أصدر بياناً رسمياً أعلن فيه وفاته».
آخر تكريم رسمي حظي به شويري كان في عام 2017، حين قلده رئيس الجمهورية يومها ميشال عون وسام الأرز الوطني. وكانت له كلمة بالمناسبة أكد فيها أن حياته وعطاءاته ومواهبه الفنية بأجمعها هي كرمى لهذا الوطن.
ولد إيلي شويري عام 1939 في بيروت، وبالتحديد في أحد أحياء منطقة الأشرفية. والده نقولا كان يحضنه وهو يدندن أغنية لمحمد عبد الوهاب. ووالدته تلبسه ثياب المدرسة على صوت الفونوغراف الذي تنساب منه أغاني أم كلثوم مع بزوغ الفجر. أما أقرباؤه وأبناء الجيران والحي الذي يعيش فيه، فكانوا من متذوقي الفن الأصيل، ولذلك اكتمل المشوار، حتى قبل أن تطأ خطواته أول طريق الفن.
- عاشق لبنان
غرق إيلي شويري منذ نعومة أظافره في حبه لوطنه وترجم عشقه لأرضه بأناشيد وطنية نثرها على جبين لبنان، ونبتت في نفوس مواطنيه الذين رددوها في كل زمان ومكان، فصارت لسان حالهم في أيام الحرب والسلم. «بكتب اسمك يا بلادي»، و«صف العسكر» و«تعلا وتتعمر يا دار» و«يا أهل الأرض»... جميعها أغنيات شكلت علامة فارقة في مسيرة شويري الفنية، فميزته عن سواه من أبناء جيله، وذاع صيته في لبنان والعالم العربي وصار مرجعاً معتمداً في قاموس الأغاني الوطنية. اختاره ملك المغرب وأمير قطر ورئيس جمهورية تونس وغيرهم من مختلف أقطار العالم العربي ليضع لهم أجمل معاني الوطن في قالب ملحن لا مثيل له. فإيلي شويري الذي عُرف بـ«أبي الأناشيد الوطنية» كان الفن بالنسبة إليه منذ صغره هَوَساً يعيشه وإحساساً يتلمسه في شكل غير مباشر.
عمل شويري مع الرحابنة لفترة من الزمن حصد منها صداقة وطيدة مع الراحل منصور الرحباني. فكان يسميه «أستاذي» ويستشيره في أي عمل يرغب في القيام به كي يدله على الصح من الخطأ.
حبه للوطن استحوذ على مجمل كتاباته الشعرية حتى لو تناول فيها العشق، «حتى لو رغبت في الكتابة عن أعز الناس عندي، أنطلق من وطني لبنان»، هكذا كان يقول. وإلى هذا الحد كان إيلي شويري عاشقاً للبنان، وهو الذي اعتبر حسه الوطني «قدري وجبلة التراب التي امتزج بها دمي منذ ولادتي».
تعاون مع إيلي شويري أهم نجوم الفن في لبنان، بدءاً بفيروز وسميرة توفيق والراحلين وديع الصافي وصباح، وصولاً إلى ماجدة الرومي. فكان يعدّها من الفنانين اللبنانيين القلائل الملتزمين بالفن الحقيقي. فكتب ولحن لها 9 أغنيات، من بينها «مين إلنا غيرك» و«قوم تحدى» و«كل يغني على ليلاه» و«سقط القناع» و«أنت وأنا» وغيرها. كما غنى له كل من نجوى كرم وراغب علامة وداليدا رحمة.
مشواره مع الأخوين الرحباني بدأ في عام 1962 في مهرجانات بعلبك. وكانت أول أدواره معهم صامتة بحيث يجلس على الدرج ولا ينطق إلا بكلمة واحدة. بعدها انتسب إلى كورس «إذاعة الشرق الأدنى» و«الإذاعة اللبنانية» وتعرّف إلى إلياس الرحباني الذي كان يعمل في الإذاعة، فعرّفه على أخوَيه عاصي ومنصور.

مع أفراد عائلته عند تقلده وسام الأرز الوطني عام 2017

ويروي عن هذه المرحلة: «الدخول على عاصي ومنصور الرحباني يختلف عن كلّ الاختبارات التي يمكن أن تعيشها في حياتك. أذكر أن منصور جلس خلف البيانو وسألني ماذا تحفظ. فغنيت موالاً بيزنطياً. قال لي عاصي حينها؛ من اليوم ممنوع عليك الخروج من هنا. وهكذا كان».
أسندا إليه دور «فضلو» في مسرحية «بياع الخواتم» عام 1964. وفي الشريط السينمائي الذي وقّعه يوسف شاهين في العام التالي. وكرّت السبحة، فعمل في كلّ المسرحيات التي وقعها الرحابنة، من «دواليب الهوا» إلى «أيام فخر الدين»، و«هالة والملك»، و«الشخص»، وصولاً إلى «ميس الريم».
