حريق ضخم يلتهم سوقًا تجارية تاريخية في دمشق القديمة

مواطنون يشككون في رواية النظام حول أسباب اندلاع الحريق

اطفائي يحاول اخماد النيران التي اندلعت في إحدى أهم الأسواق التاريخية في دمشق القديمة أمس (أ.ف.ب)
اطفائي يحاول اخماد النيران التي اندلعت في إحدى أهم الأسواق التاريخية في دمشق القديمة أمس (أ.ف.ب)
TT

حريق ضخم يلتهم سوقًا تجارية تاريخية في دمشق القديمة

اطفائي يحاول اخماد النيران التي اندلعت في إحدى أهم الأسواق التاريخية في دمشق القديمة أمس (أ.ف.ب)
اطفائي يحاول اخماد النيران التي اندلعت في إحدى أهم الأسواق التاريخية في دمشق القديمة أمس (أ.ف.ب)

شكك مواطنون سوريون في رواية النظام حول أسباب اندلاع حريق ضخم في إحدى أهم الأسواق التاريخية في مدينة دمشق القديمة، طال أكثر من 70 محلاً التهمتها النيران بشكل كامل. واستمر الحريق الذي اندلع في السادسة من صباح أمس السبت أكثر من 7 ساعات، وأسفر عن انهيار أجزاء من سوق العصرونية الأثرية وإصابة شخص إصابة خطيرة.
تاجر في سوق الحميدية، طلب إغفال الإشارة إلى اسمه، صرح لـ«الشرق الأوسط» قائلا: إن «ضخامة الحريق وتوقيت اندلاعه فجرًا بينما المحلات مغلقة يرجحان أنه من فعل فاعل وليس بسبب ماس كهربائي، كما ادعت الحكومة السورية». وتابع أن عددًا من التجار في أسواق دمشق القديمة، لا سيما في محيط الجامع الأموي، يتعرّضون حاليًا لضغوط كبيرة لبيع محالهم، وغالبيتهم يرفضون، «لا سيما أن هناك جهات تسعى لشراء أكبر عدد من العقارات في محيط الأموي لأسباب باتت معروفة». وفي حين لم يوضح التاجر تلك الأسباب، فإنه قال: «إن الجميع يعرفها ويعرف أي جهات تشتري هذه العقارات»، في إشارة مضمرة إلى أن جهات إيرانية تحت غطاء من النظام تسعى إلى شراء العقارات المحيطة بمقام السيدة رقية في حي العمارة، الواقع إلى جوار الجامع الأموي وسوق الحميدية. وهي المناطق التي تحوّلت خلال السنوات الأخيرة إلى محمية إيرانية تقطعها حواجز لما يسمى «حزب الله» اللبناني وميليشيات الدفاع الوطني. وأضاف التاجر الدمشقي: «منذ عدة سنوات وهناك حيتان في البلد تريد شراء هذه المناطق لإقامة مشاريع سياحية وخدمية فيها، واليوم لا أستبعد أن يكون وراء هذا الحريق الضخم مَن يريد التمهيد لإزالة المنطقة، وخصوصًا أنه يصعب الترميم في ظروف الحرب التي نعيشها، مما سيساعدهم على شراء ما سيكون بالفعل أرضًا محروقة».
من جانبه، زعم العميد جهاد موسى، مدير الدفاع المدني في دمشق التابع للنظام، أن الحريق اندلع عند الساعة 6 صباحًا في أحد المحال في سوق العصرونية في المدينة القديمة، وسرعان ما توسّع ليصل إلى محال تجارية أخرى. وسارعت عناصر الدفاع المدني إلى إبعاد المواطنين من المكان خشية من انهيار الأبنية. ونقلت وكالة الأنباء الرسمية (سانا) عن موسى قوله إن «الحريق ناجم عن ماس كهربائي» وأن «عناصر الإطفاء تمكّنوا من محاصرة الحريق من مختلف الجهات منعًا لتمدّده إلى المزيد من المحلات التجارية».
وفي هذه الأثناء، قال صاحب أحد المتاجر المتضررة لوكالة الصحافة الفرنسية (أ.ف.ب) بتأثّر: «ذهب الرزق»، مشيرًا إلى أن محله «كان يُطعم 10 أشخاص يعملون لديّ». ولقد نُقل صاحب المتجر، الذي اندلع فيه الحريق قبل أن يتمدّد، إلى المستشفى حيث تعرّض رأسه ويداه لحروق كبيرة أثناء محاولته إنقاذ خزنة من داخل المتجر. وقال محمد الأشقر، وهو أيضًا صاحب محل ألعاب في العصرونية، إنه عادة ما يُحضر بضائع جديدة إلى محله يوم الخميس، مشيرًا إلى أن «متجره مليء بالبضائع وقد لحقت به خسارة تصل إلى مليون ونصف ليرة سورية».
وطوّقت القوى الأمنية السوق، كما أُغلقت سوق الحميدية المجاورة لتسهيل حركة فرق الإطفاء والدفاع المدني.
جدير بالذكر، أن بعض الجهات تشير إلى أن سوق العصرونية التي يعود تاريخ بنائها للعصر الأيوبي، أخذت اسمها بصورة غير مباشرة من المؤرخ والعلامة ابن أبي عصرون. ويوجد في السوق مدرسة أثرية اسمها «المدرسة العصرونية» يقال إن السوق أخذت اسمها منها. غير أن بعض أهل الشام يرجحون أن أسباب التسمية تعود إلى اكتظاظ هذه السوق المتخصصة ببيع الأدوات المنزلية فترة العصر من النهار، أي أن النساء الدمشقيات كن بعد أن ينتهين من أعمال المنزل، يخرجن إلى العصرونية لشراء مستلزمات المطبخ من هناك. ولا تزال هذه السوق تحتفظ بهويتها التاريخية إذ إنها تضم جامع دار الحديث الأشرفية، الذي تبلغ مساحته نحو 400 متر مربع، بطابقين ومئذنة ومصلى وباحة صغيرة تتوسطها بحرة تزيينية، ومبنى مدرسة زهرة خاتون، التي تعود إلى العصر الأيوبي، وجامع آخر قديم أيضًا يدعى جامع الخندق. وتحد السوق من الجنوب سوق الحميدية، ومن الشمال امتداد شارع الكلاسة (الذي شهد قبل سنتين تفجيرًا استهدف حافلة لعناصر مما يسمى «حزب الله») وسوق المناخلية، ومن الغرب قلعة دمشق، ومن الشرق الجامع الأموي ومقام السيدة رقية وباب البريد الذي يمتد من الحميدية حتى تقاطع المكتبة الظاهرية. وزائر أي من تلك الأماكن لا بد من أن يمر بسوق العصرونية.
وشهدت هذه السوق توسعًا كبير في النصف الأول من القرن الماضي، لتضم أكثر من 400 محلاً، بعدما استقطبت تجار دمشق الذين حولوا المستودعات المغلقة وبعض البيوت العربية القديمة فيها، إلى محلات ومخازن متخصصة ببيع مستلزمات العمارة الداخلية والأدوات المنزلية. إلى جانب فرع منها متخصّص في بيع ألعاب الأطفال بكل أنواعها وأشكالها.
وعبر تاريخها، تعرضت سوق العصرونية للهدم عدة مرات، أبرزها قبل نحو 9 عقود، وذلك جراء القصف المدفعي الفرنسي أيام الثورة السورية الكبرى 1925. ثم أعيد بناؤها بهيئة سوق مكشوفة قصفت للمرة الثانية من قبل قوات الانتداب الفرنسي عام 1945، وهدمت أجزاء كبيرة منها. وفي العام 1984 هُدم جزء من الجانب الغربي للسوق بقصد كشف جدار القلعة الشرقي بأكمله.



«قسد»: تأجيل زيارة عبدي إلى دمشق «لأسباب تقنية»

الرئيس السوري أحمد الشرع (على اليمين) يصافح مظلوم عبدي قائد «قوات سوريا الديمقراطية» المدعومة من الولايات المتحدة والتي يقودها الأكراد في العاصمة السورية دمشق 10 مارس 2025 (سانا)
الرئيس السوري أحمد الشرع (على اليمين) يصافح مظلوم عبدي قائد «قوات سوريا الديمقراطية» المدعومة من الولايات المتحدة والتي يقودها الأكراد في العاصمة السورية دمشق 10 مارس 2025 (سانا)
TT

«قسد»: تأجيل زيارة عبدي إلى دمشق «لأسباب تقنية»

الرئيس السوري أحمد الشرع (على اليمين) يصافح مظلوم عبدي قائد «قوات سوريا الديمقراطية» المدعومة من الولايات المتحدة والتي يقودها الأكراد في العاصمة السورية دمشق 10 مارس 2025 (سانا)
الرئيس السوري أحمد الشرع (على اليمين) يصافح مظلوم عبدي قائد «قوات سوريا الديمقراطية» المدعومة من الولايات المتحدة والتي يقودها الأكراد في العاصمة السورية دمشق 10 مارس 2025 (سانا)

قال فرهاد شامي، مدير المركز الإعلامي لقوات سوريا الديمقراطية «قسد»، اليوم الاثنين، إنه كان من المقرر أن يقوم قائد «قسد» مظلوم عبدي والوفد المفاوض لشمال وشرق سوريا، بزيارة لدمشق، اليوم، إلا أن الزيارة تأجلت «لأسباب تقنية».

وأضاف، عبر حسابه على منصة «إكس»، أنه سيجري تحديد موعد جديد لزيارة قائد «قسد» مظلوم عبدي لدمشق، في وقت لاحق يجري الاتفاق عليه بالتوافق بين الأطراف المعنية.

وأكد أن تأجيل زيارة عبدي لدمشق في إطار ترتيبات لوجستية وفنية، ولم يطرأ أي تغيير على مسار التواصل أو الأهداف المطروحة.

كان التلفزيون السوري قد أفاد، الجمعة، بإصابة جندي من قوات الأمن الداخلي برصاص قناصة من قوات سوريا الديمقراطية «قسد» على حاجز أمني في مدينة حلب، في حين ذكرت وكالة الأنباء السورية «سانا» أن الجيش أسقط مُسيّرات أطلقتها «قسد» باتجاه مواقع تابعة له في سد تشرين، بريف حلب الشرقي.

وأوضح التلفزيون أن عناصر «قسد» المتمركزين في حي الأشرفية بحلب يطلقون النار على عناصر الأمن الداخلي الموجودين عند حاجز دوار شيحان.

لكن «قسد»، من جهتها، أكدت أن فصائل تابعة لحكومة دمشق أطلقت قذيفتين صاروخيتين على قواتها، ما أجبرها على الرد.

وفي وقت لاحق، قالت «قسد» إن الفصائل التابعة للحكومة السورية شنّت «هجوماً عنيفاً باستخدام الرشاشات الثقيلة والمدفعية» على أحياء الشيخ مقصود والأشرفية بحلب، ووصفت الهجوم بأنه «اعتداء سافر يهدد أمن المدنيين ويُنذر بتداعيات خطيرة».


الحوثي: أي وجود إسرائيلي في أرض الصومال يُعتبر «هدفاً عسكرياً»

عناصر حوثيون يستمعون إلى زعيمهم عبد الملك الحوثي بقاعة في صنعاء عبر البث التلفزيوني (أ.ف.ب)
عناصر حوثيون يستمعون إلى زعيمهم عبد الملك الحوثي بقاعة في صنعاء عبر البث التلفزيوني (أ.ف.ب)
TT

الحوثي: أي وجود إسرائيلي في أرض الصومال يُعتبر «هدفاً عسكرياً»

عناصر حوثيون يستمعون إلى زعيمهم عبد الملك الحوثي بقاعة في صنعاء عبر البث التلفزيوني (أ.ف.ب)
عناصر حوثيون يستمعون إلى زعيمهم عبد الملك الحوثي بقاعة في صنعاء عبر البث التلفزيوني (أ.ف.ب)

حذّر زعيم جماعة «الحوثي» عبد الملك الحوثي، يوم الأحد، من أن أي وجود إسرائيلي في أرض الصومال سيكون «هدفاً عسكرياً»، في آخر إدانة للتحرّك الإسرائيلي للاعتراف بالإقليم الانفصالي.

وقال الحوثي، في بيان، إن جماعته تعتبر «أي وجود إسرائيلي في إقليم أرض الصومال هدفا عسكرياً لقواتنا المسلحة، باعتباره عدواناً على الصومال وعلى اليمن، وتهديداً لأمن المنطقة»، وفقاً لوكالة الصحافة الفرنسية.

واعترفت إسرائيل، الجمعة، رسمياً، بـ«أرض الصومال» دولة مستقلة، في قرار لم يسبقها إليه أحد منذ إعلان الأخيرة انفصالها عن الصومال عام 1991.

وتقع أرض الصومال التي تبلغ مساحتها 175 ألف كيلومتر مربع، في الطرف الشمالي الغربي من الصومال. وأعلنت استقلالها من جانب واحد، في عام 1991، بينما كانت جمهورية الصومال تتخبّط في الفوضى عقب سقوط النظام العسكري للحاكم سياد بري. ولأرض الصومال عملتها الخاصة وجيشها وجهاز شرطة تابع لها.


«الانتقالي» على حافة الاختبار... هل يحفظ مكاسبه أو يتهيأ للاصطدام الكبير؟

مسلح في عدن من أنصار المجلس الانتقالي الجنوبي المطالب بالانفصال عن شمال اليمن (أ.ف.ب)
مسلح في عدن من أنصار المجلس الانتقالي الجنوبي المطالب بالانفصال عن شمال اليمن (أ.ف.ب)
TT

«الانتقالي» على حافة الاختبار... هل يحفظ مكاسبه أو يتهيأ للاصطدام الكبير؟

مسلح في عدن من أنصار المجلس الانتقالي الجنوبي المطالب بالانفصال عن شمال اليمن (أ.ف.ب)
مسلح في عدن من أنصار المجلس الانتقالي الجنوبي المطالب بالانفصال عن شمال اليمن (أ.ف.ب)

تشهد المناطق الشرقية من اليمن، وتحديداً في حضرموت، مرحلة حساسة من إعادة ضبط التوازنات داخل معسكر «الشرعية»، على وقع التصعيد العسكري الأحادي الذي نفذه المجلس الانتقالي الجنوبي، وما يقابله من رفض إقليمي ودولي؛ إذ قال مراقبون إنه لا يمكن السماح بفرض أمر واقع عن طريق القوة المسلحة مهما كانت المزاعم أو المبررات.

وبحسب المراقبين، فإن ما يجري ليس تفصيلاً محلياً عابراً، يمكن التغاضي عنه سواء من قبل «الشرعية» اليمنية أو من قبل الداعمين لها، بل اختبار سياسي وأمني متعدد الأبعاد، تتقاطع فيه حسابات الداخل الجنوبي نفسه، ومسار الحرب مع الحوثيين، وخيارات السلام الإقليمي.

وحتى الآن، يظهر سلوك المجلس الانتقالي أقرب إلى المناورة تحت الضغط منه إلى التحدي المباشر. فاللغة المستخدمة في بياناته الأخيرة - التي تمزج بين التبرير السياسي والتحركات العسكرية، وبين الحديث عن «التنسيق» و«تفهّم الهواجس» - تعكس إدراكاً متزايداً بأن مساحة المناورة تضيق بسرعة. لكن لا بد من التقاط القرار الصائب.

كما يشار إلى أن تحذيرات السعودية التي تقود «تحالف دعم الشرعية» في اليمن لم تكن عابرة أو قابلة للتأويل، بل جاءت متزامنة ومتدرجة، وانتقلت من مستوى التنبيه السياسي إلى الردع التحذيري الميداني من خلال ضربة جوية في حضرموت.

عناصر من المجلس الانتقالي الجنوبي يرفعون صورة زعيمهم عيدروس الزبيدي (إ.ب.أ)

هذا التحول في اللهجة يعني عملياً أن هناك قراراً واضحاً بمنع انتقال حضرموت والمهرة إلى مسرح صراع داخلي، أو إلى ساحة لفرض مشاريع جزئية بالقوة.

وربما يدرك المجلس الانتقالي وناصحوه معاً، أن تجاهل هذه الرسائل يضعه في مواجهة مباشرة مع الطرف الإقليمي الأثقل وزناً في الملف اليمني، وهو السعودية قائدة «تحالف دعم الشرعية»، وهو صدام لا يملك المجلس أدوات تحمّله، لا سياسياً ولا عسكرياً.

لذلك، يُنصح «الانتقالي» من قبل مراقبين للشأن اليمني بأن يتعامل مع التحذيرات بجدية، وعدم الركون إلى تكتيك الإبطاء، هذا إذا كان يبحث عن مخارج تحفظ له الحد الأدنى من المكاسب التي راكمها خلال السنوات الماضية، وإلا فلن يكون أمامه سوى الانصياع المتوقع بالقوة، وهو إن حدث سيعني لأنصاره هزيمة مدوية لا يمكن استيعابها.

ورطة غير محسوبة

وفق مراقبين للشأن اليمني، فقد أوقع «الانتقالي» نفسه في ورطة غير محسوبة؛ إذ جرى تسويق التحركات الأخيرة بوصفها «حماية للقضية الجنوبية» و«استجابة لمطالب شعبية»، ولقطع طرق التهريب وإمدادات الحوثيين ومحاربة التنظيمات الإرهابية، وفق زعمه، إلا أن الأوان لم يفت كما بينته الرسالة السعودية بوضوح عبر وزير الدفاع الأمير خالد بن سلمان؛ إذ بالإمكان الخروج من الورطة بأقل الخسائر، من خلال مغادرة قواته الوافدة إلى حضرموت والمهرة بشكل عاجل.

من ناحية ثانية، تشير المعطيات إلى أن المجلس الانتقالي لا يملك القدرة على تثبيت وجوده في حضرموت والمهرة، في ظل مجموعة عوامل ضاغطة، أبرزها وجود رفض محلي واسع، بخاصة في حضرموت، حيث تتمتع المكونات الاجتماعية والقبلية بحساسية عالية تجاه أي وجود مسلح وافد.

عناصر من قوات المجلس الانتقالي الجنوبي في عدن (إ.ب.أ)

إلى جانب ذلك، يفتقد المجلس - الذي يهيمن على قراره قيادات من مناطق بعينها - غياب الغطاء الإقليمي الذي يشكل شرطاً أساسياً لأي تغيير أمني في مناطق حساسة، وكذا في ظل موقف دولي واضح يرفض أي تغيير للواقع بالقوة، ويؤكد دعم وحدة المؤسسات الرسمية.

لذلك، يبدو السيناريو الأفضل والأسهل - كما يقترحه محللون - هو انسحاب منظم، تحت أسماء فنية مثل «إعادة انتشار»، أو «ترتيبات أمنية»، أو بأي طريقة تسمح للمجلس بالخروج من المأزق بأقل الخسائر السياسية الممكنة.

أما إذا قرر المجلس الانتقالي تجاهل الإشارات والاستمرار في التصعيد، فإن تكلفة ذلك - طبقاً للمراقبين - ستكون مرتفعة ومتعددة المستويات؛ فعلى المستوى السياسي سيخسر المجلس ما تبقى من صورة الشراكة في السلطة الشرعية، وسيتحول تدريجياً - في الخطاب الإقليمي والدولي - من فاعل سياسي ضمن «مجلس القيادة الرئاسي» والحكومة اليمنية إلى عنصر مُعطِّل للاستقرار، وقد يصل الأمر إلى فرض عقوبات دولية على قادته.

أما عسكرياً، فالرسالة السعودية واضحة بعد بيان «تحالف دعم الشرعية»؛ إذ لن يُسمح بفرض أمر واقع بالقوة في شرق اليمن، وأي تصعيد إضافي قد يُقابل بردع مباشر، ما يعني خسائر ميدانية مؤسفة لا يملك المجلس القدرة على تعويضها أو تبريرها.

وعلى المستوى الشعبي، فإن حضرموت والمهرة ليستا بيئة حاضنة للمجلس الانتقالي، واستمرار التصعيد سيُعمّق الهوة بينه وبين قطاعات واسعة من الجنوبيين، ويحوّل القضية الجنوبية من مظلة جامعة إلى مشروع انقسامي، بل إن أخطر الخسائر - كما يقرأها المحللون - تكمن في تشويه جوهر القضية الجنوبية، عبر ربطها بالعسكرة والانتهاكات وفرض الوقائع بالقوة، بدل ترسيخها كقضية سياسية عادلة قابلة للحل ضمن مسار تفاوضي، كما هو الأمر في الطرح الذي تتبناه القوى اليمنية المنضوية تحت «الشرعية»، والذي تدعمه السعودية.

عبء الانتهاكات

من جانب آخر، تمثل الانتهاكات الموثقة في حضرموت نقطة تحوّل خطرة في مسار التصعيد. فعمليات المداهمة، والاعتقالات التعسفية، والإخفاء القسري، وفرض الحصار على مناطق مأهولة... لا تُقرأ فقط كإجراءات أمنية، بل كنمط قمعي ممنهج، يضع المجلس الانتقالي في مواجهة مباشرة مع القانون الدولي الإنساني.

وبحسب تقارير حقوقية موثوقة، شملت الانتهاكات في الأيام الأخيرة اقتحام منازل مدنيين، واحتجازاً تعسفياً، وإخفاء قسرياً، وحصاراً عسكرياً لمناطق قبائل «الحموم»، ومنع تنقل المرضى، ونهب ممتلكات عامة وخاصة... وهذه الممارسات لا تُضعف موقف المجلس أخلاقياً فحسب، بل تُحوّل ملفه إلى عبء قانوني وسياسي قابل للاستخدام دولياً، وتفتح الباب أمام مساءلة مستقبلية قد لا تسقط بالتقادم.

المجلس الانتقالي الجنوبي صعّد عسكرياً في حضرموت والمهرة بشكل أحادي (إ.ب.أ)

من كل ذلك، يمكن القول إن ما يجري اليوم هو اختبار نضج سياسي للمجلس الانتقالي الجنوبي، فإما أن يلتقط الرسالة الواضحة محلياً وسعودياً ودولياً، ويعود إلى المسار السياسي، ويحدّ من الخسائر، وإما أن يواصل التصعيد، ويدفع أثماناً سياسية وعسكرية وقانونية قد يصعب تعويضها، وفق تقديرات المراقبين.

وطبقاً لتقديرات المرحلة وما يراه المشفقون على مستقبل المجلس الانتقالي الجنوبي، فإن اللحظة الراهنة لا تحتمل المغامرة، ومن يخطئ قراءتها سيدفع الثمن وحده.