السينما المصرية تعيش فترة ذهبية جديدة

من خلال عرض أفلام جيدة وتنظيم مهرجانات نشطة

السينما المصرية تعيش فترة ذهبية جديدة
TT

السينما المصرية تعيش فترة ذهبية جديدة

السينما المصرية تعيش فترة ذهبية جديدة

هناك مستجدات مهمّة تقع في حاضر السينما المصرية هذه الأيام لا بد من التوقف عندها، كونها تشكل ملامح المتغيّرات التي تمر بها صناعة السينما إنتاجيًا وثقافيًا. وهي متغيرات إيجابية الوقع تأتي في أعقاب ما وقع في مصر من عام 2010 وإلى اليوم، وتأثير ذلك على المواضيع المختارة وكيفية تعامل السينمائيين معها.
خلال، ومباشرة بعد، مظاهرات وانتفاضات الشارع المصري في العام المذكور، قام سينمائيون كثيرون بتصوير الحدث من زوايا مختلفة. بعض تلك الأفلام كان مجرد لصق لمشاهد وتعليقات، وبعضها الآخر، مثل فيلم أحمد رشوان التسجيلي «مولود في 25 يناير» الذي كان أكثر دقّة في تناول الحدث وكيف شارك فيه المخرج بتصويره كما بحسه حيال الحديث الكبير الماثل. على صعيد السينما الروائية يبرز «الشتا اللي فات» لإبراهيم البطوط (2012) كأحد أهم الأعمال التي منحت صوتها للكشف عن وقائع أدت إلى تلك الثورة على نحو أو آخر.
هذا التداخل بين الواقع السياسي والرغبة السينمائية في التعبير عنه كان تحصيلاً حاصلاً ومنهج عمل وتعبيرًا مسبوقًا في كل مكان حول العالم شهد مثل هذه الأحداث الكبيرة. ما نشاهده اليوم من أعمال سينمائية هي رد الفعل الأكثر تأملاً لما حدث حينها و- بالنسبة لبعضها الآخر - الأكثر رغبة في وضع فاصل بين ما حدث وما لم يحدث بعد نتيجة تلك الثورة.
هذا النوع من التأمل والفصل شوهد في فيلمين مهمّين في هذا الشأن هما «الخروج للنهار» لهالة لطفي (2014) و«فرش وغطا» لأحمد عبد الله (2013). الأول حكاية أسرة لأم وابنتها تعنيان برب البيت العجوز. أوضاع الخارج ما زالت سلبية. في الداخل هو انتظار لما لن يأتي. في «فرش وغطا» حكاية أحد من تسللوا هربًا من السجون، عندما قامت الثورة، قبل أن ينحو الفيلم صوب دراسة وضع فردي على الخلفية الاجتماعية الماثلة.
حتى فيلم محمد خان «فتاة المصنع» آثر تغييب الواقع السياسي المباشر واستبدال الواقع الفردي به، كون هذا الأخير يعيش في رحى وشمولية الوضع الأول.
في «نوّارة» لهالة خليل (2015) بحث آخر في كيف أن الثورة لم تأتِ بعد أكلها بالنسبة لشريحة العاملين المهمّشين في المجتمع. لكن مفارقة الفيلم أن أحداثه تقع مباشرة عقب الثورة، مما يعني أنه لم يستطع أن يسمح ما يكفي من الوقت لكي يؤكد منحاه ورسالته.

منهج مدروس

بالإضافة لما سبق، يقرر كريم في «باب الوداع» (2014) الهروب بشجاعة صوب الماضي البعيد المليء بالشجون والذكريات المناوئة لعالم اليوم المثقل بالهموم الآنية. وهذا ما يفعله فيلم محمد خان الجديد «قبل زحمة الصيف» (2016)، إذ يترك القاهرة وكل ما فيها ومن فيها وينتقل إلى الإسكندرية ليقدم حكاية جميلة أسرة قوامها خمسة أشخاص تدور حول الحب والبحر والبحث عن الشريك المناسب.
يجب عدم اعتبار «قبل زحمة الصيف» (و«باب الوداع» أيضًا) إغفالاً لما يجري. على العكس من ذلك، التوجه صوب خيارات أخرى بعيدًا عن حكايات الوضع السائد هو تحديدًا موقف منه. رغبة في الابتعاد في وقت ما زالت فيه الصورة رمادية، على الأقل بالنسبة للمواطن المصري.
لكن رصد واقع السينما المصرية اليوم، سواء بالربط مع الواقع السياسي أو الاجتماعي اليوم، أو بعيدًا عنه، لا يكمن فيما تتناوله الأفلام الجيدة المذكورة من مواضيع. بل هناك تطوّرات في ميادين أخرى تسهم في إعادة إلقاء الأضواء على فن السينما المصرية بعدما انحسر عنه لعدة سنوات.
هناك، كبداية، المنهج المدروس لترويج ورفع دور مهرجانات السينما. من القاهرة إلى الإسماعيلية (المقام حاليًا) ومن الأقصر إلى الإسكندرية، تموج حركة العروض البديلة للأفلام المحلية والواردة بنشاط. وجزء غالب من هذا النشاط يعود إلى إدراك وزير الثقافة، حلمي نمنم، بما يتوجب على وزارته القيام به لتحريك وضع كان غير قادر على مبارحة مكانه الرتيب في السابق. هذه المهرجانات وسواها تعني عروض أعمال مصرية وعربية ودولية على نحو يفتح آفاق المعرفة بالنسبة للمشاهد والهاوي، بطبيعة الحال، لكنها أيضًا تصدر الكتب وتجمع نقاد السينما وصانعيها في أتون عمل واحد مشترك.
وهي تتساوى من هذه الناحية مع ما تشهده المهرجانات الدولية من حضور مصري ناجح ومتزايد. في مهرجان دبي في نهاية العام الماضي تم عرض بعض أفضل ما حققته السينما المصرية أخيرًا، ومنه فيلمان تسجيليان مضيا صوب مهرجانات أخرى: فيلم شريف البنداري «حار جاف صيفا» الذي افتتح مهرجان الإسماعيلية قبل يومين، وفيلم محمود سليمان «أبدًا.. لم نكن أطفالا» الذي خرج بجائزتين من مهرجان دبي الأخير (أفضل فيلم تسجيلي وأفضل مخرج) ثم فاز بجائزة مهرجان ميلانو المنتهي في الأسبوع الماضي مناصفة مع الفيلم الجزائري «مدام كوراج» لمرزاق علواش.
فإذا أضفنا إلى ذلك وجود فيلم تامر السعيد «آخر أيام المدينة» الذي استقبل جيدًا في مهرجان برلين، وفيلم محمد دياب «اشتباك» الذي سيعرض في مهرجان «كان»، فإن السينما المصرية تعيش وضعًا ذهبيًا بالفعل.



هوليوود ترغب في صحافيين أقل بالمهرجانات

جوني دَب خلال تصوير فيلمه الجديد (مودي بيكتشرز)
جوني دَب خلال تصوير فيلمه الجديد (مودي بيكتشرز)
TT

هوليوود ترغب في صحافيين أقل بالمهرجانات

جوني دَب خلال تصوير فيلمه الجديد (مودي بيكتشرز)
جوني دَب خلال تصوير فيلمه الجديد (مودي بيكتشرز)

عاش نقادُ وصحافيو السينما المنتمون «لجمعية هوليوود للصحافة الأجنبية» (كنت من بينهم لقرابة 20 سنة) نعمة دامت لأكثر من 40 عاماً، منذ تأسيسها تحديداً في السنوات الممتدة من التسعينات وحتى بُعيد منتصف العشرية الثانية من العقد الحالي؛ خلال هذه الفترة تمتع المنتمون إليها بمزايا لم تتوفّر لأي جمعية أو مؤسسة صحافية أخرى.

لقاءات صحافية مع الممثلين والمنتجين والمخرجين طوال العام (بمعدل 3-4 مقابلات في الأسبوع).

هذه المقابلات كانت تتم بسهولة يُحسد عليها الأعضاء: شركات التوزيع والإنتاج تدعو المنتسبين إلى القيام بها. ما على الأعضاء الراغبين سوى الموافقة وتسجيل حضورهم إلكترونياً.

هذا إلى جانب دعوات لحضور تصوير الأفلام الكبيرة التي كانت متاحة أيضاً، كذلك حضور الجمعية الحفلات في أفضل وأغلى الفنادق، وحضور عروض الأفلام التي بدورها كانت توازي عدد اللقاءات.

عبر خطّة وُضعت ونُفّذت بنجاح، أُغلقت هذه الفوائد الجمّة وحُوّلت الجائزة السنوية التي كانت الجمعية تمنحها باسم «غولدن غلوبز» لمؤسسة تجارية لها مصالح مختلفة. اليوم لا تمثّل «جمعية هوليوود للصحافة الأجنبية» إلّا قدراً محدوداً من نشاطاتها السابقة بعدما فُكّكت وخلعت أضراسها.

نيكول كيدمان في لقطة من «بايبي غيرل» (24A)

مفاجأة هوليوودية

ما حدث للجمعية يبدو اليوم تمهيداً لقطع العلاقة الفعلية بين السينمائيين والإعلام على نحو شائع. بعضنا نجا من حالة اللامبالاة لتوفير المقابلات بسبب معرفة سابقة ووطيدة مع المؤسسات الإعلامية المكلّفة بإدارة هذه المقابلات، لكن معظم الآخرين باتوا يشهدون تقليداً جديداً انطلق من مهرجان «ڤينيسيا» العام الحالي وامتد ليشمل مهرجانات أخرى.

فخلال إقامة مهرجان «ڤينيسيا» في الشهر التاسع من العام الحالي، فُوجئ عدد كبير من الصحافيين برفض مَنحِهم المقابلات التي اعتادوا القيام بها في رحاب هذه المناسبة. أُبلغوا باللجوء إلى المؤتمرات الصحافية الرّسمية علماً بأن هذه لا تمنح الصحافيين أي ميزة شخصية ولا تمنح الصحافي ميزة مهنية ما. هذا ما ترك الصحافيين في حالة غضب وإحباط.

تبلور هذا الموقف عندما حضرت أنجلينا جولي المهرجان الإيطالي تبعاً لعرض أحد فيلمين جديدين لها العام الحالي، هو «ماريا» والآخر هو («Without Blood» الذي أخرجته وأنتجته وشهد عرضه الأول في مهرجان «تورونتو» هذه السنة). غالبية طلبات الصحافة لمقابلاتها رُفضت بالمطلق ومن دون الكشف عن سبب حقيقي واحد (قيل لبعضهم إن الممثلة ممتنعة لكن لاحقاً تبيّن أن ذلك ليس صحيحاً).

دانيال غريغ في «كوير» (24A)

الأمر نفسه حدث مع دانيال كريغ الذي طار من مهرجان لآخر هذا العام دعماً لفيلمه الجديد «Queer». بدءاً بـ«ڤينيسيا»، حيث أقيم العرض العالمي الأول لهذا الفيلم. وجد الراغبون في مقابلة كريغ الباب موصداً أمامهم من دون سبب مقبول. كما تكرر الوضع نفسه عند عرض فيلم «Babygirl» من بطولة نيكول كيدمان حيث اضطر معظم الصحافيين للاكتفاء بنقل ما صرّحت به في الندوة التي أقيمت لها.

لكن الحقيقة في هذه المسألة هي أن شركات الإنتاج والتوزيع هي التي طلبت من مندوبيها المسؤولين عن تنظيم العلاقة مع الإعلاميين ورفض منح غالبية الصحافيين أي مقابلات مع نجوم أفلامهم في موقف غير واضح بعد، ولو أن مسألة تحديد النفقات قد تكون أحد الأسباب.

نتيجة ذلك وجّه نحو 50 صحافياً رسالة احتجاج لمدير مهرجان «ڤينيسيا» ألبرتو باربيرا الذي أصدر بياناً قال فيه إنه على اتصال مع شركات هوليوود لحلّ هذه الأزمة. وكذلك كانت ردّة فعل عدد آخر من مديري المهرجانات الأوروبية الذين يَرون أن حصول الصحافيين على المقابلات حقٌ مكتسب وضروري للمهرجان نفسه.

لا تمثّل «جمعية هوليوود للصحافة الأجنبية» إلّا قدراً محدوداً من نشاطاتها السابقة

امتعاض

ما بدأ في «ڤينيسيا» تكرّر، بعد نحو شهر، في مهرجان «سان سيباستيان» عندما حضر الممثل جوني دَب المهرجان الإسباني لترويج فيلمه الجديد (Modi‪:‬ Three Days on the Wings of Madness) «مودي: ثلاثة أيام على جناح الجنون»، حيث حُدّد عدد الصحافيين الذين يستطيعون إجراء مقابلات منفردة، كما قُلّصت مدّة المقابلة بحدود 10 دقائق كحد أقصى هي بالكاد تكفي للخروج بحديث يستحق النشر.

نتيجة القرار هذه دفعت عدداً من الصحافيين للخروج من قاعة المؤتمرات الصحافية حال دخول جوني دَب في رسالة واضحة للشركة المنتجة. بعض الأنباء التي وردت من هناك أن الممثل تساءل ممتعضاً عن السبب في وقت هو في حاجة ماسة لترويج فيلمه الذي أخرجه.

مديرو المهرجانات يَنفون مسؤولياتهم عن هذا الوضع ويتواصلون حالياً مع هوليوود لحل المسألة. الاختبار المقبل هو مهرجان «برلين» الذي سيُقام في الشهر الثاني من 2025.

المديرة الجديدة للمهرجان، تريشيا تاتل تؤيد الصحافيين في موقفهم. تقول في اتصال مع مجلة «سكرين» البريطانية: «الصحافيون مهمّون جداً لمهرجان برلين. هم عادة شغوفو سينما يغطون عدداً كبيراً من الأفلام».

يحدث كل ذلك في وقت تعرّضت فيه الصحافة الورقية شرقاً وغرباً، التي كانت المساحة المفضّلة للنشاطات الثقافية كافة، إلى حالة غريبة مفادها كثرة المواقع الإلكترونية وقلّة عدد تلك ذات الاهتمامات الثقافية ومن يعمل على تغطيتها. في السابق، على سبيل المثال، كان الصحافيون السّاعون لإجراء المقابلات أقل عدداً من صحافيي المواقع السريعة الحاليين الذين يجرون وراء المقابلات نفسها في مواقع أغلبها ليس ذا قيمة.

الحل المناسب، كما يرى بعض مسؤولي هوليوود اليوم، هو في تحديد عدد الصحافيين المشتركين في المهرجانات. أمر لن ترضى به تلك المهرجانات لاعتمادها عليهم لترويج نشاطاتها المختلفة.