أغنية «بكتب اسمك يا بلادي» التي ألفها ولحنها تعد أنشودة الأناشيد الوطنية. ويقول شويري إنه كتب هذه الأغنية عندما كان في رحلة سفر مع الراحل نصري شمس الدين. «كانت الساعة تقارب الخامسة والنصف بعد الظهر فلفتني منظر الشمس التي بقيت ساطعة في عز وقت الغروب. وعرفت أن الشمس لا تغيب في السماء ولكننا نعتقد ذلك نحن الذين نراها على الأرض. فولدت كلمات الأغنية (بكتب اسمك يا بلادي عالشمس الما بتغيب)».
- مع جوزيف عازار
غنى «بكتب اسمك يا بلادي» المطرب المخضرم جوزيف عازار. ويخبر «الشرق الأوسط» عنها: «ولدت هذه الأغنية في عام 1974 وعند انتهائنا من تسجيلها توجهت وإيلي إلى وزارة الدفاع، وسلمناها كأمانة لمكتب التوجيه والتعاون»، وتابع: «وفوراً اتصلوا بنا من قناة 11 في تلفزيون لبنان، وتولى هذا الاتصال الراحل رياض شرارة، وسلمناه شريط الأغنية فحضروا لها كليباً مصوراً عن الجيش ومعداته، وعرضت في مناسبة عيد الاستقلال من العام نفسه».
يؤكد عازار أنه لا يستطيع اختصار سيرة حياة إيلي شويري ومشواره الفني معه بكلمات قليلة. ويتابع لـ«الشرق الأوسط»: «لقد خسر لبنان برحيله مبدعاً من بلادي كان رفيق درب وعمر بالنسبة لي. أتذكره بشوشاً وطريفاً ومحباً للناس وشفافاً، صادقاً إلى أبعد حدود. آخر مرة التقيته كان في حفل تكريم عبد الحليم كركلا في الجامعة العربية، بعدها انقطعنا عن الاتصال، إذ تدهورت صحته، وأجرى عملية قلب مفتوح. كما فقد نعمة البصر في إحدى عينيه من جراء ضربة تلقاها بالغلط من أحد أحفاده. فضعف نظره وتراجعت صحته، وما عاد يمارس عمله بالشكل الديناميكي المعروف به».
ويتذكر عازار الشهرة الواسعة التي حققتها أغنية «بكتب اسمك يا بلادي»: «كنت أقفل معها أي حفل أنظّمه في لبنان وخارجه. ذاع صيت هذه الأغنية، في بقاع الأرض، وترجمها البرازيليون إلى البرتغالية تحت عنوان (أومينا تيرا)، وأحتفظ بنصّها هذا عندي في المنزل».
- مع غسان صليبا
مع الفنان غسان صليبا أبدع شويري مرة جديدة على الساحة الفنية العربية. وكانت «يا أهل الأرض» واحدة من الأغاني الوطنية التي لا تزال تردد حتى الساعة. ويروي صليبا لـ«الشرق الأوسط»: «كان يعد هذه الأغنية لتصبح شارة لمسلسل فأصررت عليه أن آخذها. وهكذا صار، وحققت نجاحاً منقطع النظير. تعاونت معه في أكثر من عمل. من بينها (كل شيء تغير) و(من يوم ما حبيتك)». ويختم صليبا: «العمالقة كإيلي شويري يغادرونا فقط بالجسد. ولكن بصمتهم الفنية تبقى أبداً ودائماً. لقد كانت تجتمع عنده مواهب مختلفة كملحن وكاتب ومغنٍ وممثل. نادراً ما نشاهدها تحضر عند شخص واحد. مع رحيله خسر لبنان واحداً من عمالقة الفن ومبدعيه. إننا نخسرهم على التوالي، ولكننا واثقون من وجودهم بيننا بأعمالهم الفذة».
لكل أغنية كتبها ولحنها إيلي شويري قصة، إذ كان يستمد موضوعاتها من مواقف ومشاهد حقيقية يعيشها كما كان يردد. لاقت أعماله الانتقادية التي برزت في مسرحية «قاووش الأفراح» و«سهرة شرعية» وغيرهما نجاحاً كبيراً. وفي المقابل، كان يعدها من الأعمال التي ينفذها بقلق. «كنت أخاف أن تخدش الذوق العام بشكل أو بآخر. فكنت ألجأ إلى أستاذي ومعلمي منصور الرحباني كي يرشدني إلى الصح والخطأ فيها».
أما حلم شويري فكان تمنيه أن تحمل له السنوات الباقية من عمره الفرح. فهو كما كان يقول أمضى القسم الأول منها مليئة بالأحزان والدموع. «وبالقليل الذي تبقى لي من سنوات عمري أتمنى أن تحمل لي الابتسامة